- محفوظات
- /
- ٠8موضوعات هامة عن الصلاة
مقدمة :
لو أردنا أن نضغط الدين كله في كلمتين لقلت : حسن علاقة مع الحق وحسن علاقة مع الخلق .
حسن العلاقة مع الحق هي الصلاة ، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، الصلاة من أجل أن تنعقد لك صلة مع الله ، والصيام من أجل أن تنعقد لك صلة مع الله ، والزكاة من أجل أن تنعقد لك صلة مع الله ، والحج من أجل أن تنعقد لك صلة مع الله ، والعبادات التعاملية كلها من أجل أن تنعقد لك صلة مع الله ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، فكل شيء يقربك إلى الله هو الحق ، وكل شيء يبعدك عنه هو الباطل .
الصلاة من أعظم أركان الدين العملية:
قال تعالى :
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾
الصلاة من أعظم أركان الدين العملية ، لكن الخشوع فيها من المطالب الشرعية ، والشيطان ـ لعنه الله ـ ذكر الله عنه :
﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾
وكأن الشيطان همه الأول إفساد صلاة المؤمن عن طريق الوسوسة ، وعن طريق إلغاء الخشوع فيها ، وقد بيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن أول ما يفقد من هذا الدين الخشوع ، وأن آخر ما يفقد من هذا الدين الصلاة ، ورب مصلِّ لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجداً فلا ترى فيه خاشعاً ، وقد ورد في بعض الأحاديث القدسية :
(( أن ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ))
الخشوع محله القلب ونتائجه على الجوارح:
السؤال الثاني بعد سؤال الطلاق هو الخشوع في الصلاة .
لمَ لا يخشع قلبنا في الصلاة ؟ لمَ لا نحب الصلاة ؟ لمَ نقوم إلى الصلاة متكاسلين ؟ لمَ نراها عبئاً علينا ؟ لمَ نقول بلسان الحال أرحنا منها يا بلال لا أرحنا بها ؟
الجواب :
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
فالخشوع في الصلاة من لوازمها ، ويرى بعض العلماء أن قوله تعالى :
﴿ وقوموا لله قانتين﴾
فمن القنوت الركوع ، والخشوع ، وغض البصر ، وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل .
لكن الخشوع محله القلب ، ونتائجه على الجوارح ، فإذا فسد خشوع المرء بالغفلة ، والوساوس ، فسدت عبودية الأعضاء ، والجوارح ، فإن القلب كالملك، والأعضاء كالجنود ، به يأتمرون ، وعن أمره يصدرون ، فإذا عزل الملك وتعطل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرهبة وهي الجوارح ، و لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه هكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن حذيفة رضي الله عنه يقول : " إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع " .
وقال بعض العلماء : " يكره أن يرى الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه " .
ورأى بعضهم رجلاً خاشع المنكبين والبدن فقيل له : يا فلان الخشوع هاهنا ، وأشير إلى الصدر لا هاهنا وأشير إلى المنكبين .
خشوع الإيمان وخشوع النفاق :
الحقيقة أن هناك فرقاً دقيقاً بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق ، خشوع الإيمان هو الخشوع لله للتعظيم ، والإجلال ، والوقار ، والمهابة ، والحياء ، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة مع الوجل ، والخجل ، والحب ، والحياء ، وشهود النعم ، فيخشع القلب لا محالة ، فتتبعه الجوارح فتخشع ، أما خشوع النفاق فيبدو على الجوارح تصنعاً وتكلفاً ، والقلب غير خاشع ، وكان بعض الصحابة يقول : " أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن يرى الجسد خاشعاً والقلب غير خاشع ، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته ، وسكن دخانها عن صدره ، فانجلى الصدر ، وأشرف فيه نور عظمة الله عز وجل ".
أما التماوت ـ المظهر المتماوت ، والتمسكن ، وانحناء الظهر ، وإغماض العينين ، والعصر لعضلات الوجه ـ وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعاً ، ومراءاة في الظاهر ، وبعد عن الخشية في الباطن .
الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، عندئذ تكون الصلاة راحة وقرة عين ، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ))
وقد ذكر الله الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار ، أخبر أنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً .
فوائد الخشوع في الصلاة أنه يخفف أمر الصلاة و يجعلها محببة :
أولى فوائد الخشوع في الصلاة أنه يخفف أمر الصلاة ، ويجعلها محببة ، لطيفة ، مقبولة ، مشتاقاً إليها ، والدليل قول الله عز وجل :
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين كما قال ابن كثير ، والخشوع في الصلاة أمر عظيم شأنه ، سريع فقده ، نادر وجوده ، خصوصاً في آخر الزمان .
فقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً ))
وقال بعض العلماء : " الصلاة كجارية تهدى إلى ملك الملوك ، فما الظن بمن يهدى إليه جارية شلاء ، أو عوراء ، أو عمياء ، أو مقطوعة اليد ، أو دميمة ، أو قبيحة ، أو يهدي له جارية ميتة ، فإن الله سبحانه وتعالى طيب ، ولا يقبل إلا طيباً ، وليس من العمل الطيب صلاة لا روح فيها ، كما أنه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه ".
وجوب الخشوع في الصلاة :
الراجح في حكم الخشوع أنه واجب ، فقال بعض العلماء في قوله تعالى:
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
هذا يقتضي ذم غير الخاشعين .
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
المعنى المخالف : غير الخاشع مذموم حكماً بهذه الآية ، والذم لا يكون إلا لترك واجب ، أو فعل محرم ، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع في الصلاة ، ودلّ على وجوب الخشوع فيها أيضاً قوله تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)﴾
فهؤلاء الخاشعون في الصلاة هم الذين يرثون الفردوس ، وهذا يقتضي أنه لا يرثها غيرهم .
من لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ولا في قيامه كان آثماً عاصياً :
إذا كان الخشوع في الصلاة واجباً وهو المتضمن للسكون ، فمن نقَب نقْب الغراب فلن يخشع في سجوده ، ومن لم يرفع رأسه من الركوع ويستقر قائماً قبل أن ينخفض ثانية فلن يسكن ، والسكون هو الطمأنينة ، ومن لم يخشع في ركوعه ، ولا في سجوده ، ولا في قيامه ، كان آثماً عاصياً .
قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
((خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ ، وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ ، وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ))
و عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ :
(( كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ...))
وفي رواية عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ :
((أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، وَقَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
أسباب الخشوع في الصلاة :
أسباب الخشوع في الصلاة ، وهذه الأسباب تندرج في قائمتين ، قوة المقتضى وضعف الشاغل ، هناك مقتضى للصلاة وهناك شاغل عن الصلاة ، فكلما قوينا المقتضى وضعفنا الشاغل كنا أقرب إلى الخشوع ، وكلما قوينا الأسباب الموجبة وضعفنا الأسباب السالبة ـ الصوارف ـ كنا أقرب إلى الخشوع .
أولاً : اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله وما يفعله ، وأن يتدبر القراءة ، والذكر ، والدعاء ، وأن يستحضر أنه يناجي الله تعالى ، فإن كان المصلي قائماً فإنما يناجي ربه ، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ))
(( و قَالَ رَجُلٌ : ـ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ ـ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا))
ما يقتضي أن تكون الصلاة خاشعة يجب أن تقويه ، وما يشغلك عنها ينبغي أن تبتعد عنه ، فالاجتهاد فيما يشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، وتدبر الجوانب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، وتبتعد عن كل شيء يجذبك غير الصلاة .
وأن كثرة الوساوس بحسب كثرة الشبهات ، والشهوات ، وتعليق القلب بالمحبوبات ، هذه تصرف القلب عن الخشوع في الصلاة .
فهذه الأسباب التي تندرج في قائمتين قائمة تقوية الدوافع وقائمة إشغال الشواغل يمكن أن ترتب على الشكل التالي .
1 ـ الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها :
أول بند من هذه البنود ؛ الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها ، يحصل هذا بالترديد مع المؤذن ، والإتيان بالدعاء المشروع " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد ".
أن تردد مع المؤذن كما علمنا النبي ، وأن تدعو بعد الأذان بهذا الدعاء .
ثم إحسان الوضوء ، والتسمية قبله ، والذكر والدعاء بعده ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والاعتناء بالسواك ، وهو تنظيف وتطيب الفم الذي سيكون طريقاً للقرآن بعد قليل لحديث النبي عليه الصلاة والسلام :
((طهروا أفواهكم للقرآن))
ثم أخذ الزينة من لباس حسن نظيف ، قال تعالى :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
والله عز وجل أحق من تتزين له النفس البشرية ، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية ، بخلاف ثوب النوم ، وثوب المهنة ، فأخذ الزينة بالنظافة، والتعطر ، والتجمل ، وارتداء الثياب الحسنة المعطرة ، هذه كلها من أسباب تفعلها قبل الصلاة ، لعلها تكون سبباً في الخشوع في الصلاة .
الصلاة تحتاج إلى مقدمات ، ثم الاستعداد بستر العورة ، وطهارة البقعة ، والتبكير ، وانتظار الصلاة ، وتسوية الصفوف ، والتراص فيها ، لأن الشياطين تتخلل الفرج بين الصفوف .
هذا هو البند الأول في أسباب الخشوع ، ما يفعله المصلي قبل أن يصلي .
2 ـ الطمأنينة في الصلاة :
السبب الثاني : الطمأنينة في الصلاة ، فكان عليه الصلاة والسلام يطمئن في الصلاة ، أي يرجع كل عظم إلى موضعه قبل التحرك ، كان قائماً فركع ، الآن عاد قائماً واطمأن قائماً ثم سجد ، وهذا هو الاطمئنان ، ولن تتم صلاتكم حتى يفعل أحدكم ذلك فيما قاله النبي عليه الصلاة والسلام .
((إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا))
و :
((مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئاً))
والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع ، لأن السرعة تذهب الخشوع ، و الغراب يذهب الثواب .
3 ـ تذكر الموت في الصلاة :
البند الثالث : من بنود الخشوع في الصلاة تذكر الموت في الصلاة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( اذكرِ الموتَ في صلاتِك ، فإنَّ الرجلَ إذا ذكر الموتَ في صلاتِهِ فَحَرِىٌّ أن يحسنَ صلاتَه ، وصلِّ صلاةَ رجلٍ لا يظن أنه يصلى صلاةً غيرَها ))
و :
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ ؟ قَالَ : إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ ، وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ))
المودع الذي يظن أنه لن يصلي غيرها لذلك قال بعضهم : " صلِّ قبل أن يصلى عليك ".
4 ـ تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها :
البند الرابع من بنود الخشوع في الصلاة ؛ تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها ، فقد قال الله عز وجل :
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)﴾
ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بما يقرأ ، فيستطيع التفكر ، فينتج الدمع والتأثر، لذلك أنت حينما تحضر درس تفسير مطولاً ، عميقاً ، دقيقاً ، صحيحاً ، ماذا تفعل ؟ تهيئ نفسك للصلاة ، لأنك إذا فهمت معنى الآيات ، وتلوتها تفاعلت معها ، فهذا الذي يردد الآيات ، ولا يفقه من معناها شيئاً كيف يخشع في الصلاة ؟ أحد أكبر أسباب الخشوع في الصلاة أن تفهم المعنى الذي تقرأه.
وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ : " إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله " .وقد ذم الله بعض الذين يقرؤون ولا يفهمون قال :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73)﴾
المعنى المخالف أن هناك من يخر على الآيات التي يقرأها أصم أعمى !
من لوازم الخشوع في الصلاة فهم الآيات التي تقرأها:
من أسباب التدبر فهم المعنى ، فينبغي أن تحرص على فهم آيات كتاب الله ، وهل في حياتك كتاب أعظم من هذا الكتاب ؟ هو الكتاب المقرر الذي تمتحن به يوم القيامة ، هو المنهج ، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هل في حياة الإنسان كتاب أهم من كتاب الله عز وجل ؟ كيف يقعد عن فهمه ؟ كيف يتساهل في أن يبقى جاهلاً لمضمون هذا الكتاب ؟ كأن من لوازم الخشوع في الصلاة فهم الآيات التي تقرأها في الصلاة.
من أسباب التدبر : ترديد بعض الآيات لأن هذا الترديد يعين على التدبر ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
((قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح ))
﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)﴾
ما يعين على التدبر :
1 ـ التفاعل مع الآيات و فهمها و تكرارها :
مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات ، وأن تفهم الآيات ، وتكرر الآيات .
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ :
((صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ...))
وفي رواية ثانية :
((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ سَأَلَ ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ اسْتَجَارَ ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ سَبَّحَ))
التفاعل مع الآيات ، وقام بعض الصحابة الكرام الليل كله لا يقرأ إلا
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)﴾
وقال سعيد بن عبيد الطائي : سمعت سعيد بن جبير يؤم الناس في رمضان ، وهو يردد هذه الآية :
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)﴾
وقال القاسم : رأيت سعيد بن جرير قام ليلة يصلي فقرأ :
﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾
رددها بضعاً وعشرين مرة .
وقال رجل من قيس يكنى أبا عبد الله : بتنا ذات ليلة عند الحسن ، فقام الليل فصلى ، فلم يزل يردد هذه الآية حتى السحر :
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾
فلما أصبح قلنا : يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل ؟ قال : أرى فيها معتبراً ، ما أرفع طرفاً ، وما أرده إلا وقع على نعمة ، وما لا يعلم من نعم الله أكثر !
وبعضهم صلى الليل فقرأ هذه الآية :
﴿ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)﴾
رددها حتى الصباح .
2 ـ حفظ كتاب الله أو مقاطع مختارة منه أو حفظ بعض سوره :
أيها الأخوة : مما يعين على التدبر أن تحفظ كتاب الله ، أو أن تحفظ مقاطع مختارة منه ، أو تحفظ بعض سوره ، أما أن تقرأ آيات قصيرة تعيدها وترددها دون أن تفقه معناها بل إن الذي يحصل أن هذه الآيات التي تقرأها باستمرار لا معنى لها عندك ، وهكذا تصبح العبادة طقساً لا عبادة ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)﴾
حتى إن الإنسان إذا أراد أن يصلي الصلاة النافلة فقرأ من المصحف من أجل أن يجدد المعاني التي يفهمها في الصلاة هناك من سمح بذلك من الفقهاء .
قصة مؤثرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عطاء قال :
(( دخلت أنا وعبيد بن عميرة على عائشة رضي الله عنها ، فقال ابن عمير : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال : يا عائشة ذريني أتعبد ربي ـ ما هذا الأدب يستأذنها أن يصلي قيام الليل ؟ ـ قالت : قلت والله إني لأحب قربك لكن وأحب ما يسرك ، فقالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ، لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر ما فيها ))
ما الآية ؟
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
3 ـ التأمين بعد الفاتحة :
من وسائل التدبر التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم .
((إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
هذا التأمين ماذا يكلف ؟ هل يكلفك أن تنفق مالك كله ؟ أن تقول آمين بخشوع بعد أن يقرأ الإمام الفاتحة :
((إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
وهذا التجاوب أيضاً حينما تقول : سمع الله لمن حمده ، الله يسمعك ، فيقول المأموم : ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم ، فعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ :
(( كنَّّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : مَنِ الْمُتَكَلِّمُ ؟ قَالَ : أَنَا ، قَالَ : رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ))
هذا هو التجاوب مع القراءة ، ومع التسبيح ، ومع الدعاء ، ومع حركات الصلاة .
5 ـ من أسباب الخشوع أيضاً أن يقطّع القراءة آية آية :
من أسباب الخشوع في الصلاة أن يقطّع القراءة آيَةً آيةً ، وذلك أدعى للفهم والتدبر ، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَوْ كَلِمَةً غَيْرَهَا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً))
تقطيع القراءة آيَةً آيةً ، هذا أدعى للتدبر ، والوقوف عند رؤوس الآيات سنة ، وإن تعلقت في المعنى بما بعدها !
6 ـ ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها :
ومن أسباب الخشوع في الصلاة ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها ، لقوله تعالى :
﴿ ورتل القرآن ترتيلا﴾
وكانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مفسرة للقرآن حرفاً حرفاً ، ومن شر غاسق إذا وقب ، الباء غير واضحة تفهم وقع ، وقب ، حينما تعطي كل حرف حقه ، وتقلقل ، وتدغم ، وتقلب وفق أحكام التجويد تعطي كل حرف حقه .
وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها الترتيل يحتاج إلى فسحة في الوقت ، فقد قال عليه الصلاة و السلام :
((حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا ))
طبعاً التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق هذا ليس من الخشوع في شيء .
و :
((إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ))
حسبتموه خاشعاً بهذه القراءة .
7 ـ أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته :
ومن أسباب الخشوع في الصلاة أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته ، دققوا في هذا الحديث القدسي :
(( عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي أَوْ قَالَ : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، وَإِذَا قَالَ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قَالَ : هَذِهِ لَكَ ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
((إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه))
8 ـ الصلاةُ إلى سترة والدنو منها :
ومن أسباب الخشوع في الصلاة الصلاةُ إلى سترة والدنو منها ، والسترة مما ينبغي أن يفعله المصلي ، الصلاة إلى السترة تقف أمام عمود ، أو دعامة في المسجد ، أو تضع حاجباً أمامك ، فإن هذا أقصر لنظر المصلي ، وأحفظ له من الشيطان ، وأبعد له عن مرور الإنسان بين يديه ، فإنه يشوش وينقص أجر المصلي !
(( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ))
والسنة في الدنو من السترة أن يكون بينه وبين السترة ثلاثة أذرع ، وبينه وبين موضع سجوده ممر شاة ، كما ورد في الحديث الصحيح .
قال النووي : " والحكمة من السترة كف البصر عما وراءه ، ومنع من يجتاز بقربه ، وتمنّع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته " .
9 ـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :
ومن أسباب الخشوع في الصلاة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، فالشيطان عدو لنا ، ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ، ويلبس عليه صلاته .
ألم يقل الله عز وجل وهو يحدثنا عن الشيطان :
﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾
قد يأتي الشيطان الإنسان من باب التقدم ، والعصرنة ، والعولمة ، وهذا العصر المفعم بالمعجزات العلمية ، وكأن هذا الإنجاز العلمي ينسيك عبادة الله عز وجل ، أو يصرفك عن سرّ وجودك في الأرض وهو عبادة الله .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون (56)﴾
كأن هذا الإنجاز العلمي ينبغي أن تؤلهه وتعبده من دون الله .
﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
من أمامهم ؛ من المستقبل ، من العصرنة ، والعولمة ، والتقدم .
﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
يتعلقون بالماضي السحيق الوثني ، ماضي عبادة الأوثان ، ماضي القيم الجاهلية، هناك من يهمل عظمة هذا الدين ، ويشدّك إلى الماضي السحيق الوثني البعيد عن الله عز وجل .
﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
يوسوس لك في الصلاة ، يقول لك : وضوءك أو صلاتك غير مقبولين ، ما يزال يوسوس للمصلي في صلاته حتى يشك في صلاته .
﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
في المعاصي والآثام .
﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾
جهتان منع عنهما الشيطان:
لبعض العلماء المعاصرين ومضة في هذه الآية : أن الجهات ست : شرق وغرب، يمين ويسار ، فوق وتحت ، لكن الشيطان لن يستطيع أن يأتي من الطريق الذي يتجه نحو الأعلى وهو الطريق إلى الله عز وجل ، ولا من الطريق الذي يتجه نحو الأسفل وهو طريق التذلل والعبودية لله عز وجل ، فجهتان منع عنهما الشيطان ؛ نحو خالق الكائنات، ونحو الافتقار إلى الله عز وجل ، أما جهة اليمين والشمال ، والأمام والخلف ، فالشيطان مترصد لهذا الإنسان .
﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾
الاستعانة بالله تحرق الشيطان وتصرفه عنك :
والله سبحانه وتعالى كان يقول :
﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)﴾
لمجرد الاستعانة بالله تحرق الشيطان وينصرف عنك .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)﴾
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)﴾
قال بعض التائهين الشاردين : نحن لا يوسوس لنا ، فقال عالم جليل : وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب ؟ أنت حينما تكون متفلتاً عن منهج الله ، ولا تصلي لماذا الوساوس ؟ أنت تفعل ما يريد الشيطان ! لذلك يريحك ، أما حينما يسلك الإنسان طريق الله عز وجل يأتيه الشيطان كقاطع طريق ، وهنا تظهر قوة إيمان المؤمن .
بيت خرب هل يأتيه اللص ؟ لص يأتي للبيت الممتلئ بالكنوز ، فالمؤمن حينما يتعرف إلى الله عز وجل يصبح شخصية فذة ، شخصية المؤمن فيها مراتب ثلاث : مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، المؤمن الحق يرى مالا يراه الآخرون ، ويشعر بما لا يشعرون ، له نفسه متوثبة طامحة إلى الكمال .
الصلاة تفكر ودعاء وإقبال والتجاء لله عز وجل :
العبد إذا قام للصلاة غار الشيطان منه ، لأنه قد قام في أعظم مقام ، وأقربه ، وأغيظه للشيطان ، وأشدّه عليه ، فهو يحرص كل الاجتهاد ألا يقيمه فيه ، بل لا يزال به يعده ، ويمنّيه ، وينسيه ، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهون عليه شأن الصلاة، فإذا ترك الإنسان الصلاة انتهى عند الله ، إن تركها جاحداً لفرضيتها فقد كفر ، وإن تركها تهاوناً فقد عصى !
إن الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، في حين أن أركان الإسلام بعضها يسقط في بعض الحالات ، يسقط الحج عند المرض والفقر ، وتسقط الزكاة عند الفقر ، ويسقط الصيام في السفر وفي المرض ، والشهادة تؤدى مرة واحدة ، أما الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال إنه الصلاة ، فمن تركها فقد كفر .
الشيطان يحول بين المرء وقلبه ، يذكره في الصلاة ما لم يكن يذكره قبل دخوله فيها ، ربما قد نسي الشيء أو الحاجة وأيس منها ، فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ، ويأخذه عن الله عز وجل ، فيقوم فيها بلا قلب ، فلا ينال من إقبال الله عليه ، وكرامته ، وقربه ما يناله المقبل على الله عز وجل ، ينصرف من صلاته كما دخل فيها بخطاياه ، وذنوبه ، وأثقاله ، لم تخفف عنه بالصلاة شيئاً ، إن الصلاة إنما هي تفكر ، ودعاء ، وإقبال ، والتجاء لله عز وجل .
محاولة الشيطان إشغال الناس أثناء الصلاة :
عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي))
ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن علاجه قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ))
لبّس عليه أي شككه فيها ، إذا لم تذكر كم صليت اسجد سجود السهو .
إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته ، فيخيل إليه أنه أحدث ، ولم يحدث ، هذا من كيد الشيطان أيضاً ، بل إن هناك خدعة شيطانية يأتي بها شيطان الصلاة إلى بعض المخيرين من المصلين ، وهو محاولة إشغالهم بالتفكر والتفكير في أبواب أخرى من الطاعات ، يشغله عن الصلاة التي همّ بشأنها ، يشغل هذا المصلي في أمور الدعوة ، أو المسائل العلمية ، فيستغرقون فيها ، فلا يعقلون أجزاء من صلاتهم ، وقد شاع في مساجد دمشق أن المصلين في صلاة التراويح يمسكون مصاحف ليتابعوا الإمام ، هل الصلاة مدارسة أم هي عبادة ؟ تجد في بعض المساجد أن معظم الشباب يمسكون المصحف بأيديهم ، ويتابعون الإمام ، وكأنهم في مدارسة ، وقد شغلوا عن حقيقة الصلاة ، وهي الإقبال على الله عز وجل.
الناس متفاوتون في ذلك ، إذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة مع تدبره لأمور الصلاة ، إن بعض السلف ذكر له رجل أنه دفن مالاً ، وقد نسي موضعه ، فقال : قم فصلِّ ، فقام فصلى فذكر الموضع ! فقيل له : من أين علمت ذلك ؟ قال : علمت أن الشيطان لا يدعه في الصلاة حتى يذكره بما يشغله ، ولا أهم عنده من ذكر موضع الدفن ، لكن العبد الكيّس يجتهد لتكون صلاته كاملة مع حضور قلب .
مهمة الشيطان الأولى أن يصرفك عن صلاتك ويباعد بينك وبين أهلك :
الاستعاذة من الشيطان الرجيم أحد أسباب الخشوع في الصلاة ، مهمة الشيطان الأولى أن يصرفك عن صلاتك ، ويباعد بينك وبين زوجتك ، ويزهدك بالحلال ، و يرغبك بالحرام ، هذه مهمات الشيطان الأولى ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً (6)﴾
إن مفهوم الشيطان بعيد عن حياة المسلمين ، ليسوا في جدية في فهم هذا المفهوم ، إن الشيطان يأتيهم ، ويوسوس لهم ، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء ، ويخوفهم ، ويحملهم على البخل .
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾
إن أمراضاً كثيرة جداً يعاني منها المسلمون إنما هي بسبب فعل الشيطان ، وقد أعطاك الله سلاحاً فعالاً ماضياً تجاه الشيطان ، إنك إن ذكرت الله عز وجل أدبر ، وولى هارباً .
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (22)﴾
10 ـ التأمل في صلاة السلف الصالح :
أحد أسباب الخشوع في الصلاة أن نتأمل في صلاة السلف الصالح ، لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته ، فلما وقف في محرابه ، واستفتح كلام سيده ، خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، هذه الآية فهمها أنك إذا قمت لتصلي فأنت تقوم بين يدي الله رب العالمين ، فانخلع قلبه وذهل عقله .
بعض من أحوال السلف الصالح في الصلاة :
قال مجاهد ـ رحمه الله ـ : كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره لشيء ، أو يلتفت ، أو يقلب الحصى ، أو أن يعبث بشيء ، أو يحدّث نفسه في شأن من شؤون الدنيا ، إلا ناسياً ما دام في صلاته ، تعظيماً لقدر الصلاة .
وكان ابن الزبير إذا قام للصلاة كأنه عود من الخشوع ! وكان بعضهم ينفتل من صلاته متغير اللون لقيامه بين يدي الله عز وجل ، وبعضهم إذا كان في الصلاة لا يعرف من عن يمينه ولا من عن يساره ، وبعضهم يصفرّ وجهه إذا توضأ للصلاة ، فقيل له : إنا نراك إذا توضأت للصلاة تغيرت أحوالك ، قال : إني أعرف بين يدي من سأقوم .
وكان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له مالك ؟ فيقول : جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها .
وكان بعض العلماء لا تنقطع الدموع من خديه على لحيته ، وبلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه ، وكان يقول : أتدرون بين يدي من أقف وأناجي ؟
هذا بعض من أحوال السلف الصالح ، وقيل لعامر بن قيس: أتحدث نفسك في الصلاة ؟ فقال : أو شيء أحب إليّ من الصلاة أحدث به نفسي ؟ قالوا : إنا لنحدث أنفسنا في الصلاة ، فقال : أبالجنة والحور ونحو ذلك ؟ قالوا : لا ، ولكن بأهلينا وأموالنا ، فقال هذا الرجل الصالح : والله لأن تختلف الأسنّة فيّ أحب إليّ من أن أحدث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا .
وسيدنا سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال : ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، ما دخلت في صلاة فشغلت بغيرها حتى أنصرف منها ، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها .
قال بعض العلماء : إني أقوم بالأمر ، وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكير ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلم بالنية ، وأختم بالإخلاص ، وأرجع إلى نفسي بالخوف أخاف ألاّ يقبل مني ، وأحفظه بالجهد إلى الموت .
قال بعضهم : ما رأيت أحسن من صلاة ابن نصر المروزي، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد أضلاعه حتى لا يميل يمنة ولا يسرة من شدة الخشوع .
تطلّع في أمور الدين إلى من هو فوقك ، وفي أمور الدنيا إلى من هو دونك ، فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك ، تطلع في أمور الدين إلى الخاشعين في الصلاة ، وإلى من صحت عقيدته ، وإلى من استقاموا على أمر الله ، ومن أغناهم الله بالعمل الصالح ، كن طموحاً في شؤون الدين ، فإن طريق الجنة لا سقف له ، مهما كنت طموحاً قد يهبك الله عز وجل من الأعمال الصالحة مالا سبيل إلى وصفه ، أما أمور الدنيا فلها سقف ينتهي عندها .
11 ـ معرفة مزايا الخشوع :
ومن أسباب الخشوع في الصلاة معرفة مزايا الخشوع .
عَنْ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَقُولُ مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ))
وفي حديث آخر يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأجر المكتوب من الصلاة بحسب الخشوع :
(( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ قَالَ : رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ دَخـَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فَأَخَفَّ الصَّلَاةَ ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ قُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ خَفَّفْتَ ، قَالَ : فَهَلْ رَأَيْتَنِي انْتَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَـالَ : فَإِنِّي بَادَرْتُ بِهَا سَهْوَةَ الشَّيْطَانِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا))
وقد ن