- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله سبحانه وتعالى منح الإنسان الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الحادية عشرة بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)﴾
أيها الإخوة الكرام، بين الآيات القرآنية في السورة الواحدة علاقات وشيجة، فبعد أن حدثنا ربنا جل جلاله عن الذين تخلفوا عن الغزوة، وعن الذين اعتذروا كاذبين، وعن الذين أرجأ الله فيهم الحكم، قال: هذه الأنماط – النماذج- من المنافقين، والكفار، لا تعني أنه ليس هناك فئة مؤمنة طاهرة، متفوقة، فلذلك جاء الحديث عن المؤمنين، فقال تعالى:
النقطة الدقيقة أن الله -سبحانه وتعالى- منح الإنسان الإيجاد، ومنحه الإمداد، ومنحه الهدى والرشاد، منحك نعمة الإيجاد، أنت موجود، والدليل: لو اطلعت على كتاب أُلِّف قبل ولادتك، في أثناء تأليف هذا الكتاب، من أنت؟ لا شيء، ما هُوِّيتك؟ لا هوية، ما وجودك؟ لا وجود.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1) ﴾
إذاً منحنا الله -عز وجل- النعمة الأولى نعمة الإيجاد، فنحن موجودون، والوجود نعمة كبرى، لأن الله -سبحانه وتعالى- خلقنا ليسعدنا، فلما أوجدنا، معنى ذلك أنه أوجدنا ليسعدنا وهذه نعمة كبيرة.
الله عز وجل منح الإنسان الحياة و اشتراها منه :
لذلك العلماء قالوا: هناك نِعَمٌ كبرى، أولها: نعمة الإيجاد، وثانيها: نعمة الإمداد، أمدك بكل حاجاتك، المادية، والمعنوية، القريبة، والبعيدة، ومع كل ذلك منحك نعمة الهدى والرشاد، دلك عليه.
إذاً: أي إنسان على وجه الأرض يتمتع بنعم ثلاث، أولاها: نعمة الإيجاد، وثانيها: نعمة الإمداد، وثالثها: نعمة الهدى والرشاد، فالله -عز وجل- أوجدنا، وأمدنا، وهدانا، ولكن هذا التمليك ملَّكنا أنفسنا، وملَّكنا أموالنا، المال مال الله، لكن الله ملكنا إياه، وليكون هذا التمليك أكيداً وحقيقياً قال: أقرضني من هذا المال، هو مال الله -عز وجل-.
كيف بأب يعطي ابنه مبلغاً كبيراً، ثم يقول له: أقرضني يا بني، المال مال الأب لو قال: ردّ لي بعض المال، لم يقل رد لي بعض المال، قال: أقرضني.
معنى ذلك الله -سبحانه وتعالى- منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الرشاد والهدى، ونعمة الإمداد، لكن الله -عز وجل- إذا أعطى لا يأخذ، وإذا منح لا يسترد، إذاً ملّكك حياتك، وملّكك مالك، الآن إذا بذلت حياتك في سبيل الله، إما ضعفاً، أو جهداً، أو طاقة، أو قتلاً في سبيل الله، إن قدمت حياتك في سبيل الله، أو قدمت مالك، هذا العمل ثمّنه الله تثميناً كثيراً، لأنه عدّ حياتك ملكك، وعدّ مالك ملكك، ثم قال: ابذل هذه الحياة، ابذل جهداً، أو وقتاً، أو مشقة، أو نفساً، ابذل هذا المال بعضه، أو كله، فكأن الله -سبحانه وتعالى- منحك ثم استقرضك، فقال تعالى:
﴿
إذاً:
(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
المؤمن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
لذلك المؤمن حينما يشعر أنه باع نفسه لله، كيف يتصرف بعدها؟ أضرب على ذلك مثلاً: لو أن لك بيتاً ملكك، بعته، فالذي اشتراه أراد أن يلغي حائطاً بين غرفتين، هل تستطيع أن تعترض عليه؟ لو أراد أن ينشئ غرفة زائدة، أي إجراء في هذا البيت لأنه تملَّكه فأنت كبائع ليس لك الحق أن تعترض عليه، هذا المثل للتقريب.
ما دمت قد بعت نفسك لله بيعاً حقيقياً، وبيعاً لا نكول فيه، وبيعاً قطعياً، فإذا اختار الله لك دخلاً محدوداً، أو زواجاً من دون أولاد، أو ذكوراً من دون إناث، أو إناثاً من دون ذكور، أو دخلاً فلكياً، أو دخلاً محدوداً، أو مرضاً معيناً، أو مشكلة في حياتك، هذا كله من قضاء الله وقدره، فأنت إذا كان بيعك حقيقياً بعت ربك -عز وجل-، طبعاً هذا لا يتناقض مع أن تعالج نفسك، هذا لا يتناقض مع أن تأخذ بالأسباب، ولكن حينما تأخذ بالأسباب ولا تستطيع بعد الأخذ بها أن تحقق الهدف، إذاً هذه مشيئة الله، هذه كلمة دقيقة جداً.
المؤمن حينما تأتيه مشكلة يبحث عن حل لها، وحل ثان، وحل ثالث، فإذا لم تفلح كل الحلول، يقول: هناك حكمة بالغة بالغة من هذا الذي أصابني، أما أن تقول هناك حكمة قبل أن تفعل شيئاً فهذا عمل فيه تواكل، وعمل مرفوض في عالم المسلمين.
بالإسلام هناك حقيقة خطيرة جداً: المؤمن الصادق عليه أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
التوكل من أخطر صفات المؤمن :
ما الذي يتناقض مع هذه الحقيقة؟ ألا تأخذ بالأسباب مُدَّعياً أنك توكلت على الله، هذا ليس هو التوكل.
قال سيدنا عمر:
الطالب المتوكل يدرس قصارى جهده، ثم يتوكل على الله، والتاجر المتوكل يدرس الصفقة دراسة متقنة مُبالَغ بها، ثم يشتريها ويتوكل على الله، الطبيب المؤمن يراجع كل المراجع ثم يصف الدواء وبعدها يتوكل على الله، لأن التواكل أي ألّا تسعى وأن تكتفي بالتوكل، هذا عند الفقهاء تواكل وليس توكلاً، لأن هذا التوكل من أخطر صفات المؤمن، لكن المسلمين في تخلفهم عن حقيقة دينهم، فرّغوا هذه الصفة من مضمونها الصحيح، فصار ترك الأخذ بالأسباب توكلاً، لا أبداً، خذ الأسباب وكأنها كل شيء، وتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
أيضاً للتقريب: أنت مسافر من بلد إلى بلد، ماذا يعني التوكل؟ أن تراجع المركبة مراجعة دقيقة، أن تراجع المحرك، أن تراجع العجلات، أن تراجع العجلة الاحتياط، أن تراجع كل شيء، ثم تقول: يا ربي توكلت عليك، اللهم احفظني، أما أن تكون العجلة الاحتياط غير سليمة وهناك أخطاء كثيرة بالمركبة، وتقول: توكلت على الله فهذا ليس من الدين في شيء، خذ الأسباب وكأنها كل شيء، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء.
عندنا منزلقان في التوكل، عدم الأخذ بالأسباب يتناقض مع التوكل، والاعتماد عليها يتناقض مع التوكل، تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وتعتمد على الله وكأنها ليست بشيء.
البذل علة وجودنا في الدنيا :
لذلك إن الله -عز وجل- قال:
إذاً الله -عز وجل-:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
كأن العمل الصالح بعد الإيمان بالله، هو علة وجودك، لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، ولأن العمل الصالح ثمن الجنة، من هنا كان المؤمن مُوفَّقاً وسعيداً، لأنه عرف سر وجوده.
وللتوضيح: لو إنسان سافر إلى بلد أجنبي لينال الدكتوراه، في هذه العاصمة التي فيها الجامعة، علة وجوده في هذه المدينة الدراسة فقط، هناك نزهة، وزيارة، وسياحة، وناد ليلي، وسينما، ونشاطات، وحركات، وسكنات لا تعد ولا تحصى، ولكن هذا الطالب الذي جاء لهذه المدينة بقصد الدراسة، نقول: علة وجوده في هذه المدينة نيل هذه الشهادة، فالمؤمن المُوفَّق لا تغيب عنه علة وجوده في الدنيا.
العبادة علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
علة وجودك في الدنيا قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)﴾
العبادة، العبادة هي الطاعة، والعبادة أن تستسلم لمنهج الله -عز وجل-، والعبادة أن تكون مع الله، أن تطيعه، وأن تتقرب إليه، وأن تسعد بقربه في الدنيا والآخرة، أن تطيعه فيما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر، وأن تتقرب إليه بالأعمال الصالحة، وأن تتجه إليه محباً ومخلصاً، هذه العبادة، والإنسان إذا عبد الله شعر بالتوازن، وهناك شيء اسمه في علم النفس متعة الإنجاز، فأنت حينما تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، وتتحرك وفق هذا الهدف الذي رسمه الله لك، تشعر بطمأنينة، وراحة نفسية لا يعرفها إلا من ذاقها، أنت حينما تتحرك وفق الهدف الذي خُلِقت له، أو وفق سر وجودك، ووفق غاية وجودك، حينما تستيقظ صباحاً كما ورد في بعض الأحاديث النبوية:
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
عطاء الله أبدي سرمدي :
إذاً إن الله -جلّ جلاله-:
إخوتنا الكرام، الدنيا بكل ما فيها، من مباهج، من متع، من مسرات، من أموال، من جاه، من سلطان، لا تتناسب مع كرم الله -عز وجل-، لماذا؟ لأن كل هذا العطاء في الدنيا ينتهي عند الموت، وعطاء الله ينبغي أن يكون أبدياً سرمدياً، الدنيا مهما تفوقت فيها، بعلمك، أو عملك، أو مكانتك، أو وسامتك، أو صحتك، أو زواجك، أو أولادك، كل ما فيها من مباهج، ومن مسرات، لا تتناسب مع كرم الله -عز وجل-، لماذا؟ لأن هذه الدنيا تنتهي بالموت، لكن عطاء الله الذي يليق بكرمه ينبغي أن يكون أبدياً.
من سقط من عين الله ضيع مكانته وهيبته :
لذلك أنا أقول: المؤمن العطاء الإلهي له على شكل خط بياني صاعد صعوداً مستمراً، وما الموت إلا نقطة على هذا الخط الصاعد، والصعود بعد الموت مستمر، هذا العطاء أَيُلغى بشهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً؟
يا رُبَّ شَهوَةِ ساعَةٍ قَد أَعقَبَت مَن نالَها حُزناً هُناكَ طَويلا
شهوة ساعة، زلة قدم، ضيعت مكانتك عند الله، لأن الإنسان إذا عصى الله -عز وجل- سقط من عينه، لو أن شيئاً سقط من السماء إلى الأرض ينحطم على سطح الأرض، يتكسر، فكيف إذا سقط الإنسان من عين الله -عز وجل-؟ قد تكون فقيراً وأنت عند الله كبير، وقد تكون ضعيفاً وأنت عند الله كبير، وقد تكون مرهقاً وأنت عند الله كبير، وقد تكون متعباً وأنت عند الله كبير، ولكن إذا سقط الإنسان من عين الله انتهى كل شيء.
ابن آدم اطلبنِي تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
البعد وعدم السير الحقيقي في الطريق إلى الله يسبب أسئلة لا داعي لها :
لذلك الإنسان حينما يؤدي ما عليه من فرائض، هو مؤمن ورب الكعبة، وناج، وفي الجنة، لكن أحياناً هو من السابقين السابقين، من الذين قدموا كل ما يملكون لله -عز وجل-، هذا المعنى في قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) ﴾
هذا أعلى درجات العبادة، أن يكون كل شيء بيديك لوجه الله -عز وجل-، الثمن الجنة، والجنة مهما تنوعت أوصافها، الله -عز وجل- اختار للجنة أوصافاً في القرآن محدودة، أنا أتمنى ألا نزيد عليها شيئاً، كل شيء الله -عز وجل- ذكره في عالم الغيب ممنوع على المؤمنين أن يزيدوا عليه، فأي زيادات من خيال العلماء، هذا ممنوع، نكتفي بالوصف الذي كان في القرآن الكريم، هذا الوصف فيه حكمة بالغة، لكن للتقريب: إنسان يتجه نحو مدينة، سأل عن مساحتها، عن مبانيها، عن حدائقها، عن جامعتها، وناقش، وحاور، وصدّق، وكذّب، هذا جهد ضائع، أنت في الطريق إليها وبعد أن تدخلها ترى كل شيء.
فقضية ما في الجنة، ونعيم الجنة، والحور العين، وهل للمرأة حور عين أيضاً أم لا يوجد لها؟ هذه التفاصيل، العجيب أن الصحابة لم يسألوا عنها إطلاقاً، لماذا؟ لأنهم وصلوا إلى الله، والإنسان إذا وصل إلى الله توقفت أسئلته.
كنت أقول مرة: لو إنسان لم يرَ البحر سأل عن لون البحر، عن عمق البحر، عن طعم ماء البحر، عن ملوحة البحر، عن كثافة البحر، هناك مليون سؤال، فإذا رأى البحر ونزل فيه، مياه البحر محيطة به، رائحة الملح يشمها بأنفه، منظر الماء يراه بعينه، انتهت كل أسئلته، أنت إذا وصلت إلى الله انتهى كل شيء.
لذلك قلّما تجد في أصحاب النبي من يطرح عليه أسئلة من النوع التي تُطرَح اليوم، فالبعد، وعدم السير الحقيقي في الطريق إلى الله، يسبب هذه الأسئلة.
من يموت في سبيل رفع راية الإسلام عالياً و نشر الحق فهو في سبيل الله :
(( مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ . ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ . ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ ))
أي مظلوم، طالب بحقه، لم يُعطَ حقه، ثم قُتِل فهو أيضاً شهيد، هناك أهدف عديدة أما أرقى هدف أن تموت من أجل رفع كلمة الحق.
أنواع الدعوة إلى الله :
1 ـ الدعوة البيانية :
﴿
دعوة بيانية، مع الدعوة البيانية أحياناً هناك شِدة، أي هناك دعوة بيانية، وهناك دعوة عن طريق التربية، أحياناً الله -عز وجل- يسوق لك بعض الشدائد، هذه الشدائد هي دعوة إليه، إذا أرسل لك نبياً ومعه كتاب فهذه دعوة بيانية، هذه أرقى دعوة، الدعوة البيانية أكمل موقف فيها الاستجابة.
﴿
الله -عز وجل- يدعوك للحياة،
2 ـ التأديب التربوي :
قال: فإن لم تستجب لهذه الدعوة البيانية، الآن يقول لك الطبيب: هذا المرض الذي تعاني منه يُعالَج معالجة تامة بالحمية، فإذا أنت رفضت الحمية، يقول لك: إن لم تقبل بالحمية لابد من عمل جراحي.
فهناك دعوة بيانية، فإن رفضتها هناك دعوة تأديبية، الدرس الثاني فيه تأديب، فيه شدة، في نفسك، في مالك، في دخلك، في أولادك، فيمن حولك، فيمن فوقك، فيمن تحتك، يوجد شدة، والشدائد دائماً من أجل أن تشدك إلى الله، كل شِدة وراءها شَدة إلى الله، وكل محنة وراءها منحة من الله، فالدعوة البيانية أرقى شيء، والموقف الكامل أن تستجيب، الدعوة التأديبية تحتاج طبعاً إلى أن تتوب إلى الله -عز وجل-.
3 ـ الإكرام الاستدراجي :
فإن لم تستجب بالدعوة التأديبية لابد من طريقة ثالثة تُمتحَن بها، وهي الإكرام أنا أسميه إكرام استدراجي، إكرام، إكرام، إكرام.
4 ـ القصم :
لا بالشدة استجبت، ولا بالإكرام استجبت، ولا بالبيان استجبت، عندئذٍ يأتي القصم:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)﴾
يل أيها الإخوة الكرام، نحن في الدنيا نُدعَا إلى الله، النبي الكريم مرّ على قبر قال:
(( رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ ))
كل دنياكم، لو تملك أكبر شركة بالعالم، أكبر دخل، أعلى منصب:
إذاً:
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق عوده للمؤمنين :
إخواننا الكرام، أنا أقول دائماً: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الله عز وجل إذا وعد وفى، لا يوجد جهة أقوى من الله تمنعه أن يوفي وعده، كل شيء بيده، كن فيكون زل فيزول، الآية الكريمة:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾
مرة كنت في مجلس يضم أربعين أو خمسين شخصاً، وأنا أحدثهم عن الجنة، وعن أحوال المؤمن، فقال لي أحدهم: أنا لست قانعاً بهذا الكلام، المؤمن شأنه كأي إنسان، ما يصيب الناس يصيبه، من سراء، ومن ضراء، لا يوجد له أي ميزة، هكذا رأيه، قلت له: لو أن إنساناً عنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف ليرة في الشهر، لا تكفيه طعام خمسة أيام، وبيته مستأجَر، وعليه دعوى إخلاء، أي مصائب الدنيا كلها انصبت عليه، وله عم غني غنىً فاحشاً، يملك خمسمئة مليون، وليس له أولاد، ومات هذا العم في حادث سير، وهذا ابن الأخ الفقير المحتاج هو الوريث الوحيد لهذا الإنسان، هذا الفقير حينما علم أن عمه مات بحادث، وأن الخمسمئة مليون آلت إليه، لكن المالية، وبراءات الذمة، والوثائق، تحتاج إلى روتين طويل في البلد، لا يستطيع قبض قرش واحد قبل عام، لماذا هذا الفقير المدقع المعدم هو أسعد إنسان بهذا العام مع أنه لم يأكل لقمة زائدة ولم يرتدِ معطفاً واحداً؟ قال: دخل في الوعد.
الآن اسمعوا قوله تعالى:
أخطر حدث مستقبلي مغادرة الدنيا :
إذاً:
قال:
(( كنتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاشِرَ عَشرةٍ، فذكر حديثًا طويلًا، فيه: فقال فتًى: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ: قال: أحسَنُهم خُلُقًا، قال: فأيُّ المؤمِنينَ أكيَسُ؟ فقال: أكثَرُهم للموتِ ذِكرًا وأحسَنُهم له استِعدادًا))
الله -عز وجل- خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، مع الأسف الشديد يعيش الناس ماضيهم وحاضرهم، وقلّما يعيشون مستقبلهم، فالله -عز وجل- يلفتنا في هذه الآيات إلى ما ينتظر المؤمن من نعيم مقيم.
معرفة الله و الاستقامة على أمره ثمن الجنة :
الآن النقطة الدقيقة أن الله -عز وجل- العظيم، قال:
قال:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
الحقيقة أن تعرف الله، أن تستقيم على أمره، أن تتقرب إليه، أن تمضي حياتك بالعمل الصالح، هو النجاح، هو الفلاح، هو الفوز، هو التفوق، هو السعادة، طرق السعادة بين أيدي الناس، أن تعرف الله، وأن تتبع منهجه، أن تعرف الله، وأن تتصل به، أن تعرف الله، وأن تتقرب إليه هذا:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.