وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة التوبة - مقدمة عن مضامين السورة 2 ، فضائل ومعاني بسم الله الرحمن الرحيم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


خلو سورة التوبة من بسم الله الرحمن الرحيم :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس سورة التوبة، ولا زلنا في المقدمة وتعلمون أن هذه السورة ليس فيها بسملة، والبسملة يعني بسم الله الرحمن الرحيم .

 والحقيقة أن في القرآن الكريم كله مئة وأربع عشرة بسملة، السور التي وردت فيها البسملة هي مئة وثلاث عشرة عدا التوبة، والتوبة ليس فيها بسملة، ولكن وردت البسملة التي هي في الترتيب أو في العدد مئة وأربع عشرة في سورة النمل في سياق الآيات:

﴿  إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(30)﴾

[  سورة النمل  ]

 أولاً: البسملة مُجمع عليها أنها آية من كتاب الله، ومجمع أيضاً أنها آية من سورة الفاتحة فـ:

﴿  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(1)﴾

[ سورة الفاتحة ]

 رقمها واحد.

﴿  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)﴾

[  سورة الفاتحة  ]

  رقمها اثنان.

 أما في كل سور القرآن الآية التي بعد البسملة رقمها واحد، إذاً: هي آية من كتاب الله تابعة لسورة الفاتحة، بل هي فاصلة بين سورتين، بل هي فاصلة وإشارة إلى ابتداء السورة الثانية.

 ومعلوم أن ترتيب المصحف غير ترتيب النزول، فالآيات نزلت بترتيب، وقد جُمعت في المصحف بترتيب آخر، وترتيب المصحف توقيفي، أي من الله -عز وجل-، يعني الفاتحة مثلاً نزلت بعد المدثر لكنها السورة الأولى في القرآن الكريم. 


أمية النبي وحده تعد وسام شرف له وأميتنا وصمة عار بحقنا :


 أيها الإخوة، الحقيقة أن هذه البسملة تحتاج إلى شرح كثير، لأن البسملة نشاط يومي من نشاطاتنا، ولابدّ من معرفة حقيقة هذه البسملة، فالله -عز وجل- حينما اصطفى سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بهذه الرسالة وكان في غار حراء، قال له جبريل:

((  اقرأ. قال: قلت: ما أنا بقارئ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين ]

 ما معنى اقرأ ؟ يعني هناك نص تحفظه طُلب منك أن تقرأه، أو هناك كتاب أمامك طُلب منك أن تقرأ فيه، فالنبي الكريم أميّ لا يقرأ ولا يكتب، وأميتنا جميعاً تعد وصمة عار، ولكن أمية النبي وحده تعد وسام شرف له، لأن وعاءه الثقافي لو فيه من ثقافات الأرض فكلما قال كلمة ينبغي أن يسأله أصحابه؛ أن يا رسول الله هذا الكلام من عندك؟ من ثقافتك؟ أم من وحي السماء؟ فشاءت حكمة الله أن يكون الوعاء الثقافي للنبي -عليه الصلاة والسلام- خالياً من كل ثقافة أرضية، وممتلئاً بوحي الله -عز وجل-، لذلك قال تعالى:

﴿  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾

[  سورة النجم  ]

 إذاً: أمية النبي تعني أنه لم يتلقَّ ثقافة أرضية، بل إن وعاءه الثقافي -إن صحّ التعبير- ممتلئ بوحي السماء، هذا يؤكده قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾


النبي عليه الصلاة والسلام أفصح العرب إطلاقاً :


 لذلك علماء العقيدة يقولون: إن القرآن الكريم وحي متلوّ، بينما السنة الشريفة الصحيحة وحي غير متلو، القرآن الكريم المعنى واللفظ من الله -عز وجل-، والسنة الصحيحة المعنى من الله والصياغة من رسول الله، وكان عليه الصلاة والسلام أفصح العرب إطلاقاً  .

 أيها الإخوة الكرام، قال له جبريل: (اقرأ) ليس أمامه نص مكتوب ليقرأه، ولا محفوظ ليتلوه، قال: (ما أنا بقارئ) أعادها ثانية، وثالثة، قال له: (ما أنا بقارئ) ثم جاءت الآية الأولى في الوحي، وحي السماء: 

﴿  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)﴾

[  سورة العلق  ]

 أنت لست بقارئ، ولكن إرادة الله طليقة، وهو على كل شيء قدير، فسوف تقرأ على البشر كلاماً هو قمة العلم، والآن يأتي إنسان ويأخذ بعض الأحاديث ويشرحها فينال عليها درجة الدكتوراه. 

يا أيها الأميُّ حَسبُكَ رتبةً   في العلمِ أنْ دانتْ لكَ العلماءُ

[ أحمد شوقي ]

 لأن الله -عز وجل- تولى تعليمه.  

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)﴾

[  سورة النجم   ]


من علّمه الله فهذا التعليم من الأكرم لا من الكريم :


 إخوتنا الأكارم، كل إنسان خريج من جامعة يتباهى أن أستاذه فلان، هناك في الجامعات أساتذة لامعون جداً، متألقون جداً، يُعدّون مراجع كبرى في العلم، فإذا أتيح لطالب أن يكون أستاذه فلاناً يفتخر دائماً: أنا تلميذ فلان، فإذا أُتيح لعلماء الأرض أن يتيهوا على أقرانهم بأساتيذهم فالنبي-عليه الصلاة والسلام- علّمه رب العزة ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ .

 أيها الإخوة، هناك كلام دقيق، هذا الكلام حينما تتعلم من مخلوق، والمخلوق غير معصوم، قد تتعلم منه الصواب، وقد تزل قدم هذا المخلوق فتتعلم منه الخطأ، على كلٍّ ما دام هذا المخلوق ضليعاً في العلم وعلّمك إذاً هذا تعليم يدل عن كرمه، لكنه إذا علمك خالق السماوات والأرض، إذا علمك الله، هذا دليل أن هذا التعليم هو من الأكرم لا من الكريم، مخلوق يعلمك فيتكرم عليك، لكن الله -سبحانه وتعالى- حينما يتولى تعليمك فهو الأكرم :

﴿  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)﴾

[  سورة العلق  ]

 الذي تولى تعليمك، إنما تقرأ باسم الله، للتقريب: لو أن وزارة فيها مدراء عامون، دُعوا إلى اجتماع، ودخل إنسان لا يعرفونه، ألقى عليهم تعليمات تفصيلية في شؤون إداراتهم، قد يقول أحدهم له: يا سيدي! أنت تمثل من؟ يقول لك: أنا أمثل رئاسة الوزراء، أنا أتكلم باسم رئاسة الوزراء، فهذا الكلام ليس من هذا الإنسان المتكلم، بل هو مبعوث من رئيس الوزراء ليلقي هذه التعليمات على كبار الموظفين. 


القرآن الكريم كلام خالق السماوات و الأرض :


 لذلك إذا قرأت القرآن، أو قرأ القارئ عليك القرآن، وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، يعني هذا كلام خالق السماوات والأرض، هذا كلام الذي أوجدك ولم تكُ من قبل شيئاً، هذا كلام من بيده مقاليد السماوات والأرض، من بيده الخلق والأمر، من بيده كل شيء، هذا كلام من بيده الرزق، من بيده الحياة، من بيده الموت، هذا كلام من يرفعك، من يعطيك، هذا كلام المعز، هذا كلام المذل، هذا كلام القوي، هذا كلام الغني، هذا كلام القادر، هذا كلام المهيمن، هذا كلام من بيده كل شيء، هذا كلام من:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 معنى كلمة بسم الله الرحمن الرحيم هذا كلام خالق الأكوان، وخالق الإنسان، ومن بيده مقاليد كل شيء، ومن ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ ومن إليه المصير.

 إنسان يكون بدائرة، وله مدير عام، وحريص على إرضائه، وقد يعلل هذا الحرص بأن مصيره بيد هذا المدير، يرفّعه أو لا يرفّعه، يعاقبه أو لا يعاقبه، يبعده إلى مكان بعيد، أو يجعله في بلدته، يقول لك: الأمر بيده، فحرص هذا الموظف -ولله المثل الأعلى- على إرضاء هذا المدير، وقلقه من أن يغضب عليه، نابع من أن مصير هذا الموظف بيد هذا المدير، تقريباً أو إبعاداً، ترقية أو عدم ترقية.

 لكن أنت حينما تعلم أن كل شؤونك بيد الله، الصحة أولاً، الشريان التاجي، الشريان السباتي القلب، الرئتان، الكبد، نمو الخلايا قد تنمو نمواً عشوائياً فتنتهي حياة الإنسان، نحن في قبضة الله، نحن تحت رحمة الله، نحن في علم الله .

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[  سورة الحديد ]

 بعلمه، فحينما تقول باسم الله، أتعلم هذا كلام من؟ هذا كلام خالق السماوات والأرض. 


معاني البسملة :


1 ـ البسملة تشير إلى أن كل شيء أمام الإنسان هو بيد الله :

 والله أيها الإخوة، تنطوي هذه البسملة على معانٍ لا يعلمها إلا الله، أضرب لك مثلاً:

 أنت إنسان ضعيف أردت أن تزرع أرضك، تقول: باسم الله، هل تستطيع أنت أن تنبت هذا البذر؟ يوجد بالبذرة رُشيم، والرشيم كائن حي، وهناك محفظة غذائية، وهذه المحفظة الغذائية التي مع الرشيم تكفي أن ينمو لهذا الرشيم سُويق، وجُذير، فأنت حينما تلقي هذا الحب في الأرض هل أنت الذي خلقت الرشيم؟ هل أنت جعلت معه محفظة غذائية؟ هل أنت صممت هذا البذر بهذه الخصائص؟ هل تستطيع إنزال المطر؟ إن لم يكن هناك أمطار لا توجد زراعة، هل تستطيع إنبات البذور؟ إن لم يكن هناك إنبات لا يوجد زراعة، فإذا بدأ العامل في حقل الزراعة عمله بقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أو بدأ عمله بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، معنى ذلك أن يا ربي أنا ضعيف، إنبات البذور بقدرتك، إنزال الأمطار بقدرتك، تفاعل هذه البذرة مع مواد الأرض، مع المعادن، مع الأسمدة بقدرتك، نضج هذه الثمار بقدرتك، فأنت حينما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، تتذكر أن الله بيده كل شيء، وأنك فقير إليه، وأنه هو الغني، وأنك لا تعلم وهو يعلم، وأنك ضعيف وهو القوي، وأنك جاهل وهو العليم، بسم الله الرحمن الرحيم.

 حينما يقدم طبيب جراح على إجراء عملية في المخ، يعني أقل خطأ يموت المريض، الخطأ قد يكون بالمليمترات، يموت المريض، فأنت حينما تعلم أن حياة هذا المريض بيد الله، وأن توفيق هذا العمل الجراحي بيد الله، وأن علمك بيد الله، وأن قدرتك بيد الله، تقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

2 ـ الافتقار إلى الله في كل شيء :

 هذه البسملة إخواننا الكرام، يجب أن تشير إلى أن كل شيء أمامك هو بيد الله، وأن كل القوانين التي تسود الأرض هي قوانين الله -عز وجل-، وأن كل خصائص المواد الله -جلّ جلاله- أودعها في هذه المواد، وأن كل حركة، أو سكنة، وأن كل عطاء، أو منع، أو رفعة، أو انخفاض بيد الله -عز وجل- لذلك تقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)﴾

[  سورة يس  ]

 وعرفت الله من نقض العزائم، وأتمنى من كل أعماقي أن يكون هذا الدرس بهذه الفكرة واضحاً جداً لنا جميعاً، أنت حينما تقول: الله، حينما تتبرأ من حولك وقوتك، حينما تتبرأ من خبرتك، حينما تتبرأ من قدرتك، من مالك، من تعليمك، من خبراتك، يتولاك الله، وحينما تعتد بعلمك، أو بقدرتك، أو بمالك، أو بحسبك، أو بنسبك، يتخلى الله عنك، وهذا الدرس هو الدرس الذي لا نحتاجه في اليوم مرة، والله بل نحتاجه كل ساعة، لأن أصحاب النبي -رضوان الله عليهم- وهم قمم البشر في معركة بدر افتقروا إلى الله فانتصروا، همْ هم، وفيهم سيد البشر، في حنين اعتدوا بعددهم الكبير فتخلى الله عنهم، والآية الكريمة:

﴿  لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[  سورة التوبة   ]

3 ـ تذليل كل شيء للإنسان بقدرة الله عز وجل :

 إخواننا الكرام، هذا معنى بسم الله الرحمن الرحيم، أنا لا أتحرك بقدرتي، أنا ضعيف لكن هناك قوانين أودعها الله في الأشياء، فكل هذه القوانين تُسهّل لي الانتفاع مما في الأرض، أنتفع مما في الأرض بسبب القوانين التي أودعها الله فيها، مثلاً: غذائي يحتاج إلى لحم، واللحم في الأنعام، والأنعام مذللة، قال تعالى:

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) ﴾

[  سورة يس ]

 أما الثعبان مثلاً ليس مذللاً، الذئب غير مذلل، أما الأنعام مذللة، من جعلها مذللة؟ الله -جل جلاله-، فأنت حينما تذبح بقرة وتبيعها باسم الله، لأن الله جعلها مذللة، لكنك لا تستطيع أن تواجه ذئباً مفترساً، غير مذللة، العقرب غير مذللة، تخاف منه وهو صغير، الثعبان غير مذلل، الله -عز وجل- قال: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾

 فإذا قلت: باسم الله أذبح هذه البقرة، لولا أنها مذللة لمَا استطعت أن تذبحها، لجنّت، وجنّ البقر في بريطانيا، اضطروا أن يبيدوا ثلاثين مليون بقرة، قيمتها ثلاثون مليار جنيه إسترليني، أطعموه طحين اللحم فجنّ البقر، وجنون البقر مرض خطير من جنون البشر، من جعلها مذللة؟ أنت تحلب البقرة فلا تقتلك، الجمل مذلل، الفيل مذلل، أما العقرب غير مذلل، الثعبان غير مذلل، تخاف منه، حينما تقرأ قوله تعالى: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ 

 يجب أن تذوب شكراً لله -عز وجل-، من جعل هذا الماء عذباً فراتاً؟ الله -عز وجل-، ولو كان ملحاً أجاجاً يموت الناس على قارب نجاة في البحر عطشاً، والبحر أربعة أخماس اليابسة، وعمق البحر في بعض الأماكن اثنا عشر ألف متراً، ويغطي أربعة أخماس الأرض، وحينما تغرق الباخرة، ويركب ركابها في قوارب النجاة، وينفد الماء يموتون عطشاً وهم على سطح البحر، لأن هذا البحر ملح أجاج، والله جعل لنا ماء عذباً فراتاً، فأنت تقول: باسم الله، باسم من جعله عذباً فراتاً . 


أمثلة عن تذليل كل شيء للإنسان بقدرة الله تعالى :


  هذا القمح الذي نأكله كل يوم من جعله غذاءً نافعاً كاملاً؟ هل تعلم أيها الأخ الكريم ما معنى باسم الله؟ أنت حينما تشرب كأس الحليب، هل تذكرت أن هذه البقرة مذللة؟ وأن هذه البقرة عندها غدة ثديية، يمر فوقها أوعية دموية كثيفة جداً، وأن هذه الغدة الثديية تأخذ من الدم ما تحتاجه ويتكون الحليب، ويرشح من هذه الغدة الثديية قطرات الحليب إلى ضرع البقرة، من سخر هذا النظام؟ من خلق الغدة الثديية في البقر؟ من جعل هذه الغدة تختار ما تحتاج من الدم؟ .

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ (66)﴾

[  سورة النحل  ]

 الله -جلّ جلاله-، لمجرد أن تشرب كأس الحليب يجب أن تتذكر أن هذه البقرة مذللة، وأن أجهزتها دقيقة جداً، بل إن العلماء يقولون: إن كل أربعمئة حجم من الدم تساوي حجم حليب واحد، أي أربعمئة لتر من الدم تجري فوق الغدة الثديية ليُصنَع منها لتر حليب واحد، هل تعلم آلية هذه الأجهزة؟ تعقيد هذه الغدد؟ حتى تشرب حليباً يعد غذاء كاملاً لك، كلنا في كل أعمارنا نأكل مشتقات الحليب لا نمل منه، اللبن، والجبن، والقشطة، وما إلى ذلك ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ .

 معنى باسم الله؛ هل فكرت في البقرة؟ هل فكرت فيمن ذللها؟ هل فكرت في أنها تأكل أقل مما تنتج؟ لو أن ثمن طعامها أغلى من إنتاج حليبها لما رباها أحد منا.


 هل فكرت في هذه الدجاجة التي تعطيك البيض؟


 معنى بسم الله الرحمن الرحيم؛ يعني أنت تأكل بقدرة الله، بعلم الله، بفضل الله، برحمة الله، كلمة بسم الله الرحمن الرحيم كلمة كل دقيقة، تركب هذه المركبة باسم الله، من أودع في البنزين القدرة الانفجارية؟ ضع صفيحة ماء في مستودع البنزين هل تمشي السيارة؟ من أودع في البنزين القوة الانفجارية؟ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ تركب الطائرة من جعل قوانين الهواء تحمل طائرة وزنها مئة و خمسين طناً، ومئة و خمسين من الركاب، وما إلى ذلك، طائرة تقدر حمولتها مع وزنها بثلاثمئة و خمسين طناً حملها الهواء وتمشي بسرعات عالية؟! ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)﴾

[  سورة النحل  ]

 عُزي خلق الطائرة في هذه الآية إلى الله -عز وجل-، من ألقى في عقول المخترعين هذه الفكرة؟ 

4 ـ كلمة بسم الله تعني أن تتذكر فضل الله وحكمته :

 إخواننا الكرام، هذه كلمة باسم الله بكل دقيقة، تكتب، من علمك أن تكتب؟ من جعل هذه العضلات؟ من جعل هذا التوافق بين عينيك وبين أفكارك؟ تلقي كلمة، كل حرف يسهم في صنعه سبع عشرة عضلة، الكلمة خمس كلمات، سبع عشرة عضلة في كل حرف، الكلمة خمسة حروف، والجملة عشر كلمات، والصفحة، والكتاب، تلقي خطبة، من جعل هذه الأجهزة تتحرك؟ باسم الله، حينما تقول: باسم الله تذكر قدرة الله، تذكر فضل الله، تذكر حكمة الله، تذكر علم الله، تذكر كرم الله، تذكر لطف الله، تذكر رعاية الله.

أيها الإخوة، قد روي  :

امرأة تخبز على التنور، وطفلها على طرف التنور، كلما وضعت رغيفاً مسكت ابنها وضمته، وشمته، وقبلته، نبي كريم قال: يا رب ما هذه الرحمة؟ فقال الله له: يا موسى هذه رحمتي، أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها، فلما نُزعت الرحمة من قلب الأم وبكى طفلها ألقته في التنور، وانتهى الأمر.

 لا تصدق أن رحمة الآباء والأمهات بأولادهم، إنما هي رحمة منهم، هي رحمة الله أودعها في قلوب الآباء والأمهات.

كلمة باسم الله يجب أن تتذكر فضل الله، عطاء الله، لطف الله، رحمة الله، علم الله، غنى الله، قدرة الله، هذا معنى بسم الله الرحمن الرحيم، قبل أن تأكل هذه الفواكه من صممها؟ التفاحة حجمها معتدل، وقوامها معتدل، وقشرها حاجز يمنع تلوثها، وطعمها طيب، لو أنها مفيدة وطعمها مر، لو أن طعمها طيب وليست نافعة، لو أنها نافعة ومفيدة وقوامها صخري كالصخر، تصور خصائص التفاحة، هذا العنب الذي تأكله، هذا الحليب الذي تشربه، هذا الخبز الذي تتناوله، هذا معنى باسم الله، تذكر نعم الله، دخلت إلى البيت، هذا المأوى من أكرمك به؟ أمامك زوجة من أكرمك بها؟ إنه الله -عز وجل-، أمامك أولاد يملؤون البيت فرحة، من منحك إياهم؟ الله -عز وجل- هذه البسملة.

5 ـ من معاني البسملة أيضاً أن تتذكر نعم الله عليك :

 البسملة من أجل أن تتذكر نعم الله عليك، أنا آكل باسم الله، هذا الطعام من خلق الله، وهذا الخبز من خلق الله، وهذه الفاكهة من خلق الله، وهذا الماء من خلق الله، وهذا البيت من فضل الله، وهذه الزوجة من فضل الله، وهؤلاء الأولاد من كرم الله، هذا معنى باسم الله، هذا باسم الله الذي خلق ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ .

 إخواننا الكرام، الله -عز وجل- خلقك، أعطاك قدرات، أعطاك ذاكرة، الذاكرة حجمها كحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، من أعطاك هذه الذاكرة؟ لولا هذه الذاكرة لنسيت كل المعلومات، ما عرفت أولادك لولا هذه الذاكرة، الإنسان يُصاب بفقد الذاكرة فيدخل عليه ابنه فيسأله: من أنت؟ فقد الذاكرة مرض خطير، قال له: من أنت؟ لِمَ دخلت عليّ؟ ابنه ولم يعرفه.


الأمر كلّه بيد الله عز وجل :


 لكن هناك أشياء دقيقة جداً أن إنساناً شاباً في ريعان الشباب، يتزوج شابة في ريعان الشباب، ولا ينجبان، هناك قوانين يعطلها الله -عز وجل-، والسيدة مريم حملت من دون زوج، هذا السبب إما أن يُعطَّل، أو أن يُلغَى، معنى هذه القوانين التي أنت بفضلها تعيش هي بيد الله أيضاً يمكن أن يعطلها، أو أن يلغيها، الزوج والزوجة الشابان لا ينجبان تعطلت هذه القوانين، ويمكن لامرأة كالسيدة مريم العذراء أن تلد من دون زوج، بالحالة الأولى تعطلت هذه القوانين، وبالحالة الثانية ألغيت هذه القوانين، الأمر بيد الله -عز وجل-. 

هذه ليست طرفة، الإنسان بكل ما أوتي من علم، وقوة، وتقدم تقني، وسبر لأغوار الفضاء، وأغوار البحار، لا يستطيع أن يتنبأ بالزلزال ولا قبل ثانية واحدة، علماء كبار يحملون شهادات من أكبر الجامعات، مختصون بالزلازل، وهناك مخابر، ومناظير، وتلسكوبات، وأجهزة بالغة الدقة، ولا يستطيعون أن يتنبؤوا بالزلزال ولا قبل ثانية واحدة، بينما الحمير يتنبؤون قبل عشرين دقيقة، وفي زلزال تسونامي هناك قرية نجت بأكملها لأنها قلدت الدواب، شعروا بالزلزال فانطلقوا إلى خارج المدينة، أهل البلدة تبعوهم فنجوا، الله -عز وجل- يعطي، يعطي ويمنع، مُنع عن الإنسان أن يعرف أن يتنبأ بالزلزال، سُمح للبهائم أن تتنبأ بالزلازل قبل عشرين دقيقة.

 إخواننا الكرام، يعطي بقدر ويمنع بقدر، فكل شيء بين يديك هو بفضل الله، وبحكمة الله، وبقدرة الله، وبرحمة الله، وبغنى الله -عز وجل-، فإذا أكلت باسم الله، وإذا شربت باسم الله، وإذا دخلت بيتك باسم الله، الإنسان إذا دخل بيته وقال: السلام عليكم، وجلس إلى الطعام وقال: باسم الله، يقول الشيطان لإخوانه: لا مقام لكم في هذا البيت، صاحبه دخل فسلم، وجلس إلى الطعام فسمّى، قال: إذا دخل ولم يسلم، وجلس إلى الطعام ولم يسمِّ يقول الشيطان لمن حوله: أدركتم المبيت والعشاء في هذا البيت.

 قل: باسم الله، تمشي باسم الله، هناك إنسان لا يمشي، ترى باسم الله، هناك إنسان لا يرى، تنطق باسم الله، الآن العقل بيد الله -عز وجل-، تكون شخصاً مهماً جداً عندك أسرة، وأولاد، ومكانة، ووظيفة عالية جداً، ومركبات عديدة، و تكون مهيمناً، ومسيطراً، وتحت يدك مئات الأشخاص، يُصاب الإنسان بعقله، فأقرب الناس إليه يتوسلون لكل من يعرفونه أن يكون له مكان في مستشفى المجانين، أليس كذلك؟ أما إن كان عندك عقل في رأسك يهديك إلى الصواب، عندك نطق، عندك سمع، عندك بصر، عندك أجهزة سليمة معافى بها، عندك مأوى.

 لذلك مرة ملك سأل وزيره: من الملك؟ قال له: أنت، قال له: لا، لست أنا، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، ورزق يكفيه، وزوجة ترضيه، هذا ملك.

(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))

[ أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن محصن ]

 والله أيها الإخوة، هناك أمراض عضالة تجعل حياة الناس جحيماً لا يطاق، يتمنى الموت فلا يجده، فإذا كان الإنسان صحيح الجسم، معافى، لا يوجد عنده مشكلة، لا يوجد عليه إذاعة بحث، غير ملاحق، آمن في بيته، له زوجة مستقيمة، له أولاد أبرار، والله لو سجد لله كل يوم عشرات المرات لا يوفي جزاء هذه النعمة.


معنيان كبيران للبسملة :


 إخواننا الكرام، هناك في ذهني معنيان كبيران للبسملة: 

المعنى الأول: إذا قلت: باسم الله وأنت تشرب هل فكرت في هذا الماء العذب الذي جعلك الله تشربه؟ كان ماء ملحاً في البحار، جاءت أشعة الشمس بخرته فأصبح بخاراً، ارتفع إلى السماء فأصبح سحاباً، بآلية بالغة التعقيد أصبح مطراً، فهطل على رؤوس الجبال والسهول، وسال في الينابيع، وتفجر ماء عذباً، زلالاً، هذا معنى باسم الله، فكرت في هذه النعمة؟.

دخلت إلى بيتك فكرت في هذه النعمة؟ مأوى، البيت مأوى، تناولت الطعام فكرت في هذه النعمة؟ هناك إنسان يعيش على السيروم، يشتهي أن يأكل أقل شيء، ممنوع من أن يأكل، فإذا كنت تأكل ما تريد، وساكن في بيت، وعندك قوت يومك، ولم تشكر الله على هذه النعمة، هذه مشكلة كبيرة جداً، هذا المعنى الأول للبسملة.

 المعنى الثاني: هل تأكل وفق منهج الله؟ هل هذا الطعام حلال ومن كسب حلال؟ هذا اللقاء هل يرضي الله؟ هل هذه السفرة في مرضاة الله؟ هذا معنى باسم الله.

مرة ثانية: البسملة لها معنيان، أن تذكرك بنعم الله، وأن تذكرك بمنهج الله، اصبر.

((  قال : هل عندكم طعام ؟ فإذا قلنا : لا، قال : إني صائم  ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]

 دخلت إلى البيت هل تتعامل مع الزوجة كما وجّه النبي الكريم؟ هذه باسم الله، تناولت الطعام، هل تأكله وفق منهج الله؟ البسملة تعني أن تذكر فضل الله، وأن تتحرك وفق منهج الله.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور