- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الواعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإنسان كائن متحرك :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سورة التوبة، ومع قوله تعالى:
﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(69)﴾
أيها الإخوة الكرام، الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، حفاظاً على وجوده كفرد، وما الذي يحركه؟ حفاظه على بقاء النوع عن طريق الزواج، وما الذي يحركه؟ حفاظه على بقاء الذكر عن طريق التفوق، فحاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده كفرد، وحاجته إلى طرف آخر - إلى الزواج- حفاظاً على بقاء النوع، وحاجته إلى بقاء ذكره حفاظاً على مكانته، هذه الدوافع الثلاث تحركه فهو كائن متحرك.
الناس رجلان لا ثالث لهما :
أما هذه الحركة إن كانت وفق منهج الله سلم وسعد في الدنيا والآخرة، وإن كانت هذه الحركة بخلاف منهج الله شقي وهلك في الدنيا والآخرة، هذه حقيقة دقيقة جداً، تؤكدها آيات كثيرة في قوله تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)﴾
صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء كثمن للجنة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) ﴾
صدق بالدنيا وكفر بالآخرة فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، لن تجد نموذجاً ثالثاً، هذا التقسيم القرآني لبني البشر على اختلاف مِلَلهم، ونِحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم.
الله عز وجل منح البشر حظوظاً متباينة وزعها توزيع ابتلاء :
قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ
علة وجودك في الدنيا الابتلاء لأن الإنسان حينما:
﴿
لما قبل حمل الأمانة:
﴿
جاء به إلى الدنيا كي يتعرف إلى الله، وكي يتقرب إليه، ليكون هذا التعرف والتقرب ثمناً لجنة ربه، هذه الحكمة التي أرادها الله من مجيئنا إلى الدنيا.
الامتحان علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
الإنسان في الدنيا حينما يغادرها يندم على شيء واحد هو العمل الصالح، يؤكد هذا قوله تعالى:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
﴿
أنت ممتحن بمالك، مُمتحَن بصحتك، مُمتحَن بزوجتك، ممتحن بأولادك، ممتحن بقوتك، ممتحن بضعفك، ممتحن بغناك، ممتحن بفقرك، علة وجودك في الدنيا الابتلاء، أي الامتحان.
الموت ينهي كل شيء :
الله -عز وجل- في الآية التاسعة والستين من سورة التوبة يقول:
﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ
كل مخــلوق يـمـوت ولا يبقــى إلا ذو الــعزة والـــجبـروت
***
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
كل ابن أنثى و إن طــــالت سلامته يوماً علـى آلــة حدبـاء مـحمـولُ
فإذا حملــت إلــى القبـور جنـازة فاعلـم بأنــك بعـــدها مـحمـولُ
إذاً من أدق أدق تعريفات الإنسان التي ذكرها الإمام الحسن البصري أن الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فأنت بضعة أيام إما أن تكون في طاعة أو في معصية، إما أن تكون في قرب من الله أو في بعد عنه، أما أن تكون مع الخيِّرين، أو مع الشريرين، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عوّدها القناعة، هؤلاء الأقوياء جاء الموت فأخرجهم من الدنيا، هؤلاء الأغنياء جاء الموت فأخرجهم من الدنيا، إذاً:
كل مخـــلوق يـمـوت ولا يبقـى إلا ذو الــعزة والـــجبـروت
***
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
بطولة المؤمن أن يعيش المستقبل :
أيها الإخوة الكرام،
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ(207)﴾
والآية بليغة جداً:
إذاً البطولة الآن لا أن تعيش حاضرك، ولا أن تعيش ماضيك، لكن البطولة أن تعيش مستقبلك، ومعظم الناس يعيشون ماضيهم أو يعيشون حاضرهم، أما المستقبل لا يفكرون فيه، مع أن أخطر زمن بالنسبة للإنسان هو المستقبل، لماذا؟ لأن في المستقبل مغادرة الدنيا، المغادرة تعني من قصر إلى بيت، من غنى إلى قبر، من مكانة اجتماعية إلى قبر، هذا النقلة المخيفة من دنيا عريضة إلى قبر لا يزيد عن أمتار، فلذلك البطولة في المؤمن أنه يعيش المستقبل ويعيش هذه اللحظة.
مرة طالب حقق الدرجة الأولى على بلد بأكمله، فأجروا معه لقاء صحفياً فسأله: ما سرّ هذا التفوق؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ثانية، وأنا أقول: والمؤمن الموفق لحظة مغادرة الدنيا لا تفارق ذهنه إطلاقاً.
الموت ينهي كل شيء ويبقى العمل الذي يحاسب الإنسان عليه :
ماذا أقول لله إذا سألني عن هذا السؤال؟
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
هذا المال ممَ اكتسبته؟ فيمَ أنفقته؟ هذا العلم ماذا عملت به؟ هذه الزوجة لِمَ طلقتها؟ هذه الشراكة لِمَ عقدتها؟ هذه الرحلة لِمَ قمت بها؟ هناك سؤال دقيق جداً، فلذلك الله -عز وجل- يبين لنا ولو كنت قوياً،
قال:
﴿
زينة، لكن الآية الدقيقة جداً: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ في قوله تعالى:
الحياة الدنيا محدودة تنتهي بالموت بينما الحياة الأبدية لا نهاية لها :
(( واللَّهِ ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلَّا مِثْلُ ما يَجْعَلُ أحَدُكُمْ إصْبَعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بمَ تَرْجِعُ؟ ))
اركب البحر أمسك إبرة، مخيطاً، اغمسه بماء البحر وانظر بمَ يرجع؟ المحيط الهادي في بعض الأماكن العمق فيه يقدر باثني عشر ألف متر- هذا خليج مريانا- فهذه البحار الخمس، المحيطات، الهادي، والأطلسي، والمتوسط، والشمالي، والجنوبي، وبحر العرب لو غمست في أحد البحار إبرة ونزعتها بمَ ترجع من ماء البحر؟ هذا الذي أخذته من مياه البحر هو نسبة الدنيا إلى الآخرة، فلذلك الله -عز وجل- يذكّر هؤلاء:
حينما رأى النبي جنازة قال عليه الصلاة والسلام:
(( مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجرُ يستريح منه العبادُ والبلادُ والشجر والدواب ))
فبين أن تكون مستريحاً في الموت وبين أن يكون الإنسان مُستراحاً منه عند الموت؟ فهذا الذي شرد عن الله كان قوياً، أو كان غنياً، أو كان ذا شأنٍ في المجتمع فلما جاء الموت أنهى كل هذه الخصائص.
اللذة و السعادة :
هذا الإنسان مصمم إن صحّ التعبير تصميماً لا نهائياً، هو مُصمَّم لمعرفة الله، والقرب منه، مصمم لجنة عرضها السموات والأرض، لذلك هذا الإنسان لا يملأ نفسه إلا معرفة الله -عز وجل-، أما إذا اختار هدفاً مادياً هذا الهدف هو أكبر منه بكثير، إذا اختار هدفاً مادياً سرعان ما يحيط به ويمل منه ويتركه، هذه حقيقة ثابتة اسأل الأغنياء ملوا من المال، اسأل الأقوياء ملوا من مناصبهم، اسأل كل فئة في الأرض، طبيعة هذه الحياة الدنيا ما سمح الله لها أن تُمِد الإنسان بسعادة مستمرة، بل بسعادة متناقصة، وإذا كان هناك معصية مع السعادة المتناقصة فهناك كآبة، كآبة المعصية، ما سمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة، بل بسعادة متناقصة، الإنسان لو اشترى بيتاً واسعاً جداً أول أسبوع، أسبوعان يتمتع به تماماً لكن بعد حين أصبح شيئاً عادياً، لو اقتنى مركبة بعد حين أصبحت شيئاً عادياً، إذاً الآية الدقيقة:
من كان رأسماله كله في الدنيا فالموت ينهي له كل ما يملك :
إحباط العمل :
أيها الإخوة الكرام، الخطورة الكبيرة جداً أن يُحبَط العمل، ما معنى إحباط العمل؟
إحباط العمل أن ينحط العمل، بدل الزواج الزنا، بدل الكسب المشروع الكسب غير المشروع، ما من شيء أودعه الله فيك، بل ما من شهوة أودعها الله فيك إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فحينما يستمتع الإنسان بشيء مُحرَّم الموت ينهي هذه المتعة، ويبقى وِزرها، وحينما يجهَد الإنسان في طاعة الله، ويأتي الموت، الموت أنهى هذا الجهد الكبير، وبقيت السعادة التي وعده الله بها.
العمل يقبل عند الله بشرطين؛ الإخلاص و الصواب :
لذلك حينما قال الله -عز وجل-:
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ
متى يرضى الله عن العمل؟ قال بعض العلماء: إذا كان خالصاً وصواباً، صواباً ما وافق السنة، وخالصاً ما ابتغي به وجه الله، فالعمل يُقبَل عند الله بشرطين، إذا كان خالصاً وإذا كان صواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً إذا وافق السنة، فأي عمل يخالف منهج الله -عز وجل- ولو ابتغيت به وجه الله لا يُقبَل، وأي عمل ولو كان عظيماً إن لم تبتغِ به وجه الله لا يُقبَل، فهذه قاعدة دقيقة جداً استُنبطت من قوله تعالى:
الخسارة الحقيقية خسارة الآخرة :
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ
حينما تشعر أن الله -عز وجل- خلقك لجنة عرضها السموات والأرض، وأنت جئت إلى الدنيا، ولهوت بالدنيا، ولم تعبأ لمنهج الله لك، ثم جاء ملك الموت، فإذا أنت بعيد كل البعد عن منهج الله، وعن أسباب دخول الجنة، هذه الخسارة الحقيقية، لذلك ورد في بعض الآثار النبوية:
(( إنَّ العَرقَ ليلزمُ المرءَ في الموقِفِ ؛ حتَّى يقولَ : يا ربِّ إرْسالُك بي إلى النَّارِ أَهوَنُ عليَّ مِمَّا أجدُ وَهوَ يعلمُ ما فيها من شدَّةِ العذابِ ))
عذاب الندم عذاب لا يُحتمل، إذاً:
الفلاح و النجاح :
دائماً وأبداً ينبغي أن تُحكِّم مقاييس ربنا -جلّ جلاله-، الله قال:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15) ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) ﴾
فأنت إذا فتحت القرآن على آيات "قد أفلح" هي بضعة آيات، والفلاح كما تعلمون ليس كالنجاح، نجاح محدود، نجاح في كسب المال، نجاح في تسلم منصب رفيع، نجاح في الزواج، لكن الفلاح نجاح في الدنيا ونجاح في الآخرة، نجاح في العلة التي خُلقت من أجلها، هذا هو الفلاح، لذلك الفالحون والمفلحون في القرآن لها معان دقيقة جداً.
بطولة المؤمن أنه يتعظ بغيره :
الآن الله -عز وجل- يقول:
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(70) ﴾
الإنسان أحياناً يقرأ آية فيها أمر هذا الأمر يقتضي أن تأتمر، يقرأ آية فيها نهي هذا الأمر يقتضي أن تنتهي، تقرأ آية ذكر من آيات الله هذه الآية تقتضي أن تتفكر في خلق السموات والأرض، ولكن إذا قرأت آية عن أمة سابقة أهلكها الله تتعظ، لذلك بطولة المؤمن أنه يتعظ بغيره، أما غير المؤمن فلا يتعظ إلا بنفسه.
بالمناسبة: أحياناً حينما تتعظ قد تكون هذه المعصية لم تُبقِ لك وقتاً كي تتعظ فيه، ما كل معصية بإمكانك أن تخرج منها، فلذلك من بدأ حياته بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة.
الله عز وجل ضرب قوم عاد مثلاً على الإنسان أن يتعظ منه :
أيها الإخوة الكرام، الله -عز وجل- ضرب على هؤلاء المفسدين في الأرض، هؤلاء الطغاة قوم عاد، الله -عز وجل- قال:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)﴾
عاد تفوقت في كل المواطن، تفوقت في شتى المجالات،
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) ﴾
تفوق عمراني.
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) ﴾
تفوق صناعي.
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130) ﴾
تفوق عسكري، وهناك تفوق علمي.
﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
يوجد تفوق عمراني:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
ومع هذا التفوق في شتى المجالات، في المجال العلمي، والعمراني، والصناعي، والعسكري كان هناك غطرسة، واستعلاء، وكبر،
بطولة الإنسان أن يتعظ فيما يأتي في القرآن الكريم من قصص :
شيء آخر: هؤلاء القوم قوم عاد ماذا فعلوا؟ قال:
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾
وكأن هؤلاء القوم كانوا نموذجاً للأمم الطاغية الباغية التي استعلت، وطغت، وبغت، ونسيت ربها جل جلاله.
فيقول الله -عز وجل- مذكراً:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(7) ﴾
حينما يتوهم الإنسان أنه غني، وأن هذا المال تُحَل به كل المشكلات، ونسي الله -عز وجل-، أنا أقول من هو الغبي؟ الغبي الذي لم يدخل الله في حساباته، قال بعضهم: عرفت الله من نقض العزائم، فهؤلاء قوم عاد طغوا في البلاد، أكثروا فيها الفساد، تفوقوا بعلمهم، تفوقوا ببنائهم، تفوقوا بصناعتهم، تفوقوا بقوتهم العسكرية، طغوا في البلاد، أكثروا فيها الفساد، فالله -عز وجل-
الدنيا لمن يتقنها ويحسن إدارتها أما الآخرة فخاصة بالمؤمنين :
شيء آخر، والنقطة الدقيقة جداً أن الله -عز وجل-، الدنيا يعطيك بالربوبية كل حاجاتك بصرف النظر عن إيمانك، أي الإنسان، يأكل، ويشرب، ويتزوج، ويسافر، ويتاجر، ويربح، ويستمتع بالحياة، هذا منهج من مناهج الله -عز وجل-، فالدنيا من ينالها؟ القوي أحياناً، أو الذي أتقنها، لكن الآخرة لعباده المؤمنين، فالدنيا يمكن أن ينالها القوي، بل لحكمة أرادها الله أن الذي يتقن الدنيا ينالها، لذلك إن الله أحياناً ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، هذا كلام دقيق جداً، الدنيا لمن يتقنها، الدنيا لمن يحسن إدارتها، ينالها، أما الآخرة وعدٌ صادقٌ خاصة بالمؤمنين.
فلذلك قال تعالى:
لذلك عطاء الربوبية لكل البشر، مؤمنهم وكافرهم، أما عطاء الألوهية فللمؤمنين وحدهم، أي المؤمن وحده هو الذي ينال الآخرة بأعلى درجاتها.
مثلاً الأهرامات في مصر، حدثني أخ كريم قرأ عنها الكثير، قال: هناك نافذة في الأهرام، زاوية هذه النافذة مدروسة دراسة مذهلة، بحيث أن الشمس تعبر خلال هذه النافذة في العام كله يوماً واحداً، يوم موت فرعون، لا يوجد الآن إمكانية أن تصمم نافذة بزاوية معينة، بحيث في يوم واحد فقط الشمس تعبرها إلى داخل الهرم، فهؤلاء الذين كانوا قبلنا كانوا أقوياء جداً، ومع ذلك أهلكهم الله -عز وجل-، لذلك:
الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل :
أيها الإخوة الكرام، البطولة لا أن تعيش حاضرك، أن تعيش المستقبل، والمستقبل في مغادرة الدنيا، وكل هذه الآيات التي قُرئت في هذا اللقاء الطيب من أجل أن تتجه إلى الآخرة،
(( الآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك عادل ))
والآخرة فيها أبد، والأبد مهما شرح يصعب أن يوضَع في مفهوم بين يدي الناس، الأبد يعني ما لا نهاية، وأكبر رقم على وجه الأرض إذا نُسب للانهاية كان صفراً.
أيها الإخوة الكرام، الآيات التي قرئت في هذا اللقاء الطيب
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين