وضع داكن
18-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 42 - من سورة الحديد - الفوز العظيم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

النور الذي يتمتع به المؤمنون في الجنة حصلّوه في الدنيا :

vالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أيها الأخوة الكرام : في سورة الحديد قوله تعالى :

﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[سورة الحديد : 12]

vإلهنا العظيم يقول :

﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[سورة الحديد : 12]

 إذا وصف العظيم شيئاً بأنه عظيم فهو عظيم إلى درجة مذهلة :

﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

[سورة آل عمران : 185]

 تغر وتضر وتمر :

﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾

[سورة الحديد : 13]

 هذا النور الذي يتمتع به المؤمنون في الجنة حصلّوه في الدنيا ، يوم اطمأن الناس هم قلقوا وبحثوا عن رضوان الله ، يوم نام الناس هم استيقظوا ، يوم فرح الناس خافوا ، المؤمن له صفات متميزة ، أما دهماء الناس وسوقتهم ، يفرح مع من يفرح ، يغضب مع من يغضب ، تستهويه صرعات الحياة ، يقول لك : هذا العصر عصرنا عصر كذا وكذا ، فهذا الذي يذوب في البيئة ، وتسيطر عليه البيئة ولا يستطيع منها فكاكاً ، هذا الإنسان من عامة الناس ، أما المؤمن يذوب في منهج الله ، يقيم أمر الله في بيته وفي عمله ، فهذا النور الذي بين أيدي المؤمنين ، الحقيقة نور حصَّلوه في الدنيا .

النفاق الاعتقادي أن تقول ما لا تعتقد والنفاق العملي أن تفعل ما لا تقول :

 من الممكن أن يقول أحدهم لطبيب : علمني فقط كيف تكتب وصفة ، كتابة هذه الوصفة هي محصلة دراسة ثلاث وثلاثين سنة ، المحصلة تفحص المريض ، تجس نبضه ، تعرف حالته المرضية وتعطيه وصفة ، فمن السذاجة أن يقول إنسان جاهل أمّي لطبيب علمني فقط كيف تكتب وصفة حتى أفتح عيادة :

﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾

[سورة الحديد : 13-14]

 معنى ذلك أن المنافقين كانوا مع المؤمنين :

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

 فالمنافق له مظهر وله مخبر ، له علامة وله سريرة ، له مواقف معلنة وله مواقف مبطنة ، إذا التقى مع أهل الدنيا :

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[سورة البقرة : 14-15]

 أخواننا الكرام ؛ النفاق باب واسع جداً ، لمجرد أن تقول مالا تعتقد فهذا نوع من النفاق، ولمجرد أن تفعل مالا تقول فهذا نوع من النفاق ، النفاق الاعتقادي أن تقول مالا تعتقد ، النفاق العملي أن تفعل مالا تقول :

﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى﴾

[سورة الحديد : 14]

 كنتم معنا في بلدتنا ، وفي الجامع ، وفي المناسبات الدينية ، كنتم معنا ولكنكم :

﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾

[سورة الحديد : 14]

 أي فتنتم بالدنيا ، والدنيا عندكم كل شيء ، ملأت كل جوانحكم ، جعلتموها غاية المطاف ، محط الرحال ، قاتلتم من أجلها ، عصيتم ربكم من أجلها .

أي إنسان يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين فهو منافق :

 ورد في الأثر :

(( ابن آدم خلقت لك السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ ))

 من أجل رغيف خبز عصيتني ؟ من أجل لعاعة من الدنيا نافقت للأقوياء ، ابن آدم خلقت لك السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ لي عليك فريضة ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لن أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا بلاء بمالها بوجاهتها بخيراتها بلذائذها تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد :

﴿ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾

[سورة الحديد : 14]

 الموقف الثاني :

﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ﴾

[سورة الحديد : 14]

 كنتم إذا أصاب المؤمنين مصيبة تفرحون ، أو تنتظرون هذه المصيبة كي تفرحون .
 إخواننا الكرام؛ أي إنسان يدعي الإيمان ، يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين فهو منافق مئة بالمئة من دون شك .

﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ﴾

[سورة الحديد : 14]

 ليس عندكم يقين .

زعم المنجم والطبيب كلاهما لا  تبعث الأموات قلت إليكمـــــــا
إن صح قولكما لست بخاسر أو  صح قولي فالخسار عليكما
***

 إن شاء الله يكون هناك جنة ، وإلا نكون قد وقعنا بمقلب ! هكذا يقولون .

﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾

[سورة الحديد : 14]

 أخطر شيء مدمر للإيمان طول الأمل ، متأمل يقول : بعد كذا سنة أفعل ، ثم يأتي الموت بغتة ويطيح له بكل هذه الآمال .

النفاق يتأتى من مسافة بين ما تقول وبين ما تفعل :

 أنا مرة قلت لكم أنني التقيت مع شخص شكا لي همه ، نوى السفر ، يسافر خمس سنوات ثم يعود بعد خمس سنوات ويستقيل ، يفتح محلاً يبيع به التحف ، يكبر أولاده ويزوجهم ، يجعل من المحل منتدى فكرياً ، خطط لخمس وعشرين سنة قادمة ، وفي اليوم نفسه وافته المنية ، قرأت نعوته مساءً بعد أن التقيت به ظهراً ، فالأمل :

﴿ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

[سورة الحديد : 14]

 الشيطان ، الله سمّاه غرور ، لأنه يطمّعك بشكل ساذج ، لا تدقق الله غفور رحيم ، الله قال :

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة النحل : 119]

﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

[سورة الحديد : 15]

 لذلك كان أصحاب رسول الله ، هم أصحابه ، هم قمم في الإيمان ، يقول بعض التابعين : التقيت بأربعين صحابياً من أصحاب رسول الله ما منهم واحد إلا وهو يظن نفسه منافقاً من شدة الخوف من الله ومن النفاق ، حتى أن عمر عملاق الإسلام المبشر بالجنة جاء إلى حذيفة ابن اليمان قال له : بربك اسمي مع المنافقين ؟ قال : يا سبحان الله معاذ الله يا أمير المؤمنين ، فكان أصحاب النبي هكذا ، فكل واحد منا يجب أن ينتبه ، النفاق يتأتى من مسافة بين ما تقول وبين ما تفعل ، من مسافة بين خلوتك وجلوتك ، بين سريرتك وعلانيتك ، بين عبادتك وأنت وحدك وبين عبادتك وأنت مع المجموع ، النفاق يتأتى إن عملت عملاً صالحاً ولم ترَ من يثني عليك تتألم وتضجر وتنتقد من حولك ، أما إن كنت مخلصاً فلا تعباً أبداً بردود فعل الناس إن فعلت عملاً صالحاً .
الآن ربنا عز وجل يقول :

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾

[سورة الحديد : 20]

 ولا تزيد على ذلك ، يقولون : سيدنا أبو عبيدة الجراح كان قائد الجيوش الإسلامية في الشام ، دخلوا على بيته المتواضع فإذا هو غرفة صغيرة فيها جرة ماء مغطاة برغيف خبز ، سيف معلق ، وجلد يجلس عليه ، قالوا : ما هذا ؟ قال : هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيل ؟ تجد إنساناً يعمر بيتاً يخربه مئة شخص ، يقول لك : يلزمني سبعة أكياس من الإسمنت بالمتر المكعب ، أريد رخاماً كذا ، يعتني بالبيت لدرجة أن هذا البيت يموت مئة شخص حتى ينهيه ، وهو قائد بكل قضية يعتني بها في الدنيا ، أنا سمعت مثلاً أعجبني جداً : رجل يسكن في بيت واستأجر ببلد ، نظام الإيجار عجيب أن مالك البيت يطرد المستأجر بلا سبب وبلا إنذار في أية ثانية تروق له ، ويخرج هذا المستأجر دون أن يسمح له بأخذ أي شيء من أثاث البيت ، يخرج لوحده ، اشترى فرشاً فخماً جداً ، وثريات ، كله سيتركه! هكذا النظام ، هو مثل تركيبي .

إن صحت الرؤية صح العمل :

 تصور نفسك أنك تسكن ببلد نظام الإيجار أن تأخذ بيتاً كل فرشك ممنوع أن تسحبه ، عندما يعطيك أمر مالك البيت بالخروج ، ولهذا المستأجر دخل كبير ، فكل دخله وضعه في هذا البيت ، فرش ، سجاد ، ثريات ، مكيفات ، وبأي لحظة يطرد منه من دون إنذار ودون أن يسمح له بأخذ حاجة ، ولهذا المستأجر بيت بعيد ملكه لكنه على الهيكل ، فالأولى أن ينفق دخله الكبير على تزيين بيت مستأجر يطرد منه في أية لحظة أم أن يكسو بيته البعيد الذي مصيره إليه ؟ هذا ما يقع به الناس الآن! كل مكتسباتهم في الدنيا كل ماله في مكان جميل أو مزرعة ، بأي لحظة يتوقف قلبه انتهى ، أصبح جثة هامدة ، عظّم الله أجركم ، كل شيء ملكه لغيره ، يجمع أمواله ديناراً ديناراً ثم يتركها ركاماً دون أن ينتفع بها . فأجمل شيء في الدين أن الله بين لك ما سيكون قبل أن يكون .

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً﴾

[سورة الحديد : 20]

 ما البديل ؟ بما أن الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر ، البديل قال :

﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾

[سورة الحديد : 21]

 ما معنى سابقوا ؟ هل سمعت في كل حياتك أن هناك سباقاً فردياً ؟ والله أنا جريت وفزت ، على من ؟ على نفسي! هذا كلام مضحك ، فلما أمرك الله أن تسابق يجب أن تكون في جماعة ومع الجماعة ، وإلا فالأمر لا معنى له ، سابقوا سارعوا كل آيات السباق تقتضي الجماعة ، لذلك الجماعة رحمة والفرقة عذاب وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد .
 آخر نقطة : أيها الأخوة : لا يوجد عمل تفعله إلا ووراءه رؤية ، هذا الذي يسرق لماذا يسرق ؟ بحسب رؤيته المنحرفة أنني أكسب مبلغاً كبيراً بلا جهد وأرتاح ، غاب عنه العقاب والسجن والمصادرة ، الذي يزني لماذا يزني ؟ لا يوجد تكليف ولا مهر ولا أولاد ولا مشاكل ولا مصروف ، حاجة قضيتها من دون عذاب ، لا يوجد إنسان يفعل الخطأ إلا ووراءه رؤية خطأ ، فإن صحت الرؤية صح العمل ، أي عمل سيئ وراءه رؤية سيئة ، وراءه عمى .

﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾

[سورة الحج : 46]

أكبر ثمرة من ثمار الإيمان أن ترى الحق حقاً والباطل باطلاً :

 انظروا للآية :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[سورة الحديد : 28]

 أعظم شيء في الإيمان أنت معك نور ، يريك الحق حقاً والباطل باطلاً ، فمن سابع المستحيلات أن يخطئ المؤمن ، القضية كبيرة ، له هنات ولمم ، أما قضية كبيرة كالسرقة فمستحيل ؟! يعلم أن الله سيحاسبه حساباً شديداً في الدنيا والآخرة ، فأكبر ثمرة من ثمار الإيمان هذه الرؤية ، ترى الحق حقاً والباطل باطلاً .
 قصة رويتها : رجل عاد من حلب في الليل ، المطر شديد جداً ، رجل يركض بالعدوي ، والناس كلهم في بيوتهم حول المدافئ يتعشون ، هذا الشخص كم هي القناعة لديه وكم رؤيته عميقة جداً في موضوع صيانة قلبه ؟ يركض ، فحينما تكون مع الله تمتلك رؤية ، هذه الرؤية تبتعد عن عامة الناس ، الناس ينامون وأنت تناجي ربك ، الناس يأخذون المال وأنت تنفقه، الناس يتغنون بمفاتن المرأة وأنت در ظهرك لها ، الناس يثرثرون وأنت تبقى صامتاً ، يجب أن تكون مؤمناً صارخاً في إيمانك ، لأنك لا تؤخذ بما يفعله الناس ، تؤخذ بما يأمره الشرع ، فإذا تكلم الناس فهو صامت ، إذا سكتوا خوفاً فهو ناطق ، إذا ناموا هو مستيقظ ، إذا خافوا هو مطمئن ، إذا بخلوا هو منفق ، لأن رؤيته صحيحة .
 مثل بسيط جداً : كان هناك باص في المهاجرين يقف بالمرجة باتجاه الشرق على اليمين ، الشمس محرقة صيفاً ، على اليسار ظل ، يصعد راكب يفكر ، يجلس بالشمس ، لأن الباص سيدور حول النصب التذكاري خلال ثانية وستنعكس الآية إلى آخر الخط ، فالذي أعمل فكره جلس بالشمس ، والذي عطّل فكره جلس في الظل ، والذي جلس بالظل يتهمه بالجنون أيضاً ، اجلس هنا يجلس بالشمس ، الآن يدور الباص دقيقة يتمتع بالظل لآخر الخط ، وهذا احترق بالشمس ، من هو الأذكى ؟ هذه هي الدنيا كلها والآخرة ، المؤمن عزف عن الدنيا ، أخذ الحق وما سمح الله له به ، ولديه فرص كثيرة جداً أن يصبح غنياً وقوياً وكبيراً ، لا يخالف منهج الله فكسب الدنيا والآخرة ، والكافر عندما آثر الدنيا على الآخرة خسرهما معاً .

من نقص الإيمان أن نعتز بإنسان غير مؤمن :

 قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الحديد : 28]

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة المجادلة : 14]

 المؤمن الصادق يوالي المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء ، ولا يوالي أهل الدنيا ولو كانوا أقوياء وأغنياء بالضبط .

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾

[سورة المجادلة : 22]

 ولاؤه للمؤمنين ، أحياناً تجد أخاً كريماً له قريب قوي أو غني لكن ليس فيه دين أبداً ، كيف يعتز به ؟ ابن خالتي ، ابن عمتي ، ابن فلان ، أنت يجب أن تعتز بمؤمن ، اعتز بإنسان يعرف الله لا تعتز بإنسان متفلت ، نقص في إيمانك أن تعتز بإنسان غير مؤمن ، أما نحن فعلاقتنا مع أعدائنا لاحظ الآية :

﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا﴾

[سورة الحشر : 2]

 أقوياء جداً :

﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

[سورة الحشر : 2]

 لو كنا مؤمنين كما يريد الله عز وجل والله لأرانا منه العجب العجاب ، لكن يبدو نحن لا نستحق نصر الله عز وجل ، أما لو كنا نستحقه كل شيء تسمعه يصبح بالعكس ، هم ولُّوا الأدبار .

﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

[سورة الحشر : 2]

 ليس عنا ببعيد انهيار الكتلة الشرقية ، لو توقع أحد ما هذا الأمر لوضعوه في مشفى الأمراض النفسية ، كيف انهارت ؟ كيف تداعت من الداخل ؟ وقد تكون الآن أسوأ دولة في العالم، مافيا ، سرقات ، ضعف ، تخاذل ، فإذا كنا مع الله وأراد أن ينصرنا مهما يكن عدونا قوياً يتداعى وينهار من الداخل ، لكن لضعف إيماننا نراه قوياً .

تحميل النص

إخفاء الصور