- أحاديث رمضان
- /
- ٠07رمضان 1421 هـ - دراسات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
ثمار العلم تقطف بالعمل به والإخلاص له .
أيها الأخوة الكرام ؛ ورد أنه إذا أردت أن تحدِّث الله عز وجل فادعُه ، وإذا أردت أن يحدثك الله عز وجل فاقرأ القرآن ، بل إن أعلى قراءة أن تقرأه أو أن تستمع إليه في صلاة قائما في مسجد ، نستمع في هذه الصلوات المباركة إلى كلام الله يتلى علينا ، المطلوب من المؤمن أن يحدِّد موقفه من كل آية ، بتعبير آخر التطبيق العملي ، أي حينما قال الله عز وجل :
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
أنت كمؤمن ماذا نذرت لله ؟ يمكن أن تقدم لله علمك ، أو أن تقدم له خبرتك ، أو أن تقدم له مالك ، أو أن تقدم له وقتك ، حينما نأتي يوم القيامة ما العمل الذي بين أيدينا يصلح للعرض على الله ، ولا تنسوا أن العمل لا يُقبل عند الله إلا بشرطين ؛ إلا إذا كان خالصا ، وكان صوابا ؛ خالصا ما ابتغي به وجه الله ، وصوابا ما وافق السُّنة ، فكلنا إلى طريق النهاية سائرون ، شئنا أم أبينا ، البطولة في هذه الساعة التي لا بد منها ، لا ينجو منها حيٌّ على الإطلاق ، أن يكون لك عمل يصلح للعرض على الله ، أن تقدِّم شيئا ، إنسان قدَّم ماله ، هذا قدم علمه ، هذا قدم خبرته ، هذا قدم عضلاته ، هذا قدم وقته ، هذا قدم أولاد صالحين للمجتمع ، هذا أخذ بيد زوجته إلى الله ، هذا حل مشكلة للمسلمين ، حجمك عند الله بحجم عملك ، وما أراد الله أن يكون هذا الكتاب كتابَ تاريخ ، هو كتاب هداية ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
يجب أن تقيس على هذه الآية أنت ماذا قدمت لله ؟ هل لك عمل تبتغي به وجه الله ؟ لا ترجو سمعة ولا شكرا ولا مديحا ولا ثناء ، أبدا ، تبتغي به وجه الله .
إخواننا الكرام ؛ من طبيعة النفس أن الخسارة تؤلمها ألما لا يوصف ، الخسارة والندم ، بعض العلماء قال : عشرة أشياء ضائعة ؛ وهذه الضائعة تورث ألما لا حدود له .
قصة لولا أنها وقعت لم تُصدَّق ، إلا أنها وقعت .
إنسان جمع وضرب وقسم وطرح ، أخذ قرارا ببيع كل ممتلكاته ، عنده معمل ، وبيت في أرقى أحياء دمشق ، ومركبات ، وبيت بالمصيف ، وحوَّل هذه المبالغ إلى العملة الأجنبية ، وحوَّلها إلى بلد أوروبي ، القصة مطوَّلة ملخَّصها ؛ حصل خطأ يحتاج إلى وثيقة معينة فوضع مبلغا باسم أحد أصدقائه المخُلَّص ، ريثما يؤمِّن الوثيقة .
في اليوم التالي قال له :
ليس لك عندي شيء ، فإنسان يخسر كل شيء في ثانية ، ولا شيء معه .
عشرة أشياء ضائعة :
لذلك قال العلماء : عشرة أشياء ضائعة .
تتعب بها ، تحصِّلها ، تجهد نفسك من أجلها ، ثم عند الله هباء لا قيمة لها ، ما هذه الأشياء ؟
1-علم لم يعمل به :
قالوا : علم لم يُعمَل به ، تعلم ما شئت ، تعلموا ما شئتم ، فو اللهِ لن تؤجروا حتى تعملوا بما عملتم ، علم لم يُعمل به ، فعد للمليون قبل أن تتعلم شيئا ثم لا تطبقه ، المصداقية في التطبيق ، حاسبْ نفسك ، هل الذي تعلمه مترجم إلى عالم الواقع ؟ هل الذي تعلمه عن علاقات الأسرة مترجم في أسرتك ؟ هل الذي تعلمه عن علاقات البيع والشراء مترجم في بيعك وشرائك ؟ هل الذي تعلمه من سنة رسول الله مطبقة في حياتك اليومية ؟ العلم الذي لم يُعمل به ضائع لا قيمة له ، وبالمناسبة قال تعالى :
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
يؤتى يوم بأناس يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة ، يجعلها الله هباء منثورا ، قيل يا رسول الله جلهم لنا ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها .
إذًا : كل أعمالهم لا قيمة لها عند الله .
أول بند علم لم يُعمل به ، اعمل مراجعات ، هل الواقع الذي تعيشه يتوافق مع العلم الذي تعرفه ؟ هل ما بلغك من كلام الله عز وجل وأقوال النبي الكريم مطبَّق في حياتك ؟ هذه واحدة .
2-عمل لا إخلاص فيه :
الآن عمل لا إخلاص فيه ، الدنيا مزينة ، والعلم له مكانة في الدنيا ، وقد ترتقي إلى درجة علمية عالية ، وتبلغ سمعة رائعة ، ونجمًا متألقا في المجتمع ، فهل تريد بالذي تتعلمه وجه الله عز وجل ، النبي عليه الصلاة و السلام يحدَّثنا أنه : من تعلّم العلم ليجادل به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه فليتجهَّز إلى النار ، وقد ورد في الأحاديث الكثيرة أن رجلا مشهورا جدا يُرى يوم القيامة في جهنم ، يقال : يا فلان ألست أنت فلانا ، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر و آتيه فعلم لا يُعمل به ، و عمل لا إخلاص له .
3-عمل لا اقتداء فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم :
الثالثة : وعمل لا اقتداء فيه برسول الله عليه الصلاة و السلام .
علم وعمل ، العلم ينبغي أن يُعمل به ، و العمل ينبغي أن يكون مخلصا ، وموافقا للسنة .
مال لا ينفق منه شيء ، هو يوم القيامة حسرة على صاحبه ، جمّعه في الدنيا فلم ينتفع به ، فخسره في لحظة واحدة حينما جاءته المنية ، فهذا المال الذي جمَّعه الإنسان إن لم ينفق منه ، من زبدته ، من خيره ، إلى الدار الآخرة فهو في خسارة شديدة .
ومرة ثانية : الإحساس بالخسارة والندم إحساس لا يوصف ، يكاد يذوب المرءُ ألما حينما يضيع ماله ، وهل من مصيبةٍ أكبر من أن يأتي الإنسان يوم القيامة صفر اليدين ، وقد خلَّف لورثته أموالا طائلة ، لذلك اندم الناس غني دخل ورثته بماله الجنة ، ودخل هو بماله النار ، وأندم الناس عالم دخل الناس بعلمه الجنة ، ودخل هو بعلمه النار .
من أدعية قرأتها أن : يا رب إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعدَ بما علَّمتني مني ، أي أنا أعلِّم وأبيِّن وأوضِّح ، ويأتي إنسان طالب علم يتعلم ، و ينتفع بهذا العلم والذي ألقى العلم لم ينتفع به ، أندم الناس عالم دخل الناس بعلمه الجنة ، ودخل هو بعلمه النار .
يا رب إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعدَ بما علَّمتني مني ، وإني أعوذ بك أن أتزيَّن للناس بشيء يشينك عندك ، وإني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك ، وإني أعوذ بك أن أقول قولا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك .
4-مال لا ينفق منه :
رابعاً مال لا يُنفق منه ، هذا شيء ضائع ومؤلم .
الآن قلب فارغ من محبة الله ، تنتابه مشاعر كثيرة جدا ، يحب زيدا ، و يكره عبيدا ، ويقدر فلانا ، ويسمّن فلانا ، ويحتقر فلانا ، مليء بالمشاعر إلا من محبة الله ، قلب فارغ من محبة الله ، وإذا أحببت الله أحبّك كلُّ شيء ، إذا أحببت الله ألقى حبَّك في قلوب الخلائق ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾
ما أخلص عبد لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة و الرحمة ، فيجب أن تبحث عن وسائل المحبة لله .
بالمناسبة الله عز وجل رسم منهجا ، هناك أشخاص - والعياذ بالله - ليس لهم قاعدة ، لا تعلم ما الذي يجعلهم يحبونك ، قد تحسن فلا يقبلون ، وقد تحسن فلا يرحمونك ، لكن الله عز وجل القرآن بين أيدينا .
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾
﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾
اثنا عشر آية ، اجمعها ، الله عز وجل أعلم في كتابه أنه يحب هؤلاء ، يحب المنصف ، ويحب الإنسان المتواضع ، يحب الإنسان المحسن ، والإنسان الصادق ، والإنسان المتقي ، اقرأ القرآن وانظر ، هل الآيات التي تشير إلى سبب محبة الله مطبَّقة فيك ؟ إذًا هو يحبك ، وإذا أحبك لك عنده كرامة ، لا يمكن أن يحبك دون أن يشعرك أنه يحبك ، أحيانا بالتوفيق وبالتيسير ، بنعمة تامة ، بأولاد أبرار ، بسمعة طيبة ، براحة نفسية ، تحس أنك مرتاح ، الذنوب لها أعباء كبيرة جداً ، الانحراف ضاغط على النفس ، أما المستقيم فيحس براحة كبيرة .
5-جسم الإنسان :
الآن بدن ، جسم قوي شديد عتيد ، لكنه معطَّل عن طاعة الله ، وعن خدمة خلقه ، يتكاسل في الصلاة ، أما لشيء غير الصلاة نشيط جدا ، مروءة أحد الأشخاص بائع قدور ، رآه يصلي قاعدا في الدكان ، قال له : أريد ذاك القِدر ، وضع السلم ، أخطأت الذي جنبه ، نزل وصعد مرة ثانية ، صعد ونزل عشر مرات ، تصلي قاعدا ، ومن أجل أن تبيع هذه القدر صعدتَ عشر مرات إلى السلم ، فالبدن يجب أن يكون في خدمة والخلق ، وفي طاعة الله عز وجل ، وكلما كانت همَّتك في طاعة الله أكبر كان الله قد رضي الله عنك أكثر .
6-الدعاء :
الآن الدعاء محبة ، لا تتقيّد برضا المحبوب :
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه ذاك لعمري في المقال شنيعُ
لو كان حبُّك صادق لأطعتَـه إنّ المحب لمَن يحب مطيعُ
هذه محبة فارغة ، بلا معنى لا تدَّعِها ، لا يقبلها الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
علامة حبك لله الصادقة أن تتبع النبيَّ ، ومن لم يتّبع النبي فهو كاذب في محبته ، خاضوا بحار الهوى دعوى وما ابتلوا ، محبة لا تتقيّد برضا المحبوب .
7-الوقت :
الآن وقت معطَّل عن استدراك ما فرَّط واغتنام برٍّ وتقوى ، فرّط ، جلسة فارغة ، كلام لا معنى له ، متابعة أعمال فنية ساقطة ، حديث في الغيبة ، إن لم تفعل خيرا فأنت آثم ، فكيف إذا فعلت الإثم والشر والعدوان ، هذا الوقت ، أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، محسوبة ، واحد له عند الله عز وجل فرضا اثنان وستون سنة و ثمانية أشهر وثلاثة أسابيع و ستة أيام وخمس ساعات وأربع دقائق وثلاث ثوان ، امسك ساعة ، كل ثانية قرَّبنا ، هذا الوقت ، أجمل ما قرأت في الوقت : الليل والنهار يعملان فيك - تتغيَّر معالمُ وجهه ، تتغير صحته ، طبعا الإنسان يصعد و يستقر ثم ينزل ، كل واحد له خمسون علة ، وكل هذه العلل إشارات لطيفة من الله أنْ : يا عبدي قد قرُب اللقاء فهل أنت مستعد له ، فها الوقت ثمين جدا ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، و على عملك شهيد ، تزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، ما الذي يمنع أن تفتح دفترًا تعمل الأعمال الصالحة ، اليوم ماذا فعلت ؟ ماذا عملت من عمل نفع به المسلمين ، وابتغيت به وجه رب العالمين ، كل يوم ، سجل لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، قال تعالى :
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
8-المعرفة :
الآن فكْر ، مستعد أنْ يقدم لك تحليلات في العلاقات الدولية مذهلة ، يتابع ، يجول في السياسة و في الاقتصاد ، وفي أسعار العملات ، وفي مستقبل الاقتصاد في البلد الفلاني ، ومصير البشرية ، وأسعار النفط ، وأسعار القطن ، فكر يجول في كل شيء ، إلا في معرفة الله ، هذا يتألّم ، أرقى جهاز منحه الله إياه ، يجب أن يجول في معرفة الهف ، في العمل للآخرة ، فكر سيجول فيما لا ينفع .
9-الخدمة :
تخدم إنسانا لا تقرِّبك خدمته إلى الله أبدا ، خدمة ضائعة ، شخص ليس أهلا أن تكون في خدمته ، أنت لله ، أنت جيّرت نفسك لجهة أرضية ، أنت احتقرت نفسك حينما جيرت نفسك لجهة أرضية محضتها حبَّك وودّك ، وكنت في خدمتها ليلا و نهارا ، هذه خدمة ضائعة ، وخدمة من لا تقرِّبك خدمته إلى الله عز وجل .
10-الخوف والرجاء :
هناك خوف ضائع و رجاء ضائع ، أن تخاف من إنسان ليس بيده أمرك ، وأنت تكبره و تظن أن بيده أن ينفعك أو يخفضك ، وهو عبد مثلك ضعيف ، فخوفك و رجاؤك من جهته لا تنفع ولا تضر ، هذه الأشياء ضائعة ، و يعقبها ألمٌ و خسارة وندم .
أرجو الله سبحانه و تعالى أن تكون هذه الآية :
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
فكل واحد ينوي ، واللهِ اليوم ، ما مضى فات ، و المؤمل غيب ، الغد قد لا نعيشه ، و من عدَّ غدًا من أجله فقد أساء صحبة الموت ، الآن انوِ أن تقتديَ بهذه السيدة الطاهرة ، أنها نذرت لله ما في بطنها ، وأنت انذر لله ما بيديك ، اعمل عملا تبتغي وجه الله ، واللهُ سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا .