- أحاديث رمضان
- /
- ٠07رمضان 1421 هـ - دراسات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
صلاة الجماعة
أيها الأخوة الكرام ؛ ما قولكم في ساحة الحرب ، وفي اللقاء المباشر ، والمواجهة الكاملة ، والالتحام بالسلاح الأبيض ؟ ويجب أن تصلي صلاة الجماعة في هذا الوقت ، العدو أمامنا وقد اشتبكنا معه بالسلاح الأبيض ، الله جل جلاله شرع لنا صلاة الجماعة ، فإذا كنا في السلم ، في بيوتنا آمنين ، في أعمالنا ، وتخلفنا عن صلاة الجماعة ، فكم هي المعصية ؟ ونحن في الحرب لأن يد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ، لأن يد الله على الجماعة بالبركة و الحفظ والرعاية ، ولأن الله عز وجل يقول :
﴿سَابِقُوا﴾
هل سمعت في حياتك سباقاً فردياً ، كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ـ ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك ، حالات نادرة ، فالله عز وجل يأمرنا أن نتسابق ، ولا سباق من دون جماعة ، أنت إذا كنت مع الجماعة استأنست بهم ، وقومت اعوجاجك ، وحسنت سيرتك ، وأصلحت عقيدتك ، أخوك أخذ بيدك ، وأنت أخذت بيده ، أخوك أعطاك وأنت أعطيته ، أخوك متألق تمنيت أن تكون مثله ، أما الذي يعيش وحده منعزلاً ، يعيش في أوهام ، أنا لست مقتنعاً بهذا الشيء ، مَن أنت ؟ من أنت حتى لا تقنع ؟
يقولون هذا عندنا غير جائز فمَن أنتم حتى يكون لكم عندُ
فكلما انعزل الإنسان في مجتمعه عاش في أوهام ، ويفتي لنفسه ، و يبيح لنفسه ما لا حق له به ، فلذلك يجب أن ننتبه إلى أن الله أمرنا أن نصلي الصلاة جماعة ونحن في ساحة الحرب ، ونحن نشتبك مع العدو ، فإذا كنا في السلم وفي بيوتنا آمنين ، وفي أعمالنا مطمئنين لا بد من أن تكون مع الجماعة ، والجماعة بركة ، ومن شذ شذ في النار ، والله يرحم الجماعة .
شيء آخر :
عَنْ أَبِي الْجَعْدِ يَعْنِي الضَّمْرِيَّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
لأن هذه الصلاة صلاة الجمعة ، عبادة تعليمية لا بد مِن أن تكون مع العلم ، مع القرآن ، مع السنة ، مع أقوال الصحابة ، مع الفقه ، مع السيرة ، إذاً أول نقطة فهذه الآيات العظيمة التي قرئت قضية أن تكون مع الجماعة .
الهجرة في سبيل الله
هناك شيء آخر ؛ وهذا أقوله كثيرة ، هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة ، يعني بلد فقير ، و بلد غني جدا ، فإذا عشت في هذا البلد الفقير دخلك لا يكفي ، أما إذا ذهبت إلى بلد غني جدا قد تأتيك الملايين ، فإن ذهبت من بلد فقير تقام فيه شعائر الله ، بإمكانك أن تستقيم على أمر الله ، و الجو العام مقبول ، و أسرتك لك ، و أولادك لك ، لكن الدخل قليل ، فإذا هاجرت إلى بلد بعيد غني جدا عشت حياة خيالية ، لكن على حساب دينك ، وعلى حساب دين أولادك ، فما معنى الهجرة ؟ هناك هجرة في سبيل الشيطان ، حينما تكون لدنيا تصيبها ، أو امرأة تنكحها ، وهناك هجرة في سبيل الرحمن ، إنسان ترك كل المميزات وعاد إلى بلده ، ليجد متاعب لا تحصى ، لكن ماذا يقول الله عز وجل هنا ؟ قال :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً﴾
هذه الآية خلاف القوانين العامة ، خلاف القوانين المستنبطة من حركة الحياة ، ما من إنسان خاف على دينه ودين أولاده وعاد إلى بلده إلا واللهُ عز وجل يعده وعداً قطعيا أنه سيجد في بلده مراغما كثيرا وسعة ، كيف ؟ لا نعرف ، القوانين المستنبطة من حركة الحياة تقول عكس ذلك ، أما قوانين العناية الإلهية تؤكد هذا المعنى ، فدائماً احرص أن تكون هجرتك في سبيل الله عز وجل .
أناس كثيرون يذهبون إلى بلاد بعيدة ليولد أبناؤهم ليكتسبوا الجنسية ، أعرف واللهِ أناساً مؤمنين يأتوا بزوجاتهم وقت الوضع إلى بلادهم ليضعوا في بلادهم لئلا يكتسبوا هذه الميزة ، فلا بد من أن تؤثر ، لفت نظري هذه الآية :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
شاب نعرفه في ولاية ، استمع إلى الدروس كثيرا ، وقال : لا بد من أن يكون لي موقف ، هذه الدروس تؤكد في مجموعها أنه لا بد أن أعود إلى بلدي ووطني ، أربي أولادي تربية إسلامية ، وعاد إلى بلده ، وبعد يومين مات بحادث ، رأيت الآية ، أعرفه تماما ، قال تعالى :
﴿ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
الآن هذا كلام الله ، ماذا آتى الله فرعون ؟ آتاه ملكاً ، ماذا آتى قارون ؟ آتاه مالاً ، يقول الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة و السلام :
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
الملك على عظمه ليس عند الله عظيما ، والمال على وفرته ليس عند الله نعمة عظيمة ، ولكن النعمة الحقيقية العظيمة أنه علمك ما لم تكن تعلم
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
لأن العالم حارس ، إنك بالعلم تعرف الله ، وبالعلم تستقيم على أمره ، وبالعلم تتجه للخير ، وبالعلم تعرف سر وجودك ، وبالعلم تعرف غاية وجودك ، وبالعلم تكون حكيما ، إذًا يكاد العلم أن يمون أثمن شيء على الإطلاق ، أن تعرف الله :
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
مَن الذي يقول " عظيما " ؟ العظيم ، دقِّق ، لو قال لك طفل : أنا معي مبلغ عظيم ، كم تتصور هذا المبلغ ؟ عشر ليرات ، ويقول لك أحد كبار أغنياء العالم : أني عندي ثروة عظيمة ، اختلف الوضع ، كلمة عظيم من العظيم لها معنى ، ولها حجم ، فربنا عز وجل يقول :
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
هذا كلام خالق الكون ، هذا لو قرأناه كل يوم سورة ، وآية آية ، وكلمة كلمة ، وحرفا حرفا ، نزداد علما به ، منهج كامل ، لا يمكن أن تقرأ القرآن وعندك مشكلة تحل ، لأنه كتاب هداية من عند الخالق ، الإنسان أحيانا يذهب إلى بلاد بعيدة يختل توازنه ، أمطار ، بلاد خضراء ، على فسق وفجور لا يُحتمل ، يختل توازنه ، يقرأ القرآن :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
قد يرى في بلاد المسلمين فقرا وضعفا وبؤسا ، قال تعالى :
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
صفات قوم عاد
اليوم ذكرت في الخطبة أن الله عز وجل قال :
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾
أي هناك واحدة ثانية ، أليس كذلك ، هذه دفعة أولى ، أين الثانية ؟ من كلمة أولى يتضح أن هناك دفعة ثانية :
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾
هذه عاد ما صفاتها ؟ قال :
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾
أرأيت إلى خصائصها :
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
إذًا هناك عاد ثانية ، أليس كذلك ، هذا الكتاب يجب أن يأخذ كل اهتمامنا.
وعود الله تأتي بعد التنفيذ لأوامره
طيب إذا قال الله عز وجل واستخدم كلمة لن ، لن تفيد تأبيد النفي ، قال
﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
طيب ما قولك إذا كان للكافرين على المؤمنين الف سبيل وسبيل ، ماذا نقول ؟ نقول هذا الإيمان الذي ندعيه ليس الإيمان الذي أراده الله ، هذا إيمان فولكلور ، إيمان تقاليد ، إيمان عادات ، إيمان ثقافة فقط ، ولكن الإيمان الذي أراده الله ليس هذا ، لو كان متحققا فينا ، والله لزوال الكون أهون على الله من أن يجعل لكافر علينا سبيلا ، الدول العظمى قوية جدا ، تتحكم في بلاد المسلمين ، إذًا هذا من ضعف المؤمنين ، هذه حقيقة .
حقيقة ثانية ؛ كن جريئا ولا تحابِ نفسك ، يقول الله عز وجل :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال : ألا يعذبهم .
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
معنى ذلك أن الله لم يقبل منهم دعواهم ، لو قبِل دعواهم لما عذبهم ، ولما عذبهم إذًا هم مذنبون ، بينك وبين نفسك .
شكر الله على أفضاله ونعمه الكثيرة
عن أبو إدريس الخولاني رحمه الله ، عن أبي ذَرّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
هناك آخر نقطة ، أنا وعدنكم بعشرة أسباب تقرب من الله عز وجل أرجئوها ليوم آخر ، لكن أخ كريم جاءني بمقاييس الأمطار ، واللهِ شيء مفرح والحمد لله ، الحرمون ستة وثلاثون ميليمتر في هذين اليومين ، أو أمطار الجمعة فقط ، عدنا عند جبل الشيخ مستودعات نهر الأعوج ستة وسبعون ميليمتر ، سرغايا ثلاثة و ثلاثون ، الزبداني ستة وعشرون ، مضايا سبعة و عشرون ، رنكوس عشرون ، ميسلون خمسة وعشرون ، الجديدة اثنان وعشرون ، أسار الورد واحد وعشرون ، قطنا أربعة وعشرون ، التل تسعة وعشرون ، قاسيون خمسة عشر ، برزة عشرة ، دمشق ، بلغت الأمطار أثني عشر ميلي في دمشق ، صارت مجموع الأمطار خمسين ميليمترا مقابل صفر في العام الماضي ، حتى هذا التاريخ في العام الماضي لم تهطل ولا قطرة مطر ، وهذه خمسون ميليمترا ، فاتقوا الله أيها الأخوة ، واشكروا الله ، إذا الواحد صلى ركعتين صلاة شكر في البيت على نعمة الأمطار ، هذه نعمة كبيرة ، لأن هناك بهائم رتع ، وهناك أطفال رضع ، وهناك شيوخ ركع ، ثم وجدت رواية : هناك شباب خشع ، لولا شباب خشع وأطفال رضع ، وبهائم رتع ، وشيوخ ركع ، لصب عليكم العذاب صبا ، فكما أن الله أمرنا أن ندعوه عند جفاف البلاد ينبغي أن نشكره على هطول الأمطار ، فالحمد لله بجبل الشيخ خزانات نهر الأعوج وتنتفع به المنطقة الجنوبية كلها ، في هذا الجبل ستة وسبعون ميليمترا نزلت في ليلة واحدة ، يوم واحد .