وضع داكن
26-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 080 - التوبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ما معنى هذه الآية؟ :

 أيها الأخوة الكرام, ربنا عز وجل, جعل التوبة صمام أمان, كيف أن هذا الوعاء البخاري, له صمام أمان لئلا ينفجر, فالله جل جلاله لحكمته البالغة؛ علمه, وخبرته, جعل التوبة للإنسان منفذ الإخلاص, فإذا استحكمت عليه ذنوبه, إذا كثرت عليه سيئاته, فتح الله لهذا العبد باب التوبة.
 لذلك الإمام النووي -رحمه الله تعالى-, عقد في كتابه رياض الصالحين موضوعاً حول التوبة, صدَّره ببعض الآيات الكريمة.
 قال تعالى:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

 فالتوبة طريق الفلاح, والفعل أمر, وكل أمر يقتضي الوجوب.
 وجميعاً: حينما يتوب الناس جميعاً, نقطف ثمار الإسلام.
 كما لو أن عندك هاتف وحدك, ولك مئة صديق, ليس عندهم هاتف, هذا الهاتف لا قيمة له, أما إذا كان عند كل الأصدقاء هواتف, هذا الهاتف له معنى كبير.
 فأنت حينما تعيش في مجتمع تائب؛ في أمانة, في إخلاص, في صدق, أنت إذا أمرت أن تكون صادقاً, مليون إنسان أُمر أن يكون صادقاً لمصلحتك, إن أمرت أن تكون أميناً, مليون إنسان أُمر أن يكون أميناً لمصلحتك, فالتركيز على كلمة جميعاً:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

هذه حالة الإنسان في آخر الزمان :

 في إنسان في آخر الزمان: يعيش في مجتمع متماسك؛ هو يستقيم, يضبط لسانه, ويضبط بصره, وأمين, وصادق, ولكن المجتمع من حوله فاسد, لذلك: هذه الفضائل لا تظهر كثيراً.
 لذلك عليه الصلاة والسلام قال:

((اشتقت لأحبابي, قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا, أنتم أصحابي, أحبابي: أناس يأتون في آخر الزمان, القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر, أجره كأجر سبعين, قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم, قالوا: ولم؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))

 فإذا تاب الناس إلى الله جميعاً, قطفت ثمار الإسلام؛ الناس كلهم صادقون, الناس كلهم لا يكذبون, الناس كلهم مخلصون, الناس كلهم ورعون, الناس كلهم عفيفون, لذلك تعيش في بحبوحة كبيرة جداً.

ما العبرة من هذه القصة؟ :

 سيدنا عدي بن حاتم -رضي الله عنه-, كان ملكاً, وفر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وقد أُسرت أخته عند رسول الله, ولقيت منه أطيب معاملة, فوصفته لأخيها, الحق به؛ فإن كان ملكاً يصبك من خيره, وإن كان نبياً أفلحت ونجحت, فجاء إلى -النبي عليه الصلاة والسلام-
 قال:

((من الرجل؟ قال: عدي بن حاتم, قال: الفارُّ من الله ورسوله؟

 -استقبله.
 وكان -عليه الصلاة والسلام- حكيماً, كان يقول:

((أنزلوا الناس منازلهم))

[أخرجه أبو داود في سننه]

 لأنه ملك سابقاً- دعاه إلى بيته, وقذف إليه وسادة واحدة في بيته من أدم, محشوة ليفاً, قال: اجلس عليها, قلت: بل أنت, قال: بل أنت, قال: فجلست عليها, وجلس رسول الله على الأرض, قال: إيه يا عدي بن حاتم, –دققوا في هذه الكلمات الثلاث–, لعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين, ما ترى في حاجتهم, –فقراء أصحابي-, وايم الله! ليوشكن أن يفيض المال فيهم, حتى لا يوجد من يأخذه, ولعله إنما يمنعك من دخولٍ في هذا الدين, أنك ترى أن الملك والسلطان في غيره, –الله أعطى القوة لأعداء المسلمين وقتها–, وايم الله! ليوشكن أن تسمع بالمرأة البابلية تحج البيت على بعيرها لا تخف, –الأمر يستتب بالمسلمين-, ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين, ما ترى من كثرة عدوهم, وايم الله! ليوشكن أن تفتح بلادهم من قبل المسلمين))

 

وعاش عدي بن حاتم, حتى رأى هذه البشارات الثلاث.
 فالعبرة: أن يتوب الإنسان إلى الله, يتوب المؤمنون جميعاً إلى الله, إذا تابوا جميعاً, قطفنا ثمار الدين, وإذا تفلتوا جميعاً ......:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:105]

 أنا أتمنى –والله-: أن يكون الناس جميعاً مؤمنين, أن يكونوا جميعاً مستقيمين, أن يكونوا جميعاً محبين, أن يكونوا جميعاً صادقين, فإن لم يكن كذلك .......
 قال: إن لم يكن ما تريد, فأرد ما يكن.
 نقول: حسبي الله ونعم الوكيل.

اعلم هذه الحقيقة :

 قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:105]

 يعني: الله عز وجل أجل وأكرم: أن يعامل المطيع كما يعامل العاصي, لو أن العصاة كثروا, يعني:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

[سورة الجاثية الآية:21]

 مستحيل؛ لو كنا في زمن الفساد, لو كنا في زمن الكذب, لو كنا في زمن التفلت, لو كنا في زمن شيوع الملهيات في البيوت, نحن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا.

مراحل التوبة إلى الله :

 ويقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[سورة التحريم الآية:8]

 يعني: توبة لا عودة منها.
 بالمناسبة -أيها الأخوة-: أول توبة؛ بلمحة, بلحظة, الصلحة بلمحة, أما التوبة الثانية: أصعب, إذا الإنسان تاب, ثم لقن توبته, من الصعب أن يتوب ثانية, فإذا تاب ثانية, وقبله الله عز وجل, التوبة الثالثة: أصعب وأصعب.
 فكلما اجترأ العبد على ربه في ذنب, وأعاده مرة ثانية, وثالثة, ضعفت معنوياته, وضعفت همته للتوبة؛ ولكن الحل: أنه في المرة الأولى: تبت إلى الله, المرة الثانية: يمكن أن تضيف إلى التوبة عملاً صالحاً, كي يرمم نقض التوبة الأولى, المرة الثالثة: عمل صالح, وصيام؛ فكلما صار في خطأ, يجب أن يرمم.

نحن في بحبوحتين هما؟ :

 فالآية:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

 و:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[سورة التحريم الآية:8]

 وقال تعالى:

﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:3]

 وتعلمون -أيها الأخوة, كما قلت من قبل-: أننا جميعاً في بحبوحتين؛ بحبوحة الاستقامة, وبحبوحة الاستغفار:

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[سورة الأنفال الآية:33]

 فعود نفسك أن تستغفر؛ لأنك إن استغفرت الله عز وجل, فأنت في بحبوحة من عذاب الله.

نقطة هامة :

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-, قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:

((والله إِني لأستغفرُ الله وأَتوبُ إليه في اليومِ سَبعينَ مَرة))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

 إلا أن هذا الاستغفار, وهذه التوبة, تحتاج إلى شرح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم, وقد عصمه الله من أن يخطىء في أقواله, وفي أفعاله, وفي أحواله, هو مشرع, لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر الآية:7]

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾

[سورة الحشر الآية:7]

 لو أنه غير معصوم, لكنا قد أُمرنا بالمعصية, لو أن النبي غير معصوم, وأمرنا الله عز وجل أن نأخذ عنه دائماً, فكان في أمر حكمي بغير الكمال؛ لكن لأنه معصوم, والله عز وجل عصمه, إذاً: نأخذ عنه كل شيء.

هذا هو استغفار النبي لربه :

 والله عز وجل يقول:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾

[سورة النجم الآية:3]

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[سورة النجم الآية:3]

 أما استغفار النبي -عليه الصلاة والسلام- من نوع آخر؛ يعني كلما عرف الله عز وجل, كلما وصلت معرفته إلى درجة, ثم في اليوم التالي عرف الله بمستوى أعلى, استحيا من الله بالمستوى الأدنى.
 يعني إنسان له حجم مالي كبير, قلت له أنت: يعني معك مليون؟ قال لك: لا, مليون!! قلت له: يعني مئة مليون؟ قال لك: لا, مئة مليون فقط!!.
 فأنت كلما توقعت رقماً, هذا أكبر بكثير, فالمفروض الإنسان: أن يعرف الله حق المعرفة, الأنبياء أعلى من عرف الله, إلا أنهم لم يعرفوه كما يعرف الله نفسه.
 لذلك: لا يعرف الله إلا الله, أما أعلى إنسان على وجه الأرض, من آدم إلى يوم القيامة, عرف الله هو رسول الله, ومع ذلك معرفته ليست مطلقة, فكان يستغفر, كلما ارتقت معرفته يستغفر؛ يا رب سامحني, أنت أعظم من ذلك, أنت أرحم, أنت أعلم, أنت أكمل, أنت أقوى.
 فكلما عرف الله في درجة, يستغفر ربه على هذا المستوى, الذي هو دون ما يليق بكمال الله, هذا المعنى.

من فصاحة النبي العربي عليه الصلاة والسلام :

 كان -عليه الصلاة والسلام- كان بليغاً.
 قال:

((أوتيت جوامع الكلم))

 قال:

((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش))

 ما معنى بيد أني؟ يعني إلا أنني, هذا أسلوب تأكيد الذم.
 أنا أقول: فلان, فلان يعني كريم, إلا أنه مفرط في ماله, فأنا ذممته, أما أنا إذا قلت: فلان كريم, إلا أنه رحيم, أنا استخدمت المديح بأسلوب الذم, هذا نوع من الفصاحة.
 قال:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم  بهن فــلول من قراع الكتائب

 يعني سيوفهم مسلولة من قراع الكتائب, هذا مدح, هذا ....
 فالنبي استخدم هذا الأسلوب, قال:

((أنا أفصح العرب إلا أنني من قريش))

 هذه قريش أفصح قبيلة على الإطلاق, هذا اسمه: تأكيد المدح بما يشبه الذم.
 في أسلوب عكسي: تأكيد الذم بما يشبه المديح؛ فلان لئيم, لكنه حباب, أكدت الذم بما يشبه المديح, لأن الاستثناء من صفة الذم, معناها مديح.
 هذا الأسلوب: العرب يعرفونه في جاهليتهم.

ماذا بين لنا النبي في هذا الحديث؟ :

 فالنبي -عليه الصلاة والسلام, وقد أوتي جوامع الكلم-, روى قصة, والقصة مؤثرة, والقصة حادة, صارخة, ليبين لنا كم فرح الله عز وجل بتوبة عبده المؤمن.
 رجل يركب ناقة, يقطع بها مفازة, تعب, جلس ليستريح, على ناقته طعامه وشرابه, –ولا يعرف الصحراء إلا من دخل إلى الصحراء, إذا دخل إلى الصحراء, وغابت عنه ناقته, مات قطعاً- فتعب, جلس ليستريح, لم ير الناقة, أيقن بالهلاك, أيقن بالموت القطعي, فجلس يبكي, ثم يبكي, حتى أدركه النعاس ثانية, فنام فاستيقظ, فرأى الناقة, فمن شدة فرحه, اختل توازنه, قال: يا ربي أنا ربك, وأنت عبدي.
 قال عليه الصلاة والسلام:

((لله أفرح في توبة عبده من ذلك البدوي بناقته))

 فإذاً: إذا أنت تبت إلى الله, الله يفرح بك؛ لأنه ينتظرك, ولأنه خلقك ليرحمك, ولأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليرحمهم, ليسعدهم, والدليل:
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

 

[سورة هود الآية:119]

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

[سورة هود الآية:119]

 خلقهم ليرحمهم.
 إذاً:

((لَلّهُ أشدُّ فْرَحاً بتوبةِ عبده -حين يَتُوبُ إليه- من أحدِكم, كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه، وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها وقد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخِطامِها، ثم قال من شِدَّة الفرح: اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ، أخطأ من شدة الفرح))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

إما أن تتوب إلى الله من ذات نفسك وإما أن يحملك على التوبة :

 وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

((إنَّ اللِهَ -عزَّ وجلَّ- يبْسُطُ يدَهُ باللَّيْلٍ ليَتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسُطُ يدَه بالنَّهار ليتُوبَ مُسيء الليلِ ، حتى تطْلُعَ الشمسُ من مغرِبِها))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 يعني: الله عز وجل ينتظرنا جميعاً, وكلنا مطلوبون إليه, وهو يعالجنا؛ فإما أن نتوب من ذوات أنفسنا, وإما أن يحملنا على التوبة, وهذا المعنى الدقيق, قال تعالى:

﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾

[سورة التوبة الآية:118]

﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾

[سورة التوبة الآية:118]

 يعني: ساق لهم من الشدائد ما حملهم على التوبة؛ فإما أن تتوب من ذاتك, وإنا أن يسوق الله لهذا الإنسان شدائد, ومصائب, يحمله بها على التوبة, هذه قضية دقيقة جداً.
 يعني بالتعبير العامي: إما أن تأته مسرعاً, أو أن يجيبك إليه مسرعاً.

((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار))

((إذا كان ثلث الليل الأخير, نزل ربكم إلى السماء الدنيا, فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر))

متى يغلق باب التوبة؟ :

 وعن أبي عبد الرحمن, عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

((إنَّ اللّهَ يقبلُ توبة العبدِ ما لم يُغَرغِرْ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 يعني: إذا وصلت روحه إلى حلقومه, أُغلق باب التوبة. وليست التوبة:

﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾

[سورة النساء الآية: 18]

 آية ثانية:

﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾

[سورة الأنعام الآية:158]

﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾

[سورة الأنعام الآية:158]

 وفرعون عندما أدركه الغرق:

﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾

[سورة يونس الآية:90]

 قال:

﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾

[سورة يونس الآية:91]

افهم بدقة :

 مر معي بيت شعر حيرني. قال:

إن فرعـون وهامان معاً  والنبيين جميـعاً في سقر

 معقول!!

إن فرعـون وهامان معاً  والنبيين جميـعاً في سقر

 الأنبياء, –قسم- قسم؟ بارك الله بك:
 إن فرعـون وهامان معاً والنبيين –وحق النبيين- جميـعاً في سقر
 يعني فرعون وهامان؛ لكن هنا أتى واو؛ إن: حرف مشبه بالفعل, فرعون: اسمها, وهامان: معطوفة على فرعون, والنبيين: معطوفة عليهم بحسب الظاهر, أما هي قسم, لو كان غير قسم, المعنى في فساد كبير, معقول الأنبياء في سقر!!.

إن فرعـون وهامان معاً  والنبيين جميـعاً في سقر

 يعني: وحق النبيين.

من ألغاز اللغة :

 في اللغة العربية باباً اسمه: الألغاز, الألغاز يعني: أبياتاً ملغزة:
 إن هندُ –إن هنداً-:

إن هندُ المليـحةُ الحسناء وهي  من أضمرت لخلٍّ وفاء

 هذا من الأبيات الملغزة؛ يعني اِ: فعل أمر, وأَ يئي إِ همزة, وعد يعد عد, وقى يقي قِ, وفى يفي فِ.
 ف: الفاء لوحدها فعل أمر, والقاف: لوحدها فعل أمر, والهمزة: لوحدها فعل أمر.
 ف: إن: فعل أمر مع نون التوكيد الثقيلة.
 يعني: عديني يا هند, وعد من أضمرت لخلٍّ وفاء.
 هذا بيت ملغز.
 إذاً:

((إنَّ اللّهَ يقبلُ توبة العبدِ ما لم يُغَرغِرْ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

قصة توبة كعب بن مالك :

 عن عبد الله بن سعد بن مالك, وكان قائد كعب -رضي الله عنه- من بنيه حين عمي, قال:

((سمعت كعب بن مالك يحدث بحديثه, حين تخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك.
قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة غزاها قط, إلا في غزوة تبوك -في هذه الغزوة تخلف هذا الصحابي الجليل- فلما عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبل المنافقين, اعتذروا له جميعاً, كلٌّ ادعى شيئا وعذراً, قبله النبي لحكمة بالغة؛ إلا أن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أراد أن يصدق النبي.
قال: والله -يا رسول الله!- لو جلست عند أحد غيرك, فأنا أوتيت لساناً بردا -أقنعه- ولكنني خفت أن أسترضيك, فيسخطك الله علي, فأجمعت أن أكون صادقاً عنك.
والله حينما تخلفت عنك, ليس لعذر إطلاقاً –أبداً, لم يكن في أي عذر-؛ ولكنني تخلفت عنك, -رأيت الصادق-.
فالنبي أمر بمقاطعته خمسين يوماً مع اثنين آخرين, –قاطعوهم-, ثم تاب الله عليهم توبة, تسع أهل الأرض كلهم.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صدقه قال: أما هذا فقد صدق))

 قبل, قبل قليل: سمع لثمانين رجلاً منافقاً, وقبل أعذارهم, أما حينما سمع سيدنا كعب, قال:

((أما هذا فقد صدق))

 سيدنا سعد قصته فيها شيء دقيق: هو أنه أخلص لله, وأنه وحد, يعني عنده قناعة؛ لو أنه أرضى الله, لو أنه أرضى النبي بالكذب, ليوشكن الله أن يسخطه علي, ولو أنه أرضى الله بالصدق, ليوشكن الله أن يرضي عنه النبي, هكذا .....
 فأنت حينما ......
 اجعل الهموم هماً واحداً, يكفك الهموم كلها.
 من جعل الهموم هماً واحداً, كفاه الله الهموم كلها.

متى تكون التوبة؟ :

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-, أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:

((لو أن لابن آدم وادياً من ذهب, أحب أن يكون له واديان, ولن يملأ فاه بني آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب))

 يعني يا أيها الأخوة, يجب أن نستغل أعمارنا, وأن نجري حساباً دقيقاً في حياتنا؛ فأي مخالفة, أي تقصير: يجب أن تغطى بالتوبة, والإنسان إذا تاب, تاب الله عليه.

((والتائب من الذنب, كمن لا ذنب له))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

((وإذا تاب العبد توبة نصوحة, أنسى الله حافظيه, والملائكة, وبقاع الأرض, خطاياه وذنوبه))

((وإذا رجع العبد العاصي إلى الله, ناد مناد في السموات والأرض: أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))

 وكلمة تهانينا: والله لا تقال حقيقة: إلا لمن اصطلح مع الله, لأن الصلح مع الله أكبر غنيمة.
 إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟.
 إلا أن التوبة, ينبغي أن تكون بعد الذنب مباشرة, وهذا تؤكده الآية الكريمة:

﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾

[سورة النساء الآية:17]

التوبة علم وحال وعمل إليك بيان ذلك :

 والتوبة -أيها الأخوة-: علم, وحال, وعمل, كيف هي علم؟.
 إذا إنسان معه ارتفاع ضغط, متى يُعالجه؟ حينما يعلم أنه مرتفع, إذا قاسه, وليس له أعراض الضغط, أعراض ليس له أبداً, لكن هذا الضغط: لا يُعالج إلا إذا علم.
 فالإنسان متى يتوب؟ إذا كان ليس له مجلس علم, وليس له مرجعية دينية, لا يتعلم, يرتكب كل المعاصي, يقول لك: ماذا عملنا؟ لم نعمل شيئاً, هذه حرام, هذه؟.
 فإذا الإنسان: ما طلب علماً, لا يتوب, لأنه واقع في المعاصي ويظنها طاعات, يرتكب الموبقات ويظنها حسنات, أما الإنسان إذا طلب العلم؛ يعرف موقعه من الدين, يعرف أخطاءه, انحرافاته, تقصيراته, مخالفاته, عندئذ يتوب. فالتوبة علم.
 وفعلاً: إذا كان العلم صحيحاً, ينشأ مع الذنب حالة ندم شديدة, فإذا لا يوجد حالة ندم, التوبة ليس لها معنى.
 وبعد الندم في ثلاثة أشياء؛ إقلاع في الحاضر, وعزيمة على المستقبل, وندم في الماضي؛ يندم ويعزم, ويقلع, صار في علم, وحال, وندم, وإقلاع, وعزيمة, هذه التوبة الصحيحة: إن كانت بينك وبين الله, أما إن كانت بينك وبين العباد: فلا بد من أن يضاف إلى هذه الشروط, شرط الإصلاح.
 يعني: حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء والمسامحة.
 ونحن على مشارف الحج, في وهم عند المسلمين: أن الذي يحج, يغفر الله كل ذنوبه, نعم صحيح, يغفر لك الذنوب التي بينك وبينه, أما التي بينك وبين العباد: هذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
 إذاً: التوبة علم, وحال, وعمل؛ العلم: أن تعرف منهج الله عز وجل, حتى تعرف أخطاءك, وحجم انحرافاتك, والحال: إن كنت صادقاً في طلب مرضاة الله عز وجل, ورأيت أنك غير مطبق لمنهج الله تتألم, الألم يدفعك إلى الإقلاع الفوري عن الذنب, وندم على ما مضى, والعزيمة في المستقبل: على ألا تعود إليه.
 فعلم, وحال, وعمل؛ أما إذا كان الذنب بينك وبين العباد, فلا بد من أن تؤدي الحقوق, أو أن تستسمح منهم.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور