وضع داكن
23-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 092 - المبادرة إلى الخيرات- 2- على ماذا يتنافس المؤمنون؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.

متى يكون السباق له معنى؟ :

 أيها الأخوة الكرام:
 عقد الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين, باباً سماه: باب المبادرة إلى الخيرات. فقال تعالى:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 هل سمعتم في حياتكم كلها: أن إنساناً دخل في سباق وحده؟ السباق ليس له معنى إلا بالجماعة.
 فحينما قال الله عز وجل:

﴿فَاسْتَبِقُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 يعني أنت ينبغي أن تكون مع الجماعة, وإلا ليس هناك ما يسمى بالسباق, ولا بالمنافسة , ولا بالمسارعة؛ فالتنافس, والتسارع, والسباق, يحتاج إلى جماعة.
 لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((عليكم والجماعة, وإياكم والفرقة, فإن الشيطان مع الواحد, وهو من الاثنين أبعد, وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))

لم خلق الله هذه الجبلة في الإنسان حيادية؟ :

 هذا الباب يحتاج إلى مقدمة: هو أن في جبلة الإنسان حب التنافس, في جبلة الإنسان حب التفوق, في جبلة الإنسان حب العلو في الأرض, في جبلة الإنسان حب تأكيد الذات, هذه الجبلة قد تقودنا إلى الحسد المهلك, وقد تقودنا إلى المنافسة المسعدة, والأصل واحد, يعني سلم ترقى به, أو تهبط به.
 لذلك: هذه الجبلة؛ حب التنافس, حب التفوق, حب العلو في الأرض, حب تأكيد الذات حيادية, لأنك مخير, فكل خصائصك حيادية, تُوظف في الحق, أو توظف في الباطل.
 كيف يستعمل الناس هذه الجبلة في الدنيا؟ يتنافسون في تأسيس بيوتهم, في اقتناء مركباتهم, في المباهاة بدخلهم, بنزهاتهم, بإنفاقهم الأموال:

﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾

[سورة الكهف الآية:34]

 المشكلة: أن هذه الجبلة صممت من أجل أن تصل إلى الآخرة بأعلى سرعة, لأنه مركب في هذه النفس التفوق, التنافس, السرعة.
 فربنا عز وجل: خلق هذه الجبلة حيادية, ودعانا أن نوظفها في الحق.

ما وراء هذه الآيات :

 قال:

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية:26]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:61]

﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

[سورة يونس الآية:58]

 يجب أن تفرح بفوزك بالآخرة, لا بالدنيا.
 إذاً: قضية التنافس, وتأكيد الذات, والتفوق, هذا شيء مودع في كل إنسان, الإنسان الشارد يستخدمه في الدنيا؛ فيكون الحسد, يكون التنافس البغيض, يكون التهاوي إلى السقوط, ويكون هذا التنافس في الآخرة, فيكون الفوز العظيم, والذي لا يغار ليس من جنس البشر, كل إنسان في طبيعته الغيرة, لكن الله عز وجل جعل فيك هذه الغيرة, لتغار في أمر الآخرة, فتسعى حثيثاً.
 وقد ورد في الحديث: أن علو الهمة من الإيمان.
 لذلك كلمة فاستبقوا, تعني: أن هناك جماعة؛ لا بد من أن تكون مع الجماعة, لكي يكون هناك استباق, وتعني: أن تبحث عن الأولويات.

أنواع الاختلاف :

 أخواننا الكرام:

﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾

[سورة يونس الآية:19]

 هذا الخلاف الأول: خلاف طبيعي, لنقص المعلومات:

﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 فالخلاف حُسم, الأمور واضحة, كان خلاف نقص معلومات, وخلاف طبيعي, فلما جاء الكتاب من عند الله عز وجل, حُسم هذا الخلاف. قال:

 

 

﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 بعد أن جاء الوحي, وجاء الكتاب, والأمور واضحة جداً, ظهر خلاف من نوع آخر, وهو خلاف الحسد:

﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 الآن: الخلاف الثالث, أول خلاف طبيعي, سببه: نقص المعلومات, ثاني خلاف قذر, سببه: الحسد, ثالث خلاف محمود, سببه: التنافس.

علام يتنافس المؤمنون؟ :

 قال تعالى:

﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 يعني المؤمنون يتنافسون؛ هذا يرى أن الدعوة إلى الله أعظم عمل, هذا يرى أن بناء المساجد أعظم عمل, هذا يرى أن تعلم القرآن أعظم عمل وتعليمه, كل مؤمن يرى عملاً, يراه أعظم الأعمال, فالمؤمنون يتنافسون, ويختلفون؛ هذا في أصول الفقه, وهذا في التفسير, وهذا في الحديث, وهذا في السنة, وهذا في التجويد, وهذا في الأعمال الخيرية, وهذا في الدعوة إلى الله, وهذا في تأليف الكتب, صار في تنافس, لكن هذا التنافس الثاني تنافس محمود, هدفه حب التفوق في الآخرة.
 فإذا الإنسان لم يشعر بحاجة أن يسبق إنساناً, يوجد عنده خلل في الدنيا؛ لا يرضى إلا بالتفوق, لا يرضى إلا بأكمل بيت, وأفخر مركبة, وأعظم تجارة, في الآخرة, يقول لك: أنا وراء الباب.
 هذا الذي يتنافس مع أخوانه في الدنيا, ولا يتنافس معهم في الآخرة, إنسان يوجد عنده خلل في إيمانه خطير.

انظر إلى هذا التنافس الرائع بين الصحابة :

 سيدنا عمر, يعني يحب أن يفهم ماذا يفعل الصديق؟ بلغه أنه يرعى هذا البيت, كلما أتى لرعاية هذا البيت, يُقال له: لقد سبقك أبو بكر.
 مرة أراد أن يحلب الشياه قبل الفجر, سبقه أبو بكر .......
 ففي تنافس كان بين الصحابة, تنافس رائع.

مصيبة المسلمين اليوم :

 لذلك: الآن مصيبة المسلمين: أن التنافس في الدنيا, حل محل التنافس في الآخرة, صار الإنسان يهمه أن يكون بيته فخماً, ولما يأتيه الضيف؛ يبين له مساحة البيت, والأثاث, وهذه التحف, وهذه المقتنيات, فإذا جلس يتحدث: أنه عمل عرساً لابنته كلفه كذا, وعمل كتاباً لابنه كلفه كذا, وسافر دفع كذا, ونزل في الفندق الفلاني, هذا حديثه؛ حديث تنافس, وعلو في الأرض, ولكن في الدنيا.
 لذلك: إذا أردت أن يحبك الناس, ضع نفسك في التعتيم وتحدث عن ربك, لأنك لا تعني الناس؛ يعنيهم ربهم, تعنيهم آخرتهم, يعنيهم شيء يقربهم إلى الله عز وجل.

اقرأ :

 فالآية الأولى:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 والآية الثانية:

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

ما الغاية من طرح هذين المثالين؟ :

 أما كلمة:

﴿وَسَارِعُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 أضع بين أيديكم مثلين:
 طالب بالامتحان في الجامعة, الامتحان ثلاث ساعات, والأسئلة كثيرة جداً, هل رأيتم في حياتكم طالباً, وهو في الامتحان ينظف ساعته؟ مستحيل, هل رأيتم طالباً في الامتحان يكتب حساباته, ماذا اشترى البارحة؟ مستحيل, هل رأيتم طالباً في الامتحان يرسم رسوماً بلا معنى على ورقة مسودة؟ هذا وقت ثمين جداً, لا يحتمل إلا أن تفكر في السؤال والجواب.
 فحينما تشعر أن الدنيا كلها امتحان, تظن بالوقت أن تبذله في سبيل ثمن رخيص.
 من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((إن الله يحب معالي الأمور, ويكره سفاسفها))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

 أيها الأخوة, المثل الثاني: إنسان مقيم في بلد, عنده بيت فخم, أربعمئة متر, ويوجد غرف ضيوف عديدة, وغرف نوم, وأجهزة كهربائية, وبرادات, وفريزرات, ومكيفات, ومراوح, ومكاوي, وأفران, وميكروويف, وصيغة لزوجته, وساعات, وهدايا, كلف أن يغادر البلد بأربع وعشرين ساعة, معه سيارة هوندا فقط, يملؤها, ماذا يضع فيها من كل هذا البيت؟ هذه العملية الدقيقة .......
 أنا مكلف أن أغادر, معي حجم متري مكعب, ماذا أضع في هذه الأمتار المكعبة؟ ممكن يضع كنبة كبيرة فيها؟ مستحيل, يضع كل شيء غالي الثمن, صغير الحجم؛ يبدأ بحلي زوجته, يبدأ بالمقتنيات الثمينة, بالأشياء الذهبية, يصل إلى الأجهزة الغالية جداً, قد يكون حاسب غال, يختار ما غلى ثمنه وقل وزنه.
 وأنت في الحياة الدنيا, يجب أن تسابق, يجب أن تكون عندك أولويات, الشيء الغالي, والذي له وزن قليل تأخذه.
 فهناك أناس يمضون وقتهم في أعمال, لكن غير مجدية, كلام فارغ.

علام تشير هذه الآيات والأحاديث؟ :

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:1]

﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:2]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:3]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:4]

 من صفات المؤمن: لا يوجد عنده وقت فراغ, يمضيه في القيل والقال.

((وإن الله كره لكم قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال))

((يُحب معالي الأمور, يكره سفاسفها))

((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس))

((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))

[أخرجه الترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]

 هذا كله في المسارعة, لا يوجد عنده وقت لمعركة جانبية, لا يوجد عنده وقت يستقبل مشكلة في التاريخ, ويجعلها محور للمناقشة والحوار, الآن أنتم على حق, أم نحن على حق, والخلافة من حق من؟.
 القضية انتهت من ألف وخمسمئة سنة, لنبحث عن الهدف, والمنهج بين أيدينا, فهذا الذي لا يعرف قيمة الوقت, يستقبل قضايا قديمة, مشكلات قديمة, يجعلها محور الصراع, هذا إنسان لا يعرف قيمة الوقت, لذلك اللغو, كل ما سوى الله لغو:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعــيم لا محالة زائل

 كل ما سوى الله باطل, هذا من درس المسارعة, والسبق مع الزمن.

هل سباق الدنيا له معنى؟ :

 بالمناسبة -أيها الأخوة-: سباق الدنيا مضحك, سباق الدنيا ليس له معنى إطلاقاً, لأن الموت ينهي كل شيء, أبداً, كن أغنى الأغنياء تموت, توضع في القبر, ويوضع –أيضاً- أفقر الفقراء, وأصح الأصحاء, وأشد الناس مرضاً, وأقوى الأقوياء, وأضعف الضعفاء, كلهم في هذا القبر, فما هذا التنافس؟.
 خطر في بالي مرة, يعني مثل مضحك: أردنا أن نعذب اثنين بجلد مبرح, واحد قبل أن يُجلد: أكل خروف محشي, والثاني: أكل سندويشة فلافل, أثناء الضرب والتعذيب: الذي أكل خروف, يخف ألمه يعني قليلاً؟ وقع السياط خفيف عليه يكون؟ أبداً, نفس الشيء, تنتهي الدنيا.
 مثل بعضها؛ إن كنت تسكن في بيت صغير, أو إن كنت عالي الشأن, أو وضيع الشأن, مثل بعضها, حينما يأتي العذاب.

إليكم هذه الآيات التي يقشعر منها الأبدان :

﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:104]

﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:105]

﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:106]

﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:107]

﴿قَالَ اخْسَؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾

[سورة المؤمنون الآية:108]

الدنيا ليس لها مستقبل :

 أبلغ من ذلك: لو إنسان في منتصف الليل, أصابه ألم في سنه لا يحتمل, وهو يتلوى من الألم, ويصيح, ويستجير, لو استدعى في ذاكرته الولائم التي أكلها سابقاً, هل يذهب ألمه؟ أبداً.
 يعني كلامي في الدنيا ليس لها مستقبل, ليس لها مستقبل.
 إنسان جلس في بانيو, ماء فاتر, ارتاح تمام, إذا نهض من هذا الحوض, هل يأخذ دكتوراه؟ لا, مثل ما قعد يقوم.
 كيف تاجر كبير, يحقق منصب رفيع, أبداً: الاستمتاع بالحياة ليس له مردود, ليس له مقابل أبداً, أما العمل له مقابل.
 يعني الإنسان المؤمن, يبني حياته على العمل, على العطاء, فالمؤمن له مستقبل, له مستقبل, قدم أعماله أمامه, أما الكافر استمتع بالحياة.

هذه هي الحقيقة :

 مرة رأيت -هكذا- بناء جميلاً جداً, في أحد مصايف الشمال, فعلاً جميل, مطل على وادي أخضر كله, منطقة مرتفعة, وهواء عليل.
 قلت: لو أن إنساناً تملك هذا البناء, وسكن فيه, وكان معه ملايين مملينة؛ ينفق كيف يشاء, مضى سنة, سنتان, ثلاثة, خمس عشرة, عشرون, بعد ذلك يموت, له شيء في الآخرة؟ أبداً, صفر؛ الاستمتاع, والاسترخاء, والأكل الطيب, والنعيم, والفراش الوسير, والنزهات, ليس لها مردود. وأوضح مثل:
 الطالب, طالب أمضى العام الدراسي في جهد جهيد, للساعة الثانية؛ حرم نفسه النزهات, حرم نفسه النوم المريح, بعد ذلك صار طبيباً, دكتوراً, صار محترماً, يعمل لك هكذا خمسمئة, تحتاج إلى إيكو ألف, تنظير ألفين, عنده عشرون زبون, باليوم عنده في خمسين ألف, باليوم يوجد عنده خمسين, ستين ألفاً.
 هو لما درس السنوات الطويلة, صار عنده خبرة عالية, والناس يخافون على صحتهم, يأتونه زوافات ووحدانا.
 حسناً: لو أن هذا الطبيب, له رفيق أمضى الوقت كله في النوم, والنزهات, والبساتين, ولعب النرد, والكرة, هذا الانغماس في اللهو له مستقبل؟ لا يوجد شيء له, لا يوجد شيء, أبداً, كلام دقيق؛ الاستمتاع بالحياة ليس له مردود أبداً, أما العمل له مردود, يموت الغني, غير المؤمن: يترك كل شيء, يموت المؤمن, الذي له أعمال كالجبال: يأخذ معه كل شيء, فرق كبير جداً.

اتضع لا ترتفع, اتبع لا تبتدع, الورع لا يتسع :

 فلذلك أيها الأخوة, درس التنافس مهم جداً, يجب أن تتنافس لا على الدنيا الفانية.
 يعني سجادة وطنية ثمنها خمسة آلاف ليرة, صوف مئة في المئة, وجميلة, أما سجادة إيرانية ثمنها ثمانمئة ألف, الفرق بالاستعمال بالمئة عشرة, أما بالثمن بالمئة ألفين.
 أهل الدنيا يحبون العلو في الأرض, ممكن تعيش, تسكن في بيت فيه كل شيء, لكن بالاعتدال, بالمعقول, ممكن تحيط نفسك بمظاهر من الترف, لا نهاية له:

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة القصص الآية:83]

 قال: هناك نصيحة تُكتب على ظفر: اتضع لا ترتفع, اتبع لا تبتدع, الورع لا يتسع.
 الورع لا يتسع كثيراً بالاعتدال.

سؤال وجواب :

 مرة زرت بيت أحد أقربائي, قال لي: باب كلفني مئة وثمانين ألف, الباب الخشب, كسا بيته كسوة جديدة, لكن هو يعمل في مواد البناء, فجميعه جاء به استيراداً, فعلاً: شيء مذهل؛ الأبواب, المطابخ, الحمامات ..... فوالدته توفيت, كنا في التعزية, آخر يوم سألني السؤال:
 قال لي: عملي –هذا- حرام؟ يريد جواباً شرعياً, قال لي: كلفني البيت كثيراً, عملي حرام؟ قلت له: أنا سأجاوبك جواباً تجارياً, ليس شرعياً, قال: كيف؟ قلت له: إنسان معه مئة مليون, هل يستطيع أن يشتري سيارة بأربع وعشرين, هذه السودة, ستمئة؟ ويشتري بيتاً بست وسبعين؟ يوجد, وبمئة يوجد, بمليون؛ اشترى البيت, واشترى السيارة, وبرك, لم يبق معه شيء, يكون تاجراً هذا؟ لو أخذ سيارة بثلاثة ملايين, وبيت بعشرة, ثلاثة عشر, كم بقي معه؟ ثلاثة وثمانين.
 إذا -فرضاً- كلام؛ لكن غير واقعي: شركة تعطي على مئة مليار ربح, هل يعقل يستهلك المئة مليون؛ بيت, وسيارة, ويبقى فقيراً, لما يستخدم بالمبلغ مبلغ بسيط لبيت, وسيارة, ويوضع الفرق في هذه الشركة الاستثمارية, الذي على مئة مليون؟
 حسناً: هذا الواقع بعقلية تجارية, معك كتلة نقدية زائدة عن حاجتك, ممكن تستهلكها؟.
 طبعاً: تستطيع أن تعمل عرس لابنك بخمسة وثمانين مليوناً, صار العرس, منذ أيام صار عرس بخمسة وثمانين مليون في الشام, ممكن.
 ممكن تستهلك الكتلة النقدية في أمورك الدنيوية, وتأتي يوم القيامة متسولاً, ليس لك ولا عمل:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 وممكن إذا معك كتلة نقدية زائدة, والله ترقى بها إلى أعلى عليين.
 أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى؛ ممكن تزوج الشباب, ممكن تنشىء معهداً شرعياً, ممكن تعمر مسجداً, ممكن تطلب العلم, ممكن توزع كتاباً على نفقتك, كتاب مهم جداً, ممكن يتزوجن الفتيات العوانس, التأمين بيوت لهن.

فكرة لم تخطر في البال :

 والله فكرة قالها لي أخ, ما كانت خاطرة في بالي, أحببتها جداً.
 لاحظ يوجد فتيات كثر؛ مستقيمات, صالحات, مؤمنات, فاتهن قطار الزواج, وهي منضبطة.
 قال لي: تمنيت على الله أن أخص كل واحدة من هؤلاء الفتيات المنضبطات ببيت صغير, عندئذ يأتيها خاطب, يعني أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.
 فهذا الذي سألني: العمل حرام؟ قلت له: لن أجيبك إجابة شرعية, سأجيبك إجابة تجارية.
 الآن: من المعقول تستهلك الكتلة النقدية كلها في بيت, وسيارة, وتبقى بلا دخل؟ لما تستهلك بالمئة عشرة منهم, والباقي تستثمره عند الله عز وجل.

هذا الذي حصل في تركيا :

 قلت لكم مرة: كنت في تركيا, حدثوني عن شخص تبرع بثلاثمئة مليون دولار, في جمعية نظيفة, ومستقيمة, هناك طبعاً لإنشاء المدارس, والمعاهد الشرعية, والجامعات, إلخ .......
 فأحد علماء دمشق, كان في تركيا, فلما حدثوه عن هذا المحسن, قال: والله أتمنى أن ألتقي به, فاتفقوا أن يدعونه إلى طعام الفطور في اليوم التالي, فجاء العالم الذي من دمشق حضر, هذا الغني لم يكن يأت بعد, انتظر ثلاثة أرباع الساعة, أين هذا الذي تتحدثون عنه؟ قال: جاء قبلك, جالس هنا, لشدة تواضعه لم ينتبه له, قال: جاء قبلك, قبلك جاء, دفع ثلاثمئة مليون دولار لنشر الحق.

المطلوب من رواد المساجد :

 فيا أيها الأخوة, قضية التسابق درس مهم جداً.
 يعني أنا أحسن الظن برواد المساجد, هؤلاء يحبون الله ورسوله, ما الذي أوجدهم في هذا المكان؛ إلا محبة الله, وطلب العلم؟ لكن بقي علينا التنافس, بقي علينا أن نتسابق. والله قال:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية:26]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:61]

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور