وضع داكن
08-05-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 083 - باب المبادرة إلى الخيرات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

علام تحضنا هذه الآية؟ :

 أيها الأخوة الكرام, الإمام النووي -رحمه الله تعالى-, عقد باباً في كتابه رياض الصالحين سماه: المبادرة إلى الخيرات, وقد بدأه ببعض الآيات, فقال في مفتتح هذا الباب, أورده قوله تعالى:

﴿فَاسْتَبِقُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 هل سمعت في حياتك كلها: أن إنساناً دخل في مسابقة وحده؟ وحده لا يوجد مسابقة, المسابقة تقتضي: أن تكون في جماعة.
 إذاً: قوله تعالى:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 يعني: أن تكون مع المؤمنين, لا أن تكون وحدك, فالذي يعيش وحده, منعزلاً عن مجموع المؤمنين, يقع في أوهام كثيرة؛ قد يفتي لنفسه فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان, قد يعيش قيم الناس التائهين, قد يبتعد عن منهج الله القويم, قد ينحرف؛ ليس له مرجع, ليس له منهل, ليس له مبدأ, أما إذا كنت مع المؤمنين, فأنت في حال آخر.

علام ترشدنا هاتين الآيتين؟ :

 قال تعالى:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 على الأرض جالس, ولا يوجد ضيافة, أما في أماكن أخرى؛ في مقاعد وفيرة جداً, وفي ضيافة ثمينة جداً, في مناظر تبهج العين:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 -دقق في هذه الآية-:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 إياك أن تطيعه, إياك أن تستنصحه, إياك أن تسترشده, إياك أن تعرض له مشكلتك, لن يعطيك إلا الشر:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 بالمقابل:

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾

[سورة لقمان الآية:15]

 المستقيم الذي أناب إلى الله, الذي استقام على أمر الله, الذي عرف الله, الذي اتصل بالله؛ استرشد بإرشاده, استهد بهداه, استشره, اسأله.

ما المطلوب منك من هذه الآية؟ :

 الآية الثانية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾

[سورة التوبة الآية:119]

 -كأن الآية تقول: لن تستطيعوا-:

﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:119]

 يعني: لن تطيعوا الله إلا إذا كنتم مع الصادقين, أما أن تكون محاط بأناس متفلتين, محاط بأناس شاردين, محاط بأناس يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة؛ هؤلاء يشدونك إليهم, هؤلاء يثبطون عزيمتك, هؤلاء يضعفون همتك, هؤلاء يرغبونك في الدنيا, فأخطر شيء في حياتك: البيئة؛ من تصاحب؟ مع من تسهر؟ تذهب إلى النزهات مع من؛ مع أهل الدنيا, يلعبون الطاولة إلى ساعة متأخرة من الليل, أم يذكرون الله عز وجل؟.
 يعني: أخطر شيء بعد عقيدتك: البيئة التي تحتضنك, هذه إن كانت صالحة صلحت, وإن كانت فاسدة فسدت.

إليكم هذه الآيات التي تأمرنا أن نكون مع الصادقين :

 قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:119]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الممتحنة الآية: 13]

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:51]

﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

[سورة المجادلة الآية:22]

لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي :

 بحياتك في علاقتين: في علاقة حميمة, في علاقة عمل؛ علاقة العمل: لك أن تلتقي مع أي إنسان ضمن عملك؛ مسلم, غير مسلم, كافر, منحرف, عاصي, علاقة عمل محدودة, أما العلاقة الحميمة, السهرات الطويلة, والنزهات المديدة, والمشاركة الكاملة الاندماجية, هذه ينبغي أن تكون مع المؤمنين حصراً, لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

 كل هذه المعاني مستنبطة من قوله تعالى:

﴿فَاسْتَبِقُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 يعني: أنت في مجموع, أنت مع المؤمنين, وإلا أي سباق هذا؟ إذا كنت وحدك التغى السباق.

نقطة مهمة :

 يوجد نقطة مهمة: القرآن الكريم كلام الله, وأي أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. يقول الله لك:

﴿فَاسْتَبِقُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 يجب أن تستبق.
 وما لا يتم الشيء إلا به فهو منه.
 الصلاة فرض, والوضوء فرض, لأن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء.
 ما لا يتم الفرض إلا به, ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
 يقول الله لك:

﴿فَاسْتَبِقُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 معنى فاستبقوا: يعني كن مع المؤمنين, من أجل أن تستبق معهم, فالاستباق يقتضي أن تكون مع المؤمنين.
 و:

((الجماعة رحمة, والفرقة عذاب, وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد, وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))

 البعيدة.

((ويد الله على الجماعة, ومن شذ شذ إلى النار))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 لذلك: أن تكون مع المؤمنين الصادقين نعمة كبيرة؛ تأنس بهم, ينصحونك, يأخذون بيدك, يسددون خطاك, يقدمون لك خبراتهم, فلا بد من أن يكون لك مرجع, مرجع ديني, لا بد من أن يكون لك منهج تسير عليه, منظومة قيم, تأتمر بها, وتنتهي بها.
 الآية الأولى:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

علام تشير هاتان الآيتان؟ :

 والآية الثانية:

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 وهذه الآية -أيها الأخوة-: تملأ القلب طمأنينة, طالع إلى ماذا؟ سارع, لأن الوقت محدود. الآية الكريمة:

﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[سورة البقرة الآية:148]

﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا﴾

[سورة البقرة الآية:148]

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 يعني: في أي مكان أنت, أو في أية مكانة أنت:

﴿يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[سورة البقرة الآية:148]

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية: 148]

﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[سورة البقرة الآية:148]

 يعني: أنت الآن تتمتع بما يسمى حرية الاختيار, وحرية الاختيار أحد أسباب سعادتك الأبدية, أما هذه الحرية ليست لك دائماً, هذه لك إلى أن يأتي الأجل:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[سورة البقرة الآية: 148]

 الاستباق محدود.
 يعني أحياناً: تفتح مسابقة من واحد لخمسة, بعد هذا التاريخ الطلبات مرفوضة, فأنت تتمتع بحرية الاختيار ما دمت حياً ترزق, فإذا جاء الأجل, انتهى الاختيار, وختم العمل, وسيق الإنسان إلى مصيره شاء أم أبى.
 أيها الأخوة, هاتان الآيتان تشيران إلى قيمة الوقت, أنت بضعة أيام, كلما انقضى يوم, انقضى بضع منك, أنت وقت, وقت, وقت.

هل يوجد فرق كبير بين هاتين الصورتين, وكيف ترد على فعلهما؟ :

 انظر إلى صورتك قبل عشرين عام, غيرها الآن, والتي بعد عشر سنوات غير الصورة الحالية, معنى الليل والنهار –انظر- يعملان فيك, انظر إلى صورتك, حينما كنت صغيراً في الصف السادس, لا يوجد نسبة, شيء آخر.
فالفرق الكبير بين الصورتين من فعل من؟ من فعل الزمن, الليل والنهار يفعلان فيك, يعملان فيك, كيف ترد على فعلهما؟
 قال: تعمل فيهما.
 اعمل فيهما الخيرات, حتى تلغي مضي الزمن, الزمن يمضي, ومضي الزمن: يعني استهلاك الإنسان, كائن متحرك إلى هدف ثابت, معنى كل لحظة تمضي, تقربه من هدفه الثابت.

هذا الإنسان بالقياس الزمني :

 فيقولون: إذا كان نقطة حركناها ترسم خط, إذا خط حركناه, يرسم سطح, إذا كان سطح حركناه, يرسم حجم؛ طول, عرض, ارتفاع, إذا الحجم حركناه يشكل زمن, الزمن هو البعد الرابع؛ في طول, وعرض, ارتفاع, وإذا تحرك هذا الشيء الحجمي يشكل زمناً.
 فنحن أحد أبعادنا, الواحد منا: له وزن, له طول, له عرض, ألا يقولون: أرنا عرض أكتافك!؟ يعني له عرض, وله طول, وله وزن, أما حينما يتحرك, يشكل البعد الرابع, البعد الرابع هو الزمن, والزمن وعاء العمل, والزمن محدود, والزمن يتناقص, وأولى بالإنسان أن يعد عمره عداً تنازلياً.
 الآن: اركب, اذهب إلى حمص؛160-140-120-100-80-60-40-20-10-5, حمص ترحب بكم, أليس كذلك؟ على اللوحات, والأولى أن يعد الإنسان عمره هكذا, ليقل: كم بقي؟ يعني:

﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:148]

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 ما أجمل الآية!! أنت الآن هنا؛ هناك الماضي, وهناك المستقبل, الماضي مغطى بالمغفرة, انتهى الأمر, والمستقبل بالجنة, إلام يدعوك الله عز وجل؟:

﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 ماذا يفعل هؤلاء؟:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:134]

 هذه صفة هؤلاء: الذين يسارعون في الخيرات.
 هاتان الآيتان, بدأ بهما الإمام النووي -رحمه الله تعالى- هذا الفصل.

بادر إلى الأعمال الصالحة قبل أن تقع في هذا المنزلق :

 أيها الأخوة, وأما الأحاديث:
 يقول عليه الصلاة والسلام, فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه, يقول عليه الصلاة والسلام:

((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, أو يمسي مؤمناً أو يصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل))

 الإيمان التقليدي هش, لا يصمد أمام الفتن, لا يصمد أمام الضغوط, لا يصمد أمام الإغراءات, والإغراءات ما أكثرها اليوم.
 يعني: يكفي أن تجلس إلى جهاز, وأن ترى كل شيء, وأن ترى الشيء الذي يستحي أن يفكر الإنسان فيه, يستحي من التفكير فيه, يراه كبسة زر, لذلك: أشخاص كثيرون, بالخامسة والستين تركوا الصلاة, وسهروا, عملوا قيام ليل على الصحون, يعني:

((يمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يصبح كافراً ويمسي مؤمناً, يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل))

 كلامي في آخر الزمان, الفتن كثيرة جداً, والمغريات كثيرة جداً, والدنيا بأبهى زينة, والنساء كاسيات عاريات, وسائل التسلية كثيرة جداً, وسائل تمضية الوقت كثيرة جداً, ممكن يغرق الإنسان باحتفالات, وأمسيات, وسهرات, وندوات, ونوادي, ولقاءات, و ...... دون أن يشعر, إلى أن يأتيه الأجل, تفضل, فجأة: يصحو على ملك الموت:

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾

[سورة الزخرف الآية:83]

 إذاً:

((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل))

عبادة في الهرج كهجرة إلي, والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه :

 نحن في آخر الزمان, ونحن في زمن الفتن, وفي زمن التفلت, وفي زمن الكسب الحرام, وفي زمن الاختلاط, وفي زمن أن الإنسان عليه أن يأخذ المال من أي طريق, وبأية طريقة, وبأي أسلوب, في هذا الوقت:

((عبادة في الهرج كهجرة إلي, والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))

أتريد مأوى تحفظ فيه دينك؟ إليك هذا :

 قال:

﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾

[سورة الكهف الآية:16]

 أي كهف هذا؟ بيتك الكهف, وبيت الله هو الكهف, بيتك لا يوجد فيه فتنة, وبالجامع لا يوجد فتنة, أما الطريق في فتنة, والمقاصف فيها فتنة؛ نساء بأبهى زينة, وغناء, و ..... مكانك ليس في المقصف, هذا المكان ليس لك, هذا لغيرك, الأماكن العامة إذا فيها اختلاط, وفيها معاص, وفيها فجور, هذا ليس المكان مكانك:

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾

[سورة الكهف الآية:16]

سؤال وجه للنبي عليه الصلاة والسلام :

 وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟.
 الآن أشخاص كثيرون, هم على فراش الموت؛ مليون لفلان, مليون للجمعية الفلانية, مليون للميتم الفلاني, مليون للمعهد الفلاني, ما شاء الله جيد, لكن البطولة أن تقول: مليون للمعهد الفلاني, وأنت صحيح شحيح, خمسمئات وأنت صحيح شحيح, لها معنى, أما الخمسمئات على فراش الموت, ليس لها معنى, أعطوا.
 أن تصدق وأنت صحيح شحيح, أنت في أمس الحاجة إلى المال.

تطبيق عملي للحديث :

 أنا ذكرت لكم من قبل: عن رجل مستخدم في التربية والتعليم, يعني مستخدم, دخله ثلاثة آلاف, ألفان بالشهر, عنده خمسة أولاد, يسكن في بيت عربي متداعي, ورث أرضاً, الأرض يعني بحي من أحياء دمشق المتواضعة, جاء من يشتريها منه, تساوما على ثلاثة ونصف مليون, والسعر مناسب, لا يوجد عنده غير الأرض, أول شي يعني يأتيه غير راتبه المحدود الذي لا يكفيه أيام, صاحب, الشاري وقع له شيك اثنين مليون, قال له: الباقي بعد التنازل للأوقاف, قال له: ما علاقة الأوقاف؟ قال له: هذه أريد أن أجعلها جامعاً, قال له: جامع! جامع! قال له: نعم, قال له: هات الشيك, أخذه ومزقه, قال له: أنا أولى بك أن أقدمها لله عز وجل, وقدمها لله, وأنشىء عليها مسجد, والآن مسجد بنهر عيشة.
 يقول هذا الغني -ذو الحجم الكبير؛ مئتان, ثلاثمئة مليون, قال-: بحياته ما شعر حاله صغير أمام إنسان, بحياته كلها ما شعر حاله صغير, صغير أمام إنسان, كما شعر أمام هذا المستخدم, الذي قال له: أنا أولى منك بتقديمها لله عز وجل, وقدمها, المهندس أحد أخواننا الذي أنشأ هذه الأرض, عينه ناطور, لأن بيته جانب الأرض, عمل له أربعة آلاف بالشهر, لم يرض أن يأخذ, قال له: أربعة آلاف كثير, قال له: يا أخي, والله هذا سعر النواطير كلها, يساومه على أقل, أربعة كثير.

((أن تصدق وأنت صحيح شحيح))

 يعني أحد أخواننا: حكى لي من يومين, ثلاثة, يعني شخص توفي, وحجمه المالي كبير, يعني كان سخياً جداً, مليونين, مليون, ثلاثة ملايين, كله وزعه, لكن متى؟ وهو على فراش الموت, أما المستخدم: هو في أشد الحاجة إلى هذا المال, قال له: أنا أولى منك أن أقدم هذه الأرض لله عز وجل:

﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة السجدة الآية:17]

 لذلك:

((بادروا بالأعمال الصالحة))

قف هنا :

 في نقطة دقيقة: أن الإنسان جمع أموال طائلة, واشترى بيوت فخمة, وسكن, وركب مركبات فارهة, ويتسابق مع أقرانه, أنا عامودين لحقت السنة, أنت عامود واحد, العامود يعني مليون, يعبرون عن المليون بالعامود, مسابقة مضحكة.
 تصور طريق عريض, وفي سيارات سبق, ينتهي هكذا ..... كله يقع في الآخر, السابق نازل, والمتأخر نازل, لأن الموت ينهي كل شيء, الموت؛ ينهي قوة القوي, ينهي ضعف الضعيف, ينهي فقر الفقير, ينهي غنى الغني, ينهي صحة الصحيح, مرض المريض, كله ينزل هكذا ......
 المسابقة بالآخرة, بالآخرة في جوائز, في جنة, أما بالدنيا: بالنهاية لا يوجد غير موت.
 هل سمعتم عن قبر خمس نجوم؟ أنا لم أر قبر نجوم, لا يوجد غير نجوم الظهر في القبر, لا يوجد شيء ......
 يعني شخص خبرني, قلت له: والله أنا كنت في أمريكا, ووجدت مقبرة هناك, أنا كنت أظن لا يوجد موت هناك, طلع في موت مثل هنا, على القبر, بالنهاية كله على القبر.

 

عش ما شئت فإنك ميت  وأحبب ما شئت فإنك مفارق

 فالمسابقة بالدنيا مضحكة, سيارات ويتسابقون.
 تصور طريق هكذا ...... قطع قطع, وحوالي مئة متر لتحت, حفرة ما لها من قرار, الأولي نزل فقط, الثاني نزل, الثالث نزل, الخامس نزل, آخر واحد نزل, هذا ......
 المسابقة بالآخرة ليس في الدنيا: بالعمل الصالح, قال:

 

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية:26]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:61]

 أما في الدنيا ......

هكذا عامل أبو عبيدة الجراح الدنيا :

 دخلوا على سيدنا أبي عبيدة الجراح, قائد الجيوش الإسلامية إلى غرفته, فرأوا جلد غزال, وقدر ماء مغطى برغيف خبز وسيف, معلق على الحائط, قال له: ما هذا؟ قال له: هو للدنيا, وعلى الدنيا كثير, ألا ينغصنا البعير؟.

هذه الدنيا :

 عندنا أخ من أخواننا الكرام, معمر بناء في أحد مصايف دمشق, أجمل بيت, والله أطلعني عليه, صاحب البيت مزوق, سنتين, ثلاثة؛ السيراميك, والألمنيوم البرونز, والجبصين بالمصيف, والبرندات, هنا العصر, هنا صباحاً نجلس هناك, هنا بعد الظهر, المطبخ, المطبخ بقدر ربع الجامع, كله خزن, مطل على إطلالة جميلة, البللور كله له مرايا, ترى ولا يُرى, الرخام كله ﺇيطالي, فأتى بأول نقلة ليستقر, أتى بالنقلة الثانية, بقي النقلة الثالثة, قال له: أرجوك ينقصني منظم, ركب لي منظم, غداً -كان غداً الخميس- ركب المنظم, الخميس مساء توفاه الله, فقط, ولا داسها الفلة, ولا داسها, هذه الدنيا.

نظرة وعبرة :

 في مهندس, يعني خطب حوالي خمس سنوات, عشر سنوات, عنده شروط معقدة جداً؛ أطوال, ومقاييس, ومحيطات, وألوان ..... لحتى اختار الزوجة التي تروق له, ووالده من كبار مهندسي البلد, عرسه مثلاً الخميس, الثلاثاء كان في بناء, مد رأسه من أحد النوافذ, البناء على العظم, وقعت بلوكة من فوق بالخطأ, جاءت فوق رأسه مات, مات الثلاثاء, عرسه الخميس, فعملوا التعزية, ألبسوا العروس بدلة العرس, وزعوا حلويات العرس في التعزية.
هذه الدنيا, كله ماض, والموت يأتي بغتة, والقبر صندوق العمل.

درسنا اليوم :

 درسنا اليوم:

﴿وَسَارِعُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 و:

﴿سَابِقُوا﴾

[سورة الحديد الآية:21]

 سارعوا وسابقوا, والمسارعة والسابقة تقتضي: أن تكون في جماعة, وأي جماعة؟ مع جماعة المؤمنين الصادقين, وأن تحتاط, رأس مالك العمل الصالح, والعمل الصالح هو العملة المتداولة يوم القيامة, والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور