وضع داكن
25-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 082 - المجاهدة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

مفتاح الدرس :

 أيها الأخوة الكرام, عقد الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين, باباً عنونه بالمجاهدة, وقد بدأه ببعض الآيات الكريمة, وهي قوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 والآية الكريمة:

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[سورة الحجر الآية:99]

 والآية الثالثة:

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾

[سورة المزمل الآية:8]

 والرابعة:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾

[سورة الزلزلة الآية:7]

 والخامسة:

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾

[سورة البقرة الآية:110]

 والسادسة:

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة الآية:273]

ماذا تعني المجاهدة؟ :

 أيها الأخوة الكرام, المجاهدة بذل الجهد, لأن سلعة الله غالية, لأنك إن خطبت ود الله عز وجل, لا بد من أن تؤكد صدقك فيما تفعل.
 فالمجاهدة كما قال العلماء: أنواع كثيرة؛ أعلاها بنص كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: جهاد النفس والهوى.
 لأن الذي لا يستطيع أن يضبط نفسه, لن يستطيع أن يقاتل عدوه, الذي لا يضبط نفسه أمام الشهوات والمغريات, لا يصمد أمام أعداء الله ولا ثانية.
 فأصل الجهاد: أن تجاهد نفسك وهواك, والمجاهدة تقتضي: حمل النفس على أمر الله ونهيه.

 

 ما معنى هذه الآية:

 

﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾

 ؟ :

 

فربنا عز وجل يقول:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 أي نوصلهم إلى الطرق التي تؤدي إلى مرضاة الله عز وجل, عليك أن تنوي لتعرف الله, وأن تستقيم على أمره, وأن تملك إرادة قوية, بحمل النفس على طاعته, عندئذ يهديك الله سبله, السبل: هي الطرق المؤدية إلى الله.
 يعني: ما من إنسان طلب الحقيقة, وملك إرادة قوية, لحمل نفسه على تطبيق أمر الله, إلا وأبلغه الله منه:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

ما حق الجهاد في هذه الآية؟ :

 الله عز وجل قال:

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾

[سورة الحج الآية:78]

 حق الجهاد؛ أن تطيعه فلا تعصيه, أن تشكره فلا تكفره, أن تذكره فلا تنساه.

ما إعراب حرف اللام في قوله تعالى: -وﺇن الله لمع المحسنين-, ولم جاءت في موضع هذه الآية؟:

 قال تعالى:

﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 -الطرق التي توصل ﺇلينا-:

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 تصور مدينة من المدن الساحرة؛ بجمالها, وقصورها, وحدائقها, ومناخها, وفرة الطعام والشراب فيها, كل ما تشتهيه الأنفس بهذه المدينة, العبرة: أن تدخلها, أما أن تقف خارج الأسوار, وتصف ما فيها, لم تستفد شيئاً, العبرة: أن تدخلها, كي تنعم بكل ما فيها.
 فالذين جاهدوا في الله حق جهاده, ووصلوا إليه, دخلوا في جنة القرب من الله عز وجل:

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 هذه اللام: لام المزحلقة: إن الله لمع.
 اللام التي تأتي في خبر إن: لام المزحلقة, أصلها لام الابتداء, ولام الابتداء: لام التوكيد, أصل الكلام: لله مع المحسنين, فلما دخل على هذه الجملة إن المؤكدة, زحلقت لام الابتداء, أي لام التوكيد إلى خبر إن, فإن الله لمع المحسنين على سبيل التوكيد؛ هو معهم بالتأييد, معهم بالنصر, معهم بالحفظ, معهم في كل شيء, معهم بالتوفيق:

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 يعني: إذا جاهدت نفسك وهواك, وكنت محسناً, وصلت إلى الله عز وجل, وإذا وصلت إليه, وصلت إلى كل شيء, وإذا فاتك الله عز وجل, فاتك كل شيء, والله جل جلاله أحب إليك من كل شيء.

ماذا يعني اليقين في هذه الآية؟ :

 الآية الثانية:

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[سورة الحجر الآية:99]

 اليقين هو الموت, لماذا سمي الموت يقيناً؟ قال: لأن الموت محقق وقوعه.
 متيقن وقوعه, واقع لا محالة, هذا معنى.
 المعنى الثاني: عند الموت تكشف الحقائق, فتبلغ درجة اليقين:

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾

[سورة التكاثر الآية:5]

﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾

[سورة التكاثر الآية:6]

 الآن: الناس المتفلتون, المنحرفون, الشاردون, العصاة, المنافقون, هؤلاء يتوهمون أنهم أذكياء, لو يعلمون علم اليقين, لكانوا في جحيم:

﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾

[سورة التكاثر الآية:5]

﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾

[سورة التكاثر الآية:6]

إليكم هذا المثل الذي طرح في الطاووسية :

 ضربت مثلاً اليوم في الطاووسية, قلت: إنسان يركب مركبة مريحة جداً, في طريق شديدة الانحدار, تنتهي بمنعطف حاد عن يمينه وعن شماله؛ بساتين غنَّاء, والنسيم عليل, والمناظر جميلة, والسرعة عالية, وهو في أجمل نشواته, دقق الآن:
 إذا اكتشف هذا السائق الذي يعود هذه السيارة وهو صاحبها, إذا اكتشف فجأة أن المكبح معطل, تنقلب فرحته صراخاً وعويلاً, يقول لك: رحنا, الطريق شديد الانحدار, ينتهي بمنعطف حاد, المناظر جميلة جداً, أما اكتشف أن المكبح معطل, أيقن بالهلاك:

﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾

[سورة التكاثر الآية:5]

﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾

[سورة التكاثر الآية:6]

 كل إنسان يعلم علم اليقين؛ يرى العصاة في جحيم, يرى آكلي المال الحرام في جحيم, يرى الكذابين في جحيم, يرى المنافقين في جحيم, يرى الذين يبتزون أموال الناس بالباطل في جحيم, يرى الذين يرعبون الناس في جحيم, يرى الذين يبنون مجدهم على أنقاض الناس في جحيم, يرى الذين ينغمسون في الملذات المحرمة إلى قمة رؤوسهم في جحيم:

﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾

[سورة التكاثر الآية:5]

﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾

[سورة التكاثر الآية:6]

اعبد ربك من المهد إلى اللحد :

 أيها الأخوة, أما قوله تعالى:

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[سورة الحجر الآية:99]

 يعني: عليك أن تعبده إلى الموت, لا توجد سن معينة, إذا عبدته العبادة انتهت, لا يوجد إنسان يُرفع عنه التكليف, ما دام حياً, أنني أنا بلغت درجة اليقين, لا تكليف علي, اليقين معناه الموت.
 يعني: اعبد ربك من المهد إلى اللحد.
 منذ أن تبلغ إلى ساعة الموت, إذاً: تحتاج إلى مجاهدة مستمرة.

ما معنى التبتل في هذه الآية؟ :

 وقال تعالى:

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾

[سورة المزمل الآية:8]

 التبتل: الانقطاع, الانقطاع لله عز وجل:

﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾

[سورة المزمل الآية:8]

 هناك مغريات كثيرة, عليك أن تتبتل إلى الله, أي أن تنقطع له, فكل شيء يصرفك عن الله؛ كل شهرة, كل لقاء, كل سهرة, كل أمسية, كل مشاهدة لعمل فني لا يرضي الله عز وجل , هذا يُبعدك عن الله عز وجل, وأنت مكلف أن تنقطع لله عز وجل:

﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾

[سورة المزمل الآية:8]

أعرابي كفته هذه الآية :

 قال تعالى:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾

[سورة الزلزلة الآية:7]

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[سورة الزلزلة الآية:8]

 قال:

((يا رسول الله! عظن ولا تطل, فتلا عليه هذه الآية, فقال هذا الأعرابي: قد كفيت, فلما قال: قد كفيت, قال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل))

 يعني: أكثر المسلمين يسمعون مئات الخطب, يقرؤون عشرات الكتب, يسمعون أشرطة, ومع ذلك: ليسوا كما أراد الله عز وجل, إذاً: هذا السماع لا يكفي.
 هذا الأعرابي, آية واحدة كفته.

ما موضع الشاهد في هذه الآية؟ :

 وقال تعالى:

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾

[سورة المزمل الآية:20]

 نعم, يعني كل شيء تفعله لك.
 أحياناً إنسان: يقتني مكمورة, صندوق, يضع فيه ليرة ذهب كانت في جيبه, وضعها في الصندوق, كأنه فقدها, لكن مفتاح الصندوق معه ولم يفقدها, لو تصورنا أن هذه الليرة في الصندوق, تصبح ألف ليرة, فهذا الذي يضع هذه الليرة في الصندوق, لتكون ألف ليرة, والصندوق له, والمفتاح معه, فهل يعد أقل ذكاء من الذي لم يضعها في الصندوق؟ لا؛ هو الذكي, هو العاقل:

 

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾

[سورة المزمل الآية:20]

تطبيق عملي لهذه الآية :

 هكذا يُروى, أن سيدنا عمر أمسك تفاحة, يعني يبدو أنها زاهية اللون, كبيرة الحجم, الإنسان يتمنى أن يأكلها, نظر إليها, وقال: أكلتها ذهبت, أطعمتها بقيت.
 يؤكد هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-, حينما كان يوزع شاة, فقالت له السيدة عائشة:

((يا رسول الله! لم يبق إلا كتفها, –ما بقي لنا شيئاً-, فتبسم النبي -عليه الصلاة والسلام-, وقال: بل بقيت كلها إلا كتفها))

 الذي سنأكله, هذا الذي لم يبق, أما كل الشاة قد بقيت, لأننا أعطيناه:

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾

[سورة المزمل الآية:20]

 مما لو تقدموه:

﴿وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾

[سورة المزمل الآية:20]

كم معنى لهذه الآية, وما هما؟ :

 آخر آية في هذا الباب:

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة الآية:273]

 يعني: الشيء اللطيف في الإنفاق, الإنسان لما ينفق.
 أحياناً: يقدم هدية, يضع كرت, بطاقة, حسناً: ما السبب؟ لعلهم لم يعرفوا, عرس, أو عقد قران, وفي ازدحام, والناس يعني غير متأنية, فقد يشتري باقة ورد بألفي ليرة, ولم يعلم أهل الحفل هذه الباقة ممن جاءت, يضع شريط عريض: مبروك من فلان, والآن يصوره أيضاً, ما السبب؟ من أجل أن يعلم هذا الشخص, الذي قدمت له الهدية أنها منك.
 إذاً: كل إنسان يبذل شيء, يوجد عنده رغبة أن يكون هذا في علم الذي قدمه إليه, ربنا عز وجل ريحك, قال لك:

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة الآية:273]

 لا تحتاج لوصل, ولا لشهادة, ولا لبيان, ولا لحلف يمين, الذي تقدمه لله عز وجل, الله به عليم, هذه واحدة.
 الشيء الثاني: حينما يُنفق ماله, يتمنى أن يعود عليه. قال:

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾

[سورة سبا الآية:39]

 فأهم شيء بالإنفاق: أن الله يعلم, وسيعوض عليك, لم يبق شيء, لم يعد في عذر للبخيل, الله عز وجل سيعوض عليك, ويعلم أنك أنفقته.

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ :

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما-, أنه قال:

((قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه]

 نعمة الصحة لا تعدلها نعمة, ونعمة الفراغ لا تعدله نعمة؛ فمن أوتي صحة وفراغاً, ما عليه إلا أن يجاهد نفسه وهواه, وأن يجاهد في الله حق جهاده.

((إذا أصبح أحدكم آمناً في سربه, معافى في جسمه, عنده قوت يومه, فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))

لم المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؟ :

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

((قال عليه الصلاة والسلام: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 ما السبب؟ المؤمن القوي, ما معنى قوي؟ يعني مصارع ليس شرط, الغنى قوي, والذي يحتل منصب رفيع قوي, والذي يحمل دكتوراه باختصاص نادر قوي؛ فالقوة قوة العلم , والقوة قوة المال, والقوة قوة المنصب.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 الضعيف على العين والرأس مؤمن, لكن يحتاج أن تحمله, أما القوي يحملك, الإسلام يحمل الضعيف, لكن القوي يحمل الإسلام, لذلك: الله رب النوايا؛ الذي ينوي أن يجمع المال ليكون الإسلام قوياً بماله, الذي ينوي أن ينال شهادة عالية ليكون الإسلام قوياً باختصاصه.
 الآن أحياناً: يأتي طبيب باختصاص نادر جداً, يقيم في سورية, يعني حل مشكلة كبيرة, كان الفقير, أم المريض, مضطر أن يسافر إلى أقصى الدنيا, ويدفع مئات الألوف, ليعالج عند هذا الطبيب, جاء إلى بلده, وأقام, فهذا مؤمن, لكنه قوي, عنده اختصاص نادر؛ فالاختصاص النادر, والمال الوفير, والقوة في المنصب, هذه كلها قوة, وأصحابها أحب إلى الله تعالى, لأنهم يحملون بها الإسلام.

قصة :

 أنا مرة ذكرت لكم: معنا أحد من علماء دمشق كان في تركيا, وبلغه أن أحد كبار التجار في تركيا, دفع لنشر هذا الدين لأناس يثق بهم ثلاثمئة مليون دولار, هذا العالم الذي في دمشق, كان في هذه البلاد يزورها, فلما سمع به, اشرأبت عقوله إلى أن يراه, إنسان دفع ...
 -نحن عندنا -الحمد لله- يدفع خمسين ألف, يريد رخامة, يريد رخامة, ويريد المحسن الكبير, وتجده يمشي مثل الطاووس, دفع خمسين ألف لجامع مثلاً, هذا دفع ثلاثمئة مليون دولار-.
 أراد هذا العالم الجليل من دمشق: أن يرى هذا المحسن, طلب أن يلتقي به, دُعيا إلى طعام الفطور, جاء العالم الدمشقي جلس ربع ساعة, نصف ساعة, لم يأت, قال: أين هذا الذي دعوتموني من أجل أن أراه؟ قال: هذا, هو جاء قبلك, جاء قبلك بربع ساعة, دهش!! من تواضعه, ومن أدبه.
 فهذا الذي ينفق ماله, ينافس أكبر عالم, لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:

((لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله علماً, فهو ينفق من علمه آناء الليل وأطراف النهار, ورجل آتاه الله مالاً, فهو ينفق من ماله آناء الليل وأطراف النهار))

 معنى: أنت بعلمك ترقى, والله يحبك, خير وأحب إلى الله, وبإنفاق مالك ترقى, إذا كان وصل لمنصب رفيع, وتقيم فيه الحق, ولا تأخذك في الله لومة لائم, أيضاً: الله يحبك.

هل يحرم المؤمن الضعيف من الخير؟ :

((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف.
-لكن النبي -عليه الصلاة والسلام-: جبار الخواطر. قال-: وفي كل خير))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 حتى الضعيف على العين والرأس, أما القوي أحسن.
 يعني: شخص بإمكانه يحل مشاكل البائسين, شخص معذب, يحتاج إلى مأوى, أمن له مأوى.
 شخص يحتاج إلى عملية جراحية خطيرة جداً, قال له: هذه العملية علي, شخص يحتاج يعني ليبني غرفة لبناته, هم مع أولاده في غرفة واحدة, في مخالفة شرعية, قال له: الغرفة أنا أعملها؛ فالغني قوي, والعالم قوي, وذو السلطان قوي.

((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ -لكن- وفي كلٍّ خير.))

كيف تكون الاستعانة بالله؟ :

 احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.
 -احرص على ما ينفعك: يعني: خذ بالأسباب, والأسباب لا تكفي.
 واستعن بالله: الاستعانة بالله من دون أخذ أسباب لا تكفي, والأخذ بالأسباب من دون استعانة لا تكفي, فهما شرطان, شرطان لكل نجاح: أن تأخذ بالأسباب, وأن تتوكل على الله-.
 احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز, وان أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان))

 

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 لا زلنا في الأحاديث المتعلقة بالمجاهدة.
يعني:

((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز))

 لا تقل: لا أستطيع, لا تقل: شيء ليس باليد, لا تقل: قضية ميئوس منها.
 استعن بالله ولا تعجز.

احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز :

 أنا لي صديق مدرس في التعليم الثانوي, اختصاص فيزياء وكيمياء, أصيب بمرض خبيث في رئته, الطبيب المعالج صديقي, باليقين القطعي سرطان في الرئة, القطعي, أُخذت عينات, خزعات من رئته, وحللت في دمشق بأشهر مخبر, أُخذت عينات إلى بريطانيا النتيجة واحدة: سرطان خبيث, زرته في البيت, والله بكيت, يسكن في بيت, يساوي ثمنه ثمن عملية جراحية, تجرى له في أمريكا, نجاحها بالمئة ثلاثين, وقد وقع أهله في صراع شديد, أيضحون بالبيت وقد لا تنجح العملية, أم يشعرون تجاه رب الأسرة بالذنب دائماً, بخلوا عليه بهذه العملية؟.
 لا يوجد بيت ثان, لا بد من بيع البيت, ثم تراجع هذا المرض شيئاً فشيئاً, إلى أن تلاشى, والقصة مضى عليها أكثر من اثنتي عشرة سنة, والآن حي يرزق.

((احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز))

من الوقائع :

 كثيرون قيل لهم: انتهى أجلكم, وعاشوا سنوات وسنوات.
 يوجد لنا أخ من أخواننا في الحريقة, يقول لي هذه القصة, قال لي: أنا ولدت في بيت عربي, في غرفة, في ساعة الولادة, لي مرت عم, الغرفة الثانية, بينهما طبلة, هذه امرأة العم مريضة مرض خطير, جاؤوا بالطبيب, قال: ميئوس من شفائها, أقسم بالله, -هكذا تروي له يعني أمه-, قال: اكتبوا النعوة وانتهت, وكتبت نعوتها, ثم أكرمها الله بالشفاء شيئاً فشيئاً.
 قال لي: أنا ولدت -مثلاً- في أيلول, بعد خمس, ست سنوات دخلت المدرسة, بعد عشر سنوات نزلت إلى عند أبي على المحل, بالخمسة عشر توفي أبي, حليت محله, بالخمس وعشرين اشترى بيتاً -مثلاً- متواضع, قال لي: بالأربعين أخذت بيت بالعدوي فخم جداً, قال لي: بالخمس وأربعين زارتني امرأة عمي, بعد خمسة وأربعين عاماً, وقد قيل لهم: اكتبوا النعوة, وانتهى أجلها؛ لذلك:

((احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز, وإن أصابك شيء, فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا, ولكن قدر الله ما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 وهذا الحديث: يدخل في باب الجهاد؛ لا تخنع, لا تيأس, لا تقل: انتهينا.

إذا كنت جندياً لله حقاً, فأنت الغالب :

 الآن: كم يبدو لكم أن المسلمين انتهوا في العالم؟ العالم كله ضد المسلمين, كله, والله الذي لا إله إلا هو: لو أنهم صدقوا الله, واصطلحوا معه, وتابوا إليه, والله لترون المعجزات.
 في أمثلة, أنا لا أحب أذكرها كثيراً, لئلا يقال كذا وكذا, لكن معقول مئتا ألف شيشاني, مئتا ألف بالجبال؛ لا معهم مدرعات, ولا طيران, بواريد يأخذونها من أعدائهم فقط, يمرغون رأس ثاني أقوى دولة في العالم بالوحل؟ معقول!؟ ويقف رئيسهم نداً بند أمام مقاتل شيشاني, معنى ذلك: أن الإنسان إذا اصطلح مع الله, الله عز وجل معهم, ونحن مدعوون للصلح مع الله.
 هل يعقل اليهود الذي لا يتجاوز عددهم مليون يتحدونا مثلاً!؟ معقول!!.
 فطبعاً: إذا هان أمر الله علينا, هنا على الله, أما إذا عظمنا أمر الله عز وجل, دافع الله عنا, لأن الله عز وجل يقول:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة الحج الآية:38]

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة غافر الآية:51]

 في الدنيا مستحيل, إذا كنت مؤمناً حقاً, فأنت منصور حقاً:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:173]

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:173]

 فإذا كنت جندياً لله حقاً, فأنت الغالب.

هذا المطلوب منا :

 يا أيها الأخوة, الله عز وجل لم يطالبنا بأن نعد لأعدائنا قوة مكافئة, هذا الشيء مستحيل, هم أقوى منا بكثير, ولكنه طالبنا بالقوة المتاحة, ليست المكافئة, بل المتاحة. قال تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

[سورة الأنفال الآية: 60]

 والباقي على الله.
 أنا ذكرت مرات عديدة, كيف لو الله يتدخل مباشرة؟ تحسم المرع لصالح المؤمنين, لو أن هؤلاء أهل للنصر.

نهاية المطاف :

 وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

((حجبت النار بالشهوات, وحجبت الجنة بالمكاره))

 ثمن الجنة:

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾

[سورة النازعات الآية:40]

﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾

[سورة النازعات الآية:41]

 فالجنة محفوفة بالمكارم, ثمن الجنة؛ غض البصر, والصلاة, الذكر, الصيام, الحج, ضبط اللسان, ضبط النظر, ضبط اليد, الدخل الحلال, هذا ثمن الجنة.

((حفت الجنة بالمكاره, وحفت النار بالشهوات))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

 الحديث الأخير .....

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور