وضع داكن
27-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 081 - الصبر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أنت مكلف بالصبر :


 أيها الأخوة الكرام

باب الصبر عقده الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك رياض الصالحين, فكما تعلمون يبدأ الباب ببعض الآيات, ثم يثني ببعض الأحاديث الصحيحة.

يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:200]

 أنت بادىء ذي بدء, مكلف أن تصبر, ما معنى أن تصبر لشيء, أو على شيء, أو عن شيء؟ عن, أو على, أو لِ؛ تصبر عن شهوة, وتصبر على طاعة, وتصبر لقضاء وقدر, تصبر لقضاء وقدر قدره الله عز وجل, وتصبر عن شهوة محببة لا ترضي الله, وتصبر على طاعة متعبة, فأنت مكلف أن تصبر, والصبر ربع النجاة.

إليكم الأدلة من الكتاب على تكليف الإنسان بالصبر :

 قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:200]

 قال تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر الآية:1]

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر الآية:2]

﴿إِلَّا﴾

[سورة العصر الآية:3]

 -خاسر, إلا-:

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر الآية:3]

 فأنت مكلف أن تصبر, وأن تصبِّر:

﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:200]

 مكلف أن تصبر, وأن تحمل أخاك على الصبر؛ أن تذكره بحكمة الله, وبرحمة الله, وبفضل الله, وبأن الدنيا فانية, وأن الآخرة هي الباقية, وأن المطيع هو الفائز, وأن الذي يصبر هو الفائز, مكلف أن تصبر, وأن تحمل أخاك على أن يصبر.

من لوازم الابتلاء والامتحان في الدنيا :

 قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:200]

 الشيء الثاني: يجب أن تعلم أنك في دار ابتلاء, وفي دار امتحان, وأن من لوازم الابتلاء والامتحان: أن تأتي الأمور على غير ما يحب.

ما وراء هذه الآيات؟ :

 قال تعالى يخاطب المؤمنين حصراً:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

 -نبلونكم أيها المؤمنون-:

﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

 -ليس خوف دائماً, تخاف أحياناً-:

﴿وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

 -أحياناً: يموت ابنه-:

﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

 -يأتي سقيع قاس, ذهب المحصول كله-:

﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

 إذاً: ربنا عز وجل شاءت حكمته: أن يمتحننا, وأن يعالجنا, وأن يرقى بنا عن طريق الصبر, إلا أن الصابر له جزاء عجيب.
 أحياناً: تعطي شيكاً مفتوحاً, توقع, والرقم فارغ؛ تضع مئة ألف, تضع مئتي ألف, سبعمئة ألف, ثلاثة ملايين, ثمانية ملايين, مئة مليون, الشيك مفتوح. قال:

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[سورة الزمر الآية:10]

 فقط الصابر؛ الذي صبر على طاعة, وصبر عن شهوة, وصبر على قضاء الله, لقضاء الله وقدره.
 ويقول الله عز وجل:

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[سورة الشورى الآية:43]

ما الفرق بين هاتين الآيتين؟ :

 الآية الكريمة في نصيحة سيدنا لقمان لابنه:

﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[سورة لقمان الآية:17]

 أما هنا:

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[سورة الشورى الآية:43]

 الفرق بين الآيتين؛ حينما يأتي الفعل من الله مباشرة: عليك أن تصبر, والصابر له أجر كبير, أما حينما يأتي الفعل من الإنسان: عليك أن تصبر, وأن تغفر, أن تصبر لأن الله شاءت حكمته أن يبعث لك هذا الشيء؛ من سلطه عليك؟ من سمح له أن يصل إليك؟ من قواه على أن يصل إليه؟ الله جل جلاله.
 فأنت علاقتك مع الله, ولئلا ينشأ حقد على هذا الإنسان الذي هو عصا, قال لك: اصبر:

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[سورة الشورى الآية:43]

 هذا توكيد.

كيف نفسر هذه الحادثة وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية؟ :

 إنسان –مثلاً: لا سمح الله ولا قدر, لا أفجعنا الله جميعاً بهذا-, لو وقع ابنه من الشرفة فنزل ميتاً, لا يوجد إنسان يقيم دعوى عليه, لا يوجد إنسان يخاصمه, وقع ابنه, هذا قضاء من الله وقدر, أما لو سائق دهسه, أنت أمامك إنسان؛ ممكن تقاضيه, ممكن تحقد عليه, ممكن تقتله.
فالمؤمن: يعتقد أن الذي أصابه -ولو عن طريق البشر- سمح الله به, لا يحقد, لكن يُعالج, إذا إنسان مستهتر, نوقفه, ندفعه غرامة, نردعه, لا يوجد سذاجة في الدين:

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾

[سورة الشورى الآية:40]

 أما إذا غلب على ظنك, أن عفوك عنه يُصلحه. قال:

﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

[سورة الشورى الآية:40] 

 وقال تعالى:

﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية: 153]

 مع الصابرين بالتوفيق, ومع الصابرين بالنصر, ومع الصابرين بالحفظ, ولا يوجد أجمل من إنسان صادق.

الرضا بمكروه القضاء, أرفع درجات اليقين :

 يقول سيدنا علي -كرم الله وجهه-: الرضا بمكروه القضاء, أرفع درجات اليقين.
 يعني أعلى درجة باليقين: أن ترضى بقضاء الله وقدره.
 الرضا بمكروه القضاء, أرفع درجات اليقين.

عند الشدائد تتفاوت الناس مع الله :

 وفي آية أخرى:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾

[سورة محمد الآية:31]

 دائماً السيارة تُمتحن في الصعود لا في النزول, بالرخاء: كلنا نحب الله, لكن نتفاوت, نحن مع الله في الشدة, يعني على الشدائد تتفاوت الناس. قال:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران الآية:179]

 أحياناً: تطبخ طبخة إسمنت, يضعونها مكعبات, يضعونها على آلة, من طرف ممسوكة, من طرف ثان سائدة, يضعونها أوزاناً, على أي وزن تقطع, هذا قوة تماسك الإسمنت, كل طبخة لها ترتيب, وكل واحد منا له قوة تماسك, في إنسان يصبر, أما على مصيبة واحدة لا يصبر, في إنسان يصبر أحياناً.

واقعة اعتراض على قضاء الله وقدره :

 أعرف إنساناً كان يحضر دروس علم كثيراً, مات ابنه, فترك الصلاة, يعني لم يقبل, لم يرض بقضاء الله وقدره, مع أن النبي مات ابنه. قال:

((إن العين لتدمع, وإن القلب ليحزن, ولا نقول ما يسخط الرب, وإنا عليك -يا إبراهيم- لمحزونون))

مضامين هذه الآيات :

 هذه الآيات إذاً:

﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:200]

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[سورة الزمر الآية:10]

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[سورة الشورى الآية:43]

﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾

[سورة البقرة الآية: 153]

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾

[سورة محمد الآية:31]

الصبر ضياء :

أيها الأخوة الكرام, هذه الآيات, أما الأحاديث:
 قال عليه الصلاة والسلام:

((الطُّهور شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزان، وسبحانَ الله والحمد لله تملآان ما بين السموات والأرض، والصلاةُ نور، والصدقةُ بُرْهَان، والصبرُ ضِياء.

 -التعبير الحديث: الحزن خلَّاق.
 يعني: إنسان مريض, وهو راض عن الله, إنسان معه مال ضيق ذات اليد, وهو راض عن الله, لن تتألق, ولن تشعر أنك مؤمن ورب الكعبة, إلا إذا جاءك شيء تكرهه, وأنت راض به.
 فالصبر يجعل لك صلة بالله, هذه الصلة من ثمراتها الضياء, والقرآن حجة لك أو عليك-.


أنت مخير :

((كلُّ الناس يغدو، فبائع نَفْسَهُ فمعتقُها، أو مُوبِقها))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما]

 انظر حركة سوق الحميدية, الساعة الثامنة صباحاً, الساعة الثانية ظهراً؛ ازدحام, وسيارات, كل شخص في باله شيء.

((كلُّ الناس يغدو، فبائع نَفْسَهُ فمعتقُها، أو مُوبِقها))

 إنسان يسعى لدرس علم, يسعى لكسب رزق, يسعى لطلب الحلال, يسعى لمعالجة والده المريض, يسعى لخدمة شخص لهفان, يسعى لخدمة الناس, وفي إنسان يسعى للزنا, يبحث عن بيوت دعارة, يسعى للإيقاع بين الناس, إنسان يسعى لإيذاء الناس, فأنت مخير تخرج من بيتك؛ إما إلى الجنة, إما إلى النار.

((مَن سلكَ طريقاً يَلْتَمِسُ فيه عِلْماً, سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقاً إلى الجنة))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

من الذي يملك الدنيا بحذافيرها؟ :

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-:

((أن ناساً من الأنصار سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطاهم, ثم سألوه فأعطاهم, حتى نفذ ما عنده, فقال لهم -حين أنفق كل شيء بيده-: ما يكن عندي من خير, فلن أدخره عنكم؛ ومَنْ يَسْتَعِفف يُعِفُّه الله, ومَن يستَغْنِ يُغْنهِ الله، ومن يتصبَّر يُصَبِّره الله، وما أُعْطِي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))

 الصابر ملك الدنيا, صغيرة أمامه, أما الطمع: أذل رقاب الرجال.

استغن عن المرء تكن نظيره :

 قال: استغن عن المرء تكن نظيره, احتج إليه تكن أسيره, أحسن إليه تكن أميره.
أنت ممكن أن تكون نداً لأكبر غني في العالم, متى؟ إذا استغنيت عن ماله فقط, يمكن أن تكون نداً لأقوى رجل في العالم, إذا استغنيت عن أن تستعين بقوته, أنت غني بالله, المؤمن عزيز النفس, يساوي أغنى إنسان, يساوي أقوى إنسان, لأنه مستغن عنهما, انتهى.

((من جلس إلى غني فتضعضع له, ذهب ثلثا دينه))

 والله -أيها الأخوة- قد يكون دخلك في الشهر خمسة آلاف, لا يكفيك عشرة أيام, تكون من أغنى الناس.

ما موطن الشاهد من هذه القصة؟ :

 أنا مرة قال لي شخص مهندس, له قريب -يمكن القصة سمعتموها مني سابقاً-, يعني يبحث عن أرض لبناء مسجد, وجد أرضاً مناسبة في بعض الأحياء, تفاوض مع صاحبها ثلاثة ونصف مليون, صاحبها مستخدم مدرسة, عنده ثمانية أولاد, أو خمسة أولاد, دخله أقل من أربعة آلاف, فقير فقر مدقع, الأرض ورثها من شهر, شهرين, فالأرض مناسبة للجامع.
 الذي يريد إنشاء المسجد, يعني شخص حجمه المالي كبير جداً, بمئتي مليون السعر مناسب, ووافق الطلب, فساومه, وكتبا العقد, وحرر له شيكاً بمليونين, قال له: الباقي بعد التنازل للأوقاف, أدفعهم لك المليون ونصف.
 قال له: ما الأوقاف؟ هذا المستخدم الذي عنده خمسة أولاد, الذي معاشه أربعة آلاف, ما الأوقاف؟ قال له: هذه نريد أن نعملها مسجد, لما تتنازل للأوقاف عن ملكية الأرض والأمر يتم, أعطيك الرصيد.
 قال له: مسجد؟ قال له: نعم, قال له: أعطني الشيك, أخذه, ومزقه, ما هذا؟ ماذا حصل لك؟ قال له: أنا أولى منك تقدمها لله, هذه لبيت الله.
 والآن: مسجد مبني في نهر عيشة, من أرقى المساجد. قال له: أنا أولى منك.
 يقول الرجل الغني -أبو المئتي مليون-: في حياتي ما صغرت, صغرت أمام إنسان, كما صغرت أمام هذا المستخدم, رأيته أعظم مني كثيراً.
 هذا غني, هذا إنسان لا يملك من الدنيا إلا هذه الأرض, وأربعة آلاف ليرة, لا يكفيه خمسة أيام, وعنده خمسة أولاد, قال له: أنا أولى منك أقدمها للمسجد, لست أفضل مني أنت.
 فقد تكون فقيراً, لكن أنت غني عند الله عز وجل.
 إن الغنى غنى النفس.

((من جلس إلى غني فتضعضع له, ذهب ثلثا دينه))

هذه مقولة يعقوب يوم أن فقد ابنه :

 ماذا قال سيدنا يعقوب؟:

﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾

[سورة يوسف الآية:86]

طبعاً: من شكا إلى مؤمن -وضع ثان, قال- فكأنما اشتكى إلى الله, ومن اشتكى إلى كافر, فكأنما اشتكى على الله.
 إياك, ثم إياك, ثم إياك, أن تعرض همك لكافر, يشمت بك, ويلومك على تدينك, أما المؤمن يتألم, والأكمل منهما: أن تشكو إلى الله وحده.

من العيب :

 قال: ويُعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم.
 لأن الله يرى, يعرف وضعك.
 قال له:

((ابن آدم! كن لي كما أريد, ولا تعلمني بما يُصلحك))

 يعني: لا تكلف خاطرك, تقول لي ماذا تريد؟ أعرف ما الذي تريد, لكن كن لي كما أريد, ولا تعلمني بما يصلحك.

دعوة رجاء :

 أنا كل رجائي: أن تنعقد مع الله صلة, أن تتعامل مع الله مباشرة, أن تخلص له, أن ترجوه, أن تخافه, أن تخدم عباده, ولا تعبأ بأحد, والله وحده أهل أن تتقيه, وأهل أن ترجو رحمته.
 لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((ما يكن عندي من خير فلَنْ أدَّخِرَهُ عنكم؛ ومَنْ يَسْتَعِفف يُعِفُّه الله, ومَن يستَغْنِ يُغْنهِ الله، ومن يتصبَّر يُصَبِّره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))

هذا حال المؤمن مع الله :

 وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, يقول:

((عَجَباً لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

على الحالتين راض, على الحالتين يسعد بالله في السراء والضراء.

كلمات يتأسى لها القلب ألماً لكنها معبرة عن رضى بقضاء الله وقدره :

 وعن أنس -رضي الله عنه- قال:

((لما ثقل النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل يتغشاه الكرب –يعني سكرات الموت-, فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: واكرب أبتاه! فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم, فلما مات, قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه, يا أبتاه جنة الفردوس مأواه, يا أبتاه إلى جبريل ننعاه, فلما دفن قالت: يا أنس, أطابت أنفسكم أن تحثو على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب؟))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]

 كانت أقرب الناس إليه, وأحب الخلق إليه.

هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده :

 عن أبي زيد, أسامة بن زيد بن الحارثة, مولى رسول الله, وحبه, وابن حبه -رضي الله عنهما- قالت:

((أرسلت بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن ابني قد احتضر فاشهدنا –تعال إلينا- فأرسل يُقرىء السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى –الذي أخذه في الأساس له- إن لله ما أخذ وله ما أعطى, وكل شيء عنده في أجل مسمى, فلتصبر, ولتحتسب, فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها, فقام معه؛ سعد بن عبادة, ومعاذ بن جبل, وأبي بن كعب, وزيد بن ثابت, ورجال -رضي الله عنهم- فرفع إلى النبي الكريم الصبي, فأقعده في حجره, ونفسه تقعقع, ففاضت عيناه, فقال سعد: يا رسول الله, ما هذا!؟ قال: هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده))

 وفي رواية:

((في قلوب من شاء من عباده, وإنما يرحم الله من عباده الرحماء))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]

 في شخص رحيم, وقد تبدو رحمته بأشياء كثيرة.

متى يكون الصبر؟ :

 آخر حديث: عن أنس -رضي الله عنه-, قال:

((مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر, فقال: اتقي الله واصبري, قالت: إليك عني, فإنك لم تصب بمصيبتي, ولم تعرفه, فقيل لها: إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتت باب النبي, فلم تجد عنده بوابين, قالت: لم أعرفك, فقال عليه الصلاة والسلام: إنما الصبر عند الصدمة الأولى))

 كل أصحاب المصائب بعد ساعتين يصبر, لا بد من أن يصبر, أما البطولة عند سماع النبأ, عند أول خبر, أن تقول: يا ربي لك الحمد, هذا فعلك, وأنا راض عن فعلك.

بشرى لك يا مسلم :

 آخر حديث -كما قلت قبل قليل-: يقول عليه الصلاة والسلام:

((ما يصيب المسلم من نصب, ولا وصب, ولا هم, ولا حزن, ولا أذى, ولا غم, حتى الشوكة يشاكُّها –شوكة- إلا كفر الله بها من خطايا))

((ما لك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله, قال: لا تلعنيها, فو الذي نفس محمد بيده, لا تدع المؤمن وعليه من ذنب))

 استبشروا يا أخوان؛ كل شيء متعب, كل شيء مزعج, حتى الشوكة -شكة دبوس, أحياناً: يكون في مسمار, لا تنتبه, يعمل خطاً أحمر, حتى هذا الشطب

 المؤمن جميع أنواع المصائب المادية, والمعنوية, والصغيرة, والكبيرة, حتى الهم:
 من قصر بالعمل, ابتلاه الله بالهم.
 حتى الهم: مكفر للمؤمن, أما غير المؤمن: المصائب عقوبات.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور