وضع داكن
19-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 074 - حقيقة الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

تأمل ببصيرتك آيات التوحيد :

((وﺇن العباد عصوني, حولتها عليهم بالسخطة والنقمة, فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك, وادعوا لهم بالصلاح, فإن صلاحهم بصلاحكم))

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:26]

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية:10]

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾

[سورة فاطر الآية:2]

 حينما تصل إلى التوحيد, وصلت إلى الله, أما حينما يكون هناك ضعف في توحيدك, يكون هناك ضعف في استقامتك؛ لأنه ينبغي أن ترضي زيداً, أو عبيداً, أو فلاناً, أو علاناً, فإن أرضيتهم, ولم ترض الله عز وجل, وقعت في الشرك.
 طبعاً: آيات التوحيد كثيرة جداً, ﺇلا أن بعضها ذكرتها لكم تمهيداً لهذا الحديث.

متى يبلغ العبد حقيقة الإيمان؟ :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((ﺇن لكل شيء حقيقة, وما بلغ عبد حقيقة الإيمان, حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه))

 شيء طائش لا يوجد, إنسان يروح ضحية لا يوجد, لأن الله عز وجل يقول:

((يا عبادي, ﺇني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا, يا عبادي, كلكم جائع ﺇلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي, كلكم عار ﺇلا من كسوته فاستكسوني أكسكم, يا عبادي, كلكم ضال ﺇلا من هديته فاستهدوني أهدكم, يا عبادي, لو أن أولكم وآخركم وﺇنسكم وجنكم, كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد في ملكي شيئاً, ولو أن أولكم وآخركم وﺇنسكم وجنكم, كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم, ما نقص في ملكي شيئاً, ولو أن أولكم وآخركم وﺇنسكم وجنكم, وقفوا على صعيد واحد, وسألني كل واحد منكم مسألته, ما نقص ذلك في ملكي, ﺇلا كما ينقص المخيط إذا غمس في مياه البحر -ذلك لأن عطائي كلام, وأخذي كلام, كن فيكون, زل فيزول- فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن ﺇلا نفسه))

 لذلك ورد في أثر قدسي آخر:

((إني والجن والإنس في نبأ عظيم؛ أخلق ويعبد غيري, وأرزق ويشكر سواي, خيري إلى العباد نازل, وشرهم إلي صاعد, أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم, ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي, من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد, ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب؛ أهل ذكري, أهل مودتي, أهل شكري, أهل زيارتي, أهل معصيتي, لا أقنتهم من رحمتي, ﺇن تابوا فأنا حبيبهم, وﺇن لم يتوبوا فأنا طبيبهم , أبتليهم بالمصائب, لأطهرهم من الذنوب والمعايب, الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد, والسيئة بمثلها وأعفو, وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))

((ﺇن تابوا فأنا حبيبهم, وﺇن لم يتوبوا فأنا طبيبهم, أبتليهم بالمصائب, لأطهرهم من الذنوب والمعايب))

 يعني: ﺇما أن تأتيه راكضاً, والله عنده أدوية كثيرة.

((عجب ربكم من قوم, يساقون إلى الجنة بالسلاسل))

 لذلك ورد في الحديث الصحيح:

((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء, لم ينفعوك ﺇلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء, لم يضروك ﺇلا بشيء قد كتبه الله عليك))

[أخرجه الترمذي في سننه]

متى يكون الطريق إلى الله سالك؟ :

 قال تعالى:

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾

[سورة فاطر الآية:2]

 هو حينما تيأس من الناس وتتوجه إلى الله, قطعت أربعة أخماس الطريق, حينما تعرض عن الخلق وتعقد الأمل على الخالق, وصلت إلى الله عز وجل, ما دام في طرق جانبية, فالطريق إلى الله غير سالك, إلى أن تقطع الأمل من كل الخلق, ما دام في باب مفتوح في الأرض, باب السماء مغلق, إلى أن تيأس مما في أيدي الخلق, وتحرص على ما عند الله عز وجل.

ألغ كلمة (لو) من حياتك لا تشعر بندم قط :

 هذا الحديث أساسي في الإيمان:

((لكل شيء حقيقة, وما بلغ عبد حقيقة الإيمان, حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

 إذا ألغيت كلمة لو من حياة المؤمن, لا يوجد عنده ندم, قدر الله وما شاء فعل.

((فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا؛ ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 وليس غريباً: أن تكون معظم مشكلات الناس النفسية, هي حالة ندم على شيء فاته من الدنيا, ما هو لك لك, وما ليس لك ليس لك.
 لذلك: يعني:

((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس, فإن الأمور تجري بالمقادير))

 ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.

((وشرف المؤمن قيامه بالليل, وعزه استغناؤه عن الناس))

 التوحيد يعلم الشجاعة, التوحيد يعلم العفة, التوحيد يعلم الجرأة, التوحيد يعلم الغنى, كيف تستغني عن الناس؟ الأمر كله بيد الله,

﴿بيده ملكوت السموات والأرض﴾

 -نعم-.

اعلم علم اليقين :

 قال تعالى:

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

[سورة الزخرف الآية:84]

 يعني: حينما توقن أن شرايين القلب الشريان التاجي, فتحته بيد الله, قد يُسطم, وقد يبقى مفتوحاً, فإذا أغلق, أصبحت حياة الإنسان جحيماً؛ يحتاج إلى قثطرة, وعمليات, وزرع أوعية تُؤخذ من مكان, توضع في مكان, ويحتاج إلى نشر صدره, إلى فتح قلبه, إلى إدخال جراحة.
 يعني: الشريان التاجي بيد الله عز وجل, عمل الكليتين بيد الله عز وجل, نمو الخلايا بيد الله, قد تنضبط, وهذا ما يُسعدنا, وقد لا تنضبط, فإذا لم تنضبط, لا يوجد لها حل.
 يعني: خمسون ألف سيف مسلطة فوق رؤوسنا, لا يُنجينا منها ﺇلا طاعة الله عز وجل.

إليكم هذا المثال لتوضيح هذه الحقيقة :

 أيها الأخوة, مثل بسيط: تصور وحوش كاسرة, ضبع مثلاً, سبع, ذئب, وحوش كاسرة, مخيفة, مربوطة بأزمة, بيد جهة قوية, فأنت كلما كنت ذكياً, علاقتك لا مع الوحوش, ولكن مع من يمسكها, فإذا رضي عنك, أبعدها عنك, وإذا غضب عليك, سلطها عليك, علاقتك مع من؟ مع الله عز وجل, والدليل:

﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾

[سورة هود الآية:55]

﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[سورة هود الآية:56]

 الدواب كلها بيد الله, والله على صراط مستقيم, علاقتك مع الدواب لما مع الله عز وجل؟ مع الله, ليس لك علاقة مع الدواب أبداً, علاقتك مع من يملكها, فإذا غضب, أرخى الزمام, فوصلت إليك, وإذا أحبك, أبعدها عنك, فعلاقتك معه لا معها.

((لكل شيء حقيقة, وما بلغ عبد حقيقة الإيمان, حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه , وما أخطأه لم يكن ليصيبه))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

هذا العالم علم حقيقة الإيمان بالله :

 عالم جليل كان في مكة المكرمة, فجاء أحد خلفاء بني أمية الكبار, رآه في الحرم يطوف, -يعني مناسبة أن يكرمه- قال له: سلن حاجتك, قال له: والله ﺇنني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله, فخجل الخليفة, رآه خارج الحرم, قال له: سلن حاجتك, قال له: والله ما سألتها من يملكها, أفأسألها من لا يملكها!؟.
 فلما ألح عليه, قال له: حاجتي أن تدخلني الجنة, قال له: هذه ليست بيدي, قال له: ﺇذاً: ليس لي عندك حاجة. انتهت.

من روائع الزمان :

 يقولون: مرة هارون الرشيد حج بيت الله الحرام, طلب عالماً من علماء الحرم الكبار, كان الإمام مالك, إمام دار الهجرة, فذهبوا إليه وقالوا: الخليفة يريدك, ينتظرك, يريد أن ينتفع بعلمك, قال لهم: قولوا له: يا هارون, العلم يُؤتى ولا يأتي, فلما أبلغوه هذا, قال: صدق, أنا آتيه -والخلفاء كانوا فقهاء أيضاً- فقال لهم: أيضاً قولوا له: ﺇن جاءنا, لا ينبغي أن يتخطى رقاب الناس, قال: صدق, ثم قال لهم: وقولوا له .....
 فلما جاءه, وجلس في طرف المسجد على كرسي, فقال: من تواضع لله رفعه, ومن تكبر وضعه, قال: خذوا عني هذا الكرسي.
 يعني: كان الخلفاء يعرفون قيمة العلم أيضاً, والعلماء يعرفون قدره, وكلما عرف العالم قدره, قدَّره الأمير.

العلم ينبغي أن يكرم :

 سئل مرة الحسن البصري: بم نلت هذا المقام؟ –كان سيد التابعين- قال: باستغنائي عن دنيا الناس, وحاجتهم إلى علمي.
 لو عكسناها: إذا صار من يعمل في الدعوة بحاجة إلى مال الناس, والناس مستغنون عن علمه, أين صار؟ في الحضيض, في الوحل.
 فالعلم ينبغي أن يكرم, ومن لم يكرِّم نفسه, لا يكرمه أحد, العلم ينبغي أن يكرَّم.

إذا كان الله معك فمن عليك, وإذا كان عليك فمن معك!؟ :

 الحسن البصري, -ذكرتها لكم مراراً-: وقف موقف جرأة وشجاعة من الحجاج, يعني نصحه, الحجاج غضب غضباً شديداً, قال للذين استمعوا إليه: والله لأروينكم من دمه, وأمر بقتله -ببساطة, الحجاج كان عنده قتل الإنسان أهون من قتل ذبابة– فأمر بقتله, طبعاً: جيء بالسياف, ومد النطع, وأرسل الحاجب, ليأتي بالحسن البصري كي يقتله في قصره, جاء الحسن البصري, ورأى الوضع منتهياً, السياف جاهز, والنطع ممدود, وكل شيء, والجو متوتر, ولا يبقى ﺇلا أن تُقطع رأسه, فتمتم بكلمات لم يفهمها أحد, فإذا بالحجاج يقف له, ويستقبله, وما زال يقربه من مجلسه, حتى أجلسه إلى جانبه, وقال له: يا أبا سعيد, أنت سيد العلماء, واستفتاه في قضية, وقيل: هكذا, وعطره, وضيفه, ثم شيعه إلى باب القصر.
 -اللذان لم يفهما ماذا حدث: هما السياف والحاجب, لأنهما وحدهما يعلمان علم اليقين, أنه بعد قليل: سوف تُقطع رأسه-.
 تبعه الحاجب, قال له: يا أبا سعيد, لقد جيء بك لغير ما فعل فيك, ماذا قلت لربك؟ فقال الحسن البصري: قلت لربي: يا ملاذي عند كربتي, يا مؤنسي عند وحشتي, اجعل نقمته علي برداً وسلاماً, كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
 الله بدل له قلب الحجاج؛ علاقتك مع الله, مع الله وحده, فإذا كان الله معك, لا أحد في الأرض يستطيع أن يصل إليك, وإذا كان الله عليك, أقرب إنسان إليك يتهجم عليك.
 إذا كان الله معك فمن عليك, وإذا كان عليك فمن معك!؟.

ﺇن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله:

 كان الحسن البصري عنده يزيد بن معاوية, كان عند والي البصرة رجل عنده الحسن البصري, جاء البريد من الشام, من دمشق العاصمة, من خليفة المسلمين يزيد, في هذا البريد فيه أمر لوالي البصرة, هذا الأمر لا يرضي الله عز وجل؛ لعله في ظلم, أو في شيء ...... وقع في حيرة, ماذا يفعل؟.
 فسأل الحسن البصري, قال له: ﺇن أنا نفذت هذا الأمر أغضبت الله, وﺇن عصيت الخليفة أغضبته, فأنا بين نارين ماذا أفعل؟ -قال له الحسن كلمة رائعة-, قال: ﺇن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
 هذه كلمة رائعة جداً: ﺇن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
 فإذا كنت مع الله, كل شيء في خدمتك, وﺇن لم تكن معه, كل شيء ضدك.

قانون التيسير والتعسير :

 الله عز وجل: علمنا بالقرآن. قال:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾

[سورة الليل الآية:5]

﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية:6]

﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية:7]

 لا يوجد شيء أحلى للنفس من التيسير, ولا في شيء يغيظ الإنسان كالتعسير.
 كان عليه الصلاة والسلام, يدعو ويقول:

((اللهم لا سهل ﺇلا ما جعلته سهلاً))

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾

[سورة الليل الآية:5]

﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية:6]

﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية:7]

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾

[سورة الليل الآية:8]

﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية: 9]

﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية:10]

 فقانون التيسير والتعسير: أعطى, يعني عمل أعمالاً صالحة, واتقى أن يعصي الله, وصدق بالحسنى؛ يعني آمن, واستقام, وعمل عملاً صالحاً, وأما من بخل: لم يعمل صالحاً, وأما من بخل, واستغنى عن طاعة الله, كذب بالحسنى؛ لا آمن, ولا استقام, ولا أعطى؛ معنى: آمن, استقام, أعطى تيسير, لم يؤمن, ولم يستقم, ولم يعط تعسير.
 فالتيسير منك, والتعسير منك -نعم-, والله سبحانه وتعالى خلقنا ليرحمنا, ﺇلا من أبى, كل ابن آدم ....
 الآن: والحديث الشريف:

((كلكم يدخل الجنة ﺇلا من أبى, قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى))

حديث اليوم :

 حديث اليوم:

((ﺇن لكل شيء حقيقة, وما بلغ عبد حقيقة الإيمان, حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور