وضع داكن
21-11-2024
Logo
موضوعات فقهية متفرقة - الدرس : 42 - حق الزوجة على الزوج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

مقدمة:

 أيها الإخوة الأكارم، قبل عدة أسابيع عقد مرَّ معنا فصلٌ في رياض الصالحين حول حق الزوج على زوجته، وذكرت وقتها مجموعة من الأحاديث الشريفة حول حق الزوج على زوجته، وقد وعدتكم إثر ذلك الدرس أن أتحدث في درس قادم عن حق الزوجة على زوجها، لأن أساس نجاح الإنسان في الحياة سعادته الزوجية، والإنسان قد ينزعج من بيته، بإمكانه أن يغيره، وقد ينزعج من عمله، وفي إمكانه أن يبدله، وقد ينزعج من مركبته، وفي إمكانه أن يبدلها.

 

الأصل في العلاقات الزوجية المودة والرحمة:

 لكن الحياة الزوجية حياة مصيرية، بمعنى ؛ أنك إذا رزقت من هذه الزوجة بأولاد فإن الفراق يعني تشرد الأولاد، فلهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً حرصاً لا حدود له على أن يكون الوفاق بين الزوجين تنفيذاً للمخطط الإلهي الذي يبدو من قوله تعالى:

 

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

 

( سورة الروم : من الآية 21 )

 إن الأصل في العلاقات الزوجية المودة والرحمة، هذا هو التخطيط الإلهي هذا هو الوضع الطبيعي، هذه هي الصحة النفسية بين الزوجين، فلو أن بين الزوجين مشاحنة أو بغضاء، أو جفاء، إن هذا حالة مرضية تقتضي المعالجة.

 

حرص النبي عليه الصلاة والسلام على سلامة الحياة الزوجية:

 إن النبي عليه الصلاة والسلام حرصاً منه، وقد أنبأنا الله عز وجل بأنه حريص علينا.

 

 

﴿ َقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ﴾

 

( سورة التوبة: 129 )

 من حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يكون في كل بيت مسلم، أن يكون في كل بيت من بيوت المسلمين سعادة مظللة، من حرصه هذا عليه الصلاة والسلام وجهنا توجيهات كثيرة فيما يتعلق من حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها.
 الحقيقة أن الأزواج دائماً يتحدثون عن حقوق الزوج على زوجاتهم، هذا من قبيل أن الأحاديث في مصلحتهم، ولكن لكل حق واجب، فإذا كنت تعتز بما قاله النبي عليه الصلاة والسلام من حق على امرأتك، فيجب أيضاً أن تلقي أذناً صاغية، أن تصيغ السمع إلى الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن حق الزوجة على زوجها، كما أنك تبدي اهتماماً بالغاً بالأحاديث التي تتعلق بحق الزوج على زوجته يجب أن تلقي بالاً، وأن تصيغ السمع، وأن تلقي أذناً مصغية لحقوق الزوجة على زوجها، والبحث قد لا يكفيه درس واحد، لكن نبدأ هذا الموضوع في هذا الدرس، وعلى الله التوفيق.

 

 

واجبات الزوج نحو زوجته:

 

 

الحديث الأول:

الإحسان في الكسوة والطعام:

 النبي عليه الصلاة والسلام بيّن في بعض الأحاديث الشريفة أن أول حقٍّ للزوجة على زوجها أن يحسن إليها في كسوتها، وطعامها هذا الحق الأول.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ ؟ قَالَ:

 

(( تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ... ))

 

[ أحمد ]

 ِلكن العلماء قنّنوا أن هذا الإحسان في الكسوة وفي الطعام يجب أن يكون في الحدود المعتدلة، تطبيقاً لقوله تعالى:

 

﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾

 

( سورة الإسراء: 29)

 الإنفاق له حد معتدل، إذا زاد عن هذا الحد انقلب إلى الضد، وكان الفساد في الأرض.

 

لا لإرضاء الزوجة بمعصية الله:

 في الحديث إشارة خطيرة جداً، هؤلاء الذين يتحملون معصية ربهم من أجل إرضاء زوجاتهم ما قرؤوا هذا الحديث، ما كلفك الشرع أن تطعمها طعاماً لا تستطيعه، أن تطعمها إذا طعمت، إذا طعمت فأطعمها، أما إذا لم تقدر أن تأكل ما تشتهي فلا عليك شيء، لذلك كانت الصحابيات الجليلات يخاطبن أزواجهن قبل أن يغادر أزواجهن البيت، تقول له: يا فلان، نصبر على الجوع، ولا نصب على الحرام.
 إنّ أيّ إنسان يقول لك: أنا أفعل هذا من أجل زوجتي، من أجل أولادي، من أجل أن أرضيها، يجب أن أحصنها، يجب أن أرضيها لا، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أن تطعمها إذا طعمت، يعني لا ينبغي للزوج أن يأكل ما لذا وطاب، وأن يجعل طعام زوجته في مستوى أدنى، أن يطعمها إذا طعم، أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت.

 

 

(( وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ))

 لأن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان في وجهه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب الوجه، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ))

 وإذا ذكر الله فأمسكوا ولا تضرب الوجه، ولا تقبح بالكلام، هذا من حقها عليك:

 

 

(( تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ))

يجب أن تبقى في البيت، لأنها إذا بقيت في البيت فالقضية سهلة الحل، أما إذا انطلقت إلى بيت أهلها، طردتها من البيت فالأمر يتفاقم، وقد ينتهي إلى الطلاق.
والله سبحانه وتعالى يقول:

 

 

﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾

 

( سورة الطلاق: من الآية 7 )

 إذاً: الله عز وجل أمر الزوج أن ينفق على زوجته بقدر ما أعطاه الله، إذا وسع الله عليه ينبغي أن يوسع على عياله، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))

 

[ الجامع الصغير عن جبير بن مطعم ]

﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾

( سورة الطلاق: من الآية 7 )

الحديث الثاني:

 وقد روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

 

[ أبو داود وأحمد ]

 يعني يكفيه هذا الإثم العظيم أن يضيع من يقوت، هؤلاء عيالهم مَن لهم ؟ ليس لهم إلا الزوج، فإذا ضيع هذا الزوج من يقوت فقد ضيع أهله، وقد ألجأهم إلى التطلع إلى غيره، وقد حملهم على بغضائه، وقد حملهم على كراهيته، لذلك العاقل إذا آتاه الله مالاً.

 

﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾

 من غير إسراف، ولا تبذير، ولا مخيلة.
 الإمام مسلم في صحيحه روى حديثاً عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ... ))

 

[ مسلم ]

 وفي رواية أحمد عن ِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( دينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ، وَدِينَارٌ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ فِي أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ ))

 

[ أحمد ]

 أي في عتق رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، باب ثالث ودينار أنفقته على أهلك، من منكم يظن أو يتوقع أي هذه الدنانير الأربعة هي أفضل عند الله ؟
قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ ))

 الدينار الذي أنفقته على أهلك، لماذا ؟ لأنك إذا أنفقت دينارا في سبيل الله، ربما أنفق غيرك هذا الدينار، إن لم تنفق أنت أنفق غيرك، وإذا أنفقت دينار في عتق رقبة ربما أعتقها غيرك، وإذا أنفقت دينار على مسكين ربما أنفقه عليه غيرك، ولكنك إذا امتنعت على إنفاق المال على أهلك فمن ينفق عليهم ؟ من لهم غيرك ؟
أعيد عليكم رواية الحديث: روى الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، واللفظ له:

 

 

(( دينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ، وَدِينَارٌ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ فِي أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ ))

 فهنيئًا للذي يسعى، ويجد، ويكد، وينفق على أهله، هذا نفقة هي عند الله أفضل من الأنواع الثلاثة التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث.

 

 

الحديث الثالث:

 وفي حديث آخر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله ))

 

[ الجامع الصغير عن جابر ]

 يجب أن تعلم الزواج جملة وتفصيلاً إنما شرع الله عز وجل من أجل أن يكون لك فرصة لعمل صالح تتقرب به إلى الله عز وجل، كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأرض معايش، وأبواب لكسب الرزق، هل رفع الحرارة، الحر باب من أبواب كسب الرزق، معامل المكيفات، معامل المراوح، المرطبات، هذا كله، هذا باب كبير من أبواب كسب الرزق، والبرد أيضاً باب من أبواب كسب الرزق، وطول الشعر باب من أبواب كسب الرزق، والمرض باب من أبواب كسب الرزق، وجرثومة تصيب بعض النباتات باب من أبواب كسب الرزق، مهندسون، وأخصائيون، وأدوية، ومرشات، واستيراد بضاعة، وتحويل ثمن البضاعة و... كله بسبب هذه الجرثومة التي خلقها الله من أجل أن تكافحها.
 ربنا عز وجل جعل في الأرض أبواب للرزق لا تعد ولا تحصى، وفي المقابل جعل أبواب للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى، إن من أعظم هذه الأبواب موضوع الزواج والأسرة، جهدك في عملك كسب الرزق.

 

(( من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفور له ))

 

[ الجامع الصغير عن المقدام بن معدي كرب ]

 من أجل أن تنفق على زوجتك وعلى أولادك، من أجل أن تجعلهم يطمئنون إليك، ويلتفتون إليك، هذا كله من العمل الصالح.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله ))

 

[ الجامع الصغير عن جابر ]

 الزوج الصالح الذي يكسب مالاً حلالاً ينفق على أهله، يلبي لهم حاجاتهم، التدفئة، الأثاث المعقول، اللباس المعقول، الطعام المعقول، أنا أقول: المعقول من دون إسراف، ولا تبذير، ولا مخيلة، الشيء المعقول.

 

الحديث الرابع:

 لا زلنا في الحديث عن حقوق الزوجة، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

 

(( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِرَ ))

 

[ أحمد]

 هذا تشجيع للزوج أن يقيم مودة بينه وبين زوجته، من خلال أن يرعاها، وأن يحفظها، وما إلى ذلك .
وفي حديث آخر:

 

(( وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته هي له صدقة ))

 

[ ورد في الأثر ]

 والعلماء قالوا: إن الزوج يجب أن ينفق على زوجته الموسرة، هذا حق، وإنْ كانت موسرة غنية، أو فقيرة، هذا ليس من شأنك، وإذا طابت لك عن شيء فلا مانع.

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور