- الفقه الإسلامي
- /
- ٠3موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حكم الشرع في المسابقات :
أيها الأخوة الكرام : أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى اختيار موضوعات تشتد الحاجة إليها ، فهناك مئات الأسئلة عن موضوع المسابقات والجوائز والهدايا التي يستخدمها أصحاب المعامل في صناعاتهم بغية ترويج المبيعات ، وقد أردت أن يكون هذا الدرس في موضوع المسابقات التي تكثر في هذه الأيام ما حكم الشرع فيها ؟
أولاً : تصنف المسابقات إلى نوعين ، مسابقات مهارةٍ وحذق ، ومسابقات حظ ولعب، مسابقات المهارة كركوب الخيل ، والرمي ، والمصارعة ، وحمل الأثقال ، وقد ألحق بهذه المسابقات مسابقات المهارة الشطرنج ، وأما مسابقات الألعاب فيقع على رأسها لعب النرد ، هذه مسابقات الحظ طالما يوجد زهر ، برسيس ، مسابقات حظ ، الشدّة مسابقات حظ ، هذه كلها تدخل تحت مسابقات الحظ .
السؤال الآن ما حكم الإسلام في هذه المسابقات مسابقات المهارة ومسابقات الحظ؟ بعض الفقهاء أجاز مسابقات المهارة بعوض ، وبدون عوض - أي مسابقة بدون جوائز - ، فلان الأول ، فلان الثاني ، هذه مسابقة مع جوائز ، بعض الفقهاء أجاز المسابقة بعوضٍ وبدون عوض ، كركوب الخيل وألعاب الرمي ، وأجاز بعضهم الآخر مسابقات المهارة بدون عوض ، أي هناك مسابقات تجز بعوض أو بدون عوض ، وهناك مسابقات لا تجوز إلا بلا عوض ، نعطيه كأساً لا يوجد مانع ، لوحة شرف ، أما نعطيه مال فلا يجوز ، وبعض المسابقات لا تجوز لا بعوض ولا بلا عوض أصلها محرم لأنها لا تعتمد على المهارة لكنها تعتمد على الحظ.
من أبرز المسابقات المسابقات العسكرية :
لعل من أبرز المسابقات المسابقات العسكرية ، أمة تريد أن تنتصر على أعدائها لابد من تدريب جنودها ، قد نستخدم المسابقات كحافز كبير للتمكن من الرمي ، من المصارعة، كل جيش فيه فرقة مغاوير ، هذه تتقن السلاح البيض ، المصارعة ، الجري ، لها كفاءات عالية، من أجل أن تجعل هؤلاء يتسابقون يمكن أن نجري مسابقات عسكرية هدفها رفع كفاءة المقاتل إلى أعلى درجة .
قال : هذه المسابقات تجوز بعوض أو بغير عوض ، الهدف منها نشر الحق، الهدف منها رسالة سامية ، أو الدفاع ، أو نشر الحق ، يمكن أن نجري مسابقات بالعدو - بالجري - بالرمي - إصابة الهدف - في الصراع – قتال- هذه مسابقات عسكرية أجاز الفقهاء أن تجري بعوض وبغير عوض ، لأن الهدف من خلالها نبيل جداً ، تمكين الإنسان من أن يكون قوياً ، وقال العلماء : يمكن للإمام أن يضع الجوائز لهذه المسابقات ، ويمكن لأحد الأثرياء أن يضع مثل هذه الجوائز ، سمعت في بلد إسلامي عن رجل من كبار الأغنياء دعا إلى مؤتمر فقهي للبحث في موضوع معين بالفقه ، بالبيع والشراء والصرف وما إلى ذلك و وضع جوائز لمن يلقي أكبر بحث في هذا المؤتمر ، عندما أضع جائزة أصبحت مسابقة ، يوجد مسابقات عسكرية هدفها إعداد الجندي بأعلى مستوى ، كي ندافع عن أنفسنا أو ننتصر على أعدائنا .
المسابقات الرياضية :
هناك مسابقات رياضية هذه المسابقات لها صلة بإعداد المواطن ، فإذا كان الهدف تقوية الأجسام وبناء أجسام متينة ، هذه أيضاً تجوز بعوض وبغير عوض ما دامت متصلةً بهدف نبيل ، الدفاع أو نشر الحق . أما المسابقات الرياضية التي لا تتعلق بهدف نبيل قال : هذه لا تجوز إلا بلا عوض ، لأحد العلماء قول رائع جداً يقول : " لما كان الجلاد بالسيف والسنان ، والجدال بالحجة والبرهان كالأخوين الشقيقين والقرينين المتصاحبين كانت أحكام كل منهما شبيهة بأحكام الآخر " كما نعدّ الإنسان ليكون قوياً ، نعد جسمه ليكون قوياً ، ليكون رامياً، ليكون جاهزاً في أعلى درجات الجاهزية .
المسابقات العلمية :
أيضاً نعد عالماً ، نعد فقيهاً ، نعد مفسراً ، نعد قاضياً، نعد مجتهداً ، نعد فقيهاً ، نعد داعيةً ، نحتاج في هذا الإعداد إلى تسابق ، وما مسابقات القرآن الكريم التي تجري كل عام لأكثر من بلد إسلامي إلا من هذا القبيل ، من يحفظ كتاب الله عز وجل ويتلوه تلاوةً صحيحةً من أماكن متعددة هذا ينال جائزة قد تكون عشرة آلاف ، أو عمرة مجانية ، فكما أننا نحب أن نعد إنساناً بدنياً صحيحاً من أجل هدف نبيل سام هو الدفاع ، أو نشر الحق ، لذلك يجب أن نعد العلماء إعداداً راقياً ، لذلك أكثر من بلد إسلامي له جوائز ، جوائز تشجيعية وتقديرية ، المسابقات العلمية التي من شأنها أن تحفظ الإنسان إلى أن يزداد في طلب العلم وأن يتمكن منه، أحياناً يقول لك : أعلى بحث فقهي ينال جائزة ، أحياناً هناك مهرجانات فقهية ، تطرح موضوعات ويطلب من العلماء أن يأتوا ببحوث فقهية عميقة مدعمةٍ بالأدلة والبراهين حول هذا الموضوع والموضوع الأول ينال جائزة ، هذا مقبول .
الجوائز التي تعد الأبدان مقبولة بعوض أو بغير عوض ، والمسابقات الرياضية التي تتصل بإعداد الأبدان مباحة بعوض أو بغير عوض ، لكن المسابقات الرياضية التي لا تتصل بإعداد الأبدان هذه مسموح بها بلا عوض .
أما المسابقات العلمية كالمسابقات البدنية فالهدف منها نبيل جداً ألم يقل الله عز وجل :
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
والهاء تعود على القرآن الكريم ، وسمى الله سبحانه وتعالى فهم كتابه ونشره وتفسيره ، وتوضيحه ، وبيان أحكامه ، وبيان حلاله وحرامه ، سمى كل هذا جهاداً كبيراً ، قد يحتاج هذا الجهاد إلى حفز ، والمسابقة والجائزة تعطي حفزاً كبيراً ، لذلك أنت حينما تسمع عن مسابقةً للقرآن الكريم لا تشعر أبداً أن القضية فيها حرمة بالعكس تفتخر وتعجب وتتمنى أن تكون أحد المسابقين ، أو أحد الحكام ، أو أحد الممولين لهذه المسابقة ، لأن الهدف كبير جداً، الطلاب الصغار حينما نقول لهم : إذا حفظت جزءاً لك هدية ، ألا يستخدم الأب مع أبنائه هذا الأسلوب ؟ احفظ جزء عم وخذ ألف ليرة ، احفظ عشرة أجزاء وخذ دراجة ، احفظ القرآن كله ولك هذه المركبة ، ولك هذا الشيء الذي تطمح إليه ، فالمسابقات والجوائز حلها وإباحتها بحسب أهدافها ، ما دامت الأهداف نبيلة فالوسائل نبيلة ، ممكن أن يجري الأب مسابقة بين أبنائه في حفظ كتاب الله ، ممكن أن يجري مسابقة بين أبنائه في حفظ الحديث الشريف ، في فهم أحكام الفقه ، والذي يستخدم المسابقة والجائزة يستخدم أسلوباً تربوياً عالياً جداً ، أصل المسابقة مرتبط بأهدافها ، مهارة مشروعة ، لكن مسابقة حظ محرمة ، هنا لا يوجد مهارة يوجد نرد هو يتحكم باللاعبين ، يوجد ودع ، هو الذي يتحكم باللاعبين ، عملية قتل للوقت دون أن يظهر الإنسان على درجة عالية من الحنكة والخطة والعمل .
يقول أحد العلماء : " لما كان الجلاد بالسيف والسنان ، والجدال بالحجة والبرهان كالأخوين الشقيقين والقرينين المتصاحبين كانت أحكام كل منهما شبيهة بأحكام الآخر " فأي مسابقة بجائزة أو بغير جائزة هدفها تقوية الأجسام وإعدادها إعداداً حكيماً كي تدافع عن دينها وكي تنشر الحق هذه مسابقات مشروعة في الإسلام ، والمسابقات الرياضية المتصلة بالهدف الأول بعوض أو بجائزة أيضاً ، أما التي لا تتصل بالهدف الأول فليست مشروعة إلا أن تكون بلا عوض ، جائزة رمزية كأس مثلاً ، ولكن الذي نقف عنده مسابقات العلم الشرعي ؛ مسابقات القرآن الكريم ، مسابقات السنة ، مسابقات الفقه ، مسابقات السيرة ، مسابقة تأليف كتاب أو فحص بجائزة أو بغير جائزة هذا مشروعة جداً بل مندوب إليها لما تنطوي عليه من هدف نبيل .
الفروسية فروسيتان ؛ فروسية العلم و البيان و فروسية الرمي و الطعان :
يقول بعض العلماء في كتاب الفروسية : " الفروسية فروسيتان ، فروسية العلم والبيان ، وفروسية الرمي والطعان ، ولما كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم أكمل الخلق في الفروسيتين فتحوا القلوب بالحجة والبرهان وفتحوا البلاد بالسيف والسنان ، وما الناس إلا هذان الفريقان ومن عداهما فإن لم يكن ردءاً وعوناً لهما فهو كل على النوع الإنساني ".
يوجد فارسان ، فارس بالحجة والبرهان وفارس بالسيف والسنان ، بقية الناس إن لم يكونوا عوناً لهذين الفارسين فهما عالة على البشرية ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما "
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين ، قال تعالى :
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
وجدال أعدائه المشاقين والمحاربين ، فاعلم أن الجلاد والجدال من أهم العلوم وأمتعها في المعاش والمعاد ولا يعدل مداد العلماء إلا دماء الشهداء ، لأن الشهداء يضحون بنفوسهم من أجل أن يتاح للعلماء أن يلقوا العلم ، قال : " والرفعة وعلو المنزلة في الدارين إنما هما لهذين الطائفتين وسائر الناس رعية لهما ، منقادون لهما ".
رأي الفقهاء في المسابقة بالعلم الشرعي :
تجوز المسابقة في العلم وفقاً للمذهب الحنفي ، لأن الدين لا يقوم إلا بالجهاد والعلم والله أعلم ، يجوز أن تجري مسابقة بالقرآن الكريم ، وفي الحديث والفقه ، والسيرة ، والعقيدة ، وأن تضع جوائز ، وأن تؤلف كتباً ، وأن تجري مناظرات ، هذا من أجل أن يحمل الإنسان على طلب العلم ، لكن الإمام مالك يقول : لا تجوز المسابقة على حفظ كتاب الله والفقه وغيره من العلوم النافعة ، لا تجوز بعوض عند أصحاب مالك ، الإمام مالك لا يجيز هذه المسابقات في عوض ، يجيزها بلا عوض ، وتجوز عند أصحاب أبي حنيفة ، الإمام مالك وأحمد والشافعي لا يجيزون هذه المسابقات بعوض ، الإمام أبو حنيفة وحده يجيز بعوض وبغير عوض ، أي بجائزةٍ وبغير جائزة ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما صارع أحد المصارعين ركانة ، قال :" إن تصرعني أؤمن بك ، فصرعه مرتين " أليست هذه المصارعة مسابقة والجائزة أنه يؤمن ؟ إن صرعتني آمن .
وأجمل منك لم تر قط عيني وأفضل منك لن تلد النساء
ولدت مبرءاً من كل عـــــيـب كأنــــــــــــــك خلقت كما تشــاء
***
النبي الكريم قمة في كل فضيلة :
ما من فضيلة إلا وكان النبي عليه الصلاة والسلام قمةً فيها ، القتال يحتاج إلى شجاعة ، والعلم يحتاج إلى شجاعة ، بل لعل شجاعة العلماء أرجح في ميزان الشجاعة ، العالم إنما يؤدي رسالة العلم حينما لا تأخذه في الله لومة لائم ، حينما يبلغ رسالة الله عز وجل ، ويخشاه وحده ولا يخشى أحداً إلا هو ، فهذه شجاعة من نوع أدبي ، والتاريخ الإسلامي مفعم بمثل هذه الشجاعات ، أبو حنيفة النعمان كان عند المنصور ، والمنصور تعرفون من هو المنصور ؟؟ قال : لو تغشيتنا يا أبا حنيفة قال : ولمَ أتغشاكم وليس لي عندكم ما أخافكم عليه؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ إنك إن قربتني فتنتني وإن أبعدتني أزريتني ، أحد الخلفاء التقى بعالم جليل في الحرم المكي ، قال : سلني حاجتك ؟ قال : والله إني لأستحي أن أسأل حاجتي لغير الله في بيت الله ، فلما التقاه خارج البيت الحرام ، قال : سلني حاجتك ؟ قال: أنقذني من النار ، قال : هذه لا أستطيعها ، قال : أدخلني الجنة ؟ قال : هذه لا أستطيعها ، قال : إذاً ليس لي عندك حاجة ، ترفع العلماء عن عطاء الملوك كان سمةً واضحةً من سمات العلماء في العقود الإسلامية ، ولقد سئل مرة الحسن البصري : " بم نلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي " .
المسابقة بالعلوم الشرعية و الابتعاد عن الجهل في فهم كلام الله و سنة نبيه :
الآن تجوز المسابقة بالعلوم الشرعية كما قلت قبل قليل ؛ في حفظ القرآن ، وتجويده، وتفسيره ، وحفظ الحديث وشرحه ، وأصول الفقه ، والفقه المقارن ، والمواريث ، والفرائض ، فقد حضنا النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم هذه العلوم ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : إن هذه العلوم قابلة للتفلت والنسيان وإنه يأتي وقت على المسلمين لا يجدون فيه - والعياذ بالله - من يعرف قسمة التركة ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يشتغلون إلا بما هو نافع .
تجد أحياناً جهلاً واضحاً في فهم كلام الله ، في فهم كلام رسول الله ، حدثني رجل والله هو عندي صادق ، أهله في جلسة نسائية جاءت امرأة متفلتة تفلتاً كاملاً من منهج الله ، ظهر هذا من ثيابها واستدراج مفاتنها ، أي ترتدي أحدث صرعات الأزياء ، وهي تحمل دكتوراه وهي أستاذة بالجامعة ، ما إن جلست حتى قالت لصاحبة البيت : أرجو أن تعطيني كي أصلي قبل أن يفوتني الوقت ، شيء جميل هذا المظهر لا يتناسب مع هذا الطلب ، ليس هذا القصد ، وقفت وصلت كما هي دون أن تضع على رأسها شيئاً لا غطاء ولا شيء كما هي تخرج في الطريق بثياب فاضحة فاتنة وقفت لتصلي ، فكل من حضر تعجب منها قلنا لها بعد أن أتمت صلاتها : ما هذه الصلاة ؟ قالت : هكذا قالوا لي : الثياب التي تخرجين بها صلي بها ، هذا كلام صح ، هذا كلام صحيح مئة بالمئة لكن هذه الثياب التي تخرجين بها لا ينبغي أن تستخدميها لهذه الطريقة ، الثياب المحتشمة الفضفاضة التي لا تصف عضواً ولا خطاً ولا لوناً هذه الثياب التي يمكن أن تصلي بها ، فالتي قالت لكِ ذلك على حق لكنك لم تفهمي ما هي الثياب التي ينبغي أن تخرجي فيها ، هذا جهل كبير جداً ، لا تعجبوا ، هناك حالات كثيرة جداً ، كأن الدين شيء لا علاقة له بالحياة ، ولا بالتعامل ، يؤدي الصلوات ويفعل المبيقات ، ويرتاح ليلاً وبراءة الأطفال في عينيه ، هذا من آثار الجهل .
الابتعاد عن المشاحنة و التنافس البغيض في المسابقة :
الحقيقة إلا أن هذه المسابقات العلمية التي حض الإسلام عليها لما تنطوي عليه من هدف نبيل مسابقات بدنية ومسابقات علمية ، بجائزة وبغير جائزة ، هذه المسابقات لا ينبغي أن تفسد ما بين المتسابقين من ود وإلا وقعوا في التعصب الأعمى ، نحن نريد المسابقة ولكن لا نريد المشاحنة ، ولا التنافس البغيض ، ولا الحقد ، عندئذ تنقلب إلى فتنة لا إلى مسابقة ، النبي عليه الصلاة والسلام صارع ركانة على غنم وحينما صرعه قال : لم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره .
يبدو أن ركانة كان من أكبر المصارعين ، فلما صارعه النبي أراد أن يعتذر على أنه انهزم ، لم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره ، أي بقوة الله عزوجل ، المؤمن مسدد من الله عز وجل ، أحياناً تعقد مؤتمرات لبحث قضية تشغل بال العالم الإسلامي ، طبعاً مع هذه المؤتمرات تلقى محاضرات ، وتنال بعض المحاضرات جوائز ثمينة جداً ، قد يبحث صاحبه فيه سنوات كثيرة أو أشهراً طويلة فإذا أخذ جائزةً أخذها بشكل مشروع ولا شيء عليه ، هذا النوع الأول مسابقات لتقوية الأبدان ، ومسابقات لتقوية العقول ، لتمكين العلم ، تجوز بعوض وبغير عوض، بجائزة وبغير جائزة ما دام الهدف من ورائها نبيلاً ، الهدف إعداد إنسان قوي ، يحسن الدفاع عن حقه ، ويحسن نشر الدين ، أو إعداد الإنسان صاحب الحجة القوية - العالم - فكما أن الصحابة الكرام فتحوا البلاد بسيوفهم وأسنتهم ، فتحوا العقول بحجتهم .
الابتعاد عن المسابقات التجارية الابتزازية :
أريد أن أحذر بعض الأخوة أن هناك مسابقات ظاهرها علمي وباطنها تجاري ابتزازي ، بعض الصحف تنشر إعلاناً صغيراً تقول : في هذا الإعلان غلطان إملائيان ، فمن كشف الغلط فليرسل هذه القسيمة المطبوعة إلى ورق الجريدة ، ليرسل الإجابة الصحيحة إلى إدارة الجريدة ومعه ثلاثون يوماً ، ويحق للقارئ أن يرسل أكثر من إجابة ، يشتري الإنسان ثلاثين عدداً والسؤال سهل جداً - غلطان إملائيان - قد يسأل الجاهل عنهما العالم ، ثلاثون جواباً وكل إنسان ثلاثون عدداً ، بعد هذا تأتي أجوبة بمئات الألوف يجرون عليها يانصيباً ويسحبون من الجوابات الصحيحة ورقة ويعطون هذه السيارة مثلاً لواحد من مئات الألوف ، الذي جاءت إجابته صحيحة ، هذه المسابقة يبدو أنها ذات هدف علمي والحقيقة مسابقة تجارية محضة ، تشتري عشرات الأعداد وأنت لا حاجة لك بها طمعاً بهذه السيارة ، فانقلبت هذه المسابقة إلى يانصيب ، يضعون في كيس مئة ألف قسيمة ناجحة والإجابة سهلة بسيطة ليأخذوا منها واحدة ليعطوا هذه السيارة للرابح ، أما إذا كان هناك تواسط فيعطون السيارة لإنسان يلوذ بهم، معنى هذا أنهم ما دفعوا شيئاً ، باعوا مئة ألف عدد وما دفعوا شيئاً ، هذا يقع ، والآن هذا يقع على مجال واسع ، المجلات ، جرائد المسابقة العلمية ظاهرها علمي وحقيقتها تجارة محضة، وأخطر شيء في هذه المسابقات أن الناس لا يشترون هذه المجلات ولا تلك الجرائد ليقرؤوها بل ليقطعوا القسيمة ويرسلوها إلى إدارة الجريدة كي ترتفع مبيعات الجريدة أو المجلة وهم بهذا يدفعون أموالهم وكأنهم يشترون بطاقات يانصيب ، هذا لون من المسابقات العلمية في ظاهرها لكنها تعتمد على ابتزاز المال وترويج السلعة في باطنها ، الإنسان العاقل يبتعد عن مثل هذه المسابقات .
مسابقات المعاصي والآثام محرمة تحريماً قطعياً :
أما المسابقات التي تجري فيها المعاصي والآثام فهي محرمة قولاً واحداً تحريماً قطعياً ، إذا بنيت مسابقة على إبراز مفاتن المرأة ، أو على التقاء بعض النماذج ، هذه مسابقات تقوم على معصية الله ، وهناك مسابقات ترويحية ربما كانت مباحةً إن لم يكن فيها معصية أي لا إثم ولا أجر .
حكم الشرع في موضوع توزيع الهدايا مع السلع التجارية :
أما النقطة التي ينبغي أن نقف عندها فهي تلك المسابقات التجارية التي يكثر انتشارها في هذه الأيام ، ومع كساد البيع والشراء ، ومع ازدياد الإنتاج على طاقة الاستهلاك تظهر هذه المسابقات التجارية وكأنها لون مشروع مباح ، فيها ما فيها من بعض الملاحظات الشرعية ، أول ظاهرة تشتري سلعةً في كل وحدة من وحداتها قد يكون كيساً ، أو علبة ، أو صندوق هدية ، في كل عبوة من عبواتها هدية ، كأن تشتري علبة حليب ومعها قسيمة ، إذا جمعت مئة قسيمة يعطونك دراجة أو أقل من دراجة ، حينما يكون مع كل علبة أو مع كل كيس أو مع كل صندوق هدية صغيرة أو قسيمة إذا جمعت منها عشرة أو مئة تعطى هدية كبيرة قال: هذه الجوائز في هذه البضائع لا شيء عليها إطلاقاً ، لأنها تساوي عند الفقهاء الحقيقة ، خفضنا السعر ، أحياناً يعطونك مع هذه الحاجة حاجة ثانية ، كأنك خفضت سعر هذه الحاجة بأن أعطيتهم ثمن هذه الهدية ، طالما أنها في كل العلب وعلى قدم المساواة - قسيمة إذا جمعت القسائم تأخذ هدية بشكل حتمي دون تميز أو حظ - قال : هذا الأسلوب من المسابقة أو الجوائز لا شيء عليها إطلاقاً ، لكن أحياناً يوجد حالات خاصة أن الطفل يبحث عن الصور لا يأكل الحلوى يلقيها يبحث عن الصور ، فحينما تتلف هذه المادة وحينما تدغدغ عواطف الصغار بشراء هذه الحلوى مع الصور والقصد ليس الحلوى ولا أكل الحلوى ولا شيء من هذا القبيل ، القصد أن نجمع هذه الصور ، أو أن نقتني هذه الهدايا ، أو أن نقتني هذه الصور ، صار هناك هدف آخر غير البيع والشراء هنا تبدأ الشبهة ، صرفت الطفل الصغير عن الشراء الطبيعي ، أنت بحاجة إلى هذه الحلوى يشتريها ليأكلها صار يشتريها ليجمع منها الهدايا .
صورة ثانية من صور جوائز البيع ؛ قد تشتري سلعةً وتجد في بعض وحداتها هدية تعرف هذه بهدية شراء السلعة والشروع في استهلاكها ، أو تشتري سلعة أو مجموعة سلع تحصل على بطاقة تخولك الاشتراك باليانصيب ، الآن دخلنا فيما هو محرم ، إذا مع كل علبة يوجد هدية لا يوجد مشكلة ، أما إذا كان هناك في بعض العلب هدية و في بعضها الآخر لا يوجد والسعر واحد ، أي كأننا جعلنا نوعاً من اليانصيب يضع هدية في بعض العلب وأكثر العلب بلا هدية ، مجموع هذه الهدايا ربما حملناه على كلفة البضاعة ، فإنسان دفع ولم يأخذ وإنسان أخذ ولم يدفع ، الصورة الأولى التي ذكرتها ، هذه صورة جائزة لأن حقيقتها الهدية تعتبر بمثابة تخفيضٍ من ثمن السلعة ، إن أردت أن تروج بضاعتك أضف إلى بضاعتك هدية ثابتة لكل العلب ، لكل الصناديق ، لا يوجد مشكلة ، أو بكل علبة قسيمة ، لو جمعت عشر منها أخذت هذه الهدية ، طالما قضية عامة وشائعة هذه حكمها مشروع لأنها تقابل عند الفقهاء الحقيقة ، أي أنت تخفض سعر هذه السلعة ، أما الصورة الثانية فتأخذ شكل اليانصيب للأسباب التالية ، قال : كل الزبائن يدفعون ثمناً واحداً للسلعة لكن بعضهم يظفر بالهدية وبعضهم الآخر لا يظفر بشيء ، لا يمكن أن يقال : إنها مجرد هدية يهديها التاجر لمن يشاء فهو حر ذلك لأن تسميتها بالهدية فيها كثير من المجاز إن لم يكن فيها تعميق وتضليل ، هي وسيلة من وسائل ترويج السلعة عن طريق اليانصيب المحرم ، أي أن تضع علبة من عشرة ، علبة من خمسين ، من مئة ، صار هناك ثمن لهذه الهدايا تحمل على كلفة البضاعة ولا ينالها إلا بعض الناس ويحرم منها البعض الآخر ، وصار في هذا البيع غرر ، لا تعرف هل يوجد هدية أم لا يوجد هدية ؟ قد يلجأ البائع إلى رفع ثمن هذه السلعة لأن فيها إعلاناً عن هدية ، فصار رفع سعر ، أو إغراء، تضليل ، غرر ، وهذه كلها تدخل في موضوع البيع الشرعي ، قال بعض العلماء : إن هذه الهدايا التي يتطلع إليها الناس قد ترفع شراءهم من هذه السلعة شراءً فيه إسراف ، قد لا تحتاج لهذه السلعة ، لكن لأنك تتوقع فيها هديةً قد تقبل على شرائها ، صار هناك شراء غير واقعي ، أي إذا أخ أحب أن يروج بضاعته عليه أن يضع هديةً معقولةً في كل العلب ولا شيء عليه ولا خطر في هذا العمل ، أما إذا كان هناك تمييز كل عشر علب هدية ، صار هناك استهلاك غير طبيعي ، صار هناك رفع سعر ، ترويج للسلعة بطريقة غير مشروع ، صار شبه يانصيب، رفع أسعاراً ، غرر ، صار هناك إقبال على الاستهلاك غير واقعي ، وشيء ثابت عند الجميع هو أن الإنسان عندما لا يربح الجائزة يصاب بخيبة أمل ، والحياة هي أضيق من أن تشعر بهذه الخيبة ، أي الإنسان يعيش ليعبد الله عز وجل ، إذا دخل في متاهات البحث عن هدايا وتجميع الهدايا وشراء الأشياء التي تبدو لك مغرية في هداياها ، ثم تفاجأ بعدم وجود هدية هذا شيء يشوش الحياة الاجتماعية ، لكن الشيء الواضح جداً هو أن تكون مع هذه العلب أرقام ويجري سحب على سيارة ، أو على شيء ثمين ، هذه تشبه اليانصيب تماماً ، أشد أنواع الحرمة ، الحرمة الكبيرة أن تكون أرقام مع كل سلعة ويجري سحب على هذه العلب والجائزة كبيرة جداً يأخذها واحد ويحرم منها الباقون . مثلاً مليون إنسان اشترى هذه السلعة الجائزة لواحد ، أما الصحيحة مئة بالمئة بعت مئة ألف قطعة فيها مئة ألف هدية ، هذا لا شيء عليها ، هذا حكم الشرع في موضوع توزيع الهدايا مع السلع التجارية ، والإنسان قد تغريه بعض المسابقات لرفع مبيعاته ولرفع أرباحه ولكن حينما يقع في شبهةٍ لا يرتاح قلبه ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأنْصَارِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإثْمِ ؟ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ))
طاعة الله اساس في التعامل التجاري :
أيها الأخوة الكرام : أحياناً تجد هناك قوانين في التعامل التجاري منتزعة من واقع الحياة ، وهذه القوانين أحياناً تتعارض مع الدين ، أو تتوافق مع مصالحك ، هذا امتحان للإنسان، فحينما يضع مصالحه تحت قدمه ، وحينما يضع رواج تجارته تحت قدمه من أجل ألا يعصي الله عز وجل ، مثل هذا الإنسان له مكافأة عند الله من نوع آخر ، يكافئه بترويج بضاعته بعنايةٍ إلهية مباشرة لا يعرف أسرارها ، أنت عليك أن تطيع الله ، وإذا كان مع طاعة الله أشياء مشروعة لا يوجد مانع ، أما إذا كان هناك أشياء غير مشروعة فأنت وقعت في المعصية وقد حجبت عن الله عز وجل ، أنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن يرجع إلى أولي الخبرة والعلم قال تعالى :
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
تلخيص لما سبق :
موضوع المسابقات مشروع والجوائز مشروعة ، ما دام الهدف نبيلاً ، يوجد مسابقات ظاهرها علمي وباطنها تجاري ، فيها ابتزاز رخيص ، يوجد مسابقات وجوائز مشروعة مئة بالمئة لأنها تقابل تخفيض الثمن لا شيء عليها ، أما يوجد مسابقات وجوائز فيها تعطى الهدايا لنصف المشترين فهذه فيها حرمة ولكن أقل لو أن مليون إنسان اشترى هذه السلعة وكانت الجائزة لواحد فقط ، صار حكم هذه الجائزة كحكم اليانصيب ولو سميناها جائزة ، هذه بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالمسابقات العلمية والجوائز ، والمسابقات البدنية ، والمسابقات الترويحية ، والمسابقات الترفيهية ، والمسابقات التجارية ، هذه المسابقات أصلها إذا كان هناك خدمة هدف نبيل مقبولة في الشرع بجائزةٍ وبغير جائزة ، أما إن كان أصلها من أجل ترويج سلعة فيوجد شروط بعضها مباح وبعضها غير مباح .
على الإنسان أن يتوخى طاعة الله في عمله ليكسب و يفوز :
يوجد سؤال دقيق في هذا الموضوع ، الإنسان يتمنى أن يتوافق الشرع مع حاجاته ، هناك حكمة بالغة بالغة من أن أوامر الشرع أحياناً تتناقض مع طبع الإنسان ، طبع الإنسان يحب الربح الجزيل في الوقت القصير ، يأتي الشرع يقف أمامه سداً هو حينما يبحث عن ربح كثير في وقت قليل ، وأنت تخالف أوامر الشرع قد تتعرض إلى نكسة من قبل الله عز وجل أو إلى خسارة لم تكن في الحسبان ، أما حينما تتوخى طاعة الله عز وجل فعندئذ ترقى نفسك إلى الله عز وجل ، ويتكفل الله لك برزق وفير من طريق مشروع لم يكن يخطر على بالك ، أي هناك عدة قوانين ؛ قانون منتزع من حركة الحياة هذا القانون قد لا يتناسب مع مصالحك ، أو لا يتناسب هذا القانون مع أحكام دينك ، فإذا آثرت طاعة الله عز وجل أخضعك الله إلى قانون آخر هذا القانون هو قانون العناية الإلهية المباشرة .
أحياناً الإنسان على الحساب الدقيق المادي دفع زكاة ماله ينقص ماله ، أما على حساب العناية الإلهية ربما دفع زكاة ماله وتولى الله له رزقاً حسناً في طريق لم يخطر له على بال ، يجب أن تعلم أيها الأخ دائماً أنك ممتحن وأنك في امتحان دقيق ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يقبل إنساناً دون أن يمتحنه ، عندما سئل الإمام الشافعي : " ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تبتلى " والمغريات كثيرة جداً ولحكمة بالغة جعل الله بعض المكاسب الكثيرة والوثيرة غير مشروعة ، وجعل الله الحلال أحياناً قليلاً ، فمن حكمة الله أنه جعل الحلال قليلاً والحرام كثيراً ، لو أنه جعل الحلال كثيراً والحرام قليلاً لعزف الناس عن الحرام لا حباً بالله عز وجل ولا طاعةً له ولا تعبداً له إنما عزفوا عن الحرام لأنه قليل ، وأقبلوا على الحلال لأنه كثير ووثير وجزيل ، عندئذ تفقد الحياة قيمتها ، وتفقد الحياة الدنيا أهليتها لتكون سبباً في سعادة الآخرة ، دائماً وأبداً عليك بطاعة الله ، ودائماً وأبداً وطن نفسك على أن تضع كل مصالحك تحت قدمك في سبيل طاعة الله ، والله سبحانه وتعالى لن يضيعك ولن يترك عملك ، والعاقبة للمتقين ، وقد تمتنع عن شيء الله عز وجل قال :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
أي هؤلاء يأتون إلى مكة يبيعون ويشترون ، وأهل مكة يربحون من مجيئهم وإنفاقهم، يقول لك : صناعة سياحية من أروج الصناعات في العالم ، يوجد بلاد كثيرة تعتمد في دخلها الأول على السياحة ، أي قد تأخذ مئات الملايين أو ألوف الملايين ولكن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
لو أن الله سبحانه وتعالى رزق هؤلاء رزقاً وفيراً بعد أن منعوا المشركين ما الذي يحصل ؟ هذه الطاعة كانت بلا ثمن ، وكل شيء يأتيك بلا ثمن لا طعم له ، أما حينما نفذوا أمر الله عز وجل ومنعوا المشركين من دخول مكة ، فانخفضت مداخلهم ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
أي وطنوا أنفسكم على أن ينخفض دخلكم لأنكم أطعتم ربكم ، سوف يغنيكم الله من فضله ليس الآن ولكن في المستقبل ، لو أن الله سبحانه وتعالى أغناكم من فضله الآن لما كان لهذا الامتحان من طعم ، ولا شعرت أنك أطعت الله عز وجل .
إنسان يبيع الدخان فرضاً فلما علم أنه لا ينبغي أن نشربه امتنع عن بيعه ، يجوز لفترة طويلة يقل الدخل إلى النصف ، وطن نفسك إذا أردت أن تترك معصيةً أن تتراجع دنياك مبدئياً من أجل أن تدفع ثمن هذه الطاعة ، من أجل أن تكون لك وسام شرف في الجنة ، من أجل أن يحبك الله عز وجل ، من أجل أن يرى صدقك ، من أجل أن يرى الناس صدقك وثباتك على دين الله ، لكن بعد حين تأتيك الدنيا وهي راغمة ، أي كأن للمؤمن ثلاث مراحل ، مرحلة يؤدب فيها ، ومرحلة يمتحن فيها ، والمرحلة المستقرة المستمرة يكرم فيها ، وهذه المراحل قد تكون متدخلةً أو متمايزةً ، يمكن في يوم واحد تؤدب وتمتحن وتكرم ، وقد تؤدب في مرحلة ، وتمتحن في مرحلة ، وتكرم في مرحلة أخرى .
أيها الأخوة : قال تعالى :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
قبل أن تقدم على فعل شيء يجب أن تستخير الله عز وجل ، وأن تستشير أولي الخبرة من المؤمنين ، وأما الموضوع إذا كان متعلقاً بأحكام الفقه فهذا موضوع خطير لابد من أن تتأكد من صوابه لأن العمل كما قال الفضيل بن عياض : لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .