وضع داكن
28-03-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 065 - المسؤولية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ما معنى الإنسان مسؤول؟ :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته))

[أخرجه النسائي في الصحيح, وابن حبان في صحيحه]

 الإنسان مسؤول, معنى مسؤول: أُعطي حرية الاختيار, وسُخرت له السموات والأرض, أُعطي سؤله؛ لكنه سيحاسب على كل أعماله, وحركاته, وسكناته حساباً دقيقاً.
 الإنسان –أحياناً- يترنم, ويقول: فلان مـسؤول كبير, وكأنه بهذا الكلام يمدحه, وغاب عنه معنى الكلم, مسؤول كبير؛ أي أنه سيُسأل عن كل تصرفاته, وعن كل مواقفه, وعن كل حركاته وسكناته.

 

واقعة حصلت في اليابان :

 

 مرة إمبراطور اليابان, أرسل سبعة طلاب إلى بلاد الغرب ليتعلموا, بُهروا بالحضارة الغربية, ومدن أوروبا, والملاهي, والمسارح, ودور السينما, فانغمسوا في ملذاتهم, وضيعوا دراستهم, فلما عادوا إلى اليابان أعدمهم جميعاً.
 سألت مرة أحد الأخوة الذي عاش في اليابان فترة طويلة, قال: بعد هذه الحادثة, ما من طالب أرسل إلى بلاد الغرب إلا ودرس بجدية فائقة, ونال أعلى الشهادات, حينما رأى الذي سبقه قد أُعدم, لأنه لم يحرز هذه الشهادة, شعر بالمسؤولية.

هكذا كان أجدادنا :

 أيها الأخوة, المؤمن الصادق: يشعر أن الله سيحاسبه حساباً دقيقاً.
 السيدة فاطمة, دخلت على سيدنا عمر بن عبد العزيز, رأته يبكي في مصلاه, قالت: ما يبكيك؟ قال: دعيني وشأني, قالت: ما يبكيك؟ قال: دعيني وشأني, فلما ألحت عليه, قال: نظرت في رعيتي؛ فوجدت الفقير الجائع, وابن السبيل, والشيخ الفاني, والأرملة, والطفل الصغير, فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعاً, وأن خصمي دونهم رسول الله, فلهذا أبكي.
 فحينما قال عمر: والله لو تعثرت بغلة في العراق, لحاسبني الله عنها.
 كان واقعياً في هذه المسؤولية.

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه))

 كلما ارتقى إيمانك, تشعر بهذه المسؤولية.

 

من أمثلة الواقع على عدم الشعور بالمسؤولية :

 إنسان من الشام, سافر بسيارته من جدة إلى دمشق, وصل إلى مكان لعله تبوك, شعر أنه يحتاج إلى تصليح السيارة, دخل إلى مكان تصليح, يعني علبة السرعة تحتاج إلى زيت, فكلف صاحب المحل طفل صانع صغير فغير الزيت, وقال له: السيارة جاهزة, فمشى, بعد حين احترقت علبة السرعة, لأن الزيت خلص, هذا الصانع لم يشد البراغي, فالزيت سال, فلما سال, احترق العلبة, وقفت السيارة, الحرارة ستة وخمسون, خرج صاحب السيارة من المحرك للصندوق مرتين, ثلاثة, ضربة شمس, مات.
 فهذا الذي وكل طفلاً صغيراً بتغيير الزيت, ولم يضبط عمله, ولم يراقب عمله, مسؤول عند الله عز وجل, يحاسب كقاتل.
 قبل فترة, لي صديق, عنده طفلة, صدقوني لها شكل غريب جداً من حيث الجمال, طفلة صغيرة, صف ثالث ابتدائي, صحن من الصحون وقع فوقها فقتلها, في المزة, أو في مساكن دمر, فجاؤوا بالذي ركب هذا الصحن, بدلاً من أن يضع أربعة براغي, وضع برغيين, من أجل السرعة؛ فبرغيان, رياح شديدة, طار الصحن, وقع على هذه الطفلة فقتلها, أنا أضرب أمثلة حادة.
 فالإنسان محاسب عن زوجته, لا يسمح لطبيب أن يكشف عليها, هذا ليس ورع, هذا حمق, فمرضها تفاقم.
 قبل أيام, قبل أشهر, رجل يعني له زوجة شعرت بآلام في بطنها, أخذها إلى عند الطبيب, قال له: اعمل تنظير, يبدو في ضيق مادي, لم يعمل تنظير, لو أنه فعل تنظير, لكشف المرض في أوله, أول مرض سهل سرطان بالأمعاء, بأوله يُستأصل قسم, وتعيش حياة مديدة بشكل جيد, انتقل إلى الأحشاء كلها, انتقل للكبد, انتهت, هذا الإنسان يلقى الله وكأنه قاتل, لأنه امتنع عن معالجة زوجته, كان من الممكن أن تعالج في وقت مبكر, وأن يُستأصل هذا القسم المتورم, وأن تعيش حياة عادية.
 أنا أعرف قريبة, من عشرين سنة استأصلت متر من أمعائها, أول سرطان أمعاء سهل جداً, قبل أن ينتقل ليس له مشكلة؛ فهذا أهمل معالجة زوجته, والثاني أهمل شد البراغي قتل إنساناً, والثالث أهمل تركيب هذا الصحن وإن كان أصل تركيبه له مشكلة, لكن سنعده شيئاً غير مشكلة, أهمل التركيب فقتل طفلة.

 

 

طبيب يشعر أنه مسؤول عن مرضاه :

 المؤمن الصادق يشعر بالمسؤولية, المسلم يشعر أنه مسؤول عن طلابه, والطبيب يشعر أنه مسؤول عن مرضاه.
 حدثني أخ كان في مصر, طبيب عالج طفلاً, أعطى والده وصفة معيار كبير, وهذا العيار يقتله, بعد ما ذهب الطفل مع والده, انتبه الطبيب أنه كتب عياراً كبيراً, هو -طبعاً- مستوصف حكومي, لا يعرف من هو والد المريض؟ فهذا الطبيب كان جريئاً جداً, توجه إلى التلفاز, وأبلغهم: بلغوا -قطعوا البرامج- أنه يوجد طفل مع والده, كان في المستوصف الفلاني, والطبيب أخطأ بالوصفة, ولحسن الحظ, وتوفيق الله: أن الخبر وصل للأب قبل أن يعطي الدواء لابنه.
 هو الطبيب ضحى بسمعته من أجل إنقاذ طفل؛ لكن هذا الطبيب ارتقى في عين الناس إلى أعلى عليين؛ الطبيب: يشعر أنه مسؤول عن مرضاه.
الصيدلي كذلك, دواء منته, إياك أن تبيعه, ضعه في سلة المهملات.

 

 

الإنسان محاسب عن كل آثار عمله :

 المهندس الذي يتساهل في الإشراف على صب السقف, يكفي أن يُوضع الحديد في الأسفل, أو بشكل غير طبيعي, حتى يتصدع السقف, الحديد له مكانته فقط, فإذا عملوا مفرقة, وغير مكانه أيضاً, مهمته صار الشد, الحمل اختلف.
 ففي شرفة مرة, وقفت فيها الطالبات فوقعت في الجامعة, لأن المهندس لم يشرف على تنفيذ صب البناء.
 فأنا أعطيكم أمثلة؛ المهندس مسؤول, والمعلم مسؤول, والطبيب مسؤول, مصلح السيارة مسؤول.
 قال لي أخ: أركب سيارتي باتجاه حمص, خرج دخان من زوايا المحرك, فتح, نار, ثم عرف أن الذي صلحها له قبل يوم, لم يضبط خراطيمها, فخرج بخار البنزين, وحرق السيارة, آلاف القصص:

 

﴿إنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾

[سورة ياسين الآية:12]

 الإنسان محاسب عن كل آثار عمله.
 أحياناً الإنسان: يطلق امرأة طلاقاً تعسفياً, امرأة صالحة, لسبب تافه, طارىء, الزوج غضوب, طلقها, الزوج له خلفية دينية, يصلي, ماذا تفعل كي تغاضبه؟ تسفر, ثم تتفلت, فكل معصية ارتكبتها هذه المرأة في صحيفة الذي طلقها طلاقاً تعسفياً.
 يعني: الشواهد لا تنتهي, محاسب عن كل تصرفاتك, وعن عطائك, ومنعك.
 أحياناً: تمنع تمتع إنسان شيء, هو في أمس الحاجة إليه, ينحرف, ومنعك سبب انحرافه.
 لأب البخيل الذي لا يزوج أولاده, يقول كلاماً مضحكاً الآن: أنا أنشأت نفسي بنفسي, وعليك أن تكون أنت كذلك, والأب حالته المادية جيدة جداً, لو أن هذا الابن انزلق في الزنا, لكان الأب مسؤولاً عنه, أليس كذلك؟ الأب عن ابنه, الأب لم يضبط ابنته, زلت قدمها, تقول: يا رب, لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي؛ هو الذي غفل عني, هو الذي لم يراقبني, هو الذي لم ينصحني.
 كم من رجل, وكم من أب, أولاده منحرفون, بناته منحرفات, وهو لا يدري؟.
 لذلك:

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟))

 في أمراض كثيرة تتفاقم, وهؤلاء الذين يأمرون بحصار اقتصادي للدول الإسلامية حصراً, ويموت كل عام خمسمئة ألف طفل جوعاً, وهم ينفذون خطتهم إلى ما لا نهاية, هؤلاء سيحاسبون عند الله كقتلة سيحاسبون.

 

ينبغي أن تعلم :

 أيها الأخوة, العبرة: أنك إذا آمنت بالله, يجب أن تشعر بالمسؤولية التي ألقيت على عاتقك, أنت مسؤول:

 

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة الحجر الآية:92]

﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر الآية:93]

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾

[سورة إبراهيم الآية:42]

من غفلة الإنسان :

 قال تعالى:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً﴾

[سورة إبراهيم الآية:42]

 كيف يحسب الإنسان: أن الله غافل؟ حينما يرى المنحرف يزداد قوة, ومنعة, ومالاً, وغنى, ولأن الله لا يحاسبه, يتوهم الإنسان -أحياناً- أن الله غافل عنه, مع أن الله أرخى له الحبل, وسوف يكون في أية لحظة في قبضة الله, وسينتقم منه, وسينكل به:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية:12]

هذه هي الحقيقة :

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟))

 يعني أحياناً الإنسان: لا يعتني بكهرباء البيت, الكهرباء مئتان وعشرون, وقد يقف أهله في الحمام بلا شيء, على الأرض مباشرة, مات بالكهرباء, الكهرباء قاتلة, الكهرباء قاتلة إذا معها ماء بدون حذاء, أو شيء.
 فالإنسان تموت زوجته, تموت ابنته, يعطي دواء منتهي مفعوله, يعمل له تسمم, يهمل ضبط سيارة تعمل حادثاً, يهمل تركيب بللور يقتل طفلاً, يهمل تركيب صحن يقع يقتل طالبة, هذا شيء بين أيديكم, وبين سمعكم, وبصركم.

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟))

 يعني: إذا الطبيب ما سأل المريض: هذا الدواء: هل أنت متأثر بالبنسلين؟ إذا لم يسأله, وأعطاها بنسلين, والبنسلين يساوي صدمة, وأودت بحياته, الطبيب صار قاتلاً.
 أنا أريد لا أن أخوفكم, بل أن أضعكم أمام مسؤولياتكم؛ الله موجود, وسيحاسب جميعاً الناس؛ هذا المريض أمانة في عنق الطبيب, هذا الموكل أمانة في عنق المحامي, هذا البناء أمانة في عنق المهندس, كم بناء سقط وذهب من سقوطه ضحايا؟ كثيرون, في عنق الذي بنى البناء؛ لم يشهد صب الإسمنت, لم يراقب العمال, لم يتأكد من نسب الاسمنت في الأثاثات, فانهار البناء, يعني أبنية كثيرة تنهار, السبب: الإهمال.
 لذلك:

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟))

إذا نما إيمانكم ينمو معه الشعور بالمسؤولية :

 أستاذ في المدرسة, معاشه قليل, تضيق نفسه, يصب جام غضبه على الطلاب؛ فإذا كان أستاذ رياضيات ضرب الطلاب, كرههم بهذه المادة إلى آخر حياتهم, إذا أستاذ لغة عربية قسا على الطلاب, كرههم بهذه المادة إلى آخر حياتهم, وقد يكره الطالب المدرسة من أستاذ ظالم, قد يبقى جاهلاً, السبب: أستاذ ظالم, فهذا الأستاذ الظالم الذي يضرب بعنف, ويوبخ, ويسب, ويشتم, لا يدري أن الله سيحاسبه, بين أيديك وردات, بين أديك أطفال بريئون, بقسوته, وحمقه, كرههم بالمدرسة, وهذا كله بين أيديهم.
 فإذا نما الإيمان في قلوبكم, ينمو مع الإيمان الشعور بالمسؤولية, والذي يقود سائق باص, يغير فيلم الفيديو, انحرف وتوفي سبعة وعشرون شخصاً, وقبل منها حادث ستة وخمسون شخصاً, الكل ماتوا, أثناء تغيير فيلم الفيديو, معه ركاب.
 فالسائق مسؤول, الطبيب مسؤول, المهندس مسؤول, المحامي مسؤول, المدرس مسؤول, الشيخ الذي يعطي نموذجاً سيئاً للناس, بعضهم ينفر من الدين بسببه مسؤول؛ صار منفراً, صار قاطعاً عن الله وليس واصلاً, صار مبعداً وليس مقرباً, هكذا .......
 فكلما نما إيمانكم, ينمو مع إيمانكم الشعور بالمسؤولية, شعور صحي, شعور يؤكد الإيمان: إن الله سيحاسب.

 

تطبيق عملي للشعور بالمسؤولية :

 سيدنا عمر -رضي الله عنه- كان مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف ليلاً, كانا يتجولان في المدينة, فرأى قافلة قد أناخت رحلها في ظاهر المدينة, قال: تعال نحرسها, ونحتسب هذا عند الله, سيدنا عمر وصل إلى مكان هذه القافلة, سمع صوت طفل يبكي, توجه إلى أمه, قال: أرضعيه, أرضعته, ثم بكى, فعاد وقال لها: أرضعيه, أرضعته, ثم بكى, عندئذ غضب, قال: يا أمة السوء! أرضعيه, قالت: وما شأنك بنا؟ إنني أفطمه, قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام, ولم تعلم أنه عمر -يعني التعويض لا يستحقه الطفل, إلا إذا فطم, تفطمه من أجل أن تأخذ التعويض.
 ماذا فعل سيدنا عمر؟ -ضرب جبهته- وقال: ويحك يا بن الخطاب! كم قتلت من أطفال المسلمين؟ –عد نفسه قاتلاً- وذهب ليصلي بأصحاب رسول الله صلاة الفجر, ما استطاع واحد أن يسمع ماذا قرأ؟ لشدة بكائه, كان يقول: رب هل قبلت توبتي فأهنىء نفسي, أم رددتها فأعزيها؟ وأصدر قراراً في اليوم التالي: أنه يستحق العطاء كل من ولد.
 ألغى موضوع الفطام, عند الولادة يستحق العطاء, شعر أنه قتل أطفالاً كثيرين.
 فإذا نما عندك هذا الشعور بالمسؤولية, فأنت مؤمن ورب الكعبة, إن كنت تخاف الله أن يسألك لماذا فعلت هذا؟ لماذا كتبت هذا الضبط؟ ألا تعلم أن هذا التاجر مظلوم, سيحاسب هذا الموظف حساباً عسيراً, أي موظف في أي مكان, سيحاسب حساباً عسيراً إذا ظلم الناس, أو أهمل مصالحهم, أو عقد عليهم الأمور, أو ألصق بهم تهماً هم بريئون منها.

 

 

قف عند هذا الكلام :

 

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟.

 -يعني أحياناً أقول لكم هذا الكلام: أكثر أخطاء الأولاد سببها الآباء, طفل كذاب, السبب: لأن الأب قال له: قل له: ليس هنا, قال له: ليس هنا.
 فالابن يرى أباه في البيت, ويأمره أن يكذب, ظن أن الكذب شيء طبيعي, نشأ على الكذب, أو على الإهمال, أو على الغش, أحياناً: يكون مع والده, والده يكذب في البيع والشراء, ويغش, ولما الطفل يصدق: يوبخه, يجب أن يحكي الحقيقة: يوبخه.
 فكم من أب هو سبب انحراف أولاده؟ وكم من معلم هو سبب انحراف طلابه؟ وكم من طبيب لإهماله؟
 والله -أيها الأخوة- كم من إنسان مات, أجريت له أخطر عملية, لم يمت من العملية, من عدم العناية به بعد العملية, من نقص بعض الأدوية, يموت بلا مبالاة, لا يتكلم شيئاً, هذا الذي لا يشعر أن الله سيحاسبه, إنسان ميت, كل إنسان لا يشعر بمسؤولية تجاه الله عز وجل هو إنسان ميت, وأحياناً: يعني سبب تافه, يسبب مشكلة كبيرة جداً-.

اعلم أيها الرجل أنك مسؤول عن أهل بيتك :

 حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته))

 

يعني: هؤلاء النساء الكاسيات, العاريات, المائلات, المميلات, أليس لهن آباء؟ أليس لهن أزواج؟ أليس لهن أخوة؟ والله آباؤهم, وأخوتهم, وأزواجهم, محاسبون عنهن حساباً عسيراً, لأن هذه التي تبرز مفاتنها في الطريق, إنما تدعو الناس إلى النظر إليها, تدعوهم إلى التمتع بمفاتنها, لسان حالها يقول: تحرشوا بي, لسان حالها يقول: تأملوا محاسني.
 فهذا الطريق ملك الجميع, وليس ملك امرأة وحدها, فإن تفلتت أساءت إلى خلق الله عز وجل, ليس كل إنسان جاهز للزواج, ليس كل إنسان .....
 أحياناً: بين الشاب وبين الزواج عشر سنوات قادمة, أو عشرون سنة قادمة, فهذه التي تغريه, تبرز له مفاتنها, تحاسب عند الله حساباً شديداً.

امرأة تكره الحجاب وتعنف كل من يرتديه فقهرها الله به :

 في امرأة تكره الحجاب كراهية لا حدود لها, وتعنف كل محجبة, وتنعتها بأبشع النعوت, ولها عمل, يعني تمارس من خلال عملها, الضغط على كل فتاة محشومة.
 قال لي أحد الأخوة: أن هذه المرأة, التي تكره الحجاب أشد الكراهية, رُؤيت تضع الحجاب بعد حين, فظُنَّ أنه توبة من الله عليها, ثم قال: عُرف أنها أصيبت بمرض خطير في رأسها, وقد منعها الطبيب من وضع شعر مستعار, قال لها: لا بد لك من إشارب أن تضعيه, الله قهرها.

 

نقطة هامة :

 أيها الأخوة, فالإنسان يكون دقيقاً, مسؤولاً, اسمع هذه فيها ترنن, مســؤول؛ لماذا فعلت؟ لماذا لم تفعل؟ لماذا أعطيت؟ لماذا لم تعط؟ لماذا ارتكبت؟ لماذا لم ترتكب؟ لماذا طلقت؟ لماذا تزوجت؟ لماذا أخذت, لماذا أعطيت, فكر قبل أن تعطي, ماذا سأجيب الله عز وجل؟ فكر قبل أن تمنع: ماذا سأجيب الله عز وجل؟.

 

((إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته))

[أخرجه النسائي في الصحيح, وابن حبان في صحيحه]

من الذي يشعر بالمسؤولية, ومن الذي لا يشعر بها؟ :

 أيها الأخوة, الشيء الدقيق: أن الذي يشعرك بالمسؤولية: قُربُك من الله, أما البعيد عن الله عز وجل: لا في العير, ولا في النكير؛ جاهل, وأحمق, ويفعل ما يشاء, ولا يدري أن الله سيحاسبه عن كل أفعاله.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((رأس الحكمة مخافة الله))

 كلما ازددت حكمة, ازددت خوفاً من الله, كلما ازددت قرباً منه, ازددت ورعاً.
 النبي رأى تمرة, انقطع عنه الوحي أسبوعين, لم يفهم ما السبب؟ ثم قال:

((يا عائشة لعلها تمرة أكلتها))

 تمرة.
 يغتصبون أموال الناس بعضهم بعضاً, ستة آلاف دعوى في قصر العدل وحدها, ستة آلاف دعوى؛ أكثرها اغتصاب, أكثرها أكل حقوق, أكثرها عدوان, أكثرها كيد, لو أن الناس خافوا من الله.

 

من روائع تاريخ الصحابة :

 ما قولكم؟ سيدنا عمر تسلم منصب وزير العدل في عهد سيدنا الصديق, خلال عامين متتالين لم يرفع إليه أحد قضية -ولا أحد- سيدنا عمر كان وزير عدل, سيدنا الصديق خلال عامين من توليه هذا المنصب الرفيع, لم يرفع, لم تسلم إليه قضية, لو أنصف الناس, استراح القاضي.
 أنت حينما تعلم ما لك وما عليك, تستريح وتريح.

 

 

إليكم بعض هذه المسؤوليات التي تقع في أعناقكم :

 نحن الآن بحاجة إلى أن نشعر بالمسؤولية, أقول لكم بعض المسؤوليات:
 أنتم أبناء هذه البلدة, الشباب إن لم تحل مشكلتهم, فكل من في هذه البلدة مسؤول.
 الآن يوجد عندنا حيين, ثلاثة في دعارة, يجوز بعد حين لا تجد حياً لا يوجد فيه دعارة, ما دام طريق الزواج مغلق؛ بيوت لا يوجد, والآباء يريدون مظاهر, وبيت في الشام, وغرف فخمة, وحلي غالية, ما دام الطلبات هكذا, طريق الزواج مغلق, ماذا يحل محل؟ طريق السفاح, فأبناء هذه البلدة مسؤولون.

 

 

هذه مسؤوليتك أيها الغني :

 أستاذة تُحضر دكتوراه عن المرأة السورية, وصلت إلى بعض يعني المستشفيات, وبعض المصمات, وبعض السجون, فاكتشفت أن من بين مئة امرأة تعمل في الدعارة, خمس وتسعون عن حاجة, في خمس فاسدات, أما خمس وتسعون امرأة من مئة امرأة, تعمل في الدعارة عن حاجة.
 فهذا الغني حينما يبخل بماله, وتُضطر المرأة أن تزني, من أجل أن تأكل هي وأولادها, هذه مسؤولية أغنياء البلدة كلها؛ مسؤولية التقصير في دفع الزكاة, مسؤولية التقصير في تفقد أحوال الناس.
 الشيء الذي يعني قتر منه القلب ألماً: أن امرأة لا تريد الزنا, بعيدة عن الزنا, لها زوج, لها أولاد؛ ولكن ضغط الحياة فوق طاقاتها, وعلمها قليل, فرأت في الزنا حلاً لمشكلتها.
 في فندق هنا في شارع رامي, يوجد امرأة تبيع يعني عرضها للنزلاء, نقلت الإيدز لسبعة عشر رجل, وأساسها انطلقت من فقر, من الفقر, الفقر أوردها إلى هذا الورد, ثم أصيبت بمرض الإيدز, ثم نقلته إلى سبعة عشر رجل من نزلاء الفندق.
 الذي يبخل بماله, الذي يرفع الأسعار, الذي يقلل قيمة الأموال بين أيدي الناس, المال قوام الحياة؛ بالنهاية زنا, بالنهاية دعارة, بالنهاية سرقة.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور