وضع داكن
24-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 064 - السخاء وحسن الخلق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

ما الذي يفسد دين المرء؟ :

 يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف:

 

((إن الله استخلص هذا الدين لنفسه, ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق, ألا فزينوه بهما))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

 ولهذا الحديث رواية أخرى:

((إن هذا الدين قد اصطفيته لنفسي, ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق, فأكرموه بهما ما صحبتموه))

 يعني: الإنسان الدَّيِّن يفسد دينه سوء خلقه, يفسد دينه بخله, فالذي له زي ديني؛ أوله انتماء ديني, أوله أرضية دينية, أوله خلفية دينية, أو محسوب على المسلمين, اختر أي عبارة شئت, محسوب على المسلمين؛ له زي ديني, له انتماء ديني, له أرضية دينية, له خلفية دينية, ولاؤه للمؤمنين, هذا الإنسان يُفسد دينه أن يكون بخيلاً, ويفسد دينه أن يكون سيء الخلق.
 والإنسان حينما يتزيا بالدين, ولا يكون حسن الخلق, ولا سخياً كريماً, ماذا يفعل؟ ينفر الناس من الدين, الإنسان العادي لا أحد يقتدي به.

 

ماذا تفهم من هذه المقولة للشافعي؟ :

 يقول الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: لأن ارتزق بالرقص –معقول!! هكذا قال- أهون من أن أرتزق بالدين.
 لو ارتزق بالرقص, هو عند الناس رقاصاً, لا أحد يقتدي به؛ أما إنسان له زي ديني, له انتماء ديني, له ولاء ديني, له أرضية دينية, له خلفية دينية, محسوب على المسلمين, ويستخدم الدين للدنيا, يستخدم الدين لمكاسب مادية, هذا ماذا يفعل؟ هذا يفعل فعلاً عكس الداعية تماماً؛ الداعية مقرب هو مبعد, الداعية محبب هو مبغض, الداعية يصل هو يقطع, وكم من إنسان أساء لدينه أيما إساءة, فكان سبباً في تنفير الناس من دين الله عز وجل؟.

 

 

تطبيق عملي لهذا الحديث :

 

((إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي, ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق, فأكرموه بهما ما صحبتموه))

 يعني: إذا الإنسان له مظهر ديني, يجب أن يكون كريماً, يجب أن يتعامل مع الناس.
 يعني قصة لا علاقة لكم بها, لكن لها موعظة, كنت أصلي إماماً في أحد المساجد, ومركبتي في التصليح, فأنا مضطر أن أستأجر سيارة, الذي صلى ورائي في المسجد سائق تكسي, فلما انتهت الصلاة, وصلينا السنة, وانصرف, وانصرفت معه, قلت له: هل توصلني إلى المنطقة الصناعية؟ ارتبك, واضطرب, قلت: أوصلني, فقال: تفضل أستاذ, يعني قالها على مضض, ماذا توهم؟ ....... كالعادة, والله أعطيته ضعف العداد, فانقلب مئة وثمانين درجة: لا تؤاخذنا أستاذ, أطال الله في بقائك ......

 

إذا أردت أن تكون مقرباً ازهد بما عند الناس يحبك الناس وارغب فيما عند الله يحبك الله :

 أنت لك مظهر ديني, يجب أن تكون سخياً, يجب ألا يفكر إنسان ألا تعطيه أجرته, أما لما الناس يألفوا الناس, له زي ديني, ويتسلطون على بعضهم بعضاً, هذه تجربة, فإن أردت أن تكون مقرباً, ازهد بما عند الناس يحبك الناس, وارغب فيما عند الله يحبك الله:

 

 

لا تسألن بُنــي آدم حاجة  وسل الذي أبـوابه لا تُغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله  وبُني آدم حين يُسأل يَغضب

 إن أردت أن تسري هذه الدعوة, ازهد بما عند الناس, لا تكلف أحداً, لا تطلب من أحد, لا ترجو على دعوتك لا حمداً ولا شكورا, ولا أي شيء من أشياء المكافآت.
 لذلك: لا يوجد شيء يتذبذب بين القدسية إلى درجة أنها صنعة الأنبياء, وبين التفاهة إلى درجة أنها عمل مبتذل: كالدعوة إلى الله, فبينما تكون في صنعة الأنبياء, وأنت في أعلى مرتبة:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة فصلت الآية:33]

 وبين من:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾

[سورة آل عمران الآية:77]

شيء مؤلم :

 مرة لي قريب توفي, فذهبت لأتابع إجراءات أمور القانونية, وصلنا إلى مكتب دفن الموتى, ونركب مركبة, لحقوا بنا عشرين, ثلاثين قراء, وتشاحنوا, وتضاربوا, وأنا أقرأ جيداً أستاذ, وأرخص منه, قلت: يا لطيف! هكذا, هكذا حفاظ القرآن؟ أين مكانتك؟ أين عزتك؟ فهذا الدين خطير جداً.

 

واقعة :

 مرة حدثني أخ كريم, يوجد عالم وقور -توفي رحمه الله- له تلميذ محب جداً, هذا التلميذ اشترى يعني دراجة نارية, فالشيخ فقير, لا يوجد عنده إمكانية أن يشتري سيارة, قال له: سيدي, أتحب أن أوصلك؟ قال له: لا يا بني! مرتبتي مرتبة علم, لا يليق بمكانتي أن أركب خلفك على الدراجة, قال له: أنا ليس كبر, لكن هذه مكانة.
 يعني: رجل الدين؛ إن أعز هذا الدين, أعزه الله.
 يقول الظاهر بيبرس: والله ما استقر ملكي, حتى مات العز بن عبد السلام.
 عالم جليل له مكانة, وهيبة, أكثر من الظاهر بيبرس, لماذا؟ لترفعه عن مال السلطة.

 

 

هكذا كان علماؤنا :

 مرة سئل الحسن البصري: بم نلت هذا المقام؟ -كان سيد التابعين, وكان له مكانة لا يداهيها مكانة, اسمعوا الإجابة- قال: باستغنائي عن دنيا الناس, وحاجتهم إلى علمي.
 باستغنائي عن دنيا الناس, وحاجتهم إلى علمي.
 لو عكست: الناس مستغنون عن علم هذا العالم, وهذا العالم محتاج إلى ما عند الناس, انتهى, والله صار أذل من الشاة, الذي يُعز هذا العلم يعزه الله.
 لذلك: كبار العلماء لهم أعمال, سيدنا أبو حنيفة كان بذالاً, تاجر أقمشة, وسيدنا الشافعي, والحنبل, كبار علماء المسلمين, لهم أعمال, دائماً: رافعو رؤوسهم, عندهم عزة وكرامة.

 

 

إن أردت أن تكرم هذا الدين زينه بحسن خلقك وزينه بسخائك :

 فهذا الدين استخلصه الله لنفسه, ولا يُصلحه إلا السخاء وحسن الخلق, فأكرموه بهما ما صحبتموه.
 إنسان له مظهر ديني؛ عصبي, غضوب, سفيه اللسان هذه مستحيلة.
 ما كان -عليه الصلاة والسلام- فحاشاً, ولا لعاناً, ولا بذيئاً.
 هكذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام-.
 فالذي يؤلم: أن الذي يتصدق بنشر هذا العلم, ليس في المستوى الذي جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- إن أردت أن تكرم هذا الدين؛ زينه بحسن خلقك, وزينه بسخائك, عندئذ يحبك الناس.

 

 

منعطف خطير :

 يعني: والله أعرف رجل, أنا أحترمه كثيراً, وهو من حفاظ كتاب الله, شاب قال لي: عملت عنده يعني أشهر, لم يعطن شيء.
 أنت ماذا فعلت مع هذا الإنسان؟ حطمته.
 فأنت حينما تؤدي ما عليك لكل الناس, تجلبهم إلى الدين, أما إذا أردت أن تستغل هذه المركبة لتحقيق مصالح مادية, أنت الآن عملت عكس عمل الداعية؛ الداعية مقرب أنت مبعد, الداعية محبب أنت مكره, الداعية موصل أنت قاطع, فإياك, ثم إياك, ثم إياك, أن تكون سبباً في قطيعة إنسان عن الله عز وجل.
 لأن أرتزق بالرقص, أحب إلي من أن أرتزق بالدين.
 لا ترتزق بالدين؛ دعه في السماء, دعه في الصفاء, دعه في القدسية, ارتزق من أي عمل إلا الدين, لأن الدين لا يحتمل التجارة إطلاقاً.

 

 

هذه حقيقة :

 الإنسان يستفيد من علم طبيب, ولا يعنيه سلوكه؛ قد يكون طبيب لا يصلي, وقد يكون الطبيب زانياً, وقد يكون شارب خمر, يحمل بورد, علمه عال, فأنت تستفيد من طبيب, ولا يعنيك أمر سلوكه, وتستفيد من مهندس, ولا يعنيك أمر سلوكه, تستفيد من مدرس, لا يعنيك أمر سلوكه, إلا عالم الدين, لا يمكن أن تحترمه, ولا أن تستفيد منه, إلا إذا رأيته مطبقاً لما يقول.
 لذلك:

 

((إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي, ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق, فأكرموه بهما ما صحبتموه))

مدرس تربية دينية أحسن تلميذه الظن به فكان المدرس عند حسن ظن تلميذه :

 مرة أعرف مدرس تربية دينية, يعمل في محافظة, رأيت له مكانة كبيرة جداً, واحترام كبير جداً, على خلاف ما كنت أتوقع, فلما سألته ماذا فعلت؟ قال لي: والله قصة قصيرة, حدثت طلابي عن التضحية, أحد الطلاب والده وقع بحادث سير, أُخذ إلى الإسعاف ليلاً, بحاجة إلى دم, طرقوا باب الأقرباء جميعاً, لم يعطهم أحد دماً, فقال ابنه الصغير, الذي هو طالب عندي: أستاذنا حدثنا عن التضحية, يعطيكم هو الدم, قال: طرقوا بابي الساعة الثالثة صباحاً, ولحسن الظن كان دمه موافقاً لدم المصاب, وذهب معهم تواً, أعطاهم ثلاثمئة سانتي, قال لي: هذا العطاء في هذه الساعة المتأخرة من الليل, أبلغ من ألف محاضرة ألقيتها عليه.
 فالإنسان يزين هذا الدين بأخلاقه, يزين هذا الدين بسخائه, يحبب الناس بهذا الدين بسخائه, يحبب الناس بهذا الدين بسخائه؛ السخاء وحسن الخلق: تقرب, وتوصل, وتحبب, وبالبخل وسوء الخلق: تقطع, وتنفر, وتبغض, وهذا عمل عكس الداعية: التبغيض, والقطيعة, والتنفير.

((إن الله استخلص هذا الدين لنفسه, ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق, ألا فزينوه بهما))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

رأي شخصي :

 أنا الذي أراه: أن الأشخاص الذين يتمتعون بخلق راق, بخلق حسن, مع العلم بأمر الدين, هم الذين يجلبون إليهم قلوب الناس, فأنت على مستوى بيتك؛ إن أردت أن تحبب أولادك بهذا الدين, يجب أن تكون رحيماً, منصفاً, مضبوط اللسان, مضبوط الجنان, مضبوط الأعضاء, أما لو ضربت إنساناً بقسوة, أو سببته بقسوة, أين كلامك منه؟ انتهيت أمامه.

 

ما الفرق بين المداراة والمداهنة؟ :

 وفي حديث آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس, كما أمرني بإقامة الفرائض))

 نحن يوجد عندنا شيء اسمه مداراة, وشيء اسمه مداهنة؛ مداهنة:

﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾

[سورة القلم الآية:9]

 المداهنة معصية, والمداهنة نقيصة, والمداهنة ضعف توحيد, والمداهنة نفاق؛ المداهنة نفاق, وضعف توحيد, ونقيصة, ومعصية, أما المداراة طاعة, المداراة عمل صالح, المداراة توحيد.

 

تعريف المداراة :

 تعريف المداراة: أن الذي يضحي بدنياه من أجل دين الآخرين, فهو يداريهم.
 يعني: عاونت إنساناً, بذلت شيئاً من مالك, من وقتك, من علمك, من خبرتك, من أجل أن تستجلب قلبه, أنت عندئذ تداري.
 والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

 

((إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس))

 ولن ينفتح لك قلب الإنسان, إلا إذا فتحت ....... لن ينفتح لك عقل الإنسان في الدعوة إلى الله, إلا إذا فتحت قلبه بإحسانك, افتح قلبه بإحسانك, عندئذ يفتح لك عقله لبيانك, أما أن تلقي عليه محاضرة, وأنت مسيء له لا يستمع.
لذلك:

((يا داود -كما ورد في الحديث القدسي- ذكر عبادي بالإحسان إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها))

إن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها :

 رجل يعمل تاجر ساعات, قال لي: فلست, له أخ -هكذا أقسم لي, والكلام على عهدته- قال لي: والله أخي يملك مئتي مليون, وأنا في أدنى درجات الضعف –فلست نهائياً- ولم يطعه أخوه من أمه وأبيه ليرة واحدة, قال لي: ذهبت لبلد مجاور, في مستورد كبير غير مسلم, كنت في محله في مكتبه, يعني غلبتني عيني, فبكيت أمامه -المفلس وضعه صعب جداً- فلما رآني في هذه الحالة, أرسلني إلى فندق فخم جداً على البحر, قال لي: امض أنت وزوجتك ثلاثة أيام, كي ترتاح أعصابك –على حسابه- فلما انتهت هذه الأيام الثلاثة, جئت إلى مكتبه, قال لي: أعطاني بضاعة بخمسين ألف ليرة لبناني -كانت الليرة مئة وستين في عزها- أعطاني خمسين ألف نقدي, قال لي: خذ وانطلق مرة ثانية.
 هذا الإنسان, قال لي: والله أحبه أكثر من أخي, والله معه حق.

((يا داود, ذكر عبادي بالإحسان إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها))

من مبادىء الدعوة إلى الله :

 إذا أنت ما تمكنت تفتح عقله لبيانك, افتح قلبه بإحسانك أول, جرب؛ اخدمه, أكرمه, أعطه, إذا فتحت قلبه بإحسانك, فتح لك عقله لبيانك.
 لذلك: الإحسان قبل البيان في الدعوة إلى الله, والقدوة قبل الدعوة, والترغيب قبل الترهيب, والأصول قبل الفروع, والتدرج قبل الطفرة, والتربية لا التعرية, والآمر قبل الأمر, ومن يذكر؟ الأصول قبل الفروع, الآمر قبل الأمر, الترغيب لا الترهيب, التبشير لا التحذير, القدوة قبل الدعوة, الإحسان قبل البيان, التربية لا التعرية, هذه بعض مبادىء الدعوة إلى الله عز وجل.
 لذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس, كما أمرني بإقامة الفرائض))

 لذلك: رأس العقل بعد الإيمان بالله: مداراة الناس؛ كن ليناً, كن لطيفاً, ضح بوقتك من أجله, ضح بجزء من جهدك من أجله, ضح بعلمك من أجله, أعطه علمه, حينما تحسن إليه يكن أسيراً لك.
 بالبر يُستعبد الحر.
 قال: احتج إلى الرجل تكن أسيره, استغن عنه تكن نظيره, أحسن إليه تكن أميره.

 لذلك ورد عن النبي الكريم:

((ابتغوا الحوائج بعفة الأنفس, فإن الأمور تجري بالمقادير))

 ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.

((إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس, كما أمرني بإقامة الفرائض))

تعريف المداهنة :

 فالمداراة: بذل الدنيا من أجل الدين, أما المداهنة بالعكس: بذل الدين من أجل الدنيا.
 مدعو إلى غداء, وكل هؤلاء الأصحاب لا يصلون, فما صلى حتى لا يحرجهم, ما صلى هذا مداهن, قيل كلاماً سيئاً جداً عن الدين سكت, سكوته إقرار, أو جاراهم بهذا الموضوع, يعني ضحى بعقيدته من أجل إرضائهم.
والقاعدة الذهبية: من أرضى الناس بسخط الله, سخط عنه الله, وأسخط عنه الناس, ومن أرضى الله بسخط الناس, رضي عنه الله, وأرضى عنه الناس. هذا قانون.
 من ابتغى أمراً بمعصية, كان أبعد مما رجا, وأقرب مما اتقى.
 المداهنة: أن تبذل دينك من أجل دنياك, والله هذا حدث ....

 

كن مؤمناً ولا تكن مداهناً :

 أول يوم رمضان, جيء بضيافة, خاف أن يكون ديناً, فشرب القهوة, هذا ماذا فعل؟ عصى الواحد الديان من أجل إنسان.
 قالت له: يا بني! إما أن تكفر بمحمد, وإما أن أدع الطعام حتى أموت -أم سيدنا سعد بن أبي وقاص- قال: يا أمي, والله لو أنك لك مئة نفس فخرجت واحدة واحدة, ما كفرت بمحمد, فكلي إن شئت أو لا تأكلي.
 المؤمن بحياته في كلمة لا, لا؛ له درس علم, له صلاة جمعة, له إنفاق, لأسباب قاهرة يلغي الصلاة, أعوذ بالله! مداهن معناها هذا؛ كل إنسان يضحي بدينه, بعباداته, بعقيدته.
 أحياناً: يجامل, يطرح موضوع: أن الدين كله خرافات, يقول له: والله صحيح, أنت ماذا فعلت؟ أنت داهنت أنت, أنت ضحيت بعقيدتك كلها, في أقوياء -أحياناً- يتكلمون عن الدين كلاماً قاسياً جداً, فالضعفاء لو أنهم سكتوا, يعني ما كلفهم الله فوق ما يطيقون, اسكت, لكن ابق ساكتاً, لا يجاري, يأتيه بشواهد أيضاً.
 فالذي يضحي بعقيدته, يضحي بعبادته, لا يصلي حفاظاً على مكانته, لا يصوم رمضان حفاظاً على مكانته, يُضغط عليه من أجل أن يفعل شيئاً حراماً, بكسب الحرام, يوافق ......

 

 

عدل ساعة يعدل عند الله أن تعبده ثمانين عاماً :

 أحد القضاة, أكبرته إكباراً كبيراً, يعني هو محكمة استشارية, مستشار, يعني رئيس ومستشاران, فالحكم, قال لي: في ظلم الحكم, قال له: والله لو قطعت أناملي قطعاً قطعاً, ما وقعت هذا الحكم, فتراجعوا عنه, خرج براءة.
 يعني: الله يحبك أن تكون قوياً, أنت قاض, وأنت معك صلاحية, ويجب أن توقع, قال له: والله لو قطعت أصابعي قطعاً قطعاً, ما وقعت هذا الحكم, رئيس المحكمة وقف, صار في مشكلة, راجعه, خرج بريئاً الشخص.
 عدل ساعة, يعدل عند الله أن تعبده ثمانين عاماً.
 إذا وجد قاض نزيه, لا تأخذه في الله لومة لائم, ووكل إنساناً له منصب رفيع, كان نزيهاً, كان مع الحق, لكنا في حال غير هذا الحال.

 

 

قصة جندي :

 قال: رجل يطوف حول الكعبة, يقول: ربي اغفر لي ذنبي, ولا أظنك تفعل -هكذا ربي اغفر لي ذنبي, ولا أظنك تفعل- وراءه رجل قال له: يا هذا, ما أشد يأسك من رحمة الله! قال له: ذنبي عظيم, أنى لي أن يغفر هذا الذنب؟ قال له: ما ذنبك؟ قال له: والله كنت جندياً في قمع فتنة, فلما قمعت, أبيحت لنا المدينة, دخلت أحد البيوت, فرأيت فيه رجلاً, وامرأة, وولدين, فقتلت الرجل, وقلت لامرأته: أعطني كل ما عندك, أعطتني كل ما عندها, فقتلت ابنها الأول, فلما رأتني جاداً في قتل الثاني, أعطتني درعاً مذهبة –من ذهب- أعجبتني, فلم أقتل الثاني, تأملت هذه الدرع فإذا عليها بيتان من الشعر, قرأتهما, فوقع مغشياً علي: -ما هذان البيتان؟- قال:

 

 

إذا جــار الأمير وحاجباه  وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويــل ثم ويـل ثم ويـل  لقاضي الأرض من قاضي السماء

 فلذلك: الإنسان حينما يقف مع الحق, الله عز وجل يقويه, يرفع له مكانته, يدافع عنه, المداهنة ...... سبحان الله! لا يوجد إنسان داهن .......

 

 

حديث عجيب!! :

 يعني: أنا في حديث عجيب:

 

((من أعان ظالماً -انظر- سلطه الله عليه))

 أول ضحاياه: هذا الذي أعانه.

((من أعان ظالماً سلطه الله عليه))

 فالإنسان لا يداهن, لكن ماذا يفعل؟ يداري, المداراة: من أصل الدين.

((بُعثت بمداراة الناس))

((إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس))

 أما المداهنة: أن تجامل أن توقع.
 يعني: كلفت بعمل لا يرضي الله ......

 

نهاية المطاف :

 يعني: أنا مرة قرأت عبارة للحسن البصري -سبحان الله! تُكتب بماء الذهب- كان عند والي البصرة, جاء توجيه من يزيد بن معاوية –خليفة, توجيه, يبدو أنه غير صحيح, يعني لو أنه نفذه يغضب الله عز وجل- هذا الوالي وقع في حيرة؛ إن نفذ أمر يزيد أغضب الله وأسخطه, وإن لم ينفذ أمر يزيد أغضب يزيداً وأسخطه -شيء يحير- عنده الحسن البصري سيد التابعين, قال له: ماذا أفعل؟ قال له الحسن البصري كلمة -يا الله! تكتب بماء الذهب- قال له: إن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
 إذا إنسان صار معه سرطان, خبيث, ماذا يفعل معه كل أصدقائه؟ كل من عصى الله من أجلهم, انتهى الأمر, أما لما يغضب إنسان عليه, الله يخلصك منه.
 قال له: إن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
 لذلك:

 

((ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي, أعرف ذلك من نيته, فتكيده أهل السموات والأرض, إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا, وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني, أعرف ذلك من نيته, إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه, وقطعت أسباب السماء بين يديه))

 يعني: إذا أنت اعتصمت بالله, لن يخيبك الله أبداً:

﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾

[سورة الطلاق الآية:3]

 -أبداً-:

﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾

[سورة الطلاق الآية:3]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور