الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحياء وصف لكمال الله عز وجل:
أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا في اسم الحيي، فالحياء وصف لكمال الله عز وجل، فالله عز وجل ذات كاملة لا يتعارض مع حكمته، ولا يتعارض مع بيان الحق، ولا مع بيان الحُجّة، هذا ينقلنا إلى معنى دقيق يجب أن يكون في المؤمن، المؤمن حيي يشتقّ حياءه من كمال الله عز وجل، لكن حياءه لا يمنعه أن يُدلي بالحُجة، وأن يصدح بالحق، وأن يقول الحق ولو كان مرّاً، فإذا منعه شيء ما أن ينطق بالحق أو أن يكون مُنصِفاً فهو نقيصة في الإنسان يمكن أن تسمى الخجل، الخجل أن تمتنع عن أن تنطق بالحق، تسكت، وقد يكون هذا المرض منتشراً في العالم الإسلامي، لا أحد ينهى عن المنكر، لذلك ورد في الحديث الصحيح:
(( عن أبي هريرة: إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. ))
أفضلها التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
معاني التوحيد:
الإيمان شيء والتوحيد شيء آخر، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها، التوحيد أن ترى أن الله في السماء إله وفي الأرض إله، التوحيد أن تؤمن بما قال الله عز وجل:
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع، ولا خافض ولا رافع، ولا مُعزّ ولا مُذلّ، إلا الله، التوحيد أن تجعل علاقتك بالله وحده، التوحيد أن تعمل لوجه واحد عندئذ يكفك الهموم كلها، التوحيد ألا تدعو مع الله إلهاً آخر:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
[ سورة الشعراء
]
من زاد توحيده زادت خشيته وطاعته لله تعالى:
التوحيد كلمة لكن أن تعيشها تحتاج إلى جهد كبير، التوحيد أن ترى أن كل الخلق لا شيء أمام إرادة الحق، كلما زاد التوحيد زاد الكمال، كلما زاد التوحيد زادت الخشية، كلما زاد التوحيد زادت الطاعة، كلما زاد التوحيد ازداد الأمن في قلب الإنسان:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
الحديث الصحيح: ((إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله)) .
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً:
التوحيد هو الذي يُنجّي، بل إن نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فإذا وحّدت واتقيت الله جمعت طرفي المجد، نهاية العلم أن توحده، ونهاية العمل أن تتقيه، لذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾
فالتوحيد هو الإيمان الحقيقي، التوحيد هو فحوى دعوه الأنبياء جميعاً.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً:
كأن الله سبحانه وتعالى ضغط فحوى دعوة الأنبياء جميعا بآية واحدة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ لا إله إلا أنا توحيد، ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ أي أطيعون، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما أمر النبي الكريم أن يقول:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾
وكأن الآية الكريمة ضغطت القرآن كله ولخّصته بهذه الكلمات:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ العمل ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ هذا كلام معجز، كلام بليغ، أنت حينما ترى أن الله وحده ولا جهة سواه تتصرف؛ هو المتصرف، هو المُسيّر، هو الخالق، هو البارئ، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المُعز، هو المُذل، تحصر علاقتك به وحده، فقد نجوت من كل أمراض النفس.
من عمل عملاً يبتغي به وجه الله تعالى هذا تعبير عن إيمانه:
بشكل مبسط لو دخلت إلى دائرة حكومية وقال لك أحدهم: هذا الطلب لا يُسمح لواحد في هذه الدائرة أن يوافق لك عليه إلا المدير العام، هل تبذل ماء وجهك لموظف؟ لحاجب؟ لمعاون المدير العام؟ أبداً؛ لأن صلاحية التوقيع في هذا الموضوع بيد المدير العام وحده، أنت حينما توقن أن الأمر بيد المدير العام لا تبذل ماء وجهك أمام أحد على الإطلاق، ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) أحيانا حجر قد يسبب حادثاً مروعاً، تقف وتزيحه إلى جانب الطريق، هذا إيمان، أنت حينما تعمل عملاً تبتغي به وجه الله هذا تعبير عن إيمانك.
الترابط الوثيق بين الحياء والإيمان:
إخوتنا الكرام؛ الإيمان حركي، لا يوجد إيمان سكوني، لا يوجد إنسان مؤمن مُعجب بالإسلام، الإعجاب السلبي ليس إيماناً، النمط الساكن غير الحركي ليس إيماناً، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تُعَبّر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، أبداً، ما إن تستقر حقائق الإيمان في نفس المؤمن حتى تُعبّر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، فالإيمان حركي، الإيمان عمل، الإيمان إيجابية، الإيمان عطاء، لذلك: ((وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) أن تعمل عملاً صالحاً، أن تطعم جائعاً، أن تدُلّ ضالاً، أن توجِّهَ توجيها سديداً، أن تنصح، أن تنطق بالحق، ((والحياء شعبة من الإيمان)) من لا حياء له لا إيمان له، ومن لا إيمان له لا حياء له، العلاقة علاقة ترابطية بين الحياء وبين الإيمان.
الحقيقة في آخر الزمان يُنزع الحياء من وجوه النساء، يُنزع الحياء من وجوه النساء، وتذهب المروءة من رؤوس الرجال، وتُنزع الرحمة من قلوب الأمراء، لا حياء في وجوه النساء، ولا نخوة في رؤوس الرجال، ولا رحمة في قلوب الأمراء، هذه من علامات آخر الزمان.
الدنيا منقطعة فهي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو عقاباً:
لذلك الله عز وجل حينما قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾
الله عز وجل حيي، لكن هذه الآية تؤكد أنه
﴿لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ والحقيقة هذه الآية حيّرت العلماء، بعوضة، بعوضة في القرآن الكريم، ما من مخلوق أهون على البشر من بعوضه، هذا المعنى جاء به النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاء. ))
[ الترغيب والترهيب: خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن ]
هي أقل من جناح بعوضة لأنها منقطعة، لأن الموت يُنهي كل شيء، الموت يُنهي قوة القوي، الموت يُنهي ضعف الضعيف، الموت يُنهي غنى الغني، الموت يُنهي فقر الفقير، الموت يُنهي صحة الصحيح، والموت يُنهي مرض المريض، الموت يُنهي وسامة الوسيم، والموت يُنهي دمامة الدميم، ما دامت الدنيا منقطعة هي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو من أن تكون عقاباً، لذلك قد يعطي الله الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، أعطى الدنيا لفرعون هل يحبه الله عز وجل؟ أعطاها لقارون هل يحبه الله عز وجل؟ الذي أحبه ماذا أعطاه؟ قال:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾
المال ليس مقياساً لمحبة الله لعبده:
اسأل نفسك دائماً: عطاؤك مِن عطاء مَن؟ من عطاء الله، لكن من أي نوع؟ أعطى فرعون المُلك وهو لا يحبه، وأعطى سيدنا سليمان المُلك وهو يحبه، فإذا أعطى شيئاً واحداً لمن يحب ولمن لا يحب إذاً هذا الشيء ليس مقياساً، أعطى المال لمن لا يحب؛ لقارون، أعطاه لمن يحب، لسيدنا عثمان، المال أُعطي لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً، ما المقياس؟ ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ .
العلم والحكمة فضل الله الكبير على الإنسان:
إذا كان عطاؤك من الله من نوع عطاء العلم والحكمة:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾
دقق، خالق السماوات والأرض يقول لك: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ فضل كبير أن تعرف الله، فضل كبير أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، فضل كبير أن تعرف أن الله حيي، كريم، قوي، رحيم، حكيم:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
الحياء الحقيقي أن يتخلّق الإنسان بالكمال الإلهي:
كنت أوضح هذه الآية ببعض الأمثلة، طفل صغير قال لك مرة: معي مبلغ عظيم، طفل والده مدرس، دخله محدود، فإذا قال ابنه الصغير: معي مبلغ عظيم، تتصور مئتي ليرة، فإذا قال مسؤول كبير: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً من دولة عظمى، تقدر مئتي مليار دولار، الكلمة نفسها قالها طفل صغير فقدرتها بمئتي ليرة، وقالها مسؤول كبير فقدرتها بمئتي مليار دولار، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ الحقيقة العطاء الحقيقي أن تعرفه، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء، إذاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً﴾ كأن هذه آية تبين أن هناك أشياء إن سكت عنها هذا ليس حياء، الحياء أن تتخلّق بالكمال الإلهي، الحياء أن تمتنع عن فعل معصية، الحياء أن تمتنع عن النطق بالباطل.
المؤمن لا يستحيي من الحق:
أيها الإخوة؛ ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً﴾ أي بعوضة مخلوق هين على الناس جميعاً، لكن بعد أن اكتُشف المجهر الالكتروني الذي يكبر الشيء آلاف المرات، أحياناً يُكبِّر الشيء أربعين ألف مرة، وضِعت البعوضة تحت هذا المجهر، فإذا في رأسها مئة عين، وإذا في فمها ثمانية وأربعون سناً، وإذا في صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، البعوضة بعد أن وضِعَت تحت المجهر الالكتروني تبيّن أنها تملك جهازاً لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، أي أنها ترى الأشياء لا بأشكالها ولا بألوانها ولا بأحجامها، ولكنها ترى الأشياء بحرارتها، وحساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، الإنسان بكل ما أوتي يقول لك: سبع وثلاثون وثلاثة أرباع، حساسية هذا الجهاز عند البعوضة واحد على ألف من الدرجة المئوية، هذا جهاز رادار، جهاز استقبال حراري، إن كانت في غرفة في ليلة ليلاء ترى الطفل فقط، لأن حرارته سبع وثلاثون، ما حوله حرارته خمس، لا ترى إلا الطفل، تأتي إلى جبينه، ما كل دم يناسبها، تُحَلل دمه، معها جهاز تحليل، فقد ينام أخوان على سرير واحد، يستيقظ الأول وقد مُلِئ جلده بلسع البعوض، والثاني لا شيء في وجهه، إذاً معها جهاز تحليل دم تُحلل الدم أولاً ثم تمتصه ثانياً ما كل دم يناسبها.
معها جهاز تخدير لئلا تُقتَل، جهاز آخر جهاز تخدير، الحقيقة الإنسان حينما يحس بلسع البعوض يضربها، هي في جو الغرفة، حينما تألم بلسعة البعوضة أي أن مفعول التخدير قد انتهى، هي خدرت ومصت الدم وطارت، بعد أن مضى وقت انتهى فعل التخدير فشعر الإنسان بالوخز فضربها وهي في سقف الغرفة، معها جهاز تخدير، معها جهاز تحليل، ولأن لزوجة الدم لا تسري في خرطومها لذلك معها جهاز تمييع، جهاز استقبال حراري، وجهاز تخدير، وجهاز تحليل، وجهاز تمييع، الآن اقرأ الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ خرطوم البعوضة على أنه دقيق دقيق، فيه ست سكاكين، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، وفي أرجل البعوضة مخالب إذا وقفت على سطح خشن، ومحاجم على أساس الضغط إذا وقفت على سطح أملس، الآن اقرأ الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ .
أيها الإخوة؛ يوجد آية قرآنية يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾
إذاً أنت ينبغي أن تنطق بالحق، يجب أيها المؤمن إن أردت أن تتقرب إلى الله بكمال الله، بالحياء، يجب ألا تستحيي من الحق، إن استحييت من الحق فهذا ليس حياء، بل هو خجل، والخجل نقيصة في الإنسان، إن الله لا يستحيي من الحق، لذلك الإنسان بحق نفسه ضعيف، أما أخوه قد يتكلم عنه، أطلنا عليه الجلوس، مثلاً العيادة فواق ناقة، أي مدة العيادة مدة حلب ناقة، مريض يحتاج إلى أدوية، يحتاج إلى وضع معين، فينبغي ألا نطيل عليه الجلوس، لو أن فئة أطالت الجلوس وقال أحدهم: يكفي، نحن أثقلنا عليك، سامحنا مثلاً، فإن الله لا يستحيي من الحق.
عوِّد نفسك أن تكون جريئاً، معقول سيدنا عمر يمشي في الطريق رأى غلماناً يلعبون، فلما رأوه وكان ذا هيبة عظيمة تفرقوا إلا واحداً منهم بقي في مكانه بأدب لفت نظره، فلما وصل إليه قال: أيها الغلام لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مُذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
أنا متألم من خُلُق الخجل، أي تأتيه ابنة أخيه، هو عمها بثياب فاضحة، يستحي أن ينصحها، لا، انصحها، أنتِ مثل ابنتي يا بنيتي، هذه الثياب لا تليق بك ولا بأبيك ولا بأسرتك، انصحها، لذلك:
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)﴾
طبعاً أسلم للإنسان ألا ينصح أحداً، يقول لك: دعه وشأنه، لا، الحياء لا أن تستحي أن تنصح إنساناً، الدين النصيحة، الحياء أن تجهر بالحق، الحياء أن تنصح، الحياء ألا تبقى ساكتاً، أي اسكت حيثما ترغب أن تتكلم، وتكلم حينما ترغب أن تسكت، إن كنت تملك حقيقة وكل من حولك ساكت تكلم.
من حياء المؤمن أن ينطق بالحق وينصف الآخرين:
سيدنا عمر كان بين أصحابه قال له أحدهم: والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، تغير لونه وأحدّ فيهم النظر، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال له: من هو؟ قال له: الصديق، دققوا الآن قال: كذبتم جميعاً، عدّ سكوتهم كذباً، قال: كذبتم جميعاً وصدق، هذا الذي تكلم، كنت أضلّ من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك، هذا الذي قال: لا والله لقد رأينا خيراً منك، سكوته ليس حياء بل خجلاً، الإنسان أحياناً يُؤْثِر السلامة يبقى ساكتاً، أما لو تكلم كلمة لغير الموقف كله.
مرة مُدِح ابن أحد الخلفاء أمام علية القوم، كل من كان جالساً مدح هذا الابن وهو ليس في مستوى أبيه، وصل الدور إلى عند الأحنف بن قيس بقي ساكتاً، قال له الخليفة: تكلم، قال: أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت، فكان تلميحاً أبلغ من تصريح.
أحياناً كلمة تُحقّ بها حقاً وتُبطل بها باطلاً، أنا أريد أن نتأكد أن الحياء لا يعني أن تسكت عن أداء رسالتك، أو أن تسكت عن الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، تلك صفة مذمومة، الحياء أن تنطق بالحق، الحياء أن تقول كلمة حق، الحياء أن تُنصف، لا والله.
الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات:
شخص تخلّف عن رسول الله، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عنه، فقال بعضهم: شغله بستانه عن الجهاد معك، فقام أحد الصحابة متأثراً قال: لا والله يا رسول الله لقد تخلّف عنك أناس ما نحن بأشدّ حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك، فتبسم عليه الصلاة والسلام.
دافع عن أخيك، أحياناً أنت جالس بمجلس يأتي ذكر أخيك، هناك من يتهجم عليه وأنت تعلم علم اليقين أنه بريء من هذه الصفة، تبقى ساكتاً، السكوت أفضل، لا، تكلم، دافع عنه، هذا واجبك، فلذلك أي شيء منعك أن تنطق بالحق، أن تجهر بالحق، أن تكون منصفاً هو صفة ذميمة في الإنسان وليس حياءً، الحياء أن تستحيي من الله، الحياء أن تستحيي أن تقترف إثماً أو أن ترتكب معصية.
أيها الإخوة الكرام؛ الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات.
الملف مدقق