موضوعات متنوعة - السيرة الذاتية - موضوعات متعلقة بالسيرة الذاتية : 15 - كلمات حول سيرة الدكتور
- موضوعات متنوعة / ٠1السيرة الذاتية
- /
- موضوعات متعلقة بالسيرة الذاتية
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
كلمات قيلت في سيرة الشيخ الفاضل محمد راتب النابلسي حفظه الله الذي برز اسمه مؤخّرا وعُيّن ضمن مجلس الإفتاء في سورية ، فقد تكرر كثيرا من قديم الكلام عنه باعتباره
" واعظًا " وليس"عالمًا" أو "فقيهًا"، وهو حكم جائر جاهل ، جاهل بالرجل وعلمه أولا، وجاهل بمعنى الوعظ والعلم والفقه. وغالبًا من يصدر ممن يختلف معه في بعض المسائل .
أذكر أنني كنت أستمع لسلاسل الشيخ النابلسي من موقعه في بداية الطلب قبل نحو عشرين عامًا أو أقلّ بقليل ، وقد استمعت إلى سلسلتين له في العقيدة ، الأولى بعنوان " مقومات التكليف "، وقد تحوّلتْ إلى كتاب بالعنوان نفسه، وهو كتاب نفيس مبسّط يلائم المبتدئين ، والثانية بعنوان " العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنّة ". وأذكر أنني كنت أقضي ساعات معه في المواصلات وفي الأمسيات قبل النوم أستمع لدروسه ومواعظه بشغف وتأثّر يبني العقل والقلب ، فجزاه الله عنّي خير الجزاء.
ومَن استمع إلى سلاسله هذه وإلى سلاسله الأخرى في التزكية وغيرها يدرك أنّ الرجل عالم متبحّر، جاسوسٌ للقلوب ، وكنت – بخلاف معظم مَن عرفت في جيلي – لا أميل إلى الدروس الوعظية الصاخبة لأسماء اشتهرت في مطلع الألفية من مصر والخليج وراجت بين الشباب ، فقد كان يزعجني الصراخ الدائم والنبرة المتحفّزة على الدوام ولا تؤثّر في قلبي، وأميل إلى الخطاب الهادئ الذي يمزج بين مخاطبة العقل والقلب.
حتى عثرت على الشيخ النابلسي، الهادئ بأسلوبه وعربيّته الواضحة الفصيحة الرشيقة ، المهتم بالأثر العملي لعلوم الكتاب والسنّة ، المبتعد عن الخلافات الكلامية وما لا يبنى عليه عمل ، المستحضر بشكل رائع لنصوص الكتاب والسنّة والآثار، فوجدتُني قد وقعت على كنز ثمين ، وانتفعت به في مراحل البناء الفكري والتزكوي الأولى أحسن انتفاع .
ربما لا يكون الرجل صاحب المواقف الأقوى ، وربما لا يكون صاحب الفقه والتخصص العلمي الأعلى ، لكنّ إلغاءه من تصنيف "العلماء " آفة كبيرة تدلّ على فقر معرفي في كثير من الأوساط العلمية ، وله في موقع ما يدلّ على ممارسته للإفتاء، وهذا باب آخر لن أتبحر فيه.
وأذكر قديمًا أنّ أحد طلبة العلم في بلادنا سألني : عمّن تأخذ العقيدة ؟ وكان هذا السؤال شائعا في تلك المرحلة كي يتمكّن السائل من تصنيفك ، وكنت عصيًّا على التصنيف ، وكنت لأجل ذلك [ غفر الله لي ] أحبّ هواية التلاعب بهؤلاء السذّج ، لأنني لم أكن منتميا – وما زلت – لحزب أو جماعة أو مذهب فكري ، بل أنهل من الجميع وأستفيد من الجميع وأتحرّى السنّة في كلام أهل العلم في القديم والحديث ، فأجيبهم في كلّ مرة بحسب المزاج ، فكان حظّ ذلك الأخ ذكر الشيخ النابلسي وكتبه وسلاسله ، وأذكر يومذاك أنّه ضحك باستخفاف ؛ تعبيرًا عن كون النابلسي ليس " عالمًا " تؤخذ عنه العقيدة ، وهو ما وضّحه لاحقًا.
والفكرة أنّ مفهوم هؤلاء عن" العلم " مفهوم محرّف تصدّى الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في مقدمات كتابه الفذّ " إحياء علوم الدين " ( استفادةً من المحاسبي والحكيم الترمذي وغيرهما ) ليصحّحه ويخبرنا بما طرأ عليه هو ومفهوم " الفقه " و" التوحيد" وغيرها من انحراف في تصوّرها وتداولها. ومن أفظع هذه الآفات اعتبار " الوعظ " شيئًا متدنّيًا عن درجة " العلم " ، مع أنّ الوعظ هو إحدى أعلى درجات العلم ، وقد وصف الله عزّ وجلّ كتابه بالموعظة كما تعلمون، والعلم في الإسلام هو الذي يورث الخشية والخوف والاندفاع إلى العمل، والعلم بلا عمل لا يكون، وكل علم علّمنا الله إيّاه في كتابه وعلى لسان رسله فهو علم نافع يُبنى عليه عمل ، سواء عمل القلب أو عمل الجوارح.
ولمثل هذا العلم تصدّى الشيخ النابلسي، وسلاسله العقدية تهتمّ بالبناء والمضمون الحقيقي لكلمة التوحيد، والمعاني المتفق عليها لأركان الإيمان عند أهل السنّة. ففيها علم جليل يفوق كثيرًا من المتون – القديمة والحديثة – المليئة بالمسائل الفلسفية التي لا يُبنى عليها عمل ولا تؤثّر في مصير الإنسان وتُغفل كثيرا مما جاء في الكتاب والسنّة من العلوم الإيمانية العالية التي يحتاجها الإنسان.
فحفظ الله الشيخ النابلسي ونفعنا بعلومه، وهذه فرصة لأقول للشباب الصغير: انهلوا من كتبه وسلاسله، وخصوصا ما ذكرت في هذا المنشور، وستجدون علمًا نافعًا جدّا، حتى لو وجدتم بعض ما لا توافقون عليه فهو بالقياس إلى النفع الكبير في ما قدّمه ليس بشيء. والله الموفق والمستعان.