بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحقيقة الدقيقة أن الإنسان إذا عرف الله تفانى في طاعته، أما إذا عرف أمره ولم يعرفه تفنن في معصيته، فأصل الدين معرفة الله، هذا أصل من أصول الدين، لو تطلعنا إلى ما درسنا في المدارس أن الكون: جماد، نبات، حيوان، إنسان، فالجماد له وزن، وحجم، وأبعاد ثلاثة، يشغل حيزاً في الفراغ، النبات له وزن، وحجم، و أبعاد ثلاثة إلا أنه ينمو؛ تميز بالنمو، والحيوان له وزن، وحجم، وأبعاد ثلاثة، وينمو إلا أنه يتحرك، والإنسان وزن، وحجم، وأبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات إلا أنه يفكر، أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وهذه القوة الإدراكية أثمن ما عند الإنسان. فما لم تلبَّ هذه القوة الإدراكية بطلب العلم هبط الإنسان على مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، وأحياناً أنا أذكر الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، الإنسان إذا عزف عن طلب العلم ما مستواه؟
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)﴾
﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
أوصاف دقيقة جداً.
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5)﴾
صفات أوردها القرآن الكريم، إذاً الإنسان ما لم يطلب العلم لا يحقق إنسانيته، أما إذا طلب العلم أول كلمة في أول آية، في أول سورة:
﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ (1) ﴾
أي اطلب العلم، لذلك أنا أهنئ كل من يعمل في الحاجة العليا في الإنسان، يوجد عنده حاجات دنيا طعامه وشرابه وسكنه وعمله وكسبه وإنفاقه، يوجد عنده حاجة عليا أن يعرف الله، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، قد تنجح في كسب المال، قد تنجح في تسلم منصب رفيع، لكنك إن لم تعرف الله لست فالحاً، والعلماء فرقوا بين الفلاح والنجاح؛ النجاح جزئي، والفلاح شمولي.
﴿ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (5) ﴾
أي عرفوا سر وجودهم وغاية وجودهم، والحقيقة أن الله -عزَّ وجلَّ- لا تدركه الأبصار، ولكن العقول تصل إليه ولا تحيط به، فإذا عرفنا الله من خلال خلقه، وهذه المعرفة هي التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو أقصر طريق لمعرفة الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، وكأن هذه العبادة مغيبة الآن، نسأل عن الأحكام وننسى الواحد الديان، نسأل عن الأمر وننسى الآمر، فإذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر.
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق