بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اسم الله-عزَّ وجلَّ- القريب موضوع هذا اللقاء الطيب، الحقيقة أن القرب له معانٍ كثيرة؛ أحد هذه المعاني:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)﴾
2-وهناك قرب زماني: ورد في قوله تعالى:
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍۢ ۖ وَإِنْ أَدْرِىٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109)﴾
3-والثالث القرب في النسب:
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) ﴾
لكن الذي يلفت النظر هو قرب الحُظوة، فقد يكون الإنسان قريباً من إنسان يحتل عنده مركزاً مرموقاً بإمكانه أن يتصل به متى شاء، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء، هذا القرب قرب الحظوة، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍۢ (89) ﴾
أما الله -سبحانه وتعالى- قريب من خلقه كما شاء، وكيف شاء، وهو القريب من فوق عرشه، أقرب إلى عباده من حبل الوريد.
من معاني اسم القريب أن هذا الاسم له شأن كبير عند الإنسان، بمعنى أنك إن أيقنت أن الله معك فلن تعصيه.
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓاْ: أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا(12) ﴾
أي ربنا -عزَّ وجلَّ- اختار من أسمائه كلها في هذه الآية اسم العليم واسم القريب، فالإنسان حينما يوقن أن علم الله يطوله، وإن قدرته تطوله يصعب أن يعصيه، حينما يقول الله -عزَّ وجلَّ-:
﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) ﴾
أنواع معية الله:
العلماء قالوا: هناك معية عامة، ومعية خاصة.
1- الله -عزَّ وجلَّ- مع كل الخلق ، حتى مع الكفار بعلمه فقط؛ هذه معية عامة تعني معية علم، أما إذا قال الله -عزَّ وجلَّ-:
2- ﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
أي معهم بالتوفيق، معهم بالحفظ، معهم بالرعاية، معهم بالتكريم، هذه المعية الخاصة مهمة جداً، ولكن أيها الإخوة؛ المعية الخاصة لها ثمن.
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ(12) ﴾
إذاً المؤمن حريص حرصاً لا حدود له على المعية الخاصة؛ معية القرب، معية التوفيق، معية الرعاية.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾
الحقيقة الدقيقة أنك حينما تشعر أنك قريب من الله، وأن الله قريب منك تكون مُستجاب الدعوة (أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) آيات كثيرة.
﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) ﴾
آيات تزيد عن عشر آيات (يَسْـَٔلُونَكَ) وتأتي كلمة (قُلِ) بين السؤال والجواب إلا آية واحدة هي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ) استنبط العلماء أن هذه الآية التي ليس بين السؤال والجواب (قُلِ) تعني أنه ليس بين العبد وربه حجاب، أي إنسان بإمكانه أن يسأل الله كل شيء، الإنسان متى يدعو الله مخلصاً؟ حينما يعلم أنه موجود، وأنه يسمعه، وأنه قادر عن أن يجيبه، وأنه يحب أن يجيبه، هذه من خصائص الدعاء، فما من إنسان يدعو ربه إلا وهو ينطلق من تلك الحقائق: الله موجود، يسمعني، قادر على تلبية طلبي، يحب أن يكلمني؛ هذه المعاني كلها، واستنبط من (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ، إذاً الإنسان إذا قال: الله، تولاه الله، فإذا قال: أنا، تخلى عنه والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق