وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات مختلفة في التربية - الأردن - عمان - لقاء مع رابطة علماء الأردن - زوم : 160- أسبابُ النَّصر والتَّمكين
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع : 
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى أنبياء الله أجمعين .
أيها الإخوة المشاهدون ؛ أيتها الأخوات المشاهدات ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم في لقاء جديد في هذه الحلقة الحوارية للحديث عن أسباب النصر والتمكين ، وذلك ضمن سلسلة نشاطات نصرة المسجد الأقصى المبارك التي تنظمها رابطة علماء الأردن ممثلة باللجنة العلمية فيها .
أسباب النصر والتمكين ؛ لقد شاءت إرادة الله العزيز الحكيم أن يكون النصر والتمكين قديمَين وحديثَين لمن توافرت لديه أسبابهما ، والتزم بالقواعد الموجبة لاستحقاقهما ، وحاز عن جدارة وكفاءة مقوماتهما ، بصرف النظر عن الوَفرة في العدد ، والقلة في العتاد ، إذ أن الله تبارك وتعالى قد جعل للنصر أسباباً ، وجعل للخذلان أسباباً ، وإن من الواجب على أهل الإيمان في رباطهم وجهادهم ، وفي كافة شؤونهم أن يأخذوا بأسباب النصر ، وأن يستمسكوا بها ، وهذه الأمة على ما تعيشه اليوم من حالة الضعف والإعياء ، وكثرة الأزمات ، هي أمة منصورة من ربها بإذنه تبارك وتعالى ، موعودة في التمكين والاستخلاف في الأرض يوماً ما بوعد الله الحق الذي لا يخلف الميعاد ، وقد تكرر ذلك في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، وذاك وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة ، وهذا هو الأمل الذي يمثّل رافعة العمل ، ونتساءل : ما قيمة النصر والتمكين في حياة الأمة ؟ ومتى تنتصر الأمة وتتمكن ؟ وكيف ستنتصر وتتمكن وتؤدي دورها الحضاري المنوط بها ؟
أيها السيدات والسادة ؛ أيها المشاهدون والمشاهدات ؛ في حيثيات أسباب النصر والتمكين حديثنا في هذه الحلقة ، وفي هذا اللقاء الحواري برفقة عالمٍ فاضلٍ وداعيةٍ جليلٍ ، اسمحوا لي أن أرحب وإياكم أجمل ترحيبٍ بفضيلة أستاذنا العلّامة المربي الكبير والداعية الإسلامي الشهير : الدكتور محمد راتب النابلسي ، فأهلاً ومرحباً به في مضارب بني هاشم بين أهله وأحبابه في الأردن ، أردني العزم والحزم والرباط ، أهلاً وسهلاً بكم سيدي ضيفاً عزيزاً ، وداعية للخير والهدى في أروقة وأنشطة رابطة علماء الأردن ، وحياكم الله تعالى وبيّاكم وسدد على طريق الخير والهدى خطاكم .
أستاذنا الكبير ، اسمح لي أن نبدأ مشوارنا في هذه الحلقة الحوارية للحديث عن أسباب النصر والتمكين ، واسمح لي أن أبدأ بسؤالكم فأقول : إن المتأمل في آيات الكتاب العزيز يلحظ أن مادة نصر حاضرة بقوة في ثنايا الآيات الكريمات بمشتقاتها المتنوعة : نصر ، انتصر ، ينصرون ، تنصرون ، ينصركم ، نصير ، بنصر ، ناصرين  . . .إلخ فضيلة أستاذنا الجليل ما دلالة هذا الحضور لهذه المادة أعني نصر بهذا الزخم لفظاً ومعنى ؟ وكيف يتجلى لفضيلتكم موضوع قيمة النصر في حياة الأمة بارك الله فيك ؟
 

ما من مخلوق إلا ويسبح بحمد الله :


الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
لا بد من مقدمة تلقي ضوءاً كاشفاً على حقيقة هذا اللقاء الطيب ، هناك حقائق أساسية لا بد من معرفتها قبل أن نبدأ الحديث عن أسباب النصر ، لأنها تلقي ضوءاً كاشفاً على ملابسات الموضوع ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾

[ سورة هود ]

لماذا خُلقنا ؟ ما علة وجودنا ؟ ما سبب وجودنا ؟ قال تعالى : (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) خلقنا ليرحمنا ، خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، وكل كلام آخر لا تلقِ له بالاً ، هذا كلام خالق الأكوان ، كلام خالق الأرض والسماء ، كلام رب العالمين (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) فلذلك :

﴿ سَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(44) ﴾

[ سورة الإسراء ]

أي شيء تقع عينك عليه مخلوق يسبح الله (وَإِن مِّن شَىْءٍ) أي ما من شيء - وكلمة شيء أوسع كلمة تغطي كل شيء - ( إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .
 

للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع منهج الله :


لكن الآن تدخل بدائرة أضيق :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

و(ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ) مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ) القراءة الآن تحيّر (إنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) استفهام إنكاري ، أب لديه عشرة أولاد ، وهو ميسور جداً فقال : لكل واحد من أولادي بيت ومركبة وألف دينار في الشهر وسيارة ، لكن إذا إنسان يأتي بدكتوراه من أمريكا أعطيه نصف المعمل (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ) قال : أنا لها ، هذا الآن إذا قبِل حمل الأمانة وحملها كما أراد الله يصبح فوق الملائكة ، رُكِّب الملك من عقل بلا شهوة ، ورُكِّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، ورُكِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، لذلك الإنسان رُكب من كليهما ، عنده عقل ، أعقد جهاز في الكون العقل ، عنده عقل ، وعنده نفس :

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) ﴾

[ سورة الشمس ]

أي النفس ذات الإنسان ، هي المُكلَّفة ، هي المُحاسَبة ، هي المُعاقَبة ، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قد تُفهم هذه الآية فهماً ما أراده الله أبداً ، (فَأَلْهَمَهَا) أنها إذا اتقت تعلم أنها اتقت (فَأَلْهَمَهَا) إن فجرت تعلم أنها فجرت ، هيأ الله للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع منهج الله .

﴿ بَلِ ٱلْإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ(15) ﴾

[ سورة القيامة ]

فأول شيء أن الإنسان الله هيأ له فطرة سليمة متوافقة مع منهج الله .

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30) ﴾

[ سورة الروم ]

أي أمر أُمرت به فُطرت ووُلِّفت على محبته :

﴿ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ(7) ﴾

[ سورة الحجرات ]

أي أمر أُمرت به فُطرت على محبته ، وأي نهي نُهيت عنه فُطرت على كراهيته ، هذه الفطرة ، الفطرة بمعناها الدقيق أنك لا تحب الخطأ ولو كنت مخطئاً ، لا تحب الخيانة ولو لم تكن كذلك ، هذه فطرة أن تحب الخير ، لا أن تكون خيٍّراً ، أن تحب العدل لا أن تكون عادلاً ، هذه الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا) أما الصبغة : أقبلت على الله اشتققت منه الحلم فأصبحت حليماً ، الحلم صبغة ، أقبلت على الله اشتققت منه الكرم ، فالصبغة فعل الشيء ، والفطرة محبة الشيء .

﴿ صِبْغَةَ ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ(138) ﴾

[ سورة البقرة ]

 

القانون نهاية العلم :


الآن يوجد كلمة قانون شائع جداً في حياتنا ، القانون كما قيل : نهاية العلم . 
تعريفه الدقيق : علاقة مقطوع بها بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، المتغيران : الظاهرتان ، تطابق الواقع : العلم يتحدث عن الواقع ، عليها دليل : لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، الدليل أي هناك سبب ، فعلاقة بين متغيرين مقطوع بها ، كلمة مقطوع دقيقة ، إذا كانت المصداقية 30% وهم ، إذا كان 50% شك ، إذا كان 70% ظن ، 90% غلبة الظن ، 100% قطع .
علاقة مقطوع بها ، علاقة بين متغيرين مقطوع بها ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، إن ألغينا الدليل صار تقليداً ، الله ما قبل التقليد ، قال :

﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَىٰكُمْ(19) ﴾

[ سورة محمد ]

ما قبل التقليد ، إن ألغينا الواقع كان جهلاً ، إن ألغينا القطع كانت وهماً أو شكاً أو ظناً أو غلبة ظن ، علاقة بين متغيرين ، مقطوع بها ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، الآن ماذا يقابل القوانين في الإسلام ؟ يقابل القوانين في الإسلام السنن :

﴿ ٱسْتِكْبَارًا فِى ٱلْأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِۦ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ﴾

[ سورة فاطر ]

السنة أيضاً قانون ولكن بمصطلح إسلامي ، الآن قبل أن أبدأ بشرح هذه المصطلحات لا بد من وقفة متأنية في موضوع دقيق ، أذكر مرة كنت في أمريكا دعيت لزيارة معمل سيارات الأول في العالم ، وبقيت فيه سبع ساعات ، لفت نظري – يوجد معي دليل ويوجد مترجم- وطبعاً الزيارة طويلة جداً ، فقال لي : هذه المركبة فيها ثلاثمائة ألف قطعة ، أما أنا كراكب سيارة فلها غلاف معدني ، غليسوري ، يوجد مقاعد ، يوجد محرك ، يوجد عجلات ، يوجد مكبح ، سبع قطع ، فمن ثلاثمئة إلى سبع قطع .
الدين الآن للتقريب كم عالم يوجد في الأرض من البعثة حتى الآن ؟ كم كتاب ؟ كم مدرسة ؟ كم معهد ؟ بمئات الألوف ، هل يمكن أن أضغط هذا الكم اللامتناهي إلى كليات ؟ 
الآن أبدا بكليات هذا الدين ؛ أول وأكبر كلية هي العقيدة ، التصور ، المنطلق النظري ، الإيديولوجية ، هذه إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، لا بد من طلب العلم ، حتى الإنسان يستطيع أن يضع في بطاقته الشخصية د . دكتور أي درس ثلاثاً وعشرين سنة من أجل د . ، ومن أجل أن تكون مؤمناً تستحق خير الدنيا والآخرة ألا ينبغي أن تتفرغ لقراءة هذا القرآن ؟ لحضور درس من عالم رباني ؟ لقراءة تفسير ؟ مصيرك .
 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :


الحقيقة لا يوجد تعريف للإنسان جامع مانع رائع قاطع كتعريف الإمام الحسن البصري ، قال : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، هو زمن ، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن قال :

﴿ وَٱلْعَصْرِ(1) ﴾

[ سورة العصر ]

العصر مطلق الزمن ، جواب القسم مخيف :  

﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ(2) ﴾

[ سورة العصر ]

لماذا ؟ قبل أن نقول : مؤمن أو غير مؤمن ، صالح أو طالح ، مستقيم أو منحرف ، قبل كل هذه الصفات مضي الزمن وحده يستهلكه ، فأنت بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، فالبطولة أن أعرف الله في الوقت المناسب .
بالمناسبة أنا أملك مليون خيار رفض ، هذا البيت لم يعجبني مساحته صغيرة ، وثمنه كبير ، هذه الفتاة لم تعجبني أخلاقها ، ما تزوجتها ، الحرفة دوامها طويل ، ودخلها قليل ، أنا أملك مليون خيار رفض ، إلا مع الإيمان أملك خيار وقت ، لأن أكفر كفار الأرض فرعون الذي قال :

﴿ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ(24) ﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ(38) ﴾

[ سورة القصص ]

حينما أدركه الغرق قال :

﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90) ﴾

[ سورة يونس ]

معنى ذلك خيارك مع مليون موضوع تملك الرفض ، إلا مع الإيمان خيار وقت ، فإن لم تؤمن في الوقت المناسب لا بد من أن تؤمن بعد فوات الأوان .
طالب ما درس إطلاقاً ، قدم ورقة بيضاء فنال صفراً بجدارة ، عاد إلى البيت قرأ في الكتاب المقرر الموضوع فهمه عاد إليهم ليكتب طردوه :

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 

كليات الدين :


الكليات إذاً : العقيدة ، المنطلق النظري ، الإيديولوجية ، الفكر ، الفهم ، التصور ، كلها كلمات لمسمى واحد ، الجانب العقدي في الإنسان ، لابد من طلب العلم . 
الآن الكلية الثانية هي الحركة ، أنا لماذا أتحرك ؟ الأنبياء كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، أي بشر ، مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام ، ومفتقرون إلى ثمن الطعام ، فالأنبياء كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، أي هم بشر :

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍۢ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20) ﴾

[ سورة الفرقان ]

فالحركة هناك حركة الحاجة للطعام ، تؤدي للحركة ، بعد أن أكلت واطمأننت على معدتي ، بعد سنة معينة بالعشرين ، بالثالثة والعشرين أصبح شاباً ويطمح إلى شابة يتزوجها ، فالحركة الأولى حفاظاً على بقاء الفرد بالطعام والشراب ، وأما عندما يتزوج دون أن يشعر يفعل هذا الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، لولا الزواج ما استمر النوع البشري ، الآن أكل وشرب وتزوج وأنجب ، لديه حاجة ثالثة أن يكون أول طبيب ، التفوق ، أول محامٍ ، أول تاجر ، أول عالم ، أول داعية ، التفوق ، فالأولى حفاظاً على بقاء الفرد ، والثانية حفاظاً على بقاء النوع ، والثالثة حفاظاً على بقاء الذكر ، والحاجات الثلاثة يستوعبها هذا الدين بتفاصيله .
المذيع : 
لطيف ، سيدي تكرماً في ذات السياق إن لم أكن قاطعتك بارك الله فيك ، عندما أقول : الإيمان له وقت مناسب إما أن تؤمن في الوقت المناسب ، وإما أنك ستؤمن بعد فوات الأوان حينئذٍ لا ينفع الإيمان ، أيضاً أمر النصر هل يقاس عليه هذا الأمر ؟ فيقال : إن النصر له وقت مناسب إن لم تكن أعددت العدة له حينئذٍ سيفوتك هذا النصر ، لذلك القرآن مثلاً يكثر لنا من ذكر مادة النصر ، وكنت سألت فضيلتك ما دلالة هذه الوَفرة وهذا الزخم لفظاً ومعنى في موضوع النصر ؟
 

الأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأرباب :


الدكتور راتب :
أخي الكريم ؛ الله عز وجل أسرى بالنبي الكريم من مكة إلى بيت المقدس ثم إلى السماوات العلا ، هذا الإسراء ليبين عظمة الله ، أُلغيت القوانين في الإسراء ، أُلغي قانون الزمان والمكان ، أما في الهجرة فقد أخذ النبي بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم توكل على رب الأرباب وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب أخذاً ملفتاً ، وتفوق في الأخذ بالأسباب ولكنه نسي الواحد القهار ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الأخذ بها دون إيمان قد تنمو تجارتك ، ولكن غاب عنك سرّ وجودك في الحياة ، لا يوجد فلاح ، نحن لدينا كلمة نجاح وكلمة فلاح ، النجاح أحادي ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، مؤسسة أبل سبعمئة مليار ، هذا النجاح أما الفلاح فشمولي ، النجاح شيء آخر ، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن ، الفلاح .
المذيع :
هل تعني أن النصر ضمن منظومة الفلاح ؟
 

العبادة علة وجودنا :


الدكتور راتب :
النجاح الفلاح أن تعرف الله ، أنه خالقك ، ومربٍّ ، ومسيّر ، أن تعبده :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
علة وجودنا العبادة (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) شخص أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون في إدارة الأعمال ، باريس أكبر مدينة في أوروبا ، هذا الطالب علة وجوده في باريس فقط الدراسة ، لا يمنع أن يأكل في مطعم ، أو أن يقتني مجلة متعلقة في اختصاصه ، لا يوجد مانع ، أما علة وجوده ، سبب وجوده ، غاية وجوده فهي الدراسة ، فالله عز وجل بآية صارخة واضحة جامعة مانعة قال : (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) من أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية ، الله خلقنا ، حياتنا بيده ، الموت بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :

﴿ لآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) ﴾

[ سورة البقرة ]

أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب ، قال : 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ(54) ﴾

[ سورة المائدة ]

المذيع :
طاعة طوعية .
طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، فما عبدَ الله من أحبه ولم يطعه ، وما عبدَ الله من أطاعه ولم يحبه .
طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، فالعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 

طلب العلم واجب على كل إنسان :


أي الله سرّب لنا من اليوم الآخر بعض الكلمات ، هؤلاء الذين كفروا ماذا قالوا وهم في جهنم ؟

﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ(10) ﴾

[ سورة الملك ]

معناها أزمة علم فقط ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، فلذلك العلم شيء مهم ، أنا أمامي طاولة هذا جماد ، له ارتفاع ، وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، هذا هو ، أما النبات فيزيد عليه بالنمو ، وأما الحيوان فيزيد عليهما بالحركة ، والإنسان له من الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، من النبات له النمو ، كان طفلاً صار بطول مئة وثمانين سنتمتراً ، الإنسان المخلوق الأول رتبةً والمُكلف بعبادة الله ، فصار عندي الآن الطاولة : جماد ، والنبات مخلوق ينمو ، والحيوان يتحرك ، أما الإنسان فله من الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، له من النبات أنه ينمو كان طفلاً صار 180 سم ، له من بقية المخلوقات الحركة ، فالإنسان يمشي ، لكن الله خصه وميزه وفضله بقوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية تُلبّى بطلب العلم ، والإنسان إذا عزف عن طلب العلم لا أقول لك استمع إلى حديث ضعيف ، استمع إلى القرآن الكريم ، قال تعالى عن هؤلاء الذين عزفوا عن طلب العلم :

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

كيف ميت ؟ نبضه 80 ممتاز نبضه ، وضغطه 8/12 ممتاز ، ولكنه عند الله ميت ، ما دام لم يعرف سبب وجوده ، ولا غاية وجوده ، ولم يؤمن بالدار الآخرة حيث تُسوّى الحسابات هو ميت (أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ) وصف قرآني ثان : 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾

[ سورة المنافقون ]

 كطاولة من الخشب (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) وصف ثالث : 

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44) ﴾

[ سورة الفرقان ]

وصف رابع :

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5) ﴾

[ سورة الجمعة ]

حمار - أجلكم الله - وضعنا عليه كتاباً في الفيزياء النووية ، سألناه بعد ساعة ماذا فهمت من هذا الكتاب ؟ لم يفهم شيئاً . لذلك وصف القرآن خمسة أوصاف لمن عزف عن طلب الحق ، فطلب العلم ليس خياراً فرعياً ، خياراً يؤكد هويتك ، ويؤكد وجودك كإنسان ، أنت أعطيت قوة أن تفهم الحقائق فلابد من طلب العلم .
المذيع :
كأنك تقول سيدي : باب النصر العلم ، شيء لطيف.
الدكتور راتب :
أبداً يعطيك مبادئ وقيماً .
 

العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر :


شيء آخر : نحن فهمنا أن الدين عقيدة إيديولوجية وحركة .
السلبية استقامة ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما فرقت بين زوجين . 
الإيجابية أعمل عملاً صالحاً ، والعمل الصالح علة وجودنا والدليل :

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

فلا بد من العمل الصالح ، وسُمّي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً ، وصواباً ، خالصاً ؛ ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ؛ ما وافق السنة .
علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح ، والدليل : 

﴿ وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132) ﴾

[ سورة الأنعام ]

أي حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، (وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ) سمّي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
لذلك الآية الدقيقة الخطيرة : (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) ، (لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ)
المذيع :
من بعد إذنك تكرماً هل نفهم سيدنا الكريم أن حضور مادة النصر في القرآن الكريم فيه إشارة إلى أن هذه الأمة أمة منصورة أم إلى أن هذه الأمة ينبغي أن تجعل النصر نصب عينيها دائماً وأبداً ؟
 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :


الدكتور راتب :
الجواب في القرآن الكريم :

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(110) ﴾

[ سورة آل عمران ]

أي أنتم بإيمانكم وبإسلامكم أصبحتم ، (كُنتُمْ) هنا أصبحتم (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) : ما علّة الخيرية ؟ (تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ) والإيمان بالله ، فلذلك الإنسان حينما يعرف الله لا بدّ من أن يأمر بالمعروف ، هذه الفريضة السادسة ، كيف بكمْ أيُّها النَّاسُ إذا طَغى نِساؤُكم ، وفسَقَ فِتيانُكم ؟ قالوا : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ هذا لَكائنٌ ؟ قال : نعمْ ، وأشَدُّ منه ، كيف بكم إذا تَركتُمُ الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ ؟ قالوا : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ هذا لَكائنٌ ؟ قال : نعمْ ، وأشَدُّ منه ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المُنكَرَ مَعروفًا والمعروفَ مُنكَرًا ؟
البوصيري عن أبي هريرة
هذا أخطر عصر ، عصر تبدّل القيم ، عفواً أهجا بيت قالته العرب :       

دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها             وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي

***

هذا شعار كل إنسان اليوم ، بيته فخم ، مركبته جيدة ، دخله معقول ، عنده زوجة وأولاد ، يعيش حياته ، ليس له علاقة بالدين ، ولا بالآخرة ، ولا بالموت ، ولا بالحياة ، ولا بالجهاد ، ولا بالعلم ، إطلاقاً ، هذا حال الناس كلها الآن :

(( والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ ، لا تَذْهَبُ الدُّنْيا حتَّى يَأْتِيَ علَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي القاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، ولا المَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ . فقِيلَ : كيفَ يَكونُ ذلكَ ؟ قالَ : الهَرْجُ ، القاتِلُ والْمَقْتُولُ في النَّارِ . . ))

[ صحيح مسلم عن أبي هريرة ]

هذه الحالة أصبحت ، فلذلك نحن في زمن صعب جداً ، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

((  رَسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتَى المَقْبُرَةَ ، فقالَ : السَّلامُ علَيْكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بكُمْ لاحِقُونَ ، ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا قالوا : أوَ لَسْنا إخْوانَكَ ؟ يا رَسولَ اللهِ ، قالَ : أنتُمْ أصْحابِي وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فقالوا : كيفَ تَعْرِفُ مَن لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِن أُمَّتِكَ ؟ يا رَسولَ اللهِ ، فقالَ : أرَأَيْتَ لو أنَّ رَجُلًا له خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قالوا : بَلَى يا رَسولَ اللهِ ، قالَ : فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ ، وأنا فَرَطُهُمْ علَى الحَوْضِ ألا لَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي كما يُذادُ البَعِيرُ الضَّالُّ أُنادِيهِمْ ألا هَلُمَّ فيُقالُ : إنَّهُمْ قدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فأقُولُ سُحْقًا سُحْقًا . وفي رواية : فَلَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي . ))

[ صحيح مسلم عن أبي هريرة ]

(( إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ  ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ  ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ  ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُم . ))

[ الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني ]

صار ملخص الفقرة الحالية : كليات الدين العقيدة الإيديولوجية والحركة ، السلبية : استقامة ، الإيجابية : عمل صالح ، علة وجودنا العمل الصالح .
 

السكينة ثمرة الاتصال بالله عز وجل :

الثمرة :

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14) ﴾

[ سورة طه ]

الآية الثانية :

﴿ فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ(152) ﴾

[ سورة البقرة ]

إنك إن صليت ذكرت الله ، تقرأ الفاتحة وسورة ، تركع ، تسجد . . .إلخ ، لكن الله إذا ذكرك ، هنا الشيء الذي لا يُصدق ، منحك نعمة لا تقدر بثمن ، منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، ذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، وذاقها النبي صلى الله عليه وسلم في الغار بأصعب مكان ، بأخطر نتيجة ، إذا وُهِبت السكينة ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة ، منحك السكينة ، منحك التوفيق :

﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88) ﴾

[ سورة هود ]

المذيع :
هل السكينة هي الشعور بالمعية ؟
الدكتور راتب :
هذه هي ، هي ثمرة الاتصال بالله ، كائن ، خائف ، شحيح ، مادي ، عنده قلب هلوع ، اتصل بأصل الجمال والكمال والنوال :

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

 ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا

***

أنت إذا اتصلت بأصل الجمال والكمال والنوال ، اتصلت بالله صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، كل شيء بيده ، الحياة بيده ، الموت بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، المال بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده .
المذيع :
النصر بيده .
الدكتور راتب :
النصر بيده طبعاً .
المذيع :
التمكين بيده .
الدكتور راتب :
لكن الآية دقيقة جداً جداً :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7) ﴾

[ سورة محمد ]

إن نصرت دينه كان حقاً على الله أن ينصرك ، أما كل أعمالنا مصلحية ، أي عفواً يوجد في الأرض وحل الأرض مصالح وشهوات ، وهناك وحي السماء : مبادئ وقربات ، الإنسان إما في وحل الأرض ، أو في وحي السماء ، فلذلك (فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ) .
 

سنن الدفع إلى الله :

 

1 ـ الهدى البياني :


الآن السنن : القوانين التي بدأت بها . 
لدينا سنن الدفع إلى الله ؛ هذه السنن الهدى البياني ، وأنت جالس في بيتك مرتاح تابعت موضوعاً دينياً على الشاشة ، دخلت الجامع وسمعت من الخطيب ، كنت في سهرة يوجد داعية إلى الله تكلم كلاماً رائعاً ، الهدى البياني تلقيت معلومات من خطيب ، من مُدرس ، من أستاذ ، من عالم رباني ، من صديق حميم . الهدى البياني أنت مرتاح وليس لديك أي مشكلة إطلاقاً ، لكن سمعت الحق ، الموقف الكامل الاستجابة .

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) ﴾

[ سورة الأنفال ]

(يُحْيِيكُمْ) : معناها كنا أمواتاً ، قال الله :

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

أموات كأنهم طاولة أي جماد ، أو نبات ، أو . . .إلخ . فلا بد من الإيمان بالله ، قضية وجودية .
المذيع :
كأنك سيدي تقول لنا هنا بأن الاستجابة لأوامر الله تعالى ، ولأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم طريق إلى النصر أيضاً .
الدكتور راتب :
أبداً ، أبداً ، (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ) أنت استجبت ، هذا جواب الشرط .
المذيع :
لطيف ، سيدي تكرماً في ذات السياق ، أستاذنا الكريم يتساءل المرء في قرارة نفسه سؤالاً : هل النصر يكون معناه فقط مقتصراً على غلبة المرء أو الأمة على الأعداء التقليديين أم أن هناك أنواعاً عدة للنصر يتبدّى فيها معانٍ أخرى على صعيد الفرد والمجموع ؟ ما رأيك ؟

 

أعظم أنواع النصر أن تنتصر على ذاتك :


الدكتور راتب :
أعظم أنواع النصر أن تنتصر على ذاتك : 

(( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ))

[ رواه البيهقي بسند ضعيف ]

جهاد النفس والهوى ، في لقاءاتك ، في علاقاتك ، في نزهاتك ، في شراكاتك ، في عملك ، يوجد انضباط ، يوجد غض بصر ، يوجد تحرّي الحلال ، المنهج منهج الإسلام : صلاة وصوم وحج وزكاة ، عبادات شعائرية ، أما العبادة التعاملية فهي الأصل ، لن تُقطف ثمار العبادة الشعائرية إلا إذا تحققت العبادة التعاملية ، الدخل حلال ، اللقاء حلال ، العلاقة بالنساء مع المحارم فقط ، أي بماله ، بعمله ، بنشاطه ، بنزهاته ، منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج ، أما الصلاة والصوم والحج والزكاة فهي عبادات شعائرية ، أما العبادة التعاملية التي تحقق العبادة الشعائرية فهي الاستقامة ، أي إذا كان مثلاً لديك مادة غذائية انتهى مفعولها ، فأنت غيّرت التاريخ ، ارتكبت خطأً كبيراً . يوجد مليار معصية في التجارة والصناعة ، مليار معصية ، غير الزنا وغير شرب الخمر ، موضوعات ثانية ، مادة مسرطنة مسموح أن تضع منها ثلاثة بالألف ، تضع ثلاثة بالمئة ، ارتفع السرطان عشرة أضعاف ، يوجد تعليمات دقيقة جداً ، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من علاقاته الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع :
وكأنك تقول سيدي : لن يكون النصر حاضراً إلا إذا تكاملت هذه المنظومة الإيمانية؟
الدكتور راتب :
أبداً ، ولن تُقطف ثمار الدين إلا بالاستقامة ، الاستقامة عين الكرامة .

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ(30) ﴾

[ سورة فصلت ]

يوجد آيتان دقيقتان :

﴿ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًۢا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)﴾

[ سورة طه ]

﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾


[ سورة البقرة ]

اجمع الآيتين ، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آتٍ ، ماذا بقي ؟ لم يبقَ شيئاً .
 

2 ـ التأديب التربوي :


صار لدينا الهدى البياني ؛ أنت ألقيت محاضرة ، حضرت خطبة ، استجبت .
أتت مصيبة التأديب التربوي :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾

[ سورة السجدة ]

 

3 ـ الإكرام الاستدراجي ثم القصم :


يوجد هدى بياني ، تأديب تربوي ، إكرام استدراجي ، يُمتَحن الإنسان أحياناً في الدنيا فجأةً ، البطولة في الهدى البياني أن تستجيب ، وفي التأديب التربوي أن تتوب ، وبالإكرام الاستدراجي أن تشكر ، وإلا القصم بعدها ، هذه سنن الدفع .
 

سنن الردع :


سنن الردع : المصيبة ، عند الأنبياء كشف ، لديه كمالات عالية جداً لا تظهر إلا بالمصائب ، مصائب الأنبياء : كشف ، مصائب المؤمنين : دفع ورفع ، كان هناك خطأ ، عليه زكاة مال عشرة آلاف لم يدفعها ، زوجته ضغطت عليه كي يطلي البيت فطلاه ولم يستجب لله عز وجل ، فعمل حادث سير الفاتورة عشرة آلاف ليرة ، توافق الرقمين هذه رسالة من الله ، البطولة أن نفهم على الله .
المذيع :
حسناً سيدي تكرماً ، أستاذنا الحبيب أيضاً في ذات السياق ، وفي قضية تحتاج منا إلى وقفة ، يتردد كثيراً على الألسنة وفي محافل شتى أن عنوان النصر وسببه الرئيس للأمة ما هو إلا القوة والهيمنة المادية والسياسية والعسكرية والاقتصادية ، ويقول لك : لا علاقة للنصر بالواقع الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي والقيمي ، فما تعليق فضيلتكم على هذا ؟
 

العاقل من يدخل الموت في حساباته :


الدكتور راتب :
أخي الكريم : كلمة مختصرة جامعة مانعة ، إذا ما ضممت الإيمان باليوم الآخر إلى الإيمان بالدنيا تنعكس كل مقاييسنا ، المنحرفون الغربيون أقوياء ، أذكى البشر ، إذا ما ضممنا الإيمان باليوم الآخر : 

﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍۢ سَلِيمٍۢ(89) ﴾

[ سورة الشعراء ]

أي مادام هناك يوم آخر تُسوّى فيه الحسابات ، والحقيقة شيء لا يُصدّق ، تسمع مليون محاضرة ، لا يوجد كلمة واحدة عن اليوم الآخر ، الدنيا ، الدخل ، التطوير . . .إلخ ، نتكلم عشر ساعات عن الدنيا ، أما هذا الموت فحق ، إذا لم ندخل الموت في حسابنا ، ليس الموسمي ، كلما مات شخص نتذكر أننا سنموت ، وليس حسابنا السنوي ، ولا الشهري ، ولا الأسبوعي ، حسابنا الساعي ، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، هذا البيت مثوى مؤقت ، والدليل النعوة : وسيشيع إلى مثواه الأخير ، فلا بد أخي الكريم من أن نفهم هذا الدين فهماً عميقاً ، إذا كنا قد فهمناه فهماً عميقاً ، إن لم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، قضية خطيرة جداً ، قضية وجود ، قضية شقاء أو سعادة ، توفيق أو تعسير ، الإنسان إذا ما قال : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني فهناك مشكلة كبيرة جداً . 
أرجو الله أن يحفظ إيماننا جميعاً ، وأهلنا ، ومن يلوذ بكم جميعاً إن شاء الله ، وأي سؤال أنا حاضر .
المذيع :
نعم أكرمك الله سيدي ، سيدنا وعالمنا الجليل فتح الله عليكم فتوح العارفين ، حين نطالع الآيات التي تتحدث عن النصر في القرآن الكريم تستوقفنا آية يقول الله تعالى فيها : (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وهنا فضيلتكم يتساءل المرء كيف ننصر الله تعالى حتى ينصرنا ؟ وكأن هذه الجملة من الآية (تَنصُرُواْ ٱللَّهَ) تمثل عنواناً لقضية النصر عموماً ، ولأسبابه على وجه الخصوص ، أعني أسباب النصر ، وهذا يدفعنا سيدي للسؤال بقوة : ما الأسباب التي يُستجلب بها نصر الله تعالى للأمة ؟
 

الأسباب التي يُستجلب بها نصر الله تعالى للأمة :


الدكتور راتب :
اسمع الجواب الدقيق : 

(( ابغوني الضُّعَفاءَ  ، فإنما تُرزقون و تُنصَرون بضُعفائِكم . ))

[ الألباني عن أبي الدرداء ]

هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، علمته إن كان جاهلاً ، آويته إن كان مُشرداً ، طببته إن كان مريضاً ، يتفضّل الله علينا بأن ينصرنا على من هو أقوى منا ، هو ضعيف ، جداً ضعيف ، يمكن أن تتجاهله ، وأن تنساه في الدنيا ، أما حينما تهتم به (إنما تُرزقون و تُنصَرون بضُعفائِكم) هو ارتاح ، لدينا طبقة فقيرة جداً ، الراتب لا يكفيها لأسبوع واحد ، الأسعار ترتفع ولديه أولاد ، ماذا يفعل ؟ يسرق ؟! فحينما نضيّق على الناس ترتفع الأسعار ، سيدنا عمر حينما يلتقي بوالٍّ سؤاله الوحيد : كيف الأسعار عندكم ؟ عنده خمسة أولاد ، وبحاجة إلى ثياب ، وإلى طعام ، وإلى شراب ، وإلى بيت ، وإلى غرف ، فأنت عندما ترفع الرواتب ، وتمنع الاحتكار ، المحتكر خاطئ ، والله إذا احتكر إنسان وقع بخطأ مع الله كبير جداً ، أنا لا أفوض أحداً ، لكن الله لديه خبر ، عنده فشل كلوي ، عنده خثرة في الدماغ ، تشمع في الكبد ، عنده كل مرض يهدم أمة . خوفه من الله يمنعه .
المذيع : 
التفكر في الله ، والخوف منه وتقواه هو الأصل ، وكأنك سيدي تقول لنا بأن نصرة الله عز وجل تكون بأن نراعي حقوقه في عباده في كل مجالات الحياة .
الدكتور راتب :
نعم أبداً ، أبداً .
المذيع :
 وأن نسد تلك الثغرات حتى يمنّ الله سبحانه وتعالى علينا ، وحتى يمنّ الله عز وجل علينا بالنصر والتأكيد ، نعم ، أستاذنا الحبيب أيضاً نقرأ في كتاب الله عز وجل آيات كريمات  تقرّر أن نصر الله تعالى قريب ، وأن الغلَبة في نهاية المطاف ستكون لأمة الإسلام ، قال الله تعالى : 

﴿ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ(13) ﴾

[ سورة الصف ]

وقال عز من قائل :

﴿ كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ(21) ﴾

[ سورة المجادلة ]

وكذا أيضاً قال سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ(171) إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ(173) ﴾

[ سورة الصافات ]

وكذا أيضاً قال سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ(51) ﴾

[ سورة غافر ]

وعليه وفي ضوء الواقع المعاش في الأمة اليوم بما لا يخفى على ذي اللب والنظر ، كيف تفسر فضيلتكم عدم تطابق الواقع في الأمة مع وعود الله تعالى لها بالنصر ؟ تفضل سيدي.
 

دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان :


الدكتور راتب :
الحقيقة أن دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان ، في قوله تعالى :

﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46) ﴾

[ سورة يونس ]

يا محمد ، وأنت سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم ، قد لا يُتاح لك أن ترى مصير الظالمين ، لأن دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان ، متى يأتي رمضان بواحد آب ؟ كل ست وثلاثين سنة مرة ، الذي عاش عشرين سنة لا يراه مرة ثانية (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) لذلك دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان ، أنا همي الوحيد أن أموت مؤمناً ، أما أن أنتظر النصر ، قد لا يُتاح لي ، يجب ألا أدخله في حسابي إطلاقاً ، أنا عبد ويوجد آخرة ، ويوجد حساب دقيق ، ويوجد جنة إلى الأبد ، عليّ أن أطيعه ، وأن أموت مسلماً فقط ، أحياناً انتظرنا الفرج اثنتي عشرة سنة ولم نرَ شيئاً أليس كذلك ؟ هذا فعل الله عز وجل ، أنا عليّ أن أطيع الله :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

إن كان هناك طفل في العيد فأعطيته خمسين ديناراً - نحن في الأردن - وعمه أعطاه خمسين ، وخاله خمسين ، صار يملك مئتي دينار ، فقال : أنا معي مبلغ عظيم ، معه حق ، كطفل مبلغ مئتي دينار مبلغ عظيم ، فإذا قال رئيس دولة كبيرة : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً تقدره بمئتي مليار دولار ، كنا بمئتي دينار صرنا بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾

[ سورة النساء ]

أعظم عطاء إلهي أن تعرفه .
المذيع :
سيدي وكأنك تقول لنا فيما ذكرت بأن على المؤمن أن يوقن بالنصر ، وليس له أن يقطع على الله تعالى بميعاد النصر .
 

حاجة الإنسان إلى حاضنة إيمانية :


الدكتور راتب :
أن ينتظره ، لدي حل وسط ، يوجد هناك شيء اسمه حاضنة إيمانية ، أنت إن كنت تعيش مع المؤمنين ، بلقاءاتك ، بنزهاتك ، بسهراتك ، بوجودك مع مؤمنين ، ما دليلك ؟

﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا(28) ﴾

[ سورة الكهف ]

المشكلة ليست بعلاقات العمل ، هذه لا يوجد بها شيء إطلاقاً ، العلاقات الحميمة ، سهرة للساعة الثالثة ليلاً ، وهم كلهم مؤمنون (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ) .
والآية الثانية :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة ]

هذه اسمها : الحاضنة الإيمانية ، نحن بأمس الحاجة إليها ، واضحة تماماً ؟ العمل ليس له علاقة بالموضوع ، علاقات العمل قد يكون المدير العام بلا دين إطلاقاً ، أنا عندي الدوام ، أؤدي واجبي فقط ، أما العلاقة الحميمة نزهة طويلة ، سهرة طويلة مع مؤمنين (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ) ، (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) لا تصاحب إلا مؤمناً كصحبة عميقة .
المذيع :
إذاً إخبار الحق سبحانه وتعالى عن النصر يأتي في إطار التقنينات الإلهية لإيمان المؤمنين من أجل التثبيت لهم ، ومن أجل الربط على قلوبهم ، ومن أجل إعطائهم دفعة إلى الأمام .
 

العبادة طاعة طوعية :


الدكتور راتب :
وأنت حينما تعرف سرّ وجودك ، سرّ وجودك العبادة .
العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

فقط .
المذيع :
سيدي ما تعليقكم على آية التمكين في القرآن الكريم حيث أن الحق سبحانه وتعالى نوّه لنا بمفتاح التمكين للأمة ؟
 

أوامر الله لصالحنا وسلامتنا وسعادتنا :


الدكتور راتب :

﴿ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ(41) ﴾

[ سورة الحج ]

أنا حينما ألغي الدين من حياة الناس ، وإن كنت مُمكَّناً لا خير فيّ إطلاقاً ، منهج خالق الأكوان هكذا ، منهج خالق الأرض والسماء ، تعليمات الصانع ، أنت تأخذ سيارة حديثة يتألق ضوء أحمر في لوحة البيانات يهمك أن تفهم لماذا تألق ؟ إن فهمته فهماً سيئاً أنه تألق تزيينياً احترق المحرك ، ثلاثمئة ألف ، وإن فهمته بتعليمات الصانع تألقاً تحذيرياً توقف المركبة ، وتضيف إليها لتراً من الزيت فقط ، فأنت حينما تتبع تعليمات الصانع تكون أذكى إنسان في الأرض ، لا يوجد  أمرٌ أمر الله به إلا لصالحنا ، لسلامتنا وسعادتنا .
المذيع :
كيف يتجلى ذلك أيضاً فضيلتكم في قوله تعالى :

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55) ﴾

[ سورة النور ]

 

من قصّر في عبادته خسر وعود الله له :


الدكتور راتب :
(وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) المفتاح في آخر كلمة (يَعْبُدُونَنِى) فإذا قصرنا في العبادة خسرنا كل هذه الوعود ، (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ) قانون (كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) هل الدين الإسلامي مُمكَّن ؟ والله يواجه حرباً عالمية ثالثة ، كانت من تحت الطاولة الآن من فوق الطاولة (وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) نحن لسنا آمنين ولا مستخلفين ولا مُمكَّنين ، لأن آخر كلمة لم نطبقها (يَعْبُدُونَنِى) دخل حلال ، طاعة مشروعة أم ممنوعة ؟ هل يوجد كذب في البيع والشراء ؟ طبعاً ، أخطاء البيع والشراء والصناعة بالآلاف ، مادة مسرطنة .
المذيع :
وهكذا عدنا سيدي إلى الحلقة الأولى عندما تحدثنا عن العبادة حين قلت إنها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، إذاً هذا هو مفتاح النصر ، هذا هو مفتاح التمكين ، أن تكون مع الله عز وجل ، أن تعبد الله عز وجل ، أن تتوجه إلى العبادة التعاملية مقترنة مع العبادة الشعائرية ، أن تنصر الله عز وجل بأن ترعى حق الله عز وجل في عباده ، في الضعفاء ، أياً كانت صورة هذا الضعيف ، فقيراً مريضاً ، نعم .
الدكتور راتب :
(إنما تُرزقون و تُنصَرون بضُعفائِكم) .
المذيع :
سيدي اليوم الأمة تنشد استعادة دورها الحضاري في العالم ، والتمكين لها في عمارة الأرض في عزة وإيمان كما كان ذلك في الماضي التليد ، كيف للأمة أن تتنسم عبير ذلك ؟ كيف للأمة أن تبصر طريق ذلك فيما تقرؤونه من آيات الكتاب العظيم ؟
 

طريق الأمة للنصر يكون بالعودة إلى الإيمان الصحيح :


الدكتور راتب :
كلمة دقيقة ولعلها مزعجة ، ما دامت ثقافتنا من الشاشات فقط ، من الشاشة الكبيرة ومن شاشة الآيباد والهاتف ، هذه الشاشات يوجد أبعاد كثيرة وراءها ، إفساد الإنسان المسلم ، طفل صغير معه هاتف صغير قد يرى علاقة جنسية كاملة ، ما الذي يحدث ؟ هذه الشاشات الثلاثة إن لم تُضبط لا أحد يتوب إلى الله ، شاشة البيت ، الآيباد ، الهاتف ، غلبنا بالصور ، لم يفلح معنا بالكلمات ، نحن معنا حق ، غلبنا بالصور ، فإن لم تُضبط هذه الشاشات – والله قلتها ألف مرة- بأي جلسة بأي مكان ثلاث شاشات إن لم تضبط بإخباريات فقط وإسلاميات لا يوجد في البيت توبة من أكبر شخص في البيت إلى أصغره .
المذيع :
وكأنك سيدي تذهب بنا إلى قُبيل انطلاق معركة القادسية حين أرسل سيدنا عمر رضي الله عنه إلى سعد القادسية رضي الله عنه يقول له : احرص على إيمان جندك ، هذه الوصية المختصرة .
الدكتور راتب :
مستحيل ومليار مستحيل أن تطيعه وتخسر ، ومستحيل ومليار مستحيل أن تعصيه وتربح .
المذيع :
سبحان الله وكأنك لخصت لنا هذا اللقاء وهذا الحوار ، أطعه تنتصر ، وإن ابتعدت عنه خسرت وخبت .
الدكتور راتب :
نعم ، أبداً .
المذيع :
أخيراً ، ولا نريد أن نثقل على فضيلتكم آخر ما أود أن أوجه فيه سؤالاً لقلبكم وعقلكم النير ، ما وصيتك لأمة الإسلام في هذه الظروف التي يمر بها الأقصى بعبارات موجزة ، رسائل الدكتور النابلسي ؟
 

وصية الدكتور النابلسي لأمة الإسلام في هذه الظروف التي يمر بها الأقصى :


الدكتور راتب :
  نحن لدينا إسلام فردي وجماعي ، الجماعي فيه صعوبات بالغة ، فيه صعوبات تعجيزية ، العالم كله ضد الإسلام ، شرقه وغربه وشماله وجنوبه ، إلا أنه يوجد لدينا إسلام فردي ، ما هو ؟ أنت حلقة بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي ، بإمكانك أن تصدق أو لا تصدق ، بإمكانك أن تكون صريحاً أو أن تغش البضاعة ، أنت حلقة ، وبيتك حلقة ، يوجد شاشة مفتوحة غلط كبير ، يوجد سهرة مختلطة غلط أكبر ، وعملك بضاعة انتهى مفعولها ، وهناك معمل يغير تاريخ الإنتاج فهذه مشكلة كبيرة جداً ، فلا بد من أن نضبط أمورنا تماماً فإذا تبنا إلى الله توبة نصوحة مستحيل ومليار مستحيل أن نرى شيئاً لا يرضينا :

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة            عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

***

فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
وكأنك تقول للأمة عليكم بسلاح العلم ، عليكم بسلاح الاستقامة ، عليكم بسلاح الطاعة ، عليكم بسلاح العمل الصالح ، عليكم بإيمانكم لا يضركم من كفر ، عليكم بالتوكل على الله عز وجل ، عليكم بمزيد العزيمة ، عليكم بالمسارعة بغية الوصول فأنتم على موعد مع الله تبارك وتعالى ، هو ينتظركم سبحانه وتعالى : (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
فتح الله عليكم فتوح العارفين سيدي الكريم .
لا يسعني في ختام هذا اللقاء الحواري إلا أن أتوجه بجزبل الشكر ، وعظيم العرفان لأستاذنا العلّامة المربي الكبير ، والداعية الإسلامي الشهير : الدكتور محمد راتب النابلسي ، سعدنا بلقائك سيدي حللت أهلاً ، ووطئت سهلاً ، بارك الله فيك على هذه الكلمات النافعات الماتعات ، وفي ميزان حسناتكم إن شاء الله تعالى ، وأنتم أيها الإخوة والأخوات ، والمشاهدون والمشاهدات ، أشكر لكم حسن استماعكم ، وصبركم علينا ، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعناه من أستاذنا الكبير ، وإلى لقاء آخر في حلقة أخرى في سلسلة حلقات ونشاطات رابطتنا العتيدة في نصرة المسجد الأقصى ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور