المذيع :
أهلاً وسهلاً بكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وحفظ لكم بلدكم .
المذيع :
آمين ، اللهم آمين يا رب العالمين ، جزاك الله خيراً ، كيف أصبحتم شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
من الله بخير دائماً ، دائماً وأبداً من الله بخبر ، كل إيجابيات الإنسان من فضل الله وحده ، وكل سلبياته من نفسه ، فنحن بخير من الله دائماً ، والبطولة أن نعرف هذه النعمة ، النعم إذا أُلفت نُسيت ، والنبي الكريم يقول :
(( " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها " ))
فالبطولة أن تراها وهي موجودة ، أما حينما تفتقد فتراها صارخةً .
المذيع :
جميل ! اليوم حلقتنا هو عادة الشيخ يتكلم في مواضيع الروحانيات ، لكن اليوم في موضوع آخر دخلنا في مجال التربية ، علمنا أن عندك كتاباً نشرتموه في عام 2017 : " أولادنا الورقة الرابحة الأولى " .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
التي بقيت في أيدينا .
المذيع :
كيف ذلك ؟
الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله قبل ذلك ؛ الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا غذى الإنسان عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، وجسمه بطعام وشراب أشتري بمال حلال تفوق ، أما إذا اكتفى بواحدة تطرف ، والتطرف نوعان : تطرف تشددي ؛ التكفير والتهجير ، وتطرف الإباحية ، أما منهج الله فهو منهج متوازن ، منهج وسطي ، يجمع بين الدنيا والآخرة ، والحاجات والقيم ، والماضي والحاضر والمستقبل .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
المذيع :
لا إله إلا الله ! فضيلة الشيخ ؛ ما الدافع الذي دفعكم إلى أن تختاروا هذا العنوان أن أولادنا هم الورقة التي في أيدينا ؟
بطولة الإنسان أن يكون ابنه امتداداً له :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أقول كلمة أؤمن بها بكل خلية في جسمي ، وبكل قطرة في دمي : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وحصلت أعلى مرتبة علمية فيها ، ولو جمعت أكبر ثروة مالية في الأرض ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، هذه حقيقة عشتها ، من سنوات عديدة كنت بأمريكا الرفاه يفوق حدّ الخيال ، إن سألته عن ابنه أُغمي عليه ، فالبطولة أن يكون ابنك امتداداً لك ، ولا يوجد إنسان بالأرض يسعد وابنه شقي ، ومعطيات العصر تشير إلى إلغاء الدين من حياة الناس ، هذا الدين منهج خالق الأكوان ، الله عز وجل قال :
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾
الله خبير بسلامتنا وسعادتنا .
أنت راكب سيارتك ، وجدت : ممنوع المرور حقل ألغام ، هل تتوهم أن هذه اللوحة حد لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ هذا هو الدين ، كل حقائق الدين ، كل أوامر الدين ، كل نواهي الدين لمصلحة الإنسان .
عفواً الشهوة ، ما هي الشهوة ؟ كصفيحة البنزين ، سائل متفجر ، إذا وضعت هذه الصفيحة في المستودع المحكم في السيارة ، وسال هذا البنزين بالأنابيب المحكمة ، وانفجر في البستونات بالمحرك ، ولّد حركة نافعة أقلتك إلى مكان جميل في العيد ، الصفيحة نفسها صبها على المركبة ، أعطها شرارة تحرق المركبة ومن فيها .
فالشهوات قوة حيادية ، إن استُعملت وفق منهج الله كانت قوة دافعة إلى الأمام دائماً ، أما إذا أسيء استخدامها فهي قوة مدمرة ، وما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات .
المذيع :
سبحان الله ! شيخنا ؛ يحتاج المجتمع إلى قادة في المستقبل ، وإعداد هؤلاء القادة يكون من خلال تربيتهم تربية صحيحة ، والكل عنده هذا الهاجس ، الآباء والأمهات كيف يربون أبناءهم التربية السليمة التي تجعلهم قادة للأمم ؟
الشباب أمل الأمة ومستقبلها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ الشباب قوة الأمة ، الشباب أمل الأمة ، الشباب مستقبل الأمة ، فما لم نهتم بشبابنا بموضوعين أساسين تأمين فرصة عمل ، وتأمين دخل معقول ، ما لم نهتم بشبابنا انقلب السحر على الساحر ، أصبحوا أداة فوضى ، أداة مقلقة للأمة كلها ، فالشباب أمل الأمة ، مستقبل الأمة ، قوة الأمة .
للتقريب : الشاب كالمحرك في السيارة ، قوة دافعة ، والعلماء الربانيون الذين أرادوا وجه الله هؤلاء هم المقود ، والمنهج الذي ينبغي أن تسير عليه المركبة هو الشريعة الغراء ، فالأمة تتقدم بقوة شبابها ، وتوجيه علمائها الربانيين على منهج الله العظيم ، وغير ذلك لا يوجد تقدم .
المذيع :
سبحان الله ! كيف نجعلهم ورقة رابحة في المستقبل ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
انظر سيدي ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أي لو أنت ألقيت على ابنك مئات المحاضرات عن خطورة السرعة الزائدة في قيادة المركبة ، أن يرى حادثاً مؤلماً ، أربعة قتلى ، والدماء تسيل ، أبلغ من كل محاضراتك .
فالحقيقة أنا عندما أضع أمام الشاب نتائج التدخين مثلاً ، النتائج ، الوعظ ولّى وقته مع أن الوعظ كلمة قرآنية .
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) ﴾
أما الوعظ الآن بحياتنا المعاصرة فهو بعيد عن القبول ، يقول لك : بلا وعظ ، أما البطولة فالنصيحة بدل الوعظ ، الدين ضغطه النبي كله بكلمة واحدة .
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : الدِّينُ النصيحة ، قالوا : لمن يا رسولَ الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولأئمة المسلمينَ ، والمسلمُ أخو المسلمِ ، لا يَخْذُلُهُ ، ولا يَكْذِبهُ ، ولا يَظْلِمُهُ ، وَإِنَّ أحدَكُم مرآةُ أخيهِ ، فَإِنْ رَأى بهِ أذى فَليُمِطْهُ عنه . ))
الدِّينُ ، ضغطه النبي كله بكلمة واحدة : الدِّينُ النصيحة ، فالنصيحة جوهر الدين ، لذلك لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وحصّلت أعلى مرتبة علمية فيها ، لو جمعت أكبر ثروة مالية في الأرض ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، وهذه حقيقة مرة .
سافرت لمعظم بلاد العالم تقريباً تجد بلاداً فيها رفاه يفوق حدّ الخيال ، اسأله عن ابنه يُغمى عليه .
كنت مرة في أستراليا ، ودعني رئيس الجالية وهو إنسان مثقف ثقافة عالية جداً ، قال لي : بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، أستراليا جنة سيدي ، قارة صغيرة يوجد فيها ثمانية عشر مليوناً فقط ، عمر التربة عندنا حوالي ألفي سنة ، عمر التربة هناك تقدر بمئتي سنة فقط ، الفواكه أنواع منوعة ، قال لي : بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، والله أنا أردت أن أستزيد منه ، قلت له : لم أفهم عليك ! أستراليا جميلة جداً ؟! قال لي : ابنك خمسون بالمئة ملحد ، والخمسون الثانية ليته كان منحرفاً أخلاقياً ؛ إنه شاذ ، وإن لم تصدقني فاسأل من حولي ، فنحن في نِعَم كثيرة .
المذيع :
لم نحدد أستراليا ، طبعاً بلاد الغرب .
حاجات الإنسان الأساسية والتفصيلية والثانوية محققة في منهج الله القويم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
البلاد غير الملتزمة ، فنحن سيدي بحاجة ماسة إلى إحياء هذا الدين العظيم ، إلى إحياء تعليمات الصانع ، إلى إحياء المنهج القويم ، الصراط المستقيم ، ما من شهوة أُودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان يا سيدي ، لكن يوجد ترشيد ، ترشيد الشهوات ، الشهوات ما أودعت في الإنسان إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، بلا شهوات لا يوجد حركة أساساً ، الإنسان عنده ثلاث حاجات ، عنده حاجة إلى الطعام والشراب ، يسعى لعمل يكسب به رزقه ، والأنبياء كانوا يأكلون الطعام ، إذاً تأكيداً لبشريتهم هم مفتقرون إلى تناول الطعام ، وتأكيداً لضعفهم هم مفتقرون إلى ثمن الطعام ، كانوا :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) ﴾
فهذه الحاجة الأساسية ، بعدما كبر هذا الشاب صار بالخامسة والعشرين ، وله عمل ، وله دخل معقول ، والده أمّن له بيتاً ، هو بحاجة للزواج ، الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، أما الحاجة إلى الزواج فهي للحفاظ على بقاء النوع ، أكل وشرب ، وتزوج وأنجب ، عنده حاجة ثالثة ، الحاجة الثالثة حاجته إلى التفوق ، يحب أن يكون الطبيب الأول ، المحامي الأول ، المهندس الأول ، الداعية الأول ، الحاجة للتفوق لبقاء الذكر ، فأنت بين تناول الطعام والشراب لبقاء الفرد ، وبين أن تبحث عن زوجة صالحة ، بالمناسبة ؛ تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها ، حفاظاً على بقاء النوع ، والحاجة الثالثة حفاظاً على بقاء الذكر أن تكون متفوقاً ، حاجات الإنسان الأساسية والتفصيلية والثانوية محققة مئة بالمئة في منهج الله القويم والصراط المستقيم .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
أهل النار ماذا يقولون ؟
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾
أزمة علم فقط ، كلام رب العالمين
﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
المذيع :
الشيخ دكتور محمد راتب النابلسي ؛ نحن تربينا ، أي معظمنا من تربى على الخير ، وعلى الدين ، وعلى الصلاح ، من آباء أميين لا يعرفون وسائل الحديثة للتربية ، الآن هل الوضع اختلف ؟ هل تعتقد الآن أن وسائل التربية ينبغي أن تتضاعف في عصرنا أم نتعلم وسائل جديدة على أساس نحن عندنا تحديات كثيرة الآن تواجه أبناءنا ؟
من يستقم على أمر الله يقطف ثمار الدين كلها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لي تعليق دقيق : إنسان أُمي لا يقرأ ولا يكتب ، جاء فصل الصيف والحر لا يحتمل فاشترى مكيفاً ، حينما اشترى المكيف ، قال له الذي باعه المكيف : حينما تريد استعماله اضغط على هذا الزر ، ON ، اضغط هنا تجد هواء بارداً ، وحقق المكيف كل أهدافه ، فهو لا يفقه شيئاً عن التكييف ، ولا كلمة .
هذه العبادة سيدي ، العابد ناجح ، قال له الشيخ : لا تكذب ، ما كذب ، لا تغش ، ما غش ، فعندما استقام على أمر الله قطف كل ثمار الدين ، هذا هو العابد ، أما العالم فينقل الحقيقة للآخرين .
إنسان نزل بمظلة ، قد يجهل عدد حبالها ، ويجهل شكلها ، هل هو بيضوي ؟ مستطيل ؟ مربع ؟ دائري ؟ لا يعلم ، يجهل نوع الخيوط ، تيترون أم خيط طبيعي ؟ لا يعلم ، قد يجهل خمسين معلومة في المظلة ، إلا معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً ، طريقة فتحها .
هذا سماه العلماء في الدين : ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، أركان الإيمان وأركان الإسلام ، فإذا حقق الإنسان هذه الكليات سلم وسعد في الدنيا والآخرة .
المذيع :
جزاك الله خيراً ، نريد أيضاً أن ندخل بالوسائل ، الوسائل اليوم كما تفضلتم جاءت سبحان الله لإضلال هذا الشاب ، هذه الأجهزة ، أو هذه الأدوات هي ليست مساعدة ، يفترض أن تكون مساعدة ، لكنها الآن تدعوه إلى ....؟
ارتباط صلاح الأسرة بضبط الأجهزة فيها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا سأقول كلمة للتاريخ والله : هذه الأجهزة الحديثة ، الشاشات ، شاشة البيت ، وشاشة الآيباد ، وشاشة الهاتف ، إن لم تضبط لا أمل في صلاح الأسرة ، إن لم تضبط لأن هذا شيئاً دقيقاً جداً ، هذه تولد غرائز جامحة ، وهذه الغرائز لا تلبَّ لأمد طويل ، بين شاب بالثامنة عشرة وبين زواجه بعد عشرين سنة قادمة ، فإذا رأى هذه المناظر المثيرة انحرف ، ما لم تضبط الشاشة والآيباد والهاتف والإعلام يوجد صعوبة كبيرة جداً في صلاح هذه الأمة ، الضبط هو الدين ، ما من شهوة أُودعت في الإنسان - كلامي دقيق - إلا وجعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
أي الشهوة مثل البنزين تماماً إذا وضع في المستودع المحكم بالمركبة ، وسال هذا البنزين بالأنابيب المحكمة ، وانفجر في المحرك في البستونات ، في الوقت المناسب والمكان المناسب ولّد حركة نافعة ، تقلك في العيد إلى مكان جميل ، صفيحة البنزين نفسها هي الشهوات لو صبت على المركبة ، وأصابتها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، فالشهوات إما قوى دافعة أو قوى مدمرة ، ولولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات .
المذيع :
الوسائل هذه شيخنا ، الآن نحن بحيرة مع أبنائنا ، نحن نتكلم بصراحة لا نعرف كيف ؟
الدين ليس قيداً للحرية ولكنه دافع للسلامة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
النبي قال : اشتقت لأحبابي ، فقالوا : أولسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان ، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر ، أجرهم كأجر سبعين ، قال : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون .
هذه بشارة سيدي ، بشارة للشباب في آخر الزمان .
مرة ثانية أقول : لو أن لوحة وضعت على الطريق ، وكتب عليها : ممنوع المرور حقل ألغام ، بربك هل تعد هذه اللوحة حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ هذا الفرق سيدي ، أنا حينما أفهم النواهي كلها ليست حداً لحريتي بل ضماناً لسلامتي ، لكن الآخر يريد أن يقنعني أن الدين قيود ، لا حدود ، الدين ليس قيداً لي ، بل دافعاً لسلامتي .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ مسألة القدوة اليوم ، الشباب قد يسمعون هنا وهناك لكن يريد القدوة ، أثر القدوة في التربية دكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا لي رأي لعله غير مقبول ؛ الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، بمعنى لو أن الأب ألقى على ابنه مئات المحاضرات في الضبط ، ضبط الأمور ، وفاجأ الابن أباه بشاشة غير منضبطة ، أُلغيت كل هذه المحاضرات ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، لذلك قيل :
(( عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا ، واعتمروا ، واستقيموا يستقم بكم ))
فالقدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أب لم يتكلم كلمة غير مقبولة ، ما رئي بوضع لا يرضي الله ، ما رئي على شاشة لا ترضي الله ، هذا الأب استقامته وحدها دعوة ،
(( واستقيموا يستقم بكم ))
فالقدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ الكلام جميل في هذا الباب ! دور الوالدين فضيلة الشيخ ، هناك من الآباء من انشغل في دائرة الرزق والسعي خلف ضروريات الحياة ، أي الوظيفة ، والتجارة ، والأم كذلك انشغلت بالوظيفة ، وبأمور أخرى .
بطولة الإنسان أن يعطي كل ذي حقّ حقه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه الأعذار كلها غير مقبولة ، البطولة أن تعطي كل ذي حق حقه ، عملك حق ، بيتك حق ، زوجتك حق ، أولادك حق ، التفسح حق أيضاً ، أعطِ كل ذي حقّ حقه ، هذه اسمها : إدارة الذات ، عندنا اختصاص مهم جداً ؛ إدارة الأعمال ، عندنا إدارة الذات ، كيف توزع وقتك بين برك لوالديك ، وبين عنايتك بزوجتك ، وبين تربية أولادك ، وبين تحصيل رزقك ، لا بد من التنظيم ، لا يوجد عندنا مقبول بالدين ، أن تلغي حق الأم لحق الزوجة ، ولا يلغى حق الزوجة لحق الأم ، ويلغى حق الأبوين لحق الأبناء ، أن تعطي كل ذي حق حقه ، والإنسان بإدارة واعية ومدروسة ومخطط لها ، إن لم تخطط يخطط لك ، وإن لم تكن رقما صعباً في خطة الآخر تكن رقماً تافهاً .
المذيع :
التربية تبدأ من بداية اختيار الزوجة ، أن تختار امرأة وزوجة تكون مربية صالحة لأبنائها .
الفرق بين النجاح والفلاح :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أروع كلمة تقال في هذا اللقاء : اختيار الأم أول مراحل تربية الأولاد ، امرأة تعرف الله ، تعرف واجباتها ، تعرف قيمة الأولاد ، تعرف قيمة النجاح في البيت ، يوجد نجاح في البيت ، ونجاح في العمل ، أما النجاحات إذا تعددت انقلبت إلى فلاح ، ولم ترد في القرآن كلمة نجاح إطلاقاً ، قد تنجح في جمع المال ، بيل غيتس يملك تسعين ملياراً ، أبل سبعمئة مليار ، هذا نجاح أما الفلاح فشيء آخر ، لم يرد في القرآن كلمة نجاح إطلاقاً ، الفلاح ، الفلاح أن تعرف الله ، خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، كاملاً ، منهجه قويم ، صراطه مستقيم ، أن تعرف الله .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء " .
أن تملك حرفةً تعيش منها ، أن تكون يدك العليا لا السفلى ، أن تختار زوجةً صالحةً كما يقال تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها ، فالنجاح هو نجاح مع الله طاعة ، ونجاح في الأسرة ضبطاً ، وتألقاً ، ونجاح في المستقبل ، فدائماً فقه المآل مهم جداً ، الإنسان يتقدم في السن يا ترى نشاطه الدعوي كبير ؟
كان عندنا عالم بالشام كبير اسمه : الشيخ بدر الدين الحسني ، بلغ الثامنة والتسعين ، كان إذا رأى شاباً يقول له : يا بني أنت كنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدك تلميذي ، علم 88 سنة ، كنت أنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدك تلميذي ، هو كان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، إذا سُئل : يا سيدي ! ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
المذيع :
الآن التربية متى تبدأ ؟ بعضهم إلى الآن يقول : ابني صغير ، حتى السادسة عشرة سنة ، الثامنة عشرة سنة يقول : صغير ، فأنت متى تبدأ تعطي وتغرس في هذا الطفل ؟
الاهتمام بالشباب لأنهم قوة الأمة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا معي دكتوراه في التربية ، تبدأ تربية الطفل من يوم الولادة ، كيف ؟ سألنا الأستاذ : كيف ؟ الأستاذ عالم نفس كبير قال : بكى ترضعه أمه ، بكى تنظفه ، أرضعته ونظفته فإذا بكى ينبغي ألا تحمله .
لذلك قالوا : لاعب ولدك سبعاً ، مقولة رائعة ، أي الطفل الصغير لا يعاقب أبداً ، لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، معه قلم باركر ، من أين هذا القلم ؟ أدبه ، ابحث ، اذهب إلى المدرسة ، وراقبه سبعاً ، صار مراهقاً ، لاعبه سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اتخذه صديقاً ، لأن هذا الابن وهذه المراهقة سيدي مصطلح صُدر إلينا ، لنغض الطرف عن كل أخطاء الشباب ، الشباب أمل الأمة ، الشباب قوة الأمة ، الشاب مستقبل الأمة ، الشباب المحرك بالسيارة ، ما لم نهتم بهؤلاء الشباب ، الشاب ما هو طموحه ؟ فرصة عمل ، وزوجة ، ومسكن ، هذا مقدور عليه بالمجتمعات المعاصرة ، يوجد سكن شبابي ، جمعيات خيرية للزواج تعطيك زوجة صالحة ، فما لم نهتم بالشباب ليس لنا مستقبل ، الشباب مستقبل الأمة ، الشباب قوة الأمة ، الشباب أمل الأمة .
لي هنا مصطلح دقيق ، ما هو ؟ قد يكون الإنسان شاباً بالثامنة والتسعين ، وقد يكون خرِفاً بالخامسة والأربعين ، ما دام له هدف أكبر منه وهو الله فهو شاب دائماً ، ما دام له هدف أكبر منه بكثير وهو معرفة الله فهو شاب دائماً ، وإذا كان هدفه فقط المسكن ، والزوجة ، وفرصة العمل فقط ، فهذا شيخ بالمعنى السلبي ، وقد يكون في الأربعين ، فالشباب بالمعنى الإيماني ما دام لك هدف أكبر منك فأنت شاب دائماً .
المذيع :
نريد أن نغرس في أبنائنا الدين ، أساسيات الدين ، يصلي ، يعرف الحلال والحرام ، هذه الأمور هل نعتمد على المدرسة كي تعلمه إياها ونحن لا نعلمه نترك ذلك للمدرسة ؟
البطولة والتفوق باتباع تعليمات الصانع :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
المدرسة لا تلغي الأب ، والأب لا يلغي المدرسة ، والأب ، والأم ، والمدرسة لا تلغي المستقبل ، الإنسان أعقد مخلوق في الكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع عظيم ، وهذا الصانع العظيم هو الله ، الصانع العظيم أرسل لك عن طريق الأنبياء تعليمات التشغيل والصيانة للآلة المعقدة فأنت ما لم تتبع تعليمات الصانع لن تنجح في الحياة .
مثلاً ؛ اقتنيت مركبة غالية جداً ، أحدث مركبة ، تألق في لوحة البيانات ضوء أحمر ، إن فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، وسوف تدفع مئة ألف لتجديد المحرك ، أما إن فهمته بحسب تعليمات الصانع ضوءاً تحذيرياً ، أوقفت المركبة ، وأضفت الزيت سلم المحرك بمبلغ يسير .
فالإنسان إن كان يحب ذاته محبة تفوق حدّ الخيال ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، والحقيقة الدقيقة :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
الإنسان يحب ذاته ، يوجد ثمانية مليار إنسان الآن هل فيهم واحد يتمنى الفقر ؟ ولا واحد ، هل فيهم واحد يتمنى القهر ؟ ولا واحد ، هل فيهم واحد يتمنى المرضى ؟ ولا واحد ، هل فيهم واحد يتمنى ألا يكون بيته واسعاً وزوجته صالحة وأولاده أبراراً ؟ كلنا نتمنى ذلك .
إذاً يوجد نقطة دقيقة : تعليمات الخالق في كتاب الله ، فالبطولة والنجاح والفلاح والفوز والتفوق باتباع تعليمات الصانع ، اتباع تعليمات الشرع الحكيم ، ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان بالدين ، يوجد توظيف حكيم ، وصراط مستقيم .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ لو انتقلنا إلى أثر الصديق .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله معي كلام كنت أتمنى ألا أقوله ، الأب ، والأم ، والخال ، والعم ، وشيخ الجامع ، وأستاذ الديانة ، كلهم تأثيرهم حوالي أربعين بالمئة ، وصديق السوء يكون تأثيره ستين بالمئة ، فيجب أن تعرف أيها الأب من هو صديق ابنك ، ويجب أن تعرفي أيتها الأم من هي صديقة ابنتك ، فإذا أهملنا هذا الجانب انتهت التربية ، الأب مرة ثانية ، والأم ، والعم ، والخال ، وشيخ الجامع ، وأستاذ الديانة ، وكل الجهات التوجيهية بحياة الطفل مجتمعة تأثيرها يكون أربعين بالمئة ، وصديق السوء يكون تأثيره ستين بالمئة ، فينبغي على كل أم أن تعلم يقيناً من هي صديقة ابنتها ، وينبغي على كل أب أن يعلم يقيناً من هو صديق ابنه .
المذيع :
الآن يوجد مشكلة شيخنا في توزيع الأدوار بين الأب والأم ، بعض الآباء يقول : نحن نوكل الزوجة بكل مهام التربية ، وأنا عليّ أن أؤمن النقود ، وأعمل ، وهكذا ، لو وزعنا الأدوار ما دور الأم وما دور الأب في تربية الأولاد شيخنا ؟
الآيات هي القنوات الوحيدة والفريدة السالكة لمعرفة الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ الأب له دور أساسي ، والأم لها دور آخر .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) ﴾
من الآيات الدالة على عظمة الله . قبل :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾
معنى ذلك أن الآيات هي القنوات الوحيدة والفريدة السالكة لمعرفة الله ، الآيات ثلاثة أنواع : آيات كونية ، وآيات تكوينية ، وآيات قرآنية ، الكونية تفكر ، الدليل :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
ومضة سريعة ؛ الأرض تدور حول الشمس دورة كل عام بمسار إهليلجي ، بيضوي ، هي الآن هنا بالقطر الأطول - معنى إهليلجي أو بيضوي أي له قطران ، أقصر وأطول - اتجهت الأرض نحو القطر الأصغر ، المسافة قلت ، لابد من أن تنجذب إلى الشمس قطعاً بقانون الجاذبية ، بالكتلة والمسافة ، فإذا انجذبت تبخرت في ثانية واحدة ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَ ا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) ﴾
أن تنحرف .
المذيع :
يوجد قوة جذب .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إلى هنا ، الآن اتجهت نحو القطر الأطول المسافة زادت ، الجاذبية ضعفت ، فلابد من أن تتفلت من الشمس ، وإذا تفلتت جاذبية الشمس الحرارة 260 تحت الصفر ، تنتهي الحياة بانجذابها إلى الشمس ، وتفلتها من الشمس ، هنا تخفض الأرض سرعتها لينشأ من خفض السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
هذه آية كونية .
الثانية : الأرض أثناء دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً .
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) ﴾
وردت بالقرآن ، الأبراج أي مجموعة نجوم بالمليارات ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، كنت في بلد كبير ، ودخلت إلى متحف الفلكي فرأيت بأم عيني هذا البرج ، موصول بين النجوم بخطوط كالعقرب تماماً ، فيه نجم صغير أحمر اللون ، متألق ، اسمه قلب العقرب ، الآن دققوا ؛ يتسع هذا النجم الصغير للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، ونجم قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنــا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــــة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنــــــــــــا
ولــــــــو لاح من أنوارنا لك لائـــــح تركت جميع الكائنات لأجلنــــــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر ما في الحب بالصب قتلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــا
المذيع :
طبعاً هناك مسؤولية كبيرة شيخنا في تربية الأبناء ، الأب والأم كلاهما مسؤولان ، وسيحاسبان في مسيرتهما التربوية .
تضييع الأولاد أخطر شيء في هذا العصر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد آية قرآنية :
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) ﴾
أخطر شيء في هذا العصر تضييع الأولاد ، يوجد شيء اسمه : إدارة الوقت ، كما أن هناك فرعاً مهماً جداً في الجامعة اسمه : إدارة الأعمال يوجد شيء اسمه : إدارة الوقت ، الله ماذا قال ؟ أقسم بالوقت ، لأن الإنسان زمن ، أدق تعريف جامع ، مانع ، رائع للإنسان هو : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولأن الإنسان زمن .
انظر سيدي ؛ هذه قارورة ، لها وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، أما إذا تحركت فصار هناك بعد رابع ، الزمن هو البعد الرابع للأشياء ، الآن لأن الإنسان زمن ، وتعريفه الجامع المانع الرائع : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
واو القسم ، جواب القسم مخيف ،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
أي مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان ، حتى اسمه الجديد : البعد الرابع للأشياء ، السيارة معروفة ؛ طول ، عرض ، وزن ، ارتفاع ، بعد خمس سنوات لونها اختلف قليلاً ، العجلات أصبحت بوضع آخر ، فالزمن البعد الرابع للأشياء ، ولأن الإنسان زمن ، بضعة أيام كقول الحسن البصري ، أقسم الله له بمطلق الزمن ، وهو العصر ، قال :
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
واو القسم ، جواب القسم :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
أي يا أيها الإنسان مضي الزمن وحده يستهلكك ، فأنت كائن مستهلك ، إِلَّا ، العظمة فيما بعد
﴿ إِلَّا ﴾
سماها الإمام الشافعي أركان النجاة :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ . ﴾
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
بحث عن ربه بحثاً حقيقياً ، من الذي خلقني ؟ ولماذا خلقني ؟ وما علة وجودي في الدنيا ؟ وماذا بعد الموت ؟ ما البرزخ ؟ حقائق الدين مهمة جداً ينبغي أن نتعلمها ، وأن نعلمها ، لذلك النبي الكريم ضغط بعثته كلها بكلمة واحد قال :
(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ، ويسألون ربهم ، فإن شاء أعطاهم ، وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً ))
[ أخرجه الحارث في مسنده وأبو داود الطيالسي ]
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
[ أخرجه البزار في مسنده والإمام أحمد ]
من عرف سرّ وجوده وغاية وجوده أتقن عمله :
هذا الإنسان إذا عرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، وطلب العلم ، طلب العلم عرف أن الزوجة لها حق ، وهناك أب له حق ، وأم لها حق .
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) ﴾
الواو حرف عطف بالنحو ، أما بالبلاغة فحرف تماثل ، الله رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته ،
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
فهو علاقته مع أمه وأبيه علاقة بر ، مع زوجته علاقة وفاء ، مع أولاده علاقة تربية ، بعمله علاقة إتقان .
النبي الكريم توفي صحابي ، دُفن ، بقي في القبر فرجة صغيرة ، فقال النبي : هذه لا تؤذي الميت لكنها تؤذي الحي .
(( عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ))
معنى هذا أن إتقان العمل جزء من الدين ، فالدين منهج تفصيلي .
سيدي الكريم ؛ النقطة الدقيقة عندنا عبادات شعائرية ؛ صلاة ، صوم، حج ، زكاة ، شهادة ، هذه عبادات شعائرية ، تدخل إلى المسجد فالخطيب يسمعك تعليمات الصانع في المسجد افعل ولا تفعل ، تعود ثانية تصلي فتقطف ثمار الاتصال بالله ، أما الدين أين ؟ ببيتك ، باختيار زوجتك ، بتربية أولادك ، بخروج بناتك ، باختيار حرفتك ، يوجد حرفة لا ترضي الله ، باختيار علاقاتك ، بتمضية وقت فراغك ، بتمضية الصيف ، فالمنهج الإلهي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام منهج تفصيلي ، أما أن أفهمه فقط صلاة ، وصوماً ، وحجاً ، وزكاة وحدها .
(( " يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل : يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها " ))
هذه الصلاة .
الصوم :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ]
انتهى الصوم ، الحج :
(( " من حج بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك " . ))
بقي الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾
بقي الشهادة :
(( " من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله " . ))
بقي العبادات الشعائرية هي مناسبة لتلقي تعليمات الصانع أولاً ، ولتلقي الثمن ، أما الدين فهو في بيتك ، في اختيار زوجتك ، في تربية أولادك ، في اختيار حرفتك ، في اختيار التعامل مع زبائنك ، فالدين منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع :
فضيلة الشيخ ، زرناكم في مسجدكم العامر في سوريا أنا ومجموعة من الطلاب من قبل .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أهلاً ، وسهلاً ، ومرحباً .
المذيع :
ولقد أكرمتنا أي كرم ! وأهديتنا مجموعة من السيديات يومها لمحاضراتكم ، جزاك الله عنا كل خير ، أحد الطلاب الذي كانوا معنا سأل فضيلتكم سؤالاً : إذا كان عندي صاحب سوء ماذا أفعل معه ؟ فأعطيتهم درساً ، وأنا الآن أذكرك به ، فقلت له : يا بني ! تعرف لعبة شد الحبل ؟ فقال : نعم ، قلت له : إذا كنت أنت تشد الحبل ، وهذا صاحبك يقرب فواصل ، أما إذا شد الحبل وبدأ هو يجرك فاترك الحبل .
حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا جلست جلسة مع أصدقاء ، سهرة ، أمسية ، رحلة ، أي تجمع بشري ، هؤلاء الذين حولك إن استطاعوا أن يزهدوك بالصلاة فابتعد عنهم ، أما أذا أقنعتهم بالصلاة فابقَ معهم ، لعبة شد الحبل .
الآن شيء ثان : الحركة ، أنا ضد الحركة الشاقولية ، المائلة .
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا ، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا ، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما . ))
أنا أكره الحركة العامودية ، مقاطعة فجائية ، لكن أنت هذه الجلسة لم ترتح لها ، كنت تذهب كل أسبوع ، ثم أصبحت تذهب كل أسبوعين ، ثم كل شهر ، اعتذرت أنا عندي سفرة مثلاً ، انتهى الأمر ، فالصاحب ساحب سيدي ، ولعبة شد الحبل مهمة جداً ، أي مجتمع ، أي سهرة ، أي لقاء ، أي أمسية ، أي نشاط ، أي نزهة ، إذا شدوك إليهم ، إلى تفلتهم أحياناً ، أو إلى إهمال صلاتهم ، أو إلى إطلاق بصرهم ، أو إلى فتح الشاشات غير المنضبطة انسحب منهم بحكمة وذوق عال ، أما إذا أقنعتهم أن يصلوا الصلاة بأوقاتها ، ويضبطوا الشاشة ، ويغضوا البصر فابقَ معهم ، ابقَ معهم وانسحب منهم بحسب موقفهم منك ، هذه لعبة شد الحبل .
المذيع :
نريد أن ننهي هذا اللقاء الجميل شيخنا ببعض الرسائل في شأن تربية الأولاد ماذا تقول للآباء وللأمهات ؟
رسائل في شأن تربية الأولاد :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
انظر يا سيدي أنا أقول : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وبلغت أعلى مرتبة اجتماعية في بني جنسك ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .
﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) ﴾
لماذا لم يقل : فتشقيا ؟ لأن شقاء الابن شقاء الأب حكماً ،
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
شقاء الطرف الآخر شقاء الأول ، أنا لا أصدق إنساناً يسعد بحياته وابنه شقي .
المذيع :
ماذا تقول فضيلة الشيخ للأم ؟ رسالة الآن من الرسائل العاجلة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحقيقة الأم مدرسة ، الأم كل أعمال ابنها في صحيفتها ، نقطة مهمة ، دقق سيدي :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾
ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، أعلى تجارة 15 بالمئة ، وأعلى صناعة 25 بالمئة ، أما أعلى هداية فهي مليار بالمئة ، أي أكبر تجارة مع الله أن يكون الابن محط نظر ، واهتمام ، ودعوة ، ومراقبة ، فلذلك الأم لها أجر لا يعلمه إلا الله ، الله رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته قال :
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ ﴾
الواو هنا حرف عطف نحوياً ، بلاغياً حرف تماثل ، أنت لا تقل : اشتريت مزرعة وملعقة ، بل مزرعة وبيتاً ،
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
رفع بر الوالدين لمستوى العبادة .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المعلم شريك في التربية ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أكبر وسام شرف للمعلم ، وإنما بعثت معلماً ، أكبر شرف ، وإنما بعثت معلماً ، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .