- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
البشر في القرآن الكريم أقسام ثلاث :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية التسعين وهي قوله تعالى:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(90)﴾
أيها الإخوة الكرام، لا زالت الآيات تتحدث عن المنافقين، وكما تعلمون البشر في القرآن أقسام ثلاث، مؤمنون عرفوا الله، فانضبطوا بمنهجه، وأحسنوا إلى خلقه فسلموا، وسعدوا في الدنيا والآخرة، وكفار غفلوا عن الله، وتفلتوا من منهجه، وأساؤوا إلى خلقه، فشقوا وهلكوا في الدنيا والآخرة.
بينما هناك فريق ثالث أظهر الإيمان وأبطن الكفر، ادَّعى أنه مؤمن، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14)﴾
المنافق إنسان خطير جداً :
هذا الفريق الثالث المنافق خطير جداً، لأنه بتصوره يحقق مكسبين، هو حينما يكون مع المؤمنين حصل على مكتسباتهم، وحينما تفلت من منهج الله قلد الذين كفروا وغفلوا عن الله -عز وجل-، لذلك في آيات كثيرة يبين الله عز وجل أن المنافقين:
﴿
فالله -عز وجل- يقول:
الله عز وجل يعلم السرّ و أخفى :
النقطة الدقيقة علاقة الإنسان بالله، والله -عز وجل-:
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
يعلم ما تسره، ويعلم أيضاً ما خفي عنك أنت، لذلك قال سيدنا علي -كرّم الله وجهه- عن الله -عز وجل-:
لو أن إنساناً دخله محدود، لو أن دخله أصبح رقماً فلكياً، هل يعلم هو ماذا سيفعل؟ هل يبقى مستقيماً؟ هل يتفلت؟ هل ينفق هذا المال على ملذاته أم على أعمال الخير؟ هذا الذي لم يكن الله وحده يعلم ما سيكون، بل يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
لذلك حينما يوقن الإنسان أن الله يعلم، وأن الله بيده كل شيء، الله -عز وجل- يقول:
﴿
كأن الله -سبحانه وتعالى- خلق هذا الكون، الكون فيه آلاف مليارات المجرات، وفي كل مجرة آلاف مليارات الكواكب والنجوم، هذا الكون العملاق الذي لا حدود له في منطق العلم الحديث، هذا الكون بكل ما فيه يسبح الله -عز وجل-، والله -عز وجل- خلق الخلق والأمر إليه.
الإنسان انطلاقاً من حرصه على ذاته وسلامته وسعادته يطيع الله عز وجل :
أنت أيها الإنسان حينما تعتقد يقيناً أنك أعقد آلة في الكون، وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، وأن لهذه الآلة بالغة التعقيد - أي الإنسان- صانع حكيم، وهذا الصانع الحكيم له تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على ذاتك، من حرصك على سلامتك، من حرصك على مستقبلك، تطيع الله -عز وجل-، لأن العلاقة بين الأمر الإلهي وبين نتائجه علاقة علمية، ما الفرق بين العلاقة العلمية والعلاقة الوضعية؟ أحياناً يكون للبيت مدخلان، يعطي الأب أمراً أن هذا المدخل ممنوع أن تستخدموه، مسموح لكم بالثاني، فإذا أراد أحد الأولاد أن يعصي أباه فدخل في المدخل الذي مُنع عليهم، يُعاقَب، لكن لا يوجد علاقة بين العقاب وبين الدخول من هذا الباب، العلاقة وضعها الأب نقول: العلاقة بين الأمر والعقاب، أو النهي والعقاب، علاقة وضعية وضعها الأب، أما لو أن إنساناً وضع يده على مدفأة مشتعلة فاحترقت نقول: هناك علاقة علمية بين الوضع وبين الاحتراق.
فهناك علاقة بين الأمر والنتيجة، هذه العلاقة إما أنها حقيقية علمية، أو أنها وضعية، في الأعم الأغلب كل أوامر القرآن الكريم العلاقة بينها وبين نتائجها علاقة علمية، وكل النواهي التي نهى الله عنها العلاقة بينها وبين النتائج علاقة علمية، معنى ذلك أن كل أمرٍ فيه بذور نتائجه، وأن كل نهيٍ فيه بذور نتائجه، هذا شيء مريح جداً، ديننا ليس دين طقوس، ما الفرق بين الطقوس والأديان السماوية؟ الفرق كبير جداً، الطقوس حركات، وسكنات، وإيماءات، وتمتمات لا معنى لها، لكنها جُعلت مقدسة وهماً، أما الدين فالأمر والنهي بينه وبين النتيجة علاقة علمية، ما من أمرٍ أمرك الله به إلا وتقطف ثماره في الدنيا قبل الآخرة، والإنسان إذا فكر ملياً وعرف أن هذه التعليمات في القرآن والسنة هي تعليمات الصانع، وأن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي تعلم يقيناً ما الذي ينفعك وما الذي يضرك، ما الذي يسعدك وما الذي يشقيك، فالإنسان أحياناً ينطلق من حبه لذاته فيعبد الله -عز وجل-، ينطلق من حرصه على سلامته.
ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل :
لذلك ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، قضية تفكر.
مرة زعيم غطفان- نُعَيم بن مسعود- زعيم القبيلة جاء ليحارب النبي -عليه الصلاة والسلام- في الخندق، هو في خيمته خاطب نفسه، هذا الحوار اسمه الآن في الأدب الحديث حوار ذاتي، خاطب نفسه قال: يا نُعيم ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أجئت لتحارب هذا الرجل- يقصد النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ قال: لا، هل انتهك عرضاً؟ قال: لا، خاطب نفسه قال: يا نُعيم أين عقلك؟ هذا رجل عظيم، فخرج من معسكره، وانطلق إلى معسكر المسلمين، ودخل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي الكريم فوجئ به، قال له: نُعيم؟ قال: نعم، قال: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت مسلماً.
أنا أقول تعليقاً على الحادثة: لحظة تفكير حكيم، صحيح، صادق، نقلته من الشرك إلى الإيمان، من شقاء الدنيا والآخرة إلى سعادة الدنيا والآخرة، وكل واحد منا، أنت المخلوق الأول لك خالق عظيم، ومعك منهج قوي، وأنت مخلوق للجنة:
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
لِمَ لا تدقق في إنفاق مالك؟ لِمَ لا تدقق في كسب مالك؟ لِمَ لا تدقق في علاقاتك الاجتماعية؟ هل هي وفق منهج الله أم هناك مخالفة لمنهج الله؟ لِمَ لا تدقق في تربية أولادك؟ فالإنسان حينما يفكر يسلم وينجح، الدليل أن أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط والدليل:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10) ﴾
لأن كل إنسان فُطر على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، أي الستة آلاف مليون على وجه الأرض ما منهم واحد إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، من أين يأتي الشقاء؟ من الجهل.
المنافق إنسان جمع بين الكفر والإيمان الظاهري :
مرة ثانية: الجهل أعدى أعداء الإنسان، ونحن كأمة عربية ألفنا في هذا التاريخ الحديث أن نقول: العدو الأول الصهيونية، الاستعمار، لا، العدو الأول هو الجهل، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
لذلك هؤلاء المنافقون، هؤلاء أرادوا أن ينالوا مكاسب المؤمنين، وأن يتمتعوا بتفلت الكافرين، فجمعوا بين الكفر والإيمان الظاهري، لكن الله فضحهم، لذلك قالوا: يمكن أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، ويمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف ألف مستحيل، أما أن تستطيع أن تخدع الله أو أن تخدع نفسك فهذا لا يكون ولا لثانية واحدة، لأن الله يعلم، وأنت تعلم.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)﴾
طبيب يفحص مريضة، مسموح له في الشرع أن ينظر إلى مكان المرض، فإذا استرق النظر إلى مكان آخر، ليس على وجه الأرض جهة يمكن أن تضبط هذه المخالفة إلا الله
من أيقن أن علم الله و قدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :
المنافقون ما عرفوا الله، ولا عرفوا أنه يعلم، وأنت حينما تؤمن أن الله يعلم مستحيل أن تعصي الله، ودائماً أضرب هذا المثل المألوف: أنت مواطن والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وهناك شرطي آخر على دراجة، ضابط سير في المركبة، وأنت مواطن عادي، مستحيل أن تخالف الإشارة مع إنسان، مع واضع قانون السير، لأن علمه يطولك، ولأن قدرته تطولك، والله -عز وجل- حينما قال:
هؤلاء المُعذِّرون الذين افتعلوا أعذاراً واهية، أعذراً غير حقيقية، أعذاراً كاذبة، ولك أن تقول ما شئت، لكن الله يعلم، والله يكشف المنافق، هؤلاء افتعلوا أعذاراً غير صحيحة، هم مرضى، هم ضعاف، عندهم مشكلة في البيت، زوجته مريضة ...الخ،
التفاوت بين المدينة و البادية الهدف منه التعارف لا القتال :
أيها الإخوة، من هم الأعراب؟ نحن في الآيات السابقة كان الحديث عن منافقي المدينة، والآن الآيات تنتقل إلى منافقي البادية، مدينة وبادية، مدن وريف، بالمصطلحات الحديثة.
مرة النبي الكريم جاءه صحابي من أصحابه الذين عاشوا في البادية، فقال كلمة لطيفة، قال:
(( أنَّ رجلًا مِن أهلِ الباديةِ كان اسمُه زاهِرًا وكان يُهدي إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهَديَّةَ فيُجَهِّزُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يخرُجَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّ زاهرًا بادِيَتُنا ونحن حاضِروه ))
هناك تكامل بين البادية والمدينة، المدينة فيها صناعات، البادية فيها مواد أولية، مشتقات الألبان كلها من البادية، اللحوم، الغنم، الجِمال، فقال:
﴿
شعوب، وقبائل، وعناصر، وأعراق، وأنساب، وقبائل، وطوائف، وقوميات، هذا التفاوت الهدف منه التعارف لا القتال.
من يبتعد عن الله يكون عدوانياً :
لذلك مرة قرأت إحصاء، أنه لو أوقفنا الحروب لاستطاع كل إنسان على وجه الأرض من ستة آلاف مليون أن يكون نصيبه مئة دولار كل شهر، كل إنسان حتى الصغار، في ستة آلاف مليون، ستة آلاف مليون إنسان، صغار أو كبار يستطيعون أن يأخذوا مئة دولار كل شهر، هذه نفقات الحروب، ثلثا الدخول القومية في البلاد تذهب للجيوش والاستعداد للحرب، لأن الإنسان:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ
وحينما يبتعد عن الله يكون عدوانياً.
لذلك:
الكذب على الله وقاحة وجهل كبير :
الإنسان أحياناً يكذب على إنسان آخر، الإنسان الآخر قدراته محدودة، موظف لم يأتِ إلى الدائرة، قد يقول للمدير: زوجته مريضة، المدير لا يوجد عنده إمكان أن يعرف الحقيقة، لكن تكذب على الله الذي يعلم كل شيء؟ فالكذب على الله وقاحة، وجهل كبير.
إذا أراد الله شيئاً وقع و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة :
بالمناسبة: قد يتصور متصور أنه إذا كان وقعت حرب الله أرادها، أي سمح بها، لكن لم يرضَها، ولم يأمر بها، هناك فرق بين الإرادة وبين الأمر والرضا، يقول علماء العقيدة: أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، لأن الله أعطى الإنسان حرية، كيف يقيّم عمل الإنسان؟ في ضوء حريته.
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3) ﴾
إذا ألغينا الحرية ألغينا الدين، ألغينا الاختيار، ألغينا حمل الأمانة، ألغينا التكليف، ألغينا الثواب، ألغينا العقاب، ألغينا الجنة، ألغينا النار.
الله تعالى أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً :
إخوتنا الكرام، في اللحظة التي تتوهم أن الإنسان مجبور على كل أعماله، الإنسان مجبور سماها علماء العقيدة عقيدة الجبر، يتوهم بعض الجهلة أن الإنسان ما بيده شيء، حتى كفره أُجبر عليه، حتى لو شرب الخمر، العوام لهم كلامات هي الكفر بعينه أحياناً، يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة، أي الله -عز وجل- قدر عليه شرب الخمر، ثم يحاسبه عليه، مستحيل، هل تقبل هذا من مدير مؤسسة؟ أن يأمر موظفاً أن يسافر إلى مكان كذا ثم يحاسبه على هذا السفر؟ أنت أمرتني، هل تتوهم أن الله قدّر على الكافر كفره؟ أو قدّر على العاصي معصيته؟ أعوذ بالله.
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ
إخواننا الكرام، مرة ثانية: ما لم تؤمن يقيناً أنك مخير، وأن أعمالك ستحاسب عليها، وأنها من اختيارك، لو ألغيت هذا ألغيت الجنة، ليس لها معنى، حتى إن بعض الصحابة الكبار قالوا: لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ولو تركهم هَملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطع مكرهاً.
الإنسان مخير :
أنت مخير، وأكثر الناس يتوهمون أنهم مجبرون، هذه الفكرة مريحة لكن غير صحيحة، أخي ليس بيدي، الله قدر علي ذلك، الجواب:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
في اللحظة التي تتوهم فيها أنك مُجبَر، وأن الله قدر عليك هذه الأعمال السيئة التي فعلتها، في هذه اللحظة تكون قد خرجت من أدق عقيدة في الإسلام لأنك مُخيَّر، لكن أنت مُسيَّر في كونك ذكر أو أنثى، أنت مسير في أمك وأبيك، أنت مسير في مكان ولادتك، مسير في زمان ولادتك، مُسير في إمكاناتك، لكن حينما تكتشف في وقت لاحق يوم القيامة أن هذا الذي سيّرك الله إليه من مكان ولادتك، وزمان ولادتك، ووالدك، ووالدتك، وإمكاناتك، وكونك ذكر أو أنثى حينما تكتشف أن هذا الذي سيرك الله إليه هو حكمة بالغة بالغة، وليس في الإمكان أبدع مما كان، عندئذٍ تستسلم، فيما لست مخيراً به هو لصالحك، وهذا يُكتشَف يوم القيامة، تكتشف، من هنا الخلائق كلها تقول:
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ
الله عز وجل طمأن الذين تخلفوا عن الجهاد ومعهم أعذار مقبولة :
أيها الإخوة،
﴿
الشيخ الكبير ضعيف، لا يستطيع أن يقاتل، والطفل الصغير ضعيف، فالضعفاء صغاراً أو كباراً هؤلاء لا تثريب عليهم في ترك الجهاد.
مهمة المريض و الضعيف و الفقير أثناء الجهاد :
قال:
المتخلف عن الجهاد معذور لمرض أو فقر أو عدم تأمين راحلة :
﴿
تحملهم على دابة، عنده صحة، وعنده مال، لكن لا يوجد عنده راحلة.
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
لذلك علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، والإنسان المؤمن في صلاة الفجر يقول: اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، نحن أحياناً نعمل عملاً صالحاً لكن بشكل عرَضي، أما حينما تعلم علم اليقين أن علة وجودك في الدنيا بعد الإيمان بالله العمل الصالح؛ لأن العمل الصالح يرفعك، ولأن الإنسان إذا جاءه ملك الموت لا يندم إلا على عمل صالح فاته، قال:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
إذاً هؤلاء الذين كانوا ضعفاء، أو كانوا مرضى، أو ما عندهم ما ينفقون على أهلهم في غيابهم، ولا على أنفسهم في مشاركتهم، ما عليهم حرَج لكنهم يُنصحون بالجهاد، ويرفعون قيمة المجاهدين، ويبينون حكمة هذه الفريضة، إذا نصحوا لله ورسوله، بل إذا دعوا إلى الله، أو أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر،
الغدد الدمعية نعمة لا تقدر بثمن :
بالمناسبة: الإنسان عنده غدد دمعية، هذه حينما تفرز مفرزاتها ترطب العين وتسهل حركة الأجفان، لكن في الحزن الشديد هذه الغدد تفرز دموعاً أكثر من الوضع الطبيعي، عندئذٍ تفيض العين بدموعها، البكاء هو إفراز دموع أكثر من المصرَف، بمقل العين هناك قناة تتصل بالأنف، فالدموع الزائدة تُصرّف عن طريق القناة الدقيقة جداً تتجه إلى الأنف.
مرة حدثني أخ قال لي: أنا عندي مشكلة كبيرة، هذه القناة الدمعية مسدودة، فدائماً الدمع يفيض، من فيضان الدمع المستمر صار هناك خطاً على خدي، لأن الدمع فيه مادة قلوية، فهذا الخط نتيجو التخريش الذي حدث. إذاً هناك نعمة لا تخطر في بال الإنسان، أن هذه القناة التي تصرّف الدمع إلى الأنف سالكة، لو أنها ليست سالكة هناك مشكلة كبيرة، يتشوه الوجه:
من أعرض عن الله و أصرّ على إعراضه لا يعي على خير :
﴿
من هو المُؤاخَذ؟ من هو المُعاتَب؟ من هو الملوم؟ من هو الكاذب؟
لو أن الباب الخارجي لهذا المسجد أُحكم وأُغلق، فهذا الباب مفتوح، لكن لا قيمة له ما دام الباب الخارجي مُغلقاً فكأن هذا مغلق أيضاً.
فأحياناً يكون هناك طبعاً من صنع الإنسان، لما أعرض عن الله -عز وجل-، والنبي الكريم يقول:
(( حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ ))
والحمد لله رب العالمين.