وضع داكن
20-04-2024
Logo
موضوعات مختلفة في التربية - تركيا - لقاء مع المركز الدولي للإعجاز والدراسات القرآنية - زوم : 157 - كليات الدين وسننه وطائفة من الإعجاز العلمي
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته  ، وحيَّاكم الله أيها الأخوة والأخوات إلى هذه الأمسية الرمضانية التي نستضيف فيها الداعية الكبير والمُربي الكبير أستاذنا الدكتور وشيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي  ، وهو غنيٌّ عن التعريف ونحن أصغر من أن يُعرِّف كبيراً مثله  .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا تواضع لا يُحتمل منك .
المذيع :
لا سيدي والله هذه حقيقة يا سيدي ، شرفٌ لنا أن نكون بين أيديكم اليوم ، وشرف لنا أن نستفيد من علومكم ، وأن نتتلمذ على أيديكم ، وخاصة نحن في شهر رمضان ، ولا يوجد أطيب في رمضان من النابلسية فكيف بأبي النابلسية الشيخ النابلسي ، كله حلاوةٌ وطلاوةٌ وأخلاقٌ وعلمٌ متدفقٌ وذوقٌ رفيعٌ ، فنحن تتلمذنا على يدي الشيخ منذ سنوات طويلة ، تعلمنا منه العِلم ، والأدب ، والذوق الرفيع ، والأخلاق والدماثة العالية ، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يُطيل لنا في عمره ، ويُبارك لنا في صحته وعافيته ، وينفع الأمة به ، واليوم أيها الأحباب أريد أن أُفشي سراً قاله لي شيخنا الشيخ راتب قال لي : بفضل الهم إلى اليوم يوجد اثنتان وسبعون محاضرة على الزوم في شهر رمضان ، فهنيئاً لكم سيدي هذه نعمة كبيرة أن تستفيد الأمة من علومكم ، وخاصة من خلال برامج ووسائل التواصل الاجتماعي التي قرّبت البعيد ، وجمعت بين الغريب والغريب ، اللهم لك الحمد على هذه النعمة ، اللهم لك الحمد على هذه الأُمسية الرمضانية التي شرّفنا فيها شيخنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي .
إذاً أيها الأحباب الكرام باسمكم جميعاً وباسم المركز الدولي للإعجاز والدراسات القرآنية في أنطاكيا نرحب بشيخنا على أمل أن نستفيد جميعاً بإذن الله من علومه ومحاضرة بعنوان : " كُلّيات الدين وسننه " ، ثم بعد ذلك يُعرّج شيخنا كعادته على بعض اللطائف الإعجازية في القرآن والسنَّة فليتفضل إن أمر مشكوراً مأجوراً .
 

العبادة علة وجودنا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ؛ اللهم لا عِلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا عِلماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
لا بُدَّ من مقدماتٍ تُلقي ضوءاً كاشفاً على موضوع هذا اللقاء الطيب ، من هو الإنسان ؟ هو المخلوق الأول رتبةً ، والمُكرَّم تفضُّلاً ، والمُكلَّف عبادةً ، والمُحاسب مسؤوليةً ، والمُعاقب تأديباً ، علّة وجودنا في الأرض العبادة ، الدليل :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

العبادة علِّة وجودنا ، إنسان أرسل ابنه إلى فرنسا لينال الدكتوراه من السوربون ، علّة وجوده في هذه المدينة الكبيرة أكبر مدن أوروبا علّة وجوده الدراسة ، لا يمنع أن يأكل في مطعم ، أو أن يقتني مجلة ، أو أن يجلس في حديقة ، أما سبب وجوده فهو الدراسة .
الآن لو سحبنا هذا المثل على الدين ما علّة وجودنا في الدنيا ؟ العبادة ؛ طاعةٌ طوعية ليست قسرية ، الله خلقنا ، حياتنا بيده ، الموت بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، ومع كلِّ ذلك ما قَبِل أن نعبده إكراهاً قال : 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة ]

بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ﴾

[ سورة المائدة ]

 

الله تعالى خلقنا ليرحمنا :


لذلك الحب مَيل والود حركة :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96) ﴾

[ سورة مريم ]

ودّاً فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين الله ، أو المعنيان معاً ، إذاً علّة وجودنا ندقق :

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾

[ سورة هود ]

خلقنا ليرحمنا ، وكل كلام آخر لا تعبأ به ، خلقنا ليرحمنا :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة في الدنيا هي جنة القُرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخُلد . 
             

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة            عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

 ولو نسمت من قربنا لك نسمـة            لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا

 ولـو لاح من أنوارنا لك لائـــــحٌ             تركت جمـــيع الكائنـــــــــات لأجلنـــــــا

***


  أركان الإسلام إن لم يرافقها عبادة تعاملية لن نقطف ثمارها :


أنا أتمنى أن أعتمد الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح . الآن أركان الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة.

 الشهادة :

(( من قال : لا إله إلا اللهُ مخلصًا دخل الجنةَ ، قيلَ : وما إخلاصُها ؟ قال: أنْ تحجزَهُ عنْ محارمِ اللهِ . ))

[ الألباني ضعيف الترغيب ]

فإن لم تحجزه عن محارم الله هذه الشهادة فقدت قيمتها ، فقدت ثمارها ، فقدت مآلها .

الصلاة :

(( لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا فيجعلُها اللهُ عزَّ وجلَّ هباءً منثورًا ، قال ثوبانُ : يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا جَلِّهم لنا ألا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلمُ ؟ قال : أما إنهم إخوانُكم ، ومن جِلدتِكم ، ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها . ))

[ الألباني صحيح ابن ماجه ]

انتهت الصلاة .

الصوم :

(( مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ . ))

[ صحيح البخاري ]

انتهى الصوم ، هذه الحقيقة المُرة .

الحج :

(( إذا حجَّ الرجلُ بمالٍ منْ غيرِ حلِّهِ فقالَ : لبيكَ اللهمَّ لبيك ، قالَ اللهُ :  لا لبيكَ ولا سعديكَ ، هذا مردودٌ عليكَ.))

[ المحدث السيوطي حكمه ضعيف ]

 الزكاة :

﴿ قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ(53) ﴾

[ سورة التوبة ]

الحقيقة المُرَّة أنا باجتهادٍ مني وقد أُخطئ أراها أفضل ألف مرة من الوهم المُريح ، أي:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور ]

بربكم هل نحن مُستخلفون في الأرض ؟ والحقيقة المُرَّة أفضل ألف مرة من الوهم المُريح .

﴿  لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور ]

 قانون .

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور ]

هل هذا الدين مُمكَّن في الأرض أم يواجه حرباً عالميةً ثالثة كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة جِهاراً نهاراً ؟ لذلك :

(( إذا حجَّ الرجلُ بمالٍ منْ غيرِ حلِّهِ فقال : لبيكَ اللهمَّ لبيك ، قالَ اللهُ :  لا لبيكَ ولا سعديك ، هذا مردودٌ عليكَ ))

[ المحدث السيوطي حكمه ضعيف ]

والزكاة :

﴿ قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ(53) ﴾

[ سورة التوبة ]

أركان الإسلام إن لم يرافقها عبادة تعاملية ؛ كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ، معاملة الزوجة ، خروج البنات بأي ثياب فاضحة أم محتشمة ؟ تربية الأولاد ، اختيار الحرفة ، التعامل في الحرفة بإخلاص ؟ بصدق ؟ بكذب ؟ بتدليس ؟ ثم العلاقات العامة ، والعلاقة مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، مع الوالدين ، برنامج الإسلام يبدأ من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، والله يوجد مئات البنود بل بضع مئات البنود بل آلاف البنود هذا الإسلام .
 

زوال الكون أهون على الله من أن تطيعه ثم لا تنتصر :


والله زوال الكون أهون على الله من أن تطيعه ثم لا تنتصر :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾

[ سورة محمد ]

هناك حديث لطيف جداً :

(( ابغوني الضَّعيفَ  ، فإنَّكُم إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضعفائِكُم . ))

[ صحيح النسائي ]

هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً ، إن كسوته إن كان عارياً ، إن علَّمته إن كان جاهلاً ، إن آويته إن كان مشرداً ، إن عالجته إن كان مريضاً ، يتفضل الله عليك فيكافئك بمكافأةٍ من جنس عملك ، ينصرك على من هو أقوى منك ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، وبين حقٍ وباطلٍ لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي .
 

الإنسان مخير :


لذلك مثل دقيق جداً وبعد أن أُنهي المثل آتيكم بالنص ، طريق هابط أنت راكب دراجة الهابط مريح جداً ، والطريق مُعبّد ، فيه أشجار ورياحين ، وكل شيء ، لكن هذا الطريق ينتهي بحفرةٍ مالها من قرار ، فيها وحوشٌ كاسرة جائعة تنتظر هذا الإنسان ، ويوجد طريق صاعد الحقيقة مُغبَر وغير مُعبَّد ، وفيه عقبات ، وفيه صخور ، وفيه وهاد ، وفيه حفر ، والحَر لا يُحتمل ، والعرق شديد ، لكنه ينتهي بقصرٍ مُنيف لِمَن وصل إليه ، أيهما تختار ؟ وفضلاً عن ذلك مكتوب بأول الطريق : الطريق الصاعد هذا ينتهي بقصرٍ مُنيف لِمَن وصل إليه ، مكتوب على الطريق الهابط : هذا ينتهي إلى حفرةٍ عميقةٍ فيها وحوشٌ كاسرة ، ماذا تختار ؟ يوجد واقع ويوجد إشارة ويوجد دليل ، فلذلك :

(( أَلَا وإنَّ عملَ الجنةِ حَزْنٌ برَبْوَةٍ ، أَلَا وإنَّ عملَ النارِ سَهْلٌ بشَهْوَةٍ ))

[ الألباني ضعيف جداً ]

وأي إنسان يتوهم لثانية واحدة أنه غير مُخير ألغى الدين ، ألغى الاختيار ، ألغى الثواب ، ألغى العقاب ، ألغى الجنة ، ألغى النار ، لو أنَّ الله أجبر عباده على الطاعة لبطَل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطَل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إنَّ الله أمرَ عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يُكلِّف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مَغلوباً ، ولم يُطع مُكرهاً ، حينما تفكر أنك مُسيَّر بالمعنى السلبي انتهى الدين ، لو أجبر الله عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إنَّ الله أمرَ عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يُكلِّف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُطع مُكرهاً وهكذا ، تصور يقول لك : هذا قدري ، هكذا الله كتب عليَّ ، لو مدير مدرسة جمع الطلاب في أول يومٍ في العام الدراسي وقال لهم : سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام وأسماء الراسبين انطلقوا إلى صفوفكم ! هل أحد سيدرس ؟ إذا ألغيت حرية الاختيار ألغيت الدين : 

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام ]

 

علم الله علم كشف وليس علم جبر :


أما علم الله فعلم كشف وليس علم جبر ، مثلاً ساحة فيها دائرة ، ويوجد فيها طريقان ؛ طريق إلى ملهى ، وطريق إلى جامع ، وإنسان جالس في الطابق العاشر لا بالشرفة بل بغرفة النوم ، هذه الغرفة لها نافذة تطل على هذه الساحة ، فإذا رأى من يجلس في هذه الغرفة في الطابق العاشر إنساناً ذاهباً إلى الملهى هل هو أجبره ؟ لا ، أعوذ بالله ، علم الهر علم غيبٍ لا علم جبر ، لو أنه ذهب إلى المسجد هل هو الذي أجبره ؟

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

[ سورة الإنسان ]

في اللحظة التي تتوهم أنَّ الله أجبرك انتهى الدين ، وانتهى الثواب ، وانتهى العقاب ، وانتهت الجنة ، وانتهت النار :

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام ]

 

بطولة الإنسان في العبادة التعاملية :


لذلك البطولة في العبادة التعاملية ، النص الدقيق لهذه العبادة سيدنا جعفر بن أبي طالب لمّا هاجر إلى الحبشة سأله ملك الحبشة النجاشي عن الإسلام فقال سيدنا جعفر : أيُها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الرحم ، ونُسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكُّنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا نبياً ورسولاً نعرِف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات .
إذاً الإنسان مُخيَّر ، لو أنَّ الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هَملاً لكان عجزاً في القدرة ، إنَّ الله أمرَ عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يُكلِّف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مُكرِهاً ، هذا الدين إذا ألغيت الاختيار ألغيت الدين :

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 

مبادئ العقل :


الآن العين التي في رؤوسنا هي أثمن عضو فينا ، لا ترى إلا بوسيط من النور - ضوء الكهرباء أو أشعة الشمس - أما لو وضعنا إنساناً فاقد البصر كلياً مع إنسان حاد البصر بأعلى درجة ، ولا يوجد إضاءة مُطلقاً ، فالعين لم يعد لها قيمة بدون نور يتوسط بينها وبين المرئيات ، مقابل ذلك العقل أعقد جهاز بالكون ، كم مليون خلية سمراء هي أعقد خلايا الإنسان؟
المعنى الثاني العين تحتاج إلى وسيط من النور لترى به الأشياء ، العقل يحتاج إذاً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) ﴾

[ سورة الحديد ]

كما أنَّ العين التي في الرأس ، وفيها إعجاز في المطابقة ، إعجاز في الشبكية ، إلى آخره ، من دون ضوء كهربائي أو ضوء الشمس لا ترى ، أو فاقد البصر وهذا حاد الرؤية يستويان ، لا بُدَّ من وسيط نور كهربائي أو نور الشمس حتى ترى ، والعقل أعقد جهاز في الكون ، هناك مبادئ ثلاث  : مبدأ السببية ، مبدأ الغائية ، مبدأ عدم التناقض .
 العقل لا يفهم شيئاً بلا سبب ، أي أنت أطفأت الكهرباء في البيت ، وألغيت كل الأجهزة الكهربائية ، وسافرت إلى رحلة مدة شهر أو شهرين ، أغلقت الأبواب ، وأطفأت الكهرباء كُلياً ، وعطّلت جميع الأجهزة ، رجعت ووجدت الإضاءة متألقة ! لماذا تضطرب ؟ لماذا ؟ لأن عقلك لا يقبل أن تتألق هذه المصابيح دون يد دخلت للبيت ، يوجد سبب ، هذا العقل مبدأ السببية .
شيء آخر مبدأ الغائية ؛ أنت ترى وراء كل شاحنة سلسلة قطعة حديد على الزفت، أنت ليس لك علاقة بالشحن إطلاقاً ، تقول : لماذا هذه السلسلة ؟ لو سألت الخبراء يقولون : كي تمتص الصاعقة لو أصابت الشاحنة ، فالعقل لا يقبل شيئاً بلا سبب ، ولا يقبل شيئاً بلا غاية .
والله مرة كنت في الشام قرص بُلوري عرضه حوالي خمسة سنتيمتر ، وله حواف من جانبه ، إن وضعت هذا القرص في  قعر وعاء الحليب ، الحليب لا يفور ، المشكلة حُلت لكن العقل لم يفهمها ، ثم فهمت بعد ذلك أنَّ القرص البلوري له فتحة صغيرة من مكان واحد فالفقاعات تخرج بشكل سهم يثقب القشطة ولا يفور الحليب ، فالعقل لا يفهم شيئاً بلا سبب ، ولا شيئاً بلا غاية ، هذا العقل البشري .
 

أنواع اليقين :


نحن عندنا الإيمان ، عندنا يقين حسي أداته العين أو استطالتها الميكروسكوب أو التلسكوب ، الشيء الحسي شيء ظهرت عينه ، أداة اليقين به العين ، أو استطالتها في التلسكوب والميكروسكوب ، أما لو غابت عين الشيء بقيت آثاره ، أنت في مكان فيه جدار، رأيت وراء الجدار دُخاناً تقول : يقول عقلي : لا دخان بلا نار ، هذا يقين عقلي ، أول مثال يقين حسي لشيء ظهرت عينه وآثاره ، أما إذا غابت عينه وبقيت آثاره  كالدُخان فأقول : لا دخان بلا نار ، هذا اليقين العقلي .
واليقين الثالث الإخباري ؛ أي دخلت إلى بيت صديق حميم ، يوجد خزانة مغلقة ، سألته : ماذا يوجد داخل هذه الخزانة ؟ قال : دفاتر حسابات قديمة ، هذا يقين إخباري .
اليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالتها كالميكروسكوب والتلسكوب ، واليقين العقلي لشيءٍ غابت عينه ، بقيت آثاره ، أداة اليقين به الأثر ، لا دخان بلا نار ، هذا اليقين العقلي ، اليقين الإخباري لشيءٍ غابت عينه وآثاره معاً أداة اليقين به الخبر الصادق ، فإذا كان الله هو المُخبر ينبغي أن تأخذ  إخباره وكأنك تراه :

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾

[ سورة الفيل ]

إذاً نحن بين اليقين الحسي واليقين العقلي والإخباري .
 

القوانين والسنن في الإسلام :


الآن عندنا قوانين ؛ نهاية العِلم القانون ، القانون علاقةٌ مقطوعٌ بها بين متغيرين نُطابق الواقع عليها دليل ، إلغاء الدليل أصبح تقليداً ، الله ما قبل أن نعبده تقليداً قال :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) ﴾

[ سورة محمد ]

إذا لم يطابق الواقع صار جهلاً ، إذا لم يكن مقطوعاً به صار وهماً ، ثلاثون بالمئة ، شك خمسون بالمئة ، ظن سبعون بالمائة ، غالب للظن تسعون بالمئة ، القطع مئة بالمئة ، علاقةٌ مقطوعٌ بها بين متغيرين نطابق الواقع عليها دليل .
ماذا يُقابل القوانين في الإسلام ؟ السنن :

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً ا (6) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

السنّة أي قانون .
 

صفات من شردوا عن منهج الله : 


عندك الهدى البياني سمعت درساً من الانترنت ، حضرت خطبة جمعة في باريس ، سمعت في الانترنت حديثاً لعالم جليل في مكان معين ، تلقيت المعلومات من خطيب ، من عالم ، من أستاذ ، من صديق ، من الفيسبوك إن صحَّ التعبير ، الموقف الكامل الاستجابة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[ سورة الأنفال ]

يُحييكم ! هل نحن أموات ؟! نعم الله وصف الذين شردوا عنه بأنهم أموات فقال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل ]

وقال أيضاً  :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[ سورة المنافقون ]

وقال أيضاً :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[ سورة الجمعة ]

وقال أيضاً  :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) ﴾

[ سورة الفرقان ]

كلُّه في القرآن ، هذا الذي عزف عن طلب الحق .
 

بطولة الإنسان لا أن يؤمن بالدار الآخرة بل أن يستعد لها :


 لذلك الله سرّب لنا ما يقول الكفار يوم القيامة :

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)﴾

[ سورة الملك ]

فالبطولة لا أن تؤمن بالدار الآخرة ، أن تستعد لها ، لا أحد يُنكر الموت ، لكن ماذا بعد الموت ؟ إما جنةٌ يدوم نعيمها ، أو نارٌ لا ينفذ عذابها .
لذلك النقطة الدقيقة المصائب للمؤمنين دفع ورفع ، الأنبياء كشف ، أثناء الهجرة تبع سُراقة النبي ليقتله أو ليأسره ، وقد وضع مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، ما معنى ناقة ؟ أي مرسيدس ستمئة ، أغلى شيء ، فقال سيدنا محمد : كيف بك يا سُراقة إن لبست سوار كسرى ؟! إنسان مُلاحق ، مهدور دمه ، مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ! يقول له : يا سُراقة أنا سأصل سالماً إلى المدينة ، وسأُنشئ دولة ، وسأُنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولة في العالم ، وسأنتصر ، وسوف تأتي الكنوز إلى المدينة ، ولك منها يا سُراقة سوار كسرى ! وهذا الذي حصل ، سيدنا عمر قال : أين سُراقة ؟ ألبسه سوار كسرى وقال : بخٍ بخٍ أعيرابيٌ من بني مدلج يلبس سوار كسرى ؟! وعد الله يقيني ، فلذلك المصائب للأنبياء كشف وللمؤمنين دفع ورفع ، ولغيرهم ردع وقصم .
 

التوحيد نهاية العِلم والعبادة نهاية العمل :


لذلك  :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

والعبادة - كما قلت قبل قليل قبل أن أختم- طاعةٌ طوعية ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية ، أساسها معرفةٌ يقينية ، تُفضي إلى سعادةٍ أبدية ، اللذة حسية تحتاج إلى وقت ومال وصحة ، في البداية يوجد صحة ووقت ولا يوجد مال ، في الوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، في النهاية يوجد وقت ومال ولا يوجد صحة ، أما السعادة بمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني  :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

قال العلماء : التوحيد نهاية العِلم ، والعبادة نهاية العمل ، لذلك لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ، ولا يرجونَّ إلا ربه .
حفظ الله إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار البلاد التي أنتم بها ، والحمد لله رب العالمين .
 

شكر متكرر وخاص مرة ثانية للدكتور راتب النابلسي :


المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، جزاكم الله خيراً على هذه الإفاضات الطيبة سيدي ، وبارك الله بكم على هذه الأمسية الرمضانية التي حلّقت بنا في هذه الأمسية بالسنن الكونية ، بالسنن القرآنية ، وكلّيات الدين ، والومضات العلمية الإعجازية التي تُعزز اليقين ، والتقسيمات اليقينية التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُكرمنا بهذه اليقينيات الكونية سيدي ، فجزاكم الله الخير كله، وأكرمكم على هذا اللقاء المُبارك الميمون ، وعلى هذا العطاء الذي نسأل الله أن يُثقّل به موازين حسناتكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأنا أشكركم على دعوتكم ، فإن وجدتم ما كنتم تتوقعون فالشكر لله وحده ، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل . 
المذيع :
وجدنا ما توقعنا وزيادة والحمد لله ، وجزاكم الله خيراً .
سيدي قبل أن نترك المجال للأخوة أريد أن أقول للأخوة الكرام ، باسمكم أيها الأحباب الكرام جميعاً وباسم المركز الدولي للإعجاز والدراسات القرآنية في أنطاكيا نشكر شيخنا الكبير والداعية والمربي الكبير أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي على إتاحته هذه الفرصة لنا وإن شاء نلتقي بعد العيد معه لقاءات أُخرى لنستفيد منه بعون الله تعالى .
أخواني الكرام ؛ الآن سنفتح الميكرفونات أرجوكم عدد كبير طلب منا عنده أسئلة ، توجيهات ، لا نريد أن نرهق الشيخ ، نرجو الاختصار ، وكما تعلمون اليوم كان عند الشيخ محاضرة بفرنسا غير المحاضرات الأُخرى فجزاه الله خيراً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أربع محاضرات .
المذيع :
ما شاء الله ؛ أسأل الله أن يُمدَّكم بمدد من عنده ، ونحن نحبكم يا سيدي ونودّكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحب متبادل ، المودة والاحترام والشوق والحب لا يمكن أن يكون من طرف واحد ، الدليل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ﴾

[ سورة المائدة ]

المذيع :
الله الله ، الحمد لله نحن نحبكم في الله سيدي ونودَّكم .
أخواني الكرام نرجو الاختصار قدر الإمكان حفاظاً على صحة الشيخ .
سؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا عندي سؤال بارك الله بكم ، عرَّجتُم في كلامكم على موضوع القضاء والقدر ، هنالك أناس يُعلقون كل شيء على القضاء والقدر ، مثلاً يواجه مصيبة أو ضيقاً في العيش فيقول : كله قضاء وقدر هو يكون غير آخذ بالأسباب .
 

ضرورة الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم في الإسراء والمعراج أُلغيت الأسباب ، أُلغيت قوانين المكان والزمان ، أما الهجرة فالنبي الكريم أخذ بأربعين سبباً ، أنت كمسلم أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 الغرب أخذ بالأسباب أخذاً مذهلاً ، وألهها ، واعتمد عليها ، فوقع في الشرك ، والمسلمون مع الأسف الشديد لم يأخذوا بها أصلاً فوقعوا في المعصية ، الموقف الإسلامي بين هذين أن تأخذ بالأسباب وكأنها كلُّ شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
بالإسراء ألغيت الأسباب وقوانين المكان والزمان أما بالهجرة فقد أخذ النبي بأربعين سبباً حتى كان الدليل غير المسلم  .
سؤال :
السلام عليكم نحن نحبكم في الله يا شيخ ، سؤال : الإنسان عندما يولد يكتب له في اللوح المحفوظ سعيد أم شقي هل هذا الكلام صحيح ؟ 
 

من ألغى الاختيار ألغى الدين كله :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
المعنى دقيق جداً ، هذا الإنسان اكتب : هل سلك طريق الشقاء أم السعادة ؟ اكتب : لماذا اختار الطريق ؟ هو مُخيَّر ، في اللحظة التي تتصور أنك مُسير الجواب من سيدنا علي : لو أنَّ الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إنَّ الله أمرَ عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يُكلِّف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مَغلوباً ، ولم يُطع مُكرهاً . 
إذا ألغيت الاختيار ألغيت الدين كله ، وأصبح الدين تمثيلية سمجة لا معنى لها ، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، شيء خطير جداً :

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) ﴾

[ سورة النحل ]

ما قولك ؟ هذا كلام من ؟ لكن الله كيف يعلم الغيب ؟ مثل شخص جالس - للتقريب فقط ، للتوضيح - بالطابق العاشر مُطل على ساحة ، وفي هذه الساحة طريق إلى ملهى وطريق إلى جامع ، إنسان يمشي لا يرى الذي يراه ، علم الله علم كشف وليس علم جبر فهو اتجه إلى الملهى ، فهذا العِلم عِلم جبر ، هل أجبره الذي  يجلس في الطابق العاشر أن يذهب إلى الملهى ؟ عِلم الله علم كشف وليس علم جبر ، والدليل : 

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام ]

سؤال :
السلام عليكم دكتور ، نسأل الله أن يحفظكم ، أنا تشرفت بزيارتكم في منزلكم في دمشق سنة 2005 ، أنا أحد طلاب كلية الشريعة من الدراسات العُليا زرناكم في البيت ، والآن أنا لي الشرف أن أتتلمذ من جديد على يدكم ، وإن كنا على بعد ، وأتمنى لو كنا عن قرب ونأخذ من بركاتكم . 
سؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ والله إنا نحبكم في الله يا شيخي أريد أن أسأل سؤالين : السؤال الأول : نصيحة لنا نحن الشباب ؟ والسؤال الآخر : كيف نصل إلى النفس المطمئنة ؟
 

الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا مسلم أخطأ في بلده يُشار إلى اسمه فقط ، أما إذا أخطأ في بلاد الغرب فيُشار إلى دينه ، أنت على ثُغرةٍ من ثُغر هذا الدين فلا يؤتين من قِبَلك ، هذا الذي يجلس في فرنسا أو في بريطانيا أو في أمريكا لم يقرأ صحيح البخاري ، ولم يقرأ القرآن ، الإسلام عنده هذا المسلم الذي أمامه ، فإذا كذب عليه سقط الإسلام ، أنت على ثُغرةٍ من ثُغر هذا الدين فلا يؤتين من قِبَلك ، فأنت في خارج بلاد المسلمين أنت الإسلام ، الخطأ منك ينسحب على الدين ، أما داخل بلاد المسلمين فالخطأ يُشار إلى صاحب الخطأ فقط ، فالإنسان قدوة ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والتدّرج لا الطفرة ، والمضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق : 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت ]

الدعوة ليست للعلماء المتفرغين المُتوسعين في عِلمهم المُتثبتين ، لأي إنسان ، سمعت من خطيب المسجد في باريس أو في تركيا كلمة دقيقة لطيفة أعطها لزوجتك فقط أنت داعية :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت ]

هذه الدعوة فرض عين كتناول الطعام والشراب ، أما الدعوة الاحترافية التي تحتاج إلى تفرّغ ، وإلى تعمّق ، وإلى تثبّت ، وإلى ثبات ، فهي الدعوة إلى الله كإنسان : 

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) ﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه من للتبعيض . 

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾

[ سورة يوسف ]

دعوة فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما الثانية فهي الدعوة الاحترافية تحتاج إلى تفرّغ ، وإلى تثبّت من النصوص ، وإلى تعمّق ، وإلى تبّحر ، فنحن نحتاج إلى دعوة فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، وإلى دعوة فرض كفاية إذا قام بها البعض من تفرّغ وتبّحر وتعمّق وتثبّت ، نحن بحاجة إلى الدعوتين فرض عين و فرض كفاية .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
في الختام أتوجه جميعاً باسمكم إلى دكتورنا الشيخ المربي محمد راتب النابلسي على هذه الأمسية ، وهذه الكلمات الطيبة ، وهذه الإطلالة البهية الجميلة النورانية ، على أمل أن نلتقي به ثانيةً إن شاء الله تعالى ، ونرجو منه أن يدعو لنا جميعاً ، يدعو لأسرنا وأبنائنا وجميع المسلمين ، ونسأل الله سبحانه وتعالى طول العمر له ، نريد دعوة على السريع سيدي وجزاكم الله خيراً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نسأل الله أن الله ينولنا مرادنا؛ هذا شيك موقع ، والرقم متروك لك ، ينولك مرادك ترغب أن تزداد عِلماً ، تكون داعية كبيراً تؤثر بالملايين ، هذا بين يديك . 
المذيع :
أكرمكم الله سيدي ، جزاكم الله خيراً ما قصرتم أبداً ، نلتقي ثانيةً السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وعليكم السلام ورحمة الله ، شكراً جزيلاً .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور