الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التسعين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الخامسة والسبعين بعد المئتين، وهي قوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)﴾
إلى آخر الآية.
أيها الإخوة الكرام؛ ذكرت لكم في الدرس الماضي أن المال قوام الحياة، فإذا نما من الأعمال كان دُولةً بين الناس جميعاً، وهذا الوضع الطبيعي الصـحي الذي أراده الله عزَّ وجل، كـل الناس في بحبوحة، كلهم يأكل ويشرب، وإذا وَلَـدَ المال عن طريق المال كان دُولةً بين الأغنياء منكم فصار التفاوت الطبقي، وصـار ملـيون لا يـملكون واحداً، وواحدٌ يملك مليوناً، عنـدئذٍ يفشو الانحراف، والسرقة، والاحتيال، والانحراف الأخلاقي، وما إلى ذلك.
وذكرت لكم أيضاً أن المعصية تُقَيَّم بحجم ضررها، فالذي يشرب الخمر يؤذي نفسه، أما الذي يزني فيؤذي معه إنسانة، أما الذي يُرَابي يؤذي معه مجتمعاً، لذلك ما من معصيةٍ في القرآن الـكريم توعَّد الله على مرتكبها بالحرب إلا الربا، لأن مجتمعاً بـأكمله يمكن أن يجوع، مجتمعاً بأكمله يمكن أن يشقى بسبب جشع أناسٍ نَمُّوا أموالهم عن طريق الربا.
وذكرت لكم أيضاً أنك حينما تضع مالك في العمل لابدّ من أن يعيش معك أناسٌ كثيرون، والآن البطالة مشكلة المشاكل في الأرض، فكلما أُودِعَت الأموال في الـبنوك زاد حجم البطالة، وكلما وُضِعت الأموال في الأعمال تقلَّص حجم البطالة، وهذه قاعدة.
وذكرت لكم أيضاً أن السعر كلما ارتفع والربا يسهم في رفع الأسعار، ضاقت شريحة المنتفعين بـهذا الشيء، وإذا ضاقت لابدّ من أن يُرفع السعر مرةً ثانية كي يضمن للبائع حياةً مستقرَّة، إذاً سلسلةٌ لا تنتهي، حـلقةٌ مفرغةٌ، أمـا حينما يَلِد العمل المال توزَّع الأموال أو تُوَزع الكتلة النقدية بين أيدي الناس جميعاً، هذا ملخَّص الدرس الماضي.
الذي يأكل الربا يبني مجده على أنقاض الناس:
الآن إلى تفاصيل هذه الآيات.
يقول الله جلَّ جلاله: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ ، ﴿يَأْكُلُونَ﴾ أي يكسبون، وفي هذا إشارة إلى أن حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب حاجةٌ متميِّزة، بل هي حاجةٌ أولى، فإذا كَسِب المال الحرام من أجـل أن يأكل، وقد ذكر الله جـلّ جلاله أن الأنبياء:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)﴾
وفي هذا إشارةٌ دقيقة إلـى أن النبي بشر تقوم حياته على تناول الطعام، إذاً هو مفتقرٌ في وجوده وفي استمرار وجوده إلى تناول الطعام والشراب، ثم إنه مفتقرٌ مرةً ثانية إلى ثمن الطعام، لابد من أن يمشي في الأسواق كي يُحَصِّل ثمن الطعام، هذا هو البشر، مفتقرٌ مرتين؛ مرةً إلى الطعام ثم إلى ثمنه، لابد من أن يأكل ويشرب، ولابد من أن يعمل، ونحن مقهورون بالعمل؛ نعمل من أجل أن نأكل، ثم نعمل من أجل أن نتزوج، ثم نعمل من أجل أن نؤكِّد ذواتنا، فهذا الذي يأكل الربا بنى مجده على أنقاض الناس، وبنى غناه على إفقارهم، وبنى عِزَّه على ذلهم، يوم القيامة يوم العدل، يوم الحق، يوم الدينونة، يوم:
﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾
فحينما تُكشف الحقائق:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾
الذين يأكلون الربا يأكلون ما ليس لهم بحقّ أن يأكلوه:
الناس في الدنيا نيام إذا ماتوا انتبهوا، حينما تُزاح عنه الشهوات، وقد قال الله عزَّ وجل:
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)﴾
لا شـهوة طعامٍ، ولا شهوة جنسٍ، ولا شهوة علو في الأرض، واجه الحقيقة، كُشِف عنه الغطاء فإذا هو قد أشقى الناس من أجل أن يغتني، أكل من أجل أن يجوعوا، ونمّا أمواله من أجل أن يشقى الناس.
والإنسان كما قلت لكم أيها الإخوة في مرحلة يكسب رزقه، هذه المرحلة تنتهي، يصبح همه الجمع، لذلك قال تعالى:
﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)﴾
فهؤلاء الذين يأكلون الربا يأكلون ما ليس لهم بحقّ أن يأكلوه، أي إذا أقرضوا اشترطوا على إقراضهم أن يعود المبلغ زائداً، رابياً، فيه زيادة لعِلَّة الزمن، أو هناك ربـا التفاضُل، أي يبيعُ جنساً واحداً بكـميةٍ مضاعفة، يبيع مُدّاً بمدَّين، من جنسٍ واحد، هذا فيه ظلم شديد، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عن عبادة بن الصامت: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. ))
الفرق بين أن تضع مالك مع إنسانٍ يستثمره لك وبين أن تضعه في مصرف:
طبعاً بحث الربا وتفصيلاته، وأنواع المواد الربوية، وعلة الربا موضوع، فهؤلاء ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ﴾ يوم القيامة إلى ربهم، ﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ يتخبَّطه أي يضربه الشيطان، وهذا الذي يسميه الناس مسَّ الشيطان، الوقوع بالساعة، الصرَع، فمن شدة اضطرابه، ومن شدة شعوره بالذنب، ومن شدة العار الذي تَلَبَّسه، من شدة خوفه من الحساب يقوم يوم القيامة، ﴿كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ علَّة هذا الاضطراب الشديد، وهذا الهلع، وهذا الخوف أنهم قالوا: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ وهناك آلاف مؤلَّفة الآن يقولون: ما الفرق بين أن تضع مالك مع إنسانٍ يستثمره لك ويعطيك في آخر العام ربحاً وبين أن تضعه في مصرف يعطيك فائدةً؟ بونٌ شاسع، أنت حينما تضع المال في مصرف تأخذ ربحاً ثابتاً، أما حينما تضع المال مـع أخٍ يستثمره تأخذ ربحاً حقيقياً، فإذا ربح أعطاك، وإن لم يربح لم يعطك شيئاً، وإذا خسر لك نصيب من الخسارة، يوجد تعاون، أما في الربا فهناك إنسان مُستغِل وإنسان مُستغَل.
حينما يُخصص للزمن ثمن دخلنا في موضوع الربا:
لذلك قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ قال علماء البلاغة: هذا تشبيهٌ معكوس، الأصل أن يقول: إنما الربا مثل البيع، إذا قلت مثلاُ: وجه الخليفة كالشمس، هذا تشبيه، أما إذا قلت: إن ضياء الشمس كوجه الخليفة، هذا تشبيه مقلوب هو أبلغ، فالله عزَّ وجل قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ أي الربا الذي ترونه محرماً هو كالبيع تماماً.
﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ البيع فيه عِوَض، أي هذا الكأس بعشر ليرات، تعطيه الكأس ويعطيك الثمن، عقد مُعاوضة، أما الزيادة في الربا ليس لها عِوَض إلا الزمن، أنت تبيع كتاباً بمئة ليرة، فإذا كان مُجلداً بمئة وخمسين، الخمسون في الكتاب، فإذا كان مُذهباً بمئتين، الخمسون الثانية في الكتاب، فإذا كان قد كُتِب علـيه اسمك يوجد خمسون ثالثة، الثالثة فـي الكتاب، فإذا أُعطِيته لسنةٍ بمئة ليرة زائدة، المئة الأخيرة لا يقابلها شيءٌ فـي الكتاب، ليس لها عِوَض، عوضـها الزمن، أي صار للزمن ثمن، حينما يُخَصص للزمن ثمن دخلنا في موضوع الربا.
أصل الربا أنك تقرض قرضاً لإنسان، فإذا حلّ الموعد تقول له: إما أن تؤدي وإما أن تُربي، هذا أصل الربا، ربا القروض، ثم جاء ربا البيوع، هناك ربا القروض، وهناك ربا البيوع، ربا القروض تحريمه قرآني، وربا البيوع تحريمه نبوي، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي غير متلو، قال تعالى:
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾
الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبَّحه الشرع:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ أصل حِلِّ البيع هو المعاوضة، وأصل زيادة الثمن في البيع مقابل الجُهد، أي أنت تسكن في البيت إلى جانبك بائع جاء بالبضاعة من مكانٍ بعيد، وحملها، واعتنى بها، ونظَّفها، وعرضها عليك، مقابل هـذا الجهد أعطيته الزيادة في البيع، لأن الزيادة فـي البيع مشروعة مقابل جُهد البائع، أما في القرض فغير مشروعة، ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ .
هناك نقطة دقيقة جداً: المال ما يُنْتَفع منه مباشرةً، فالبيت مالٌ لأنه يسكن، والمركبة مالٌ لأنها تُرْكب، والطعام مالٌ لأنه يُؤكَل، والشراب مالٌ لأنه يُشرب، أما النقد لا يُنتفع به مباشرةً، فحينما تُتاجر بالنقد وقعت في الحرام، طبعاً إذا كان النقد من عملة إلى عملة له موضوع آخر، وله شروط دقيقة جداً، أما أن تجعل المال يَلِد المال هذا كسبٌ غير مشروع.
ذكرت في الدرس الماضي أن الأسعار ترتفع، وأن البطالة تَعُم، أما جاء تعليقٌ في نهاية الدرس الماضي: كلما ازداد إيمانك تجعل التحريم وحده عِلَّةً، علة التحريم أن الله حرَّمه، لأنك مع طبيبٍ متفوِّق، أعطاك توجيهاً لا تجرؤ لثقتك بعلمه على أن تسأله: لِمَ منعتني من هذا؟ مع إنسان متفوق، فإذا كان إيمانك بالله كبيراً لا تحتاج إلى عِلَةٍ، ولا إلى شرح، ولا إلى تفصيلٍ، ولا إلـى حكمةٍ، علـة الأمر أنه أمر، وعلة النهي أنـه نهي، وعـلة التحريم أن الله حرمه، خالق الأكوان العظيم، الحكيم، العليم حرَّمه، أما الدعاة إذا اجتهدوا في علة التحريم فهذا من قبيل الاجتهاد والتحسين، أما الأصل في الدين أن الذي حرَّمه الله محرَّم، لذلك قال علماء العقيدة: الحَسَن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ أي قصدهم إنما الربا مثل البيع، هناك بونٌ شاسع، الزيادة في الربا لا يُقابلها عِوض، أما الزيادة في البيع يقابلها عوض، العِوض الجهد، إنسان اشترى بـضاعة، وتحمَّل قرار المغامرة، وحملها وصنفها وعرضها، هذا جهد كبير، وقدّم لك هذه الخدمة حتى صارت إلى جانب بيتك، فالتفاضل في البيع تفاضل يقابله جهد، أما التفاضل في الربا فلا يقابله جهد، التفاضل في البيع تُوَزَّع فيه الأموال إلى عددٍ كبيرِ من الناس، أما التفاضل في الربا ليس كذلك، قال: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ، أي:
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)﴾
يقول الله عزَّ وجل: إن هؤلاء الذين آمنوا إذا عَمِلوا شيئاً يجهلونه، ثم عرفوا الحقيقة فتابوا: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي الإنسان لا يعلم، إذا علم يجب أن ينتهي.
حقّ من يستغفر لذنبه إن كان صادقاً ونادماً أن يسترد رأسماله فقط:
يقول الله عزَّ وجل هنا: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ له رأسماله، ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ فيما مضى؛ يغفر له إن كان صادقاً ونادماً، وقد لا يغفر له لحكمةٍ يريدها الله عزَّ وجل، أما حقه أن يستردّ رأسماله فقط، ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ﴾ إلى أكل الربا، ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي هذه المعصية سبب خلودٍ في النار.
من عظمة الله أنه يتلف مال الإنسان بأبسط الأسباب ويغنيه بأبسط الأسباب:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾
وهذه الآية دقيقة جداً، ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ العجيب بالرياضيات العكس، إذا أقرضت قرضاً ربوياً مئة ألفٍ مثلاً عاد مئة وعشرين، فالربا اسمه ربا من الزيادة، أما إذا أقرضت قرضاً حسناً عاد مئة، فبالآلات الحاسبة الربا يُنمِّي المال، والصدقة لا تُنَميه، الآية بالعكس: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ ماذا نستنبط من هذا؟ نستنبط أن هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك منظومةٌ من القوانين الأخرى لا يعلمها إلا قلةٌ قليلة ممن أوتوا العلم، مثلاً: الإنسان قد يُرَابي وقد يربح ملايين مملينة من الربا ثم تأتيه مصيبةٌ بقانونٍ آخر تمحق كلّ ماله، هذا الشيء يقع، هناك من يحترق ماله، هناك من يُدَمَّر، هناك من يفقد أعزّ ما يملك، هناك من تُصَادر أمواله، فهناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك قوانين استثنائية بيد الله عزَّ وجل، فأنت حينما تخاف الله، وتقرض قرضاً حسناً، ويَقِلّ مالك، تُكافأ بدخل، رزقٍ لا تدري من أين جاءك، أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب.
بينما الذي يرابي أيضاً بقانون استثنائي يُدَمِّره الله عزَّ وجل، ومن عظمة الله عزَّ وجل أنه يُتلف مال الإنسان بأبسط الأسباب، ويغنيه أيضاً بأبسط الأسباب، ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ أنت حينما تقرأ كلام الله، وتقول: صدق الله العظيم، يجب أن تؤمن إيماناً يقينياً أن الربا سيمحقه الله ولو بعد حين، وأن الصدقات سيُرْبيها الله ولو بعد حين، لكن لابد مـن أن تشعر أن العقاب لا يأتي عَقِب الذنب أبداً، وأن الجزاء لا يأتي عَقِب الذنب بسبب أن الله لو فعل هذا لأُلغي الاختيار، مرابٍ تعامل بالربا فأتلفَ ماله بعد ساعة، لا أحد يفعل ذلك لا حباً بالله ولا طاعةً له ولكن خوفاً على المال، والمُتصدق يدفع الصدقة فيأتيه عشرة أضعاف، يأتي أهل الكفر والإلحاد كي يدفعوا الصدقات، لو جاء العقاب والثواب عقب العمل لالتغى الاختيار، ولكن حكمة الله أنك تفعل ما تشاء، وإلى أمدٍ طويل دون أن تُصاب بشيء، تأخذ أبعادك، أنت مخيَّر، فالمَحْقُ هنا قد لا يكون سريعاً.
﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ من معاني ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ أن هذا المال الذي جمعته بالحرام يُتلفه الله؛ بمصادرةٍ، بحريقٍ، بمشكلةٍ، بمرضٍ عُضال تنفقه، أعلم رجلاً له دخلٌ حرام، عِلةٌ في قلبه كلَّفته بضع مئات من الألوف، فالله عزَّ وجل يمحق المال الحرام بطرق كثيرة، إما أن يُتلَف المال نفسه، أو أن يُنفق على صحة الإنسان، أو أن يُدفَع جزاء خطأ غير مقصود، أو أن يشقى الإنسان به، أو أن يُسرق منه، أو أن يكون هذا المال نَكَداً عليه، تألَّب عليه أولاده وتطاولوا عليه طمعاً بهذا المال، أي يصبح هذا المال الحرام مصدر شقاءٍ لهذا الإنسان، هذا معنى ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ وليس المحق سريعاً قد يأتي متأخراً، ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ أما الصدقة كما قلت لكم:
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾
﴿عَلَى﴾ تفيد العلو، فالصدقة تُربي المال، وتملأ نفس المتصدق بالسكينة، والإقبال، والطمأنينة، والقوة، والانشراح، يوجد أثر نفسي، ويوجد أثر مادي، بعد حين يعوّض الله عزَّ وجل على المتصدق أضعافاً مضاعفة.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ أي كفار بهذا المنهج العظيم أثيمٌ لمخالفته، منهجٌ عظيم كَفَر به، ومنهجٌ عظيم أَثِم بمخالفته.
الضمانة الإلهية تكون في طاعة الله والاستقامة على أمره:
ثم تأتي آيةٌ لطيفةٌ جداً، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)﴾
أي آمنوا بالله خالقاً، آمنوا به مُسيّراً، آمنوا به رباً، آمنوا به واحداً، آمنوا به كاملاً، آمنوا به موجوداً، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ومقتضى إيمانهم ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ استقاموا على أمره، وبذلوا الغالي والرخيص من أجله، ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ اتصلوا به، وأنفقوا من أموالهم في سبيله، ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي الضمانة الإلهية لا تكون في كثرة المال الذي يأتي من الربا، الضمانة الإلهية تكون في طاعته والاستقامة على أمره، الإنسان ضعيف:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾
والضعيف يحتاج إلى دعم، يحتاج إلى ملجأ، يحتاج إلى قوة، فالضعيف الجاهل يتوهَّم أن المال وحده هو الذي يُسعده في خريف عمره.
تطمين الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات:
لي طالبٌ قال لي عن أحد أقربائه، كان عنده دار سينما، وجمع المال الحرام الكثير، وأفسد أخلاق الشباب، واستورد الأفلام المنحطَّة، وأقبل الشباب على داره، وجمع أموالاً طائلة -أذكر هذا في السبعينات-قال لي: جمع عشرة ملايين، عشرة ملايين أي تعادل مئتي مليون الآن، أُصيب بمرض عضال، فدخل عليه ابن أخته، وهو على فراش الموت وصار يبكي، قال: جمعت هذا المال كي أسعد به في خريف عمري، وهأنذا قد عاجلني المرض ولم يتح لي أن أنتفع بهذا المال، هذا من محق المال، قد لا تنتفع به، وقد يُؤخذ منك عنوةً، وقد يُسرق، وقد يكون سبب شقائك، وقد يكون سبب جريمةٍ تُرتكب، لأن هذا المال أُخِذَ حراماً، لأن المال الحلال يذهب، أما الحرام يذهب مع أهله:
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ. ))
فهؤلاء الذين آمنوا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ واللهِ أيها الإخوة؛ لا أرتوي من هذا التطمين، ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في المستقبل، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ في الماضي.
الحرص على طاعة الله في كسب أموالنا وفي إنفاقها:
هم في تطمين الله عزَّ وجل، هم في حفظه ورعايته، هم في أمان الله، هم في تطمين الله، هم في توفيق الله، ألا يتمنى كل منا أن تنطبق عليه هذه الآية؟! ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ثم يقول الله عزَّ وجل يوجِّه عباده المؤمنين، يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)﴾
أي احرص على طاعة الله في كسب مالك، وفي إنفاق مالك، أي هو السياق سياق مالي، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي اتقوا سخط الله بكسب أموالكم، فإذا كان هناك رباً سابق، ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لك أن تأخذ مالك فقط، وهناك مَن يقول: حينما تتوب توبةً نصوحاً لك أن تأخذ مالك ولك أن تأخذ هذا الذي زاد عليه وتدفعه إلى الفقراء دون أن يدخل عليك منه شيء.
الآية التالية تحمل إنذاراً قاسياً مرعباً:
قال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾
هنا الآية: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مَن نحن حتى نتعرَّض لحرب الله عزَّ وجل؟ أحياناً خطأ بسيط في الأجهزة تصبح حياة الإنسان جحيماً، مكان بالجسم الخلايا نمت نمواً غير طبيعي، انتهى، واللهِ مرة كنت في جلسة، فيها شخص لا أعرفه لكنه واجم وجوماً لا يُحتمل، كأن هموم الدنيا فيه، بعد أن انتهت الجلسة أوصلته إلى البيت، سألته في الطريق لم يُجب إطلاقاً، ثم علمت أن معه مرضاً عُضالاً، مرض عضال، مرض خبيث، هذه ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ نحن تحت ألطاف الله عزَّ وجل، فالذي يجرؤ ويأكل المال الحرام هذا قد يمحق الله حياته، يمحق صحته، يمحق سعادته، يمحق أمنه، يمحق طمأنينته.
أيها الإخوة؛
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)﴾
أي هذا الذي أقرضته المال بفائدة إذا كان ذو عسرة فانتظره حتى يتيسَّر أمره، لا تقل له: إما أن تقضي وإما أن تُربي، هذا سلوك أهل الجاهلية.
المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا وهو يراقب الله تعالى:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ بأن تنزلوا عن بعض هذا المال للمَدين المُعْسر:
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾
أي يجب أن تعلم علم اليقين أنه لابد من أن تقف يوم القيامة بين يدي الله لتُحاسب عن كل حركةٍ، وعن كل سكنةٍ، وعن كل نفقةٍ، وعن كل كسبٍ فعلته في الدنيا، وهذا هو يوم الدين يوم الجزاء، فالإنسان الذي يؤمن أنه سيُحاسب يستقيم في الدنيا، سيدنا عمر يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ نحن في دار عملٍ ولا جزاء، ونحن قادمون على دار جزاءٍ ولا عمل، نحن في دار هُدنةٍ وانقطاع، العام الدراسي عام هُدْنَة، هذا الطالب يدرس أو لا يدرس، يجتهد أو لا يجتهد، هو في بحبوحة، أما بالامتحان حدّ فاصل، بالامتحان يَفرز الطلاب، ونحن في زمن هدنةٍ وانقطاع، الموت يقطع هذه الهدنة، وهدنة مسموح لنا أن نفعل كل شيء، كل شيء بحسابه:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)﴾
لكن المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا ومعه لله حُجة، إن فعلت هذا هل يرضى الله عني؟ هل لا يرضى عني؟ ماذا أفعل؟ أقْدِم؟ أحْجِم؟ في حوار مع نفسه، وهذه الآية من أدق الآيات في كتاب الله، وقيل: آخر آية نزلت في القرآن الكريم، ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ .
من يطلب النجاة من الله عزَّ وجل ييسر الله له مخرجاً من حيث لا يحتسب:
على كل موضوع الربا موضوع حسَّاس جداً، هناك عشرات الأسئلة.
أولاً: الحقيقة أن هذا هو الشرع أما أين سأضع مالي؟ هذا موضوع ثانٍ، كل شيء له ميزان، هذا هو الحق، وهذا هو الشرع، وهذا هو المنهج، أما قد ينشأ بزمن معين مشكلات لا تُعدّ ولا تحصى، هذه لا تُحَل بمشكلة، أنا أضرب مثلاً دائماً: لو أن إنساناً أصابته جراحٌ عميقة على خده الأيمن، ذهب إلى طبيب تجميل، قال له: قضيةٌ سهلةٌ جداً أنزع لك قطعةً من خدك الأيسر أضعها على خدِّك الأيمن، لم يستفد شيئاً، حلَّ مشكلةً بمشكلة، فهناك أشخاص كثيرون عندهم مشكلة مالية، هذه لا تُحَل بالربا، مشكلة لها حل آخر، وما من إنسان يطلب النجاة من الله عزَّ وجل إلا والله جلّ جلاله يُيسر له طريقاً مستقيماً رائعاً.
مرة فلاح، يعيش حياته كلها في خدمة الأثرياء، وُزِّعت عليه أرض، فرح بها فرحاً لا حدود له، وذهب إلى شيخه ليُخبره، قال له: يا بني هذه أرضٌ مغتصبة، ولا يجوز أن تتملكها، ولو أنها مُلِّكت لك، هذا هو الـشرع، فكل هذا الفرح عاد حُزناً وانقباضاً، ذهب هذا الإنسان الطيِّب إلى الإنسان الثري الإقطاعي يحاول معه أن يبيعه هذه الأرض التي مَلَكها بحكم القانون، قال له: أتبيعني إيَّاها هذه الأرض ليست لي هي لك وقد أُخذت منك عنوةً أُعطيتُ إياها؟ قال له: والله أنا أُخذ من مالي أربعمئة دنم، ولم يأتِني واحد ليسألني أكان هذا المال حلالاً أم حراماً؟ هي لك هديةٌ يا بني، بحرصه، وورعه، وسؤال شيخه ألقى الله في قلب هذا الغني أن يُقدِّمها له هديةً ليزرعها وهو مرتاحٌ وهو في طاعة الله عزَّ وجل.
(( عن سالم عن أبيه مرفوعاً: ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه. ))
[ رواه أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعاً ]
والله مستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن تدع المال الحرام خوفاً من الله ثم لا تأخذ شيئاً يُقابله، إلا ويغنيك الله عزَّ وجل.
وفي الدرس القادم إن شاء الله نتحدث عن آية الدين.
الملف مدقق