- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من دلائل نبوة النبي :
يا أيها الأخوة الأكارم، في القرن الثامِنَ عشر حينما بدأ العالم الغربي يتلمَّسُ طريق العِلْم, وبعد أن اكْتُشِفَ المِجْهَر، اسْتقرَّ في أذهان العلماء أنّ الإنسان يُخْلَقُ من نطفة الرّجل فقط, ثمَّ نُقِضَتْ هذه النَّظريّة، واسْتقرَّ في أذهانهم شيءٌ آخر, وهو أنَّ الطّفل يُخْلقُ من نطفة المرأة فقط, وما النّطفة التي يُلقيها الذَّكَرُ إلا مُنَبِّهٌ لهذا، وظلّ العلماء في القرْنَيْن السابِعَ عشر والثامِنَ عشر يتخبَّطون في نظريّاتٍ .
بينما سُئِلَ النبي عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرْنًا، سألهُ رجلٌ ممَّ يخلقُ الإنسان؟ فقال عليه الصلاة والسلام، وهذا حديثٌ صحيح يُعَدُّ من دلائل نبوّة النبي عليه الصلاة والسلام، شُعوبٌ وأُمَم، بُحوثٌ ومقالات، أجهزةٌ وميكروسكوبات، اسْتقرَّ في أذهان العلماء أنَّ الطِّفْل يُخْلقُ من نطفة الرّجل فقط، وما رَحِم الأمّ إلا مكانٌ تنبُت فيه هذه البِذْرة، ثمّ اسْتقرَّ في أذهانهم شيءٌ آخر أنَّ الطِّفْل يتخلَّق من نطفة المرأة، وما نطفةُ الرَّجل إلا منبِّهٌ لها, أجابَ عليه الصلاة والسلام مِنْ كُلٍّ يُخلَق .
فقد روى أحمد عن عبد الله, قال:
((مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يحدث أصحابه, فقالت قريش: يا يهودي, إن هذا يزعم أنه نبي, فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي, قال: فجاء حتى جلس, ثم قال: يا محمد, مم يخلق الإنسان؟ قال: يا يهودي, من كل يخلق, من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة, فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب, وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم, فقام اليهودي, فقال: هكذا كان يقول من قبلك))
هكذا أجاب النبي عليه الصلاة والسلام، وكلّكم يعلمُ أنّ العلوم الحديثة أشارَت إلى أنّ الرّجُل في اللّقاء الواحِد يخرجُ منه ما يزيدُ عن ثلاث مئة مليون حُوَين منوي، وأنَّ حُوَينًا واحدًا فقط يُلقِّحُ البيضَة، سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن هذا الموضوع فأجاب في حديثٍ صحيح, فعن أبي الوداك عن أبي سعيد, قال:
((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ليس من كل الماء يكون الولد, وإذا أراد الله أن يخلق منه شيئا لم يمنعه شيء))
أليس عليه الصلاة والسلام رسول الله؟ هل معطَياتُ العصْر كانت كافيَة لمعرفة لهذه الحقائق؟ .
ما هو القرار المكين, وأين يقع, وما علة تسميته, وماذا يحيط الجنين في رحم المرأة, وما وظيفته ؟
شيءٌ آخر: قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾
القرار المكين هو الرَّحِم، يقعُ في الوسَط الهندسي تمامًا من جِسم المرأة، فلو أُخِذَ خطّ منصِّفٌ طولي، وخطّ منصّف عرضي، لكان موقعُ الرَّحِم في تقاطُع الخطيين، هذا معنى والمعنى الثاني أنَّ هذا القرار المكين، لما سُمِّيَ الرَّحِمُ قرارًا؟ لأنَّه يفْرِزُ مادَّة لاصقةً إذا جاءتْ البُوَيْضة الملقّحة إلى الرَّحِم الْتصَقَتْ في جِداره، فهو قرارٌ لها، وليس ممرًّا، ثمّ إنّ في الرّحِم من الأوْعِيَة الدَّمَوِيّة بغزارة تفوق حدّة التصوُّر، كلُّ هذه هذه الأوعية تمدّ هذه البويْضة الملقّحة بالدّم لِيَتَغَذَّى, ولِيَنْمو في سرعةٍ, تُعدُّ أسْرعَ ما في جسم الإنسان من نسيجٍ في تكاثرُه وانقسامه.
شيءٌ آخر: هذا الجنين بِغشاءٍ رقيق، وقد بدا هذا في الصُّوَر التي أُخِذَت من الجنين مغلّف بِغِشاء رقيق، وهذا الغِشاء الرقيق معلّقٌ في أعلى الرّحِم، فهو لا يتأثَّرُ بجُدُر الرَّحِمِ وفوق هذا وذاك أُحيط هذا الجنين بسائل، هذا السائل يمْتصّ كلّ الصَدمات، تصوَّر أنَّ الجنين مغلَّفٌ في غِشاءٍ رقيق، والغشاء معلّق في أعلاه بأعلى الرّحِم، وأنّ ما يُحيط بالرّحِمِ سائلٌ يمتصّ كلّ الصَّدمات، والأغْرَبُ من هذا أنَّ الرَّحِمَ كلّه معلّق في حَوْض المرأة، معلَّقٌ بأربِطَة إلى أقطار الحوض، فالرّحِم سائب، والجنين سائب، وبين الرِّحِم والجنين سائلٌ يمْتصّ كلّ الصَّدمات، كلّ هذا الشّرْح ينْطوي تحت قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾
أيها الأخوة الأكارم، يقول بعض علماء العِظام: إنّ عظام الحوْض في المرأة هي أقسى عِظامٍ في النّوع البشري، مِن أجل ردّ الصَّدَمات .
أيها الأخوة الأكارم، قال تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾
أيْ أنّ هذا القرآن كلام الله، وهي المعجِزَة الخالدة، وكلّما تقدَّم العلم كشف عن جانبٍ من إعجازه العلمي .
دعاء الختام :
اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت, فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت, ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت, نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك .
اللهمّ أعنا على الصيام والقيام وغضّ البصر وحفظ اللّسان، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين .
اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك, وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك، ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء, ومن شماتة العداء، ومن السَّلْب بعد العطاء يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك .
اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين, وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى, إنَّك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير .