- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
بحث علمي لتقريب عظمة الكون من أذهاننا :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو من علامات القبول، فالله سبحانه وتعالى في أعظم سورةٍ، بل في أعظم آيةٍ في كتاب الله يقول:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
لنحاول أن نحوم حول هذه الآية.
أيها الأخوة، الأرقام أحياناً لا تعني شيئاً، بل الموازنات قد تعني شيئاً يقرب من الحقيقة، هذا المسجد الذي نحن فيه، مساحته فرضاً مع الحرم، والمرافق، والوجائب، ألف وخمسمئة متر، بينما مساحة الجامع الأموي تقدر بثلاثين ألف متر، إذاً الجامع الأموي أكبر من مسجدنا بعشرين ضعفاً، ولكن هذا المسجد الأموي الكبير، سيصبح صغيراً حينما نوازنه بمساحة المسجد النبوي الشريف، ثلاثمئة ألف متر مربع، أي أن المسجد النبوي يكبر الجامع الأموي بعشرين ضعفاً مثلاً .
أيها الأخوة، فإذا بقينا في سياق الموازنات، على اعتبار أن مساحة المدينة المنورة ستمئة مليون متر مربع، فإنها تكبر المسجد النبوي بألفي ضعف، مساحة المدينة أكبر من مساحة المسجد النبوي بألفي ضعف، والجزيرة العربية مساحتها ثلاثة ملايين كيلو متر مربع، إذاً هي أكبر من مساحة المدينة المنورة بعشرة آلاف ضعف، نتابع هذه الموازنات، ومساحة قارة آسيا أكبر من مساحة الجزيرة العربية بأربعة عشر ضعفاً، أما مساحة كوكب الأرض فأكبر من مساحة آسيا بأحد عشر ضعفاً، انطلقنا من هذا المسجد، إلى المسجد الأموي، إلى المسجد النبوي الشريف، إلى الجزيرة العربية، إلى آسيا، إلى الأرض، ما موقع هذا المسجد من مساحة الأرض؟ ثلاثمئة ألف بليون مرة، فهذا المسجد لا شيء أمام مساحة الأرض.
التفكر في خلق السماوات و الأرض :
أيها الأخوة، ولكن كوكب الأرض هل هو أكبر شيءٍ في الوجود؟ بالتأكيد الجواب لا، فالله سبحانه وتعالى خلق كوكب المشتري أكبر من الأرض بألف وثلاثمئة مرة.
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾
نتابع، وتبقى الشمس العظيمة نجماً متواضعاً عندما نوازنها بنجومٍ أخرى أودعها الخالق في سمائه، وقال:
﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾
فإذا نظر الإنسان وجد أن نجم الشِعرى اليمانية ألمع نجمٍ في السماء، يكبر شمسنا بثمانية أضعاف، بالمناسبة الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي إن مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، ونجم الشِعرى اليمانية يكبر الشمس بثمانية أضعاف، وصدق الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾
ولنسأل أنفسنا: ما هو حجم كوكب الأرض من الشِعرى اليمانية؟ الشِعرى اليمانية أكبر من الأرض بعشرة ملايين مرة، أي عشرة ملايين أرض تدخل في الشِعرى اليمانية.
الدين عباداتٌ شعائرية وتعاملية وتفكرية :
أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:
﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
وقال الله عز وجل:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
ولا تنسوا أيها الأخوة، أن كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، توهمنا أن الدين عباداتٌ شعائرية، هو في الحقيقة عباداتٌ شعائرية، وتعاملية، وتفكرية، أكثر من ألف وثلاثمئة آية في كتاب الله تتحدث عن الكون، وتدبر هذه الآيات يعني التفكر في خلق السماوات والأرض، والآية الأصل في هذا الموضوع:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ونحن في هذا البحث ننطلق من أن أصل الدين معرفة الله، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر، تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفننت في التفلت من الأمر.
التفكر في خلق السماوات والأرض هو الطريق إلى معرفة الله :
الآن إذا أمعنا النظر في كواكب السماء ونجوم السماء، هناك نجم أكبر من شمسنا بخمسمئة مرة، وأكبر من أرضنا بستمئة مليون مرة، نجم، فلا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله والله أكبر و أعظم، أما نجم السماك الرامح فأكبر من شمسنا بثلاثين ألف مرة، وأكبر من أرضنا بأربعين مليون مرة.
نتابع: أما نجم رجل الجوزاء، فهو أكبر من شمسنا بثلاثمئة وثلاث وأربعين ألف مرة، وأكبر من أرضنا بأربعمئة بليون مرة، نحن وازنا هذا المسجد بالأرض، والآن نوازن الأرض بهذه الكواكب، أما نجم بيت الجوزاء، فأكبر من شمسنا بمئتين وأربع وسبعين مليون مرة، لذلك هذا النجم أكبر من أرضنا بثلاثمئة وخمس وخمسين تريليون مرة:
﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾
نندهش بصاروخ صنعه إنسان، نندهش بباخرة، بطائرة، انظر إلى خلق الله عز وجل، مرة ثانية: التفكر في خلق السماوات والأرض هو الطريق إلى معرفة الله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
الآيات العلمية في القرآن الكريم :
أخوتنا الكرام، النجوم أفرانٌ نوويةٌ مخيفة، يتفطر لها قلب الإنسان هولاً، وخوفاً، حينما يتأمل، ويتدبر، ويتفكر بحجمها، وموقعها، قال تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
صدقوا أيها الأخوة أن عالم فلكٍ إذا وقف عند كلمة
﴿ مَوَاقِعِ ﴾
لخر ساجداً لله عند كلمة
﴿ مَوَاقِعِ ﴾
فقط، لأن هذا النجم الذي يبعد عنا أربعاً وعشرين مليار سنة، كان في هذا المكان وانطلق الضوء منه، ومشى هذا الضوء نحو الأرض، وبعد أربع وعشرين مليار سنة وصل الضوء إلينا، أما هذا النجم سرعته تقترب من سرعة الضوء، سرعته تقدر بمئتين وأربعين ألف كيلو متر بالثانية، أين هو الآن؟ هذا المكان ليس نجماً، هذا المكان موقع النجم، معنى الموقع أن صاحب الموقع ليس في الموقع، لو أن الآية افتراضاً: فلا أقسم بالمسافات بين النجوم، هذا ليس قرآناً، أما
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
أيها الأخوة، هل أتانا نبأ النجم الأحمر العملاق، الذي اسمه قلب العقرب، والذي يكبر الشمس بثلاثمئة وثلاث وأربعين مليون مرة، أي ثلاثمئة وثلاث وأربعين مليون شمس تدخل في قلب العقرب، ومليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ هذا الإله العظيم يعصى!.
لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت
* * *
هذا النجم قلب العقرب العملاق الذي يكبر الشمس بثلاثمئة وثلاث وأربعين مليون مرة، يبعد عنا ستمئة سنة ضوئية.
السماء أشد خلقاً من الإنسان والذي خلقها أشد منها :
أنا مرة حدثتكم: أن أربع سنوات ضوئية أقرب نجم ملتهب للأرض، لو كان له طريق، ومعنا مركبة أرضية، والسرعة مئة، نصل إليه بعد خمسين مليون عام، نحتاج إلى أن نقود مركبةً أرضيةً خمسين مليون عام حتى نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، أما هذا النجم قلب العقرب، بعده عنا ستمئة سنة ضوئية، أي خمسة آلاف مليون مليون كيلو متر، متى نصل إليها؟ والمخيف والمدهش أننا لو افترضنا أن نجم قلب العقرب العملاق حلّ مكان الشمس، لابتلع عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، دخلوا مع المسافات بينها في جوفه.
أيها الأخوة، هذا النجم الذي يفوق الشمس بثلاثمئة وثلاث وأربعين مليون مرة وقلب العقرب أشد إشعاعاً من الشمس بعشرة آلاف مرة، ألم يقل لكم ربكم أيها الأخوة:
﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾
طبعاً نجيب جميعاً بلا تردد: السماء يا ربنا بلا جدال أشد منا خلقاً، والذي خلقها أشد منها، فارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الكون لا نهاية لاتساعه وكلما تقدم العلم اكتُشفت آفاقٌ جديدةٌ لم تكن معروفة :
الآن عندنا نجم اسمه كانسيو، يبعد عنا خمسة آلاف سنة ضوئية، يفوق الشمس حجماً بتسعة بلايين ومئتين وواحد وستين مليون مرة.
﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
هل نريد أن نعرف حجم أرضنا عند هذا العملاق؟ نسبة الأرض إلى هذا النجم العملاق، طبعاً قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾
هذا النجم لو حلّ محل نجمنا لبلع عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، والمشتري، من أبعد النجوم عن الأرض المشتري، بعض الوكالات أرسلت مركبة فضائية للمشتري، هذه المركبة سارت بأسرع سرعة وضعها الإنسان، أربعون ألف ميل في الساعة بقيت هذه المركبة تتجه نحو المشتري ست سنوات، بسرعة أربعون ألف ميل في الساعة، بعد ست سنوات وصلت للمشتري، وأرسلت الصور من هناك.
أيها الأخوة، هذا النجم العملاق لو حلّ مكان نجمنا، لبلع عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، والمشتري، ووصل إلى حدود زحل، طبعاً حتى الضوء الذي سرعته ثلاثمئة ألف كيلو متر بالثانية، يستغرق ثماني ساعات ليكمل دورةً حول هذا النجم العملاق، يحتاج الضوء إلى ثماني ساعات ليلف حول هذا النجم العملاق، هناك نجم اكتشف حديثاً، بعده عنا يقدر بأربع وعشرين مليار سنة ضوئية، لأنك إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
لذلك:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
النجوم هي وحدة بناء المجرات :
أيها الأخوة، النجوم هي وحدة بناء المجرات، مجرتنا المتواضعة، درب التبابنة تحتوي على ملايين، بل بلايين النجوم، والشموس، نحن بمجرة متواضعة، شكلها كشكل عضلة، هذه المجرة المتواضعة تحتوي على ملايين بل بلايين النجوم والشموس، وهذه المعطيات الرقمية ليست نظرية، إنما هي مشاهدة حقيقية من مراصد عملاقة، قابعة في السماء، مرصد هُبل في السماء يرصد هذه النجوم.
يقدر العلماء أن طول مجرتنا مئة ألف سنة ضوئية، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام، طول مجرتنا المتواضعة درب التبابنة مئة ألف سنة ضوئية، أي ما يعادل تسعمئة وخمس وأربعين ألف مليون مليون، يقدر عدد نجوم هذه المجرة المتواضعة ما بين مئتين إلى أربعمئة بليون نجم، وفي السماء الدنيا بلايين المجرات، وكل مجرة تحتوي على بلايين النجوم، والعلماء كلما طوروا مناظيرهم العملاقة اكتشفوا المزيد والمزيد من هذه المجرات، حجم السماء أكبر وأعظم من أن يستوعبه العقل البشري، أو أن يدركه الذهن الإنساني، ولا حتى الحاسب الإلكتروني، يكفي أن نذكر أن متوسط قطر المجرات يساوي ثلاثين ألف سنة ضوئية، أي المجرات كثيرة جداً، لنأخذ متوسطها، قطر مجرة متوسطة يقدر بثلاثين ألف سنة ضوئية، والمسافة بين كل مجرتين ثلاثة ملايين سنة ضوئية، الكون متباعد
﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾
قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
وعلى مستوى الكون المكتشف والمنظور هناك أحدث تقدير علمي لعرض الكون أقول لكم كلمات: لا أدري كيف نفهمها؟ قال: الكون، التقدير العلمي الحالي ست أصفار، ست أصفار، ست أصفار، ست أصفار، أربعة وعشرون صفراً أمامها واحد.
التفكر أعلى عبادةٍ على الإطلاق لأن أصل الدين معرفة الله :
أيها الأخوة، الحقيقة أن الكلمات وحتى الأرقام تعجز عن وصف سعة الكون وما يختزنه من خلقٍ عظيمٍ، ومدهش، قال تعالى:
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
هذا الموجود المخلوق فكيف بالموجد الخالق؟ لا زلنا في المخلوق، والمخلوق فيما يبدو لا نهائي، فكيف بالخالق؟ هل أدركنا حجم السماء ومساحتها وسعتها؟.
أيها الأخوة، الآن أتريدون أن تقرؤوا عن مخلوقٍ يتيمٍ يكبر السماوات والأرض، مخلوق يتيم، واحد، يكبر السماوات والأرض، ولم يشاهده البشر إطلاقاً، ولم يخلق مثله في الوجود، إنه الكرسي،
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
مخلوق يتيم واحد يلف الكون كله، سبحان الله، والله أكبر، سبحان الله، والله أكبر وأعظم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الله عز وجل يقول:
﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
أكاد أضع يدي على مشكلة العالم الإسلامي، عرفوا الأمر، درس في المدرسة الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والأمانة، والصدق، لكن ما عرف من هو الآمر، لذلك تفلت من الأمر، أي:
(( لن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
الأمة الإسلامية الآن مليار وخمسمئة مليون، لا وزن لها، ليس أمرها بيدها، للطرف الآخر عليها ألف سبيلٍ وسبيل، كيف نفسر ذلك؟ لأننا ما عرفنا الله، أصل الدين معرفة الله، ومعرفة الله تتم بالتفكر في خلق السماوات والأرض، والتفكر أعلى عبادةٍ على الإطلاق، عن طريق التفكر تعرف الله، إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء))
من عرف الله عز وجل تفانى في طاعته :
أيها الأخوة الكرام، أصل الدين معرفته، والآية الأصل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
والله عز وجل قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
أنت أمام كأس الماء، أمام صحن الطعام، أمام هذه الفواكه، أمام الأسماك، أمام الأطيار، وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل على أنه واحدُ، عود نفسك أن تفكر، تفكر في خلق السموات والأرض، تفكر في طعامك:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
أيها الأخوة الكرام: الطفل أساسه حوين واحد، والحوين لا يرى بالعين، والبويضة يمكن لو وضعت لعاباً على طرف إصبعك، ووضعت إصبعك على الملح، بأخف ضغط تجد طبقة ذرات الملح، البويضة تساوي أحد هذه الذرات، والحوين لا يرى بالعين، وعند التقاء البويضة مع الحوين يجري اللقاح و بعد تسعة أشهر يلد طفل، بدماغه مئة وأربعون مليار خلية، سمع، بصر، فم، لسان، مريء، قلب، أمعاء، هضم، كليتان، عضلات، تسعة أشهر:
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ﴾
في مثل هذا الدرس،
﴿ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
انظر إلى عينك:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
إلى لسانك، إلى سمعك، إلى بصرك، إن عرفنا الله تفانينا في طاعته، أما إذا لم نعرفه، الأمر أصبح كما ترون، ثقافة إسلامية، لكن هدى إسلامياً لا يوجد.