- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أمراض النفس خطيرة
أيها الإخوة الكرام، من أمراض النفس التشاؤم والسوداوية، والنظر إلى السلبيات فقط، وعدم توقع الخير، واليأس والإحباط، هذه أمراض تصيب النفس، ولكن هذه الأمراض تصبح وبائية عند المُلِمّات والنوازل، فعند المُلِمّات والنوازل تغدو هذه الأمراض التي كان من الممكن أن تصيب الإنسان تغدو وباءً.
التفاؤل
1 – التفاؤل روح الإنسان:
فلذلك لا بد من أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم، أن نقتدي بأنه كان يحب الفأل الحسن، فالتفاؤل أيها الإخوة الكرام روح تسري في النفس، تجعل الفرد قادراً على مواجهة الحياة، وعلى توظيف إمكاناته في الخير، وعلى تحسين الأداء، وعلى مواجهة الصعاب، والناس يتفاوتون في ملكاتهم، يزيد في الخلق ما يشاء، ولكن الناس جميعاً قادرون على أن يكونوا متفائلين، والتفاؤل يصنعونه بأيديهم، والجبرية المطلقة، إن في العقيدة أو في التصور يأس مطبق، وانتحار بطيء، واعتقاد المرء أنه ريشة في مهب الحياة، ورهن للطبائع والأمزجة التي ركب عليها، أو ورثها عن والديه، أو تلقاها من بيئته الأولى، وأن ليس أمامه إلا الامتثال، هذا إهدار لكرامة الإنسان، فلا بد من اتخاذ قرار بالتفاؤل، فالتفاؤل قرار ينبثق من داخل النفس، هذه أول حقيقة في التفاؤل، ونحن جميعاً قادرون عليه، ونصنعه بأيدينا واثقين بربنا، معتمدين على التوحيد، وأن الله سبحانه وتعالى في السماء إله وفي الأرض إله، قال تعالى:
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
2 – المظهر أحياناً يوحي بالتفاؤل:
أيها الإخوة، لكن المظهر أحياناً يوحي بالتفاؤل، هذا الذي مشى متطامناً وغضب منه عمر الفاروق، قال: << ارفع رأسك، متى أمتَّ علينا ديننا ؟ >>، فالمظهر والشكل والثقة، والحركة والالتفات، والقيام والقعود، والنظر والكلام، والمشاركة هذه توحي بقوة، فهذا الذي مشى متبختراً قبيل معركة قال عنه صلى الله عليه وسلم:
(( إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن، رحم الله عبداً أراهم منه قوة ))
لا تكن متطامناً، لا تعبر عن سوداويتك، ولا عن يأسك، ولا على أنك ريشة في مهب الرياح، والمسلمون انتهوا، أعداءهم أقوياء أذكياء أغنياء، يخططون لهم، قرارهم هو النافذ، هذا من فعل الشيطان.
أيها الإخوة الكرام، حتى إن الإنسان قد لا يخلو من عيب، هذا العيب لا يقدم ولا يؤخر، أحد التابعين كان قصير القامة، أحنف الرجل، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضب غَضب لغضبه مئة ألف سيف، لا يسألونه فيمَ غضب ؟ قيمة الرجل بعلمه وبأخلاقه، وبعمله الطيب.
3 – التبسُّمُ والضحك ورواية الطُرَف والنُّكتِ الهادفة:
أيها الإخوة الفكرة الثالثة تدرب على أن تكون مبتسماً، ولا تكن عبوساً قمطريراً، كن جاهزاً، اضحك باعتدال، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ))
البسمة تصنع في قلبك وفي حياتك الكثير، ولا سيما إن كانت ابتسامة حقيقية متطابقة مع حركة الوجه والشفتين، وليست ابتسامة ميكانيكية، كتلك التي يصطنعها الطغاة.
الطرفة لا تتحرج من روايتها، الطرفة المهذبة الأديبة الهادفة اللطيفة التي لا تمس إنساناً، ولا حرفة ولا جهةً، ولا شيئاً في الحياة، لكنها تشيع البهجة في النفوس، وتجدد نشاط المستمعين هذه لا تضن بها، حتى تعلمنا في الجامعة في كلية التربية أن الفكاهة في التعليم لها دور كبير، ولقد أثبت بعض الأبحاث الطبية أن المرح احتمال إصابته بأمراض القلب أقل بكثير.
أيها الإخوة، هذه الطُّرَف التي يصنعها الناس، أو يرونها، وقد يكون الرواة من الوقورين، ومن المشاهير، والعلماء والساسة، وحينما تروى هذه الطرف لا تتضعضع مهابتهم إطلاقاً، بل يزدادون محبة للناس، ويزداد الناس حباً لهم، المؤمن يألف ويؤلف، المؤمن متفائل، المؤمن ضحاك بسام، والتبسم صدقة، كما قال عليه الصلاة والسلام، والإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: " ليس من المروءة الوقار في البستان "، أيْ إذا كنت في نزهة فلمَ هذا الوقار الزائد، وهذا الكهنوت، وهذا الوضع المخيف ؟ أنت في نزهة، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكا، وكان إذا دخل بيته كواحد من أهل البيت، ويضع الحسن والحسين على ظهره تأليفاً لقلوبهما.
أيها الإخوة الكرام، ليس معنى هذا أن يكون الضحك هدف حياتنا أبداً، لكن الوضع الكئيب السوداوي المتشائم اليائس، والذي لا يبتسم، ولا يضحك، ولا يُفرِح مَن حوله هذا وضعٌ غير مقبول، وهؤلاء الذين يفرحون الصغار لهم قَصر في الجنة، والإنسان هو الوحيد الذي يضحك، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾
فإذا ضحكت، وأدخلت على قلب أهلك السرور ما الذي يمنع ؟
أيها الإخوة الكرام، هناك أناس كثيرون يجددون نشاطهم بطرفة بريئة، بموقف يدعو إلى الابتسام، هذا شيء من لوازم التفوق.
4 – املأ قلبك بالطيب ولا تكن شاكاً ولا قنّاصاً:
الحقيقة الرابعة: املأ قلبك بالطيب، ولا تكن شاكاً، ولا تكن قناصاً، ولا تكن سيئ الظن، انوِ النية الطيبة، ولا تحسد الناجحين، قال تعالى:
﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
حتى لو كان الذين نجحوا وتفوقوا، فزملاء نجاحهم بفضل الله، ثم بفضل جهدهم وكدهم وسعيهم عليك أن تعمل مثلهم، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
افرح للناجحين، اكتب لهم رسالة، أثنِ عليهم، ابتسم لنجاحهم، هنئهم على نجاحهم تكن شريكاً لهم، ولا تجعل نجاحك على حساب الآخرين تسلقاً على أكتافهم، أو زراية بهم، أو تتبعاً لعوراتهم وعثراتهم، ولا تجعل الناس مادة لسخريتك.
أيها الإخوة، إذا كان ثمة طموح أمامك فاسأل الله من فضله، إنْ كان مزيداً من الدخل، أو مكانة، أو مجداً دنيوياً، اسأل الله هذا الشيء، وعاهده أن يكون للضعفاء وللفقراء والمحاويج والبسطاء حق عليك.
واللهِ قبل أسابيع دعيت إلى الجزائر، وألقيت خطبة في ثاني أكبر جامع في إفريقيا، الذي أنشأ المسجد استقبلني، وقبل أن أنطلق إلى الخطبة والدرس قال لي: أنا كنت في السجن، وقد رأيت ألوان التعذيب أمام عيني في عهد فرنسا، بل إن بعض العلماء قصت ألسنتهم، فعاهدت الله عز وجل إن سلمني لأنشئن له مسجداً من أكبر المساجد، هو في السجن احتمال موته كبير، طلب من الله هذا الطلب، وقد حقق له الله هذا الطلب، مسجد عبد القادر الجزائري، ثاني أكبر مسجد في إفريقيا، الذي أنشأه كان في السجن والتعذيب أمامه، فما يئس، ما قال: انتهيت، غداً أقتل، لا، قال: إن سلمني لأنشئن له مسجداً.
مقتطفات من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في التفاؤل وخدمة الناس
ومن السيرة النبوية: لما كان النبي عليه الصلاة والسلام عائداً من الطائف التي كذبته، وسخرت به، بل وأغرت صبيانها لنيله بالأذى، قال له زيد: يا رسول الله، أترجع إلى مكة، وقد أخرجتك ؟ قال: إن الله ناصر نبيه، هدر دمه، وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة وهو مهدور دمه، قال له: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ أيْ أنا سأصل سالماً وسأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين، وسأنتصر عليها، وسوف تأتيني غنائم كسرى، ويا سراقة، لك سوار كسرى، هذا هو الإيمان، الإيمان أن تثق بالله، الله عز وجل لا يتخلى عن عباده المؤمنين، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
جهدك الضخم، بحة صوتك، سهرك الطويل، مجافاتك للفراش، هذا الجهد سيكلل ـ إن شاء الله ـ بالنجاح.
5 – كن إيجابياً:
دائماً كن إيجابياً، وهناك إنسان سلبي يبحث عن العيوب، يبحث عن الجانب المظلم في كل إنسان، في كل شيء يؤثر التشاؤم والانسحاب والتقوقع، كن إيجابياً، انظر إلى جانب الخير، لما، تقول: هذا الكأس نصفه فارغ، قل: نصفه ملآن، حقيقة واحدة انظر إلى القسم الممتلئ، ودعك من القسم الفارغ، انظر إلى إيجابيات الإنسان.
أيها الإخوة الكرام، بل إن بطولتك أن تكتشف الإيجابيات في السلبيات كلما ضاق الأمر اتسع وبعض السلبيات لها إيجابيات، لو أن الطريق لم يعجبك له إيجابية هذا الطريق المتعب الذي فيه حفر وانعطافات كثيرة لا تنام فيه أبداً بينما الطرق الواسعة المستقيمة في احتمال النوم و النوم حدث مدمر، اكشف الناحية الإيجابية بهذه السلبية.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان المؤمن يسعد ويُسعد، وغير المؤمن يشقى ويُشقي، أحياناً الإنسان شعوره كأنه بلورة ذات لون دخاني، يرى كل شيء حوله قاتماً، هذا خطأ كبير، ثم أن تنظر إلى الناس على أنهم جميعاً جهلاء أغبياء متخلفون، وأنت وحدك الفهيم، والذي أدركت حقيقة الحياة، هذا خطأ كبير، من ظن أن الناس أغبياء فهو أغباهم، الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة، أمتي كالمطر لا يدرى، أولّها خير أم آخرها.
أيها الإخوة الكرام، أحياناً الإنسان يتهم بالسذاجة، وقد يكون متفائلاً، ولكن السوداويون ما من شيء إلا وبعد التحليل يكنّ شراً، ما من شيء في حياتهم يحللونه، فإذا هو مؤامرة، إذا هو قنص، إذا هو خطة جهنمية، هذا خطأ كبير، أنت بحاجة إلى شيء من البساطة، وهذه البساطة مسعدة، طبعاً أروع موقف هو موقف سيدنا عمر حينما قال: << لست بالخبّ، ولا الخبّ يخدعني >>، أي لست من السذاجة بحيث أُخدع، ولا من الخبث بحيث أََخدع، هذا موقف دقيق جداً.
مثلاً: في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله :
(( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين ))
النبي الكريم ماذا أبرز من هذه القصة ؟ هذه المرأة الفاسقة الفاجرة التي دعته إلى نفسها، أم هذا الشاب العفيف ؟ ترك المرأة وشأنها، وأبرز عفة الشاب:
(( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ))
وحينما قدم وفد النجاشي إلى المدينة تولى النبي بنفسه خدمتهم، يا ترى النجاشي طبق كل أحكام الإسلام في بلده ؟ لم يستطع، لكنه أحسن وفادة أصحابه، وأكرمهم، وجعلهم في طمأنينة وراحة، نظير هذا العمل تولى النبي بنفسه خدمة الوفد الذي جاء من النجاشي.
وهذا الرجل الذي أراد امرأة فامتنعت عنه، حتى اضطرتها ظروف الحياة القاسية أن تطاوعه، و هي كارهة ، ثم ذكرته بالله، و قالت: اتق الله، و لا تفضن الخاتم إلا بحقه، فقام عنها، و هو أشد ما يكون شوقاً إليه، والله تعالى حمد إليه هذا، واستجاب دعاءه بهذا الموقف، مع أنه خطا خطوات إلى المعصية، وحاولها من زمن طويل، وواعدها، وابتز المرأة أول أمره، واستغل ظروفها المادية الصعبة، و وصل إلى الخلوة، وأن يقعد منها مقعد الرجل من امرأته، وهذا لفظ ينطوي على كل هذه المراحل من المعصية، والانحراف والابتزاز، في النهاية كفّ عنها خوفاً من الله عز وجل، الله قبِل توسله بهذا العمل الصالح.
يا أيها الإخوة، من قال: هلك الناس فهو أهلكهم، أي أشدهم هلاكاً، من قال: هلك الناس فهو أهلكهم، هم ليسوا كذلك، ليس معنى هذا أن تكون ساذجاً، أن ترى إنساناً غارقاً في المعاصي، فتقول: يا أخي هو وليّ، أو قد يكون ولياً، هذه سذاجة وحمق ي الإنسان، المعصية معصية، والانحراف انحراف، والظلم ظلم، أنا لا أدعوك أن تصف العصاة والمذنبين والمنحرفين والمجانين بأنهم أولياء، كما أنني لا أدعوك إلى أن تيأس من إنسان.
سيدنا خالد أسلم متأخراً، وبقي في الإسلام سبع سنوات، وصار سيف الله المسلول، فلما أسلم قال له النبي عليه الصلاة والسلام: عجبت لك يا خالد، أرى لك فكراً، لا تيئس، هذا الذي أُقيم عليه حد الخمر، والصحابة الكرام في أثناء جلده لعنوه، فكما جاء في صحيح البخاري قال عليه الصلاة و السلام:
(( هلا قلتم: رحمك الله، بدل أن تلعنوه، إنه يحب الله و رسوله ))
الصحابة لعنوه، لكن النبي رأى إيجابية فيه فقال: إنه يحب الله ورسوله، لا تلعنوه، ادعُوا له بالرحمة.
هذا الذي دخل بستانَ أنصاري، وأكل من دون إذنه، ساقه الأنصاري إلى النبي ليسجنه سارقاً، فقال النبي الكريم: هلا علمته إن كان جاهلاً ؟ وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟
كن إيجابياً، ساهم في خدمة الناس، ساهم في خدمة المجتمع، ساهم في تحمل هموم الناس، حاول أن تقدم شيئاً للناس، حاول أن تعتذر عنهم أحياناً هؤلاء الذين كذبوا النبي، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم أن يضربوه، جاءه ملَك الجبال، قال له: يا محمد، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، أي أنّ الله مكنه أنْ ينتقم منهم، ماذا قال: اللهم اهد قومي، دعا لهم، وقد ضربوه، اهد قومي، ما قال: اهد هؤلاء، اهد قومي، هم قومي، إنهم لا يعلمون، اعتذر عنهم، لم يتخلَ عنهم، واعتذر عنهم، و دعا لهم، و تفاءل أن يكون أولادهم من الموحدين، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله، هذا موقف النبي.
حاطب بن بلتعة الذي ارتكب خيانة عظمى في كل الأنظمة، وفي كل العصور عقوبته الإعدام، أرسل رسالة إلى قريش: إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، وقع الكتاب بيد رسول الله، القصة طويلة تعرفونها، استدعاه، قال: ما هذا يا حاطب ؟ سيدنا عمر قال له: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، ما نسي له هذه.
الناس إذا أخطأ إنسان يتعامون عن كل إيجابياته، يكبرون هذا الخطأ، ويجعلونه مجرماً، قال له: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، يا حاطب، لمَ فعلت هذا ؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتددت، ولكنني لصيق في قريش، أردت بهذه الرسالة أن يكون لي عندهم يد أحمي بها أهلي ومالي، فاغفر لي ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة و السلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا إلا خيراً.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان يجب أن يكون إيجابياً، ودائماً إذا طُعِنت في الظهر فاعلم أنك في المقدمة، ولابد للمؤمن من مؤمن يحسده، أو منافق يبغضه، أو كافر يقاتله، أو نفس ترديه، أو شيطان يغويه.
السؤال الآن: لماذا جاءت تُهَمُ الكفار للنبي في القرآن الكريم ؟ السبب أن هذا درس للدعاة، و قالوا: ساحر أو مجنون، قالوا: شاعر، التهم التي ألصقت بالنبي عليه الصلاة والسلام أثبتها الله في القرآن الكريم، فلذلك أيها الإخوة الكرام، لابد من أن نكون إيجابيين.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تدمير الله للطغاة : لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
أيها الإخوة الكرام، التاريخ القريب يقدم لنا بعض الأدلة على موضوع هذه الخطبة، فالمعسكر الشرقي الذي كان يرفع عقيدة ( لا إله )، والذي يملك من الأسلحة النووية ما يمكنه من تدمير القارات الخمس خمس مرات، كيف تداعى كبيت العنكبوت ؟ العوام لهم كلمة رائعة: " الذي عند الله ليس عند الخلق "، لا تيئس، لا تتشاءم:
﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
هؤلاء الطغاة لهم آجال تنتهي، هم سقطوا في الوحل، وهم أقوياء فكيف إذا انتهت قوتهم ؟
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
الصحابة الكرام أيضاً:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
نحن في أصعب امتحان، الكافر قوي جداً، يفعل ما يريد، يتفنن في نهب ثروات الشعوب، وفي قتل الأبرياء، وفي إذلالهم، ومع ذلك فالله له بالمرصاد.
لذلك هذا الامتحان بعض ضعاف الإيمان يقولون: أين الله عز وجل ؟ فإذا أظهر الله آياته يقول هؤلاء الكفار: لا إله إلا الله.
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك، ونتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا تأخذنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، دمر أعداءك أعداء الدين، اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.