- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإيثار و الأثرة:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس والثلاثين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ومع التربية الاجتماعية، ومع موضوع جديد من التربية الاجتماعية ألا وهو: خُلق الإيثار.
بالمناسبة الصفة البارزة في المؤمن أنه يؤثر أخاه المؤمن في كل شيء، والصفة البارزة في غير المؤمن أنه يعتمد الأثرة، الأثرة يقابلها اشتقاق غير صحيح الأنانية، أية كلمة في اللغة العربية إذا أضيفت لها ياء النسبة، أو التاء المربوطة أصبحت مصدراً، وطن الوطنية، قوم القومية، أية كلمة أضف إليها ياء النسبة مع التاء المربوطة تنقلب إلى مصدر هذا ينطبق على الكلمات، ولا ينطبق على الأدوات، أنا أداة، ليس وارد في اللغة أن تقول: أنانية، ينبغي أن تقول: أثرة، وليس وارد في اللغة أن تقول: غيرية، تقول: مؤاثرة، فنحن بين مصطلحين المؤاثرة، والأثرة، حينما تأخذ الشيء الجيد لك فأنت في الأثرة، و حينما تقدمه لأخيك أنت في المؤاثرة.
إذاً هذا الخلق لو ربيت أولادك عليه لرأيت العجب العجاب، يتنافسون كيف يقدم الواحد منهم للآخر الشيء الطيب، اللقمة الطيبة، الفاكهة الكبيرة، فإذا ربيتهم على الأثرة يتقاتلون، ليأخذ الواحد السرير الذي إلى جانب النافذة، والفاكهة الكبيرة له، والطعام الطيب له، فهذا البيت إما أن يسوده الأثرة، شيء لا يحتمل، وإما أن يسوده المؤاثرة، من أبرز الخُلق الذي ينبغي أن يكون سائداً في البيت المؤاثرة.
كل بيت سادت فيه المؤاثرة هو قطعة من الجنة:
أيها الأخوة، بشكل أو بآخر، الآية الأصل في هذا الموضوع هي قوله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
والله أخ كريم له مكانة عندي عنده بيت، أخوه أكبر منه، بحاجة ماسة إلى الزواج قدمه له، هذه المؤاثرة، حينما يسود في البيت جو المؤاثرة البيت جنة، وحينما يسود في البيت جو الأثرة البيت جهنم.
وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة، وقد تراها يوم القيامة كجبل أُحد، بقي قطعة لحم قدمتها لزوجتك هذه مؤاثرة، أكلتها ولم تعبأ بمشاعرها هذه أثرة، ابتداء من قطعة اللحم إلى الغرفة الجيدة، دائما الخلاف والصراع بين الأولاد على الغرف، يوجد غرفة كبيرة، أو غرفة مطلة على مكان جميل، أو غرفة الشمس فيها أكثر، أحد الأولاد يريدها لنفسه، فالبيت الذي تسوده المؤاثرة، الواحد يقدم أجمل شيء لأخيه، والثاني أيضاً يقدم أجمل شيء لأخيه، صار جنة.
أيها الأخوة، ولا أبالغ أحد أسباب أن يكون البيت جنة خُلق المؤاثرة، وأحد أسباب أن يكون البيت جحيماً خُلق الأثرة، أي بالتعبير الغير صحيح الأنانية والغيرية.
الأخوة في الله ثمينة جداً علينا الحرص عليها:
أيها الأخوة، لو تتبعت تاريخ الصحابة الكرام لوجدت أن كل أصحاب رسول الله يتمتعون بهذه الصفات، مجتمع المؤمنين مجتمع رائع جداً، أقسم لكم بالله ليس على وجه الأرض جهة تسعدك كأخيك المؤمن، يؤثرك على كل شيء، يقدم لك أجمل ما عنده، متواضع، وفيّ، صادق، أمين، ناصح.لذلك إن كان لك أخ في الله احرص عليه، ولأن تكسب أخاً في الله خير لك من أن تكسب الدنيا وما فيها، الأخوة في الله ثمينة جداً، موضوع الأخوة في الله موضوع كبير جداً.
قوتنا في المؤاثرة لا في الأثرة:
أنا أقول لكم: الحقيقة المرة كما تعلمون هي عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، عندنا كل شيء، مساجد لم يحلم بها أصحاب رسول الله، تكييف، تدفئة، سجاد، شيء أنيق، جامع لطيف، واسع، مريح، هذا لم يكن على عهد رسول الله، كانت الأرض بحصاً وليست سجاداً، السقف سعف النخيل.مساجد، مدارس، معاهد، مكتبات، مجلدات، كتب، مؤتمرات إسلامية، شعارات إسلامية، المظاهر الإسلامية الآن صارخة، لكن لا يوجد حب، خصومات، تراشق تهم، وتنتهي بالدماء، الدماء تسيل بين المسلمين، حرب بين دولتين إسلاميتين دامت ثماني سنوات، أحرقت الأخضر واليابس.
وللتاريخ أقول لكم هذه اللقطة: بمؤتمر الدول الصناعية العشر ظهرت منافسة بل وملاسنة بين ريغن رئيس أمريكا، وبين تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، بماذا هددها ؟ هددها بإيقاف الحرب بين العراق وإيران، دامت ثماني سنوات، لكن الحرب مع اليهود ست ساعات فقط.يجب أن نعلم أن قوتنا في وحدتنا، قوتنا في المؤاثرة لا في الأثرة، لو طُبق هذا الخلق في العالم الإسلامي، أو طُبق في البيت لصار البيت جنة، المؤاثرة، وطن نفسك المكان الذي على النافذة لأخيك، والسرير القريب من النافذة لأخيك هو أيضاً مذوق، هو يقسم بالله أن هذا محلك.
مثلاً: بيت فيه تنافس على المؤاثرة، و بيت آخر فيه تنافس في الأثرة، الأول جنة، والثاني جحيم، الآية الأصل:
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
انتشار خلق المؤاثرة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم:
الشيء المشهور، المعروف، المألوف، أن أصحاب رسول الله حينما هاجروا الأنصاري كان يقول لأخيه المهاجر: عندي بيتان اختر أحدهما، عندي حانوتان اختر أحدهما، عندي بستانان اختر أحدهما، شيء رائع، هل تصدقون أنه لم تسجل كتب السيرة أن مهاجراً أخذ شيئاً، الموقف الرائع كان يقول أحدهم لأخيه: بارك الله بك، ولكن دلني على السوق.
الآن إذا كان هناك شيء خاص للفقراء والله لا أبالغ يأتي الأغنياء ليأخذوه، أحياناً بمستشفى، أسعارها مخفضة جداً للفقراء، يأتي الأغنياء ليستفيدوا من هذا التخفيض، مشكلة كبيرة جداً، لو تتبعت سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدت خُلق المؤاثرة سائد بينهم.
المؤاثرة خير كلها ولا مؤاثرة في الخير:
لكن هناك نقطة دقيقة جداً، جداً، جداً، صدق و خطيرة جداً، جداً، جداً ملخصها لا مؤاثرة بالخير، أي أنا لن أخدم أمي كي أفسح المجال لأخي لينال هذا العمل الطيب، هذا في الإسلام مرفوض، المؤاثرة خير كلها، ولكن لا مؤاثرة في الخير، أن تؤثر ألا تفعل هذا العمل الصالح كي تتيح لأخيك أن يفعله مستحيل، لا مؤاثرة في الخير، والمؤاثرة خير كلها.
إذاً: المؤاثرة خير كلها ولا مؤاثرة في الخير.
أنا لن أصلي قيام الليل لئلا أشعر من حولي أنهم مقصرون، لا، هذا ليس وارداً إطلاقاً، هناك من يتصور ذلك، لن أقدم هذه الهدية لأمي كي أتيح لأخي أن يقدمها هو، لا مؤاثرة في الخير، والخير كله في المؤاثرة، لو سمحنا للمؤاثرة في الخير أن تكون لتوقف العمل الصالح، كل واحد لا يفعل هذا الشيء من أجل أخيه، والثاني لا يفعله من أجل الثالث، وفي النهاية لا أحد يفعل هذا الشيء.
أحياناًً يكون هناك طلب من مجموعة لشيء، كل واحد يتوهم أن الثاني سيأتي به، عملياً لا أحد يفعل هذا الشيء، فهناك خطر كبير أن نتصور أن المؤاثرة في الخير مقبولة، لا مؤاثرة في الخير، والخير كله في المؤاثرة.
المؤاثرة تبعث المحبة و الأثرة تبعث البغض:
بشكل أو بآخر إن آثرت أخاك فإن أخاك سيؤاثرك، ويصبح التنافس في المؤاثرة لا في الأثرة، شيء جميل جداً أن يكون التنافس في المؤاثرة وليس في الأثرة
عود أولادك عندما يكون في الطعام أشياء طيبة، أو قطعة فاكهة كبيرة، أو تفاحة صفراء اللون، ولها خد أحمر، فكل طفل يتمنى أن يأخذ هذه له، الفرق ليس بالغرامات، الفرق فرق منظر فقط، لكن عود نفسك أن ابنك الصغير يقدم الكبيرة لأخيه، أو لأبيه، أو لأمه، هذا الخلق إذا ساد في البيت طبعاً يحتاج أن يرى الابن أن أباه يؤثر أمه، وأن أمه تؤثر أباه، وهذا شيء يومي و يمكن ساعي، يمكن كل ثلاثين دقيقة، كل عشرين دقيقة في شيئين أحدهما أكبر من الثاني، في مكانين مكان أفضل من الثاني، بالسيارة يوجد مقعدان مقعد أفضل من الثاني، فأنت إذا ربيت أولادك على المؤاثرة صار البيت جنة، وإذا نشؤوا على الأثرة تجد خصومات، ومشادات، وشتائم من أجل شيء لا يقدم ولا يؤخر.
لو فرضنا على الطعام يوجد بيض مسلوق الأكبر كم غرام تزيد عن الأصغر ؟ والله خمس غرامات أو أقل، خمسة فقط، أقل من لقمة، فعندما أخذ الكبيرة تسبب بمشكلة، أعطى أخاه الصغيرة حصلت مشكلة، اعكسها أنت، عود ابنك أن يعطي أخاه الكبيرة، فالثاني بعد دقيقتين سيعطيه الأكبر، بكل شيء، أنا أقول لكم: حتى يكون البيت جنة عود أولادك المؤاثرة.
بعضهم قال: حيثما وجدت المؤاثرة وجدت المحبة، وحيثما وجدت الأثرة وجد البغض، ولو لأشياء تافهة جداً، و أشياء قليلة جداً.
من ربى أولاده على المؤاثرة ربح الدنيا و الآخرة:
أيها الأخوة، مرة ثانية: الآية الأصل في هذا الموضوع:
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
هذه صفات المؤمنين.
أحياناً يموت الأب الأولاد من بعده في المحاكم، هناك بيت أكبر من بيت، الأخ الأكبر خصّه لنفسه، أخوته لا يحتملون، يتنافسون، يتشاتمون، في النهاية بالمحاكم.
والله أنا أحياناً عندما يموت الأب أحياناً أتتبع أخبار العائلة، أو الأسرة، يؤلمني أشد الألم أن تكون خصوماتهم قد أوصلتهم إلى المحاكم، من أب واحد ! من أم واحدة ! وهناك والله أسر يموت الأب و مع ذلك تبقى هذه الأسرة تنعم بالحب والمودة كما كانت قبل موته، معنى ذلك أن الأب الذي ربى أولاده على المؤاثرة إذا توفاه الله أسرته ستستمر كما هي.
أحد الأخوة أخبرني أن أباه قد توفي، وله دعوة إلى الله ـ درس في بيته ـ خلال عشرين عاماً ما تخلف أحد عن هذا الدرس، ومضى على وفاته عشرون عاماً ثانية والدرس مستمر صباح الأربعاء في البيت، والله شيء جميل !.
أعرف صديقاً بيته إسلامي مئة بالمئة، زوجته، وأولاده، وبناته، توفي بحادث، مضى على وفاته مدة تقدر بثلاثين سنة، و مع ذلك بقي البيت كما تركه، بود ومحبة، والله شيء جميل الإنسان يغادر الدنيا وأسرته تبقى متماسكة، متعاونة، متحابة، أساسها العدل، إياك أن تظلم.
من ضرّ في الوصية وجبت له النار:
(( قال النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ (نحلت أي أعطيت بلا مقابل) النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي فَقَالَ أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ قَالَ لَا قَالَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي فإني لا أشهد على جور ))
من أين يبدأ الأمر ؟ الأمر يبدأ من البيت، حينما يظلم، ينشر خلق العداوة والبغضاء بين أولاده، أي الأب ظلم وأعطى أحد أولاده كل شيء، وصار في عداوات، أولاده استعانوا بجهات أخرى كي ينتقموا من أخيهم، الأخ انتحر، شنق نفسه في البيت، وهذه الحادثة قبل ستة أشهر، من الذي أعان على أن يشنق ابنه ؟ الأب الذي ظلم.
أقسم لي بالله شاب توفي والده و ترك ألف مليون، أحد أولاده يعمل على سيارة شحن صغيرة، لا يملك من الدنيا شيئاً، وولده الثاني باسمه يوجد ثمانمئة مليون، و لكن الثاني مؤمن فماذا فعل ؟ أعاد ما كُتب باسمه إلى إخوته، وزع الإرث وفق قواعد الشرع، هذا بطل.
(( إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً، ثم يضر في الوصية فتجب له النار ))
كلام سيد الأنبياء والمرسلين.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾
(( إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً، ثم يضر في الوصية فتجب له النار ))
العدل بين الأولاد يبعدهم عن العداوة و البغضاء:
الآن دخلنا بموضوع ثالث، ما الذي يسبب العداوة والبغضاء بين الأولاد ؟ الأب الغير العادل، والأم الغير العادلة، ما الذي يسبب العداوة والبغضاء بين البنات ؟ الأم التي تؤثر بنتاً لأن زوجها غني، وتهمل بنتاً لأن زوجها فقير، تنشأ مشكلات، وأحقاد، وحساسيات، والله أتمنى على الأخوة الكرام أن تعامل الأم بناتها بعدل شبه مطلق، البنات مختلفات في أزواجهن، هناك زوج غني وهناك زوج فقير، البنت التي كان من نصيبها زوج فقير ما ذنبها ؟ هذه ابنتك، الاحترام، والمحبة، والاهتمام، والزيارات، فإذا جاءت هذه البنت يرحب بها.
والله مرة سمعت قصة عن زوج له زوجة قديمة، وزوجة جديدة، فابنته من زوجته القديمة زارته في أيام العيد في المصيف، وعنده زوجته الجديدة وبناتها، فبشكل غير معقول، وغير مقبول أعطى أولادها عيديات قليلة جداً، قال لهم: يكفي انصرفوا، أب يطرد ابنته وأولادها من بيته صبيحة العيد، كي يرضي زوجته الجديدة، لماذا يكره النساء التعدد ؟ لأنهم لم يروا تعدداً إسلامياً عادلاً، رأوا تعدداً ظالماً، عندك بنات زوجتك الجديدة، في بيت فخم في المصيف، والزوجة القديمة لها بنات، إحدى بنات الأب ابنته، زارته في العيد، دعاها إلى أن تنصرف سريعاً، أعطاها مبلغاً زهيداً جداً، أعطى أولاد الزوجة الجديدة عشرة أضعاف، وطوال النهار عندهم، والطعام، والشواء، وما إلى ذلك.
تقسم بالله بقيت تبكي سنة، من ظلم أبيها لها، ما الذي يسبب العداوة بين الأولاد ؟ عدم العدل من الآباء، أنا أتمنى عليكم أن تبالغوا في العدل، ابتسامة بابتسامة، زيارة بزيارة، ترحيب بترحيب، إذا كانوا صغاراً أن تضم هذا وأن تضم هذا، أن تشم هذا وأن تشم هذا، أن تقبل هذا وأن تقبل هذا، كلما بالغت في العدل أحبك جميع أولادك، ونشؤوا على تفاهم.
العدل أساس الحب و المودة بين أفراد الأسرة و المجتمع:
دخلنا بموضوع حساس، كيف يسود في البيت المؤاثرة ؟ إذا كان الأب عادلاً، أما إذا ظلم.
إنسان يعمل على سيارة يعيش بقوت يوميه يومياً، والثاني باسمه ثمانمئة مليون ؟، و لكن لأن الثاني والله مؤمن كبير، توفي والده أرجع كل شيء باسمه إلى الورثة، ووزع هذا بالتساوي، لا تنسوا هذا الحديث الذي يقصم الظهر.
(( إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً، ثم يضر في الوصية فتجب له النار ))
مرة قال لي أخ: أنا حرمت هذا الابن لأنه عاق، قلت له: حرمانك له يزيده عقوقاً، لو أعطيته بالعدل لمال إليك، ربما أصبح باراً بك.
والله مجتمع المؤمنين والله في جنة، بسبب المؤاثرة، عود نفسك بكل حياتك المكان الجميل لأخيك، الفاكهة الكبيرة له، هو كذلك سيقابلك بالمثل تماماً، فتنتشر المحبة.
معاملات الإنسان تؤكد إيمانه لا صلاته و صيامه فقط:
أعلق تعليقاً: إياكم أن تتوهموا أن المؤمن يصلي فقط، الذي يؤكد إيمان المؤمن معاملاته، الشيء الصارخ بالمؤمن معاملاته، تواضعه، إيثاره.
سمعت مرة أن إنساناً تزوج زوجة ثانية، و لم يرد أن يزعج زوجته، فلم يخبرها، زوجته ذكية جداً فعلمت، لكن من رفعة أخلاقها، لم تحرجه بقيت ساكتة، توفي هذا الزوج، الزوجة القديمة أرسلت للزوجة الحديثة حصتها من الإرث، فردت الزوجة الجديدة هذه الحصة، و قالت لضرتها: والله من أربعة أيام طلقني قبل ما يموت، ليس لي عندكم شيء، واحدة تتفقد ضرتها بنصيبيها من الإرث، والثانية من ورعها واستقامتها تقول: والله أنا طلقني قبل أن يموت، ليس لي عندكم شيء.
هذا مجتمع المؤمنين، مجتمع الحب، مجتمع المؤاثرة، مجتمع الإنصاف، مجتمع الصدق، مجتمع العدل، والله الدنيا جميلة بأكواخ مع الصدق والرحمة، والله الدنيا جهنم مع الأبنية الشاهقة، والبيوت الرائعة لكن في حقد، تجد بيتاً صغيراً برأس الجبل فيه حب فهو كالجنة، وبيت ثمنه 180 مليوناً لكن ليس فيه حب فهو كالجحيم، فالعبرة بالجو الذي يسود البيت، لا بأثاث البيت، ولا أجهزة البيت.
صور مشرقة من إيثار الصحابة:
أخواننا الكرام، إليكم صور مشرقة من إيثار الصحابة، وهم قمم البشر، ذكر بعض العلماء أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أُهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: فلان أحوج إليه مني، فبعث به إليه، فبعثه هو أيضاً إلى آخر يراه أحوج منه، فلم يزل يُبعث به من واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول.
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكانوا جائعين وقفوا عند خيمة، ما عند أهلها إلا الخبز، وبكمية قليلة، فارتأى أميرهم أن يقسم الرغيف إلى قطع صغيرة، وأن توضع بين أصحاب النبي ليأكلوا والوقت ليل، فأكلوا، وأكلوا، وأكلوا، وأكلوا، ثم أضاؤوا المصباح فإذا بالطعام كما هو، كل واحد يتصور أن أخاه أكثر جوعاً منه، فكان يتصنع الأكل فلا يأكل، فلما أضاؤوا المصباح الخبز كما هو.
الآن مئتا حاج بالمطار، لهم في الطائرة مئتا مقعد، ولن تقلع الطائرة إلا إذا كان جميع الحجاج في الطائرة، انظر إليهم على مصعد الطائرة، شيء غير معقول ؟ غير معقول إطلاقاً، لن تقلع الطائرة من دونك، ولك مقعد باسمك، لن تجلس إلا بالمقعد الذي لك والتزاحم لماذا ؟ والتنافس لماذا ؟ التنافس والتزاحم تخلف.
زينب الأسدية أم المؤمنين، كانت تلقب بأم المساكين لإيثارها ومواساتها، فقد روى ابن سعد في طبقاته أن برزة بنت باتع حدثت: أنه لما خرج العطاء أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصيبها منه، فلما دخل عليها حامل المال قالت: غفر الله لعمر غيري من أخواتي كان أحوج إلى هذا المال مني، فأرسلت هذا المال إلى غيرها، وغيرها إلى غيرها، شيء لا يصدق، و في النهاية عاد إليها.
كل أخ يفكر بأخيه.
مقارنة بين مجتمع الغرب و مجتمع الصحابة:
والله هناك قصة موجودة في كتاب الأدب، في الصف العاشر، أن باخرة غرقت، فيها مئتا مسافر كانوا على قارب نجاة كبير جداً، وهناك كمية ماء محدودة، قائد المركبة يعطي كل واحد ملعقة شاي ماء، لأن المسافة طويلة جداً، كم واحد وصل من هؤلاء إلى بر الأمان ؟ أربعة، ينام فيلقوه في البحر حتى يأخذ ملعقة الماء مكانه، هذا مجتمع الغرب، قصة مشهورة ومروية في كتب الأدب.
انقطعت الكهرباء لليلة واحدة في أمريكا، ارتكبت مئتا ألف سرقة، قيمتها تقدر بثلاثين مليار دولار، قال تعالى:
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
أما أخطر شيء الله عز وجل يلهمنا الصواب، الجريح بحاجة إلى الماء كما هو بحاجة إلى الهواء، يقول القرطبي، ذكر العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك، أطلب ابن عم لي، ومعي شيء من الماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك ؟ ـ الجريح يموت على الماء، يتمنى الماء ـ فقلت أسقيك ؟ فأشار برأسه أي نعم، فإذا برجل يقول: آخ، فأشار إليه ابن عمي أي انطلق إليه، اسقِ هذا، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك ؟ فأشار أي نعم برأسه، فسمع آخر يقول: آخ، فأشار هشام أن انطلق إليه، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات، ثلاثة على فراش الموت، ثلاثة على وشك الموت، هم إلى قطرة ماء أحوج منهم إلى أرواحهم، أول واحد أشار إلى الثاني، والثاني إلى الثالث، فالثالث مات، عاد إلى الثاني فوجده قد مات، عاد إلى الأول فوجده قد مات، هكذا كان مجتمع رسول الله.
من أعان الضعيف نصره الله على من هو أقوى منه:
أيها الأخوة، الإسلام ربى الصحابة تربية عالية جداً، صدق ولا أبالغ ما قيمة إيماننا إن لم يترجم إلى مؤاثرة ؟ متى يحبنا الله عز وجل ؟ قال:
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))
الآن هناك عدو قوي جداً، ومعك إنسان ضعيف جداً، هذا الضعيف بإمكانك أن تهمله، بإمكانك أن تهمشه، بإمكانك أن تنساه، بإمكانك أن تسحقه، ضعيف.
مريض فقير بمستشفى حكومي، إن لم يعتنوا به لا يوجد من يحاسبهم، يحتاج إلى تصوير لم يصوروه، يحتاج إلى تحليل لم يحللوا له، يحتاج إلى عناية لم ينتبهوا له، مات، لا أحد يتكلم كلمة، ضعيف ! هذا الضعيف بإمكانك أن تنساه، أن تهمله، أن تسحقه، لكنك اعتنيت به، أطعمته إن كان جائعاً.
وهناك قوي، قوي جداً، أنت ضعيف أمامه، و أمامك إنسان ضعيف، أنت أقوى منه، هذا الضعيف أطعمته إن كان جائعاً، كسوته إن كان عارياً، آويته إن كان مشرداً، علمته إن كان جاهلاً، أنصفته إن كان مظلوماً، أنت هنا أمام إنسان أضعف منك، وإنسان أقوى منك، ما دمت قد أعنت هذا الضعيف يكافؤك الله بأن ينصرك على من هو أقوى منك، هذا طريق النصر لنا، بالمجتمعات الإسلامية حينما نهتم بالفقراء، بالمرضى، بمن يحتاج إلى دراسة، ينصرنا الله.
الأمة بعلمائها:
والله التقيت قبل أسبوعين بإنسان محسن ما نوع إحسانه ؟ يتصل بالمدارس، من الأول ؟ الدكتوراه على حسابه، هذا عمل لا يقدر بثمن.
أحياناً يكون الأول فقير جداً، يُدفع إلى العمل بوقت مبكر، ليس معه شهادات، في بعض الدول المتقدمة أي طالب بالجامعة ينال علامات عالية الدولة تعطيه قرضاً بلا فائدة، حتى يكمل للدكتوراه، أنا اقترحت على جائزة القرآن الكريم في بلد إسلامي أن لا تقدموا للطالب مليوني ليرة، قدموا له منحة دكتوراه، دع كل واحد حفظ كتاب الله أن يكون عالماً كبيراً، فهذا الإنسان كلما التقى بمدرسة من الأول عندك ؟ هذا يكمل ثانوية، ولسانس، ودبلوم، وماجستير، ودكتوراه على حساب هذا المحسن، والمصروف كامل مع الجامعات، والسفر.
فالأمة بعلمائها، فلذلك الموضوع دقيق جداً،
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
(( إذا كانَت أُمراؤُكم خيارَكم، وأغنياؤُكم سُمحاءَكم، وأمورُكم شورَى بينكم فَظَهْرُ الأَرضِ خَير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤُكم شِرارَكم، وأغنياؤُكم بُخَلاءَكم وأُمورُك إلى نسائكم، فبطنُ الأَرض خير لكم من ظهرها ))
على كل إنسان أن يفكر بالآخر ليكون عند الله مقدساً:
أخواننا الكرام، فكر، أنت في الصباح:
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا، جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ))
فعندما نفكر بالضعفاء ننتصر على الأقوياء، هذا الطريق للنصر، حينما تزيل الظلم، الفقر، المرض، مشروع صحي، مشروع سكني، مشروع لفرص العمل، المجتمع يقوى، ويتناسق، وينتصر، أنا واله، هذا الذي أراه، طريق النصر، والفوز بالمال:
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))
أي مؤاثرة، فكر بالآخر، حينما تفكر بالآخر تكون عند الله مقدساً، فكر بالآخر بالذي لا يأكل، بالذي لا يشرب، بمن لا يملك مأوى، وإياك أن تبذر.
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾