- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من لوازم العبودية لله أن يأخذ الإنسان بالأسباب :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات:" سبل الوصول وعلامات القبول"، هذا الموضوع عنوانه: رعاية الأسباب، وهذه التسمية من عند ابن القيم رحمه الله تعالى، ولا أبالغ إذا قلت: إن مشكلة المسلمين اليوم الأولى عدم الأخذ بهذا القانون، من لوازم عبوديتك لله عز وجل أن تحترم قوانين الله عز وجل في كل شيء، وأن تأخذ بها، هذه هي العبودية لله عز وجل، فالله عز وجل خلق هذا الكون وفق مبدأ السببية:
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
فالأخذ بالأسباب جزءٌ من الدين، وعدم الأخذ بها معصية كبيرة، ويمكن أن يعزى تخلف المسلمين، وانتهاك حرماتهم، واحتلال أراضيهم، وقتل أبنائهم، ونهب ثرواتهم، إلى أن أعداءهم أخذوا بالأسباب وهم غفلوا عنها، وتواكلوا على الله، فلذلك من لوازم العبودية لله أن تأخذ بالأسباب.
مثلاً ومن أقرب الأمثلة الابن مرض، يجب أن تأخذه إلى أقرب طبيب، وأن تشتري أفضل الدواء، وأن تشرف بنفسك على إعطاء الدواء، وبعدئذٍ تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله عز وجل تسأله الشفاء، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
أي عملٍ يسبقه تصور فإذا صحّ التصور صحّ العمل وإذا فسد التصور فسد العمل. :
أيها الأخوة، أي عملٍ يسبقه تصور، فالسارق لماذا أقدم على السرقة؟ لأنه تصور أنها كسبٌ كبير بجهدٍ قليل، وغاب عنه العقاب والسجن، لذلك التصور يسبق العمل، فإذا صحّ التصور صحّ العمل، وإذا فسد التصور فسد العمل.
أوضح الأمثلة: تركب مركبتك، وفي لوحة البيانات تألق ضوءٌ احمر، إذا فهمت هذا التألق هو تألقٌ تزييني وهو في الحقيقة تألق تحذيري، نقص الزيت في المحرك ، فإذا فهمت أن هذا التألق تألق تزييني، وتابعت السير، احترق المحرك، وتوقفت المركبة، وتعطلت الرحلة، وفاتك الهدف، ودفعت مبلغاً فلكياً لإصلاح المحرك، أما إذا فهمت أن هذا التألق تألق تحذيري، فأوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وسلم المحرك، وتابعت السير، وحققت الهدف، هذا المثل على بساطته يوضح كل شيء، الخطأ بالفهم، الخطأ بالتصور:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
أي لمجرد أن تتصور الأمة أن خلاصها أن تنبطح لأمةٍ قوية، هذا خطأ في التصور، الأمة القوية تذلها، وتنتهك حرماتها، وتأخذ أرضها وثروتها، أما لو تصورت أن النصر من عند الله وحده، وأن هذا النصر لمن ينصر دين الله، فاصطلحت مع الله، ونصرت دينه، لوجدت العجب العجاب، لوجدت أن هذا الإيمان، وهذا الصلح مع الله، قلب كل المعادلات، وألغى كل التفوق:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
مثل آخر: شركة سيارات كل شهر ينفجر بعجلات السيارات مئة عجلة، مشكلة كبيرة، وكلما انفجرت العجلة مع سائق استدعاه المدير وعاقبه، شركة أخرى بالشهر كله تنفجر عجلة أو عجلتان، هنا في مئة، الخطأ أن المدير أعطى تعليمات أن يكون الضغط أربعين وهو يجب أن يكون ثلاثين، والوقت صيف، فإذا أسرع السائق تمدد الهواء، وانفجرت العجلة، الخطأ في التصور، في تصور القيادة، فحينما يخطئ الإنسان في التصور يدفع الثمن.
مشكلة المسلمين اليوم في تصوراتهم الخاطئة :
لذلك النقطة الأولى: أن الموازنة بين عهد الصحابة وهذا العهد، ما قولكم بجامعٍ أو بمسجدٍ أرضه رمل، وسقفه من سعف النخيل، ورايات المسلمين في الأفاق؟ في الصين شرقاً، وفي مشارف باريس غرباً، والآن هناك مساجد تكلفتها تقدر بمليار أو بملياري دولار، مظاهر صارخة إسلامية، مؤتمرات، مؤلفات، كتب، محاضرات، أشرطة، زخارف، وخمس دول إسلامية محتلة، والثروات بيد أعدائنا، والعالم كله يحاربنا، لماذا؟ لماذا هؤلاء الصحابة رفرفت راياتهم في الخافقين، وكلمتهم هي العليا، وأمرهم بيدهم؟ ولماذا المسلمون بهذا التخاذل، وهذا الضعف، وهذا الانبطاح، لماذا؟ لأن الصحابة الكرام كان تصورهم صحيحاً، ونحن تصورنا الإسلام تصوراً خاطئاً، هنا المشكلة في التصور الخاطئ.
التوحيد يصحح التصور :
أيها الأخوة، التوحيد يصحح التصور، التوحيد أن ترى أن الأمر بيد الله، هو الناصر، هو القوي، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الموفق، هو الناصر، فالتوحيد يصحح التصور، والشرك بالله يبعدك عن التصور الصحيح، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
لمجرد أن تعتمد على مالك وقعت في الشرك، أن تعتمد على قوي ليس مؤمناً ترى الخلاص عنده فهذا شرك، لمجرد أن تعتمد على ذكائك فهذا شرك.
سأروي لكم قصة عن طبيب في أمريكا، رفع جدار الجري ـ الجري اليومي ـ وكان يجري في اليوم عشرين كيلو متر، وعمل ندوات، وألقى محاضرات، هو أستاذ في الجامعة، وهو طبيب قلب أيضاً، الجري كل شيء، وكلامه صحيح، لكنه مات وهو يجري في سن مبكرة جداً، يا ترى هل كلامه خطأ؟ لا، لكنه اعتمد على الجري ونسي الله.
أي شيءٍ تعتمد عليه وتنسى الله، الله عز وجل يؤدبك، فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وتتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أي لو فرضنا أن الخطأ في التصور لا ينعكس على السلوك تصور ما شئت، لو تصورنا أن الخطأ في العقيدة لا علاقة له بالسلوك اعتقد ما شئت، ولكن لأن كل خطأ في العقيدة، ولأن كل خطأ في التصور، ينعكس على السلوك قطعاً، لذلك لا يقبل الله العقيدة تقليداً ولو أنها صحيحة، لقوله تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
ما قال: فقل،
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
الله عز وجل لا يقبل العقيدة من المسلم إلا عن بحثٍ ودرسٍ وإيمانٍ :
لا يقبل الله العقيدة من المسلم إلا عن بحثٍ، ودرسٍ، وإيمانٍ، وأما إن كانت تقليداً فلا تقبل، والدليل: لو أن الله قَبِل التقليد في العقيدة لكانت كل الطوائف المنحرفة عند الله ناجية، أفراد هذه الطائفة ما ذنبهم؟ قال لهم زعيمهم: كذا فقالوا: كذا، لا العقيدة لا تُقبل تقليداً، لابد من التحقيق، لقوله تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
الآن بعض الأمثلة: الابن مرض، الدعاء لا يكفي، لابد من أن تأخذه إلى الطبيب، و يجب أن يكون الطبيب جيداً، وتختار الدواء الجيد، وأن تشرف بنفسك على معالجته، وفي أعماق أعماق قلبك تقول: يا رب أنت الشافي، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
عندك ابن بالرياضيات مقصر، يا بني ادعُ الله أن ينجحك، خطأ، يجب أن تأتي له بأستاذ خاص ليعلمه بعض الموضوعات التي صعُبت عليه، وبعدها تقول له: يا بني ادعُ الله أن ينجحك.
هناك آفة زراعية، يا رب تنجينا، لا، يجب أن تأتي بالدواء، وأن تستخدم الدواء وفق تعليمات المهندس الزراعي، وبعدها تقول: يارب سلم هذا المحصول.
بضاعة كاسدة، هناك خطأ بشرائها، و خطأ بالسعر، و خطأ بالتسويق.
أوضح مثل عندما رأى سيدنا عمر أناساً في الحج يتكففون الناس، قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله وأوضح مثل أن سيدنا عمر لما رأى جملاً أجرب، فسأل صاحبه: يا أخا العرب ما تفعل به؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال: يا أخي هلا جعلت مع الدعاء قطراناً.
هذه مشكلة المسلمين الأولى، يا رب تنتقم منهم، يا رب عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، يا رب اجعل تدميرهم في تدبيرهم، وأنت نائم، لا تستعد، لا تأخذ بالأسباب، هم لا ينامون الليل يعملون، لن ننتصر عليهم إلا إذا أخذنا بالأسباب، وإلا إذا أخذنا بهذه الآية:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
هناك خطأ بالتصور، أن الله ينصرنا لكن ما نصرنا، الله عز وجل بيده كل شيء لكن أمرك أن تأخذ بالأسباب.
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾
القضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية :
أيها الأخوة، كنت مرة في مؤتمر في ماليزيا، فقال أحد الخطباء: ما دام المسلمون يُعزُون أخطاءهم إلى القدر فلن يتقدموا، ولن ينتصروا، أي قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾
الإفك الحديث الذي لا يحتمل عن السيدة عائشة:
﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
يا رب كيف هو خير؟ فرز المؤمنين، الصادقون أحسنوا الظن برسول الله، وزوجته، والمنافقون روجوا هذا الخبر،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
بعدها يقول الله عز وجل:
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
القضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، فما دام المسلمون يُعزون أخطاءهم إلى القدر فلن يتقدموا، بلادٌ محتلة، هكذا يريد الله، هذا ترتيب سيدك، ليس بيدنا شيء، لا، الله أمرك أن تقاوم، هو معك، كلما ارتكب خطأ فاحش والنتيجة مؤلمة جداً، يقول: هذا ترتيب ربي، هكذا يريد الله، ليس بيدنا شيء، نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، الله يسلم، هذا الموقف الغلط، الله أمرك أن تقاوم، أمرك أن تجاهد، أنا مضطر أن أسمي ما يصيب المسلمين بسبب أخطائهم الفادحة أن هذا جزاء التقصير، هذه التسمية الصحيحة، لأن القضاء والقدر شيء، وجزاء التقصير شيءٌ آخر.
طالب لم يدرس إطلاقاً، فلم ينجح، سبحان الله! الله لم يرد لي النجاح، أيضاً الأمر بيد الله، أنت لم تدرس، أما لو طالب استنفذ جهده في الدراسة، وقبل الامتحان أصابه مرضٌ حال بينه وبين الامتحان، فهذا قضاء وقدر، الفرق بين القضاء والقدر وجزاء التقصير، القضاء والقدر قوة قاهرة، أما جزاء التقصير هناك قوانين، لم تدرس إذاً لن تنجح، لم تحسن شراء البضاعة إذاً البضاعة كاسدة.
لذلك إذا أردت أن تنتمي إلى أمةٍ كانت فيما مضى قائدةً للأمم بعد أن كانت راعيةً للغنم ينبغي أن تأخذ بالأسباب، من قدوتك؟ النبي عليه الصلاة والسلام.
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب و يتوكل على رب الأرباب :
أخواننا الكرام، هل تعتقدون أن على وجه الأرض إنساناً أكرم على الله من رسول الله؟ ومع ذلك لما هاجر أخذ بكل الأسباب، توجه ساحلاً، قبع في غار ثور، كلف إنساناً ليمحو الآثار، إنسان يأتي بالأخبار، إنسان يأتي بالزاد، استأجر دليلاً رجح فيه الكفاءة والخبرة على الولاء، كان مشركاً، أخذ بكل الأسباب، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق متأدباً مع الله، فأخذ بالأسباب كلها، هل يعقل ألا نعد لعدونا شيئاً وأن ننام في رابعة النهار؟ ثم نقول: يا رب عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، لا، هذا خطأ يسمى في المصطلح المعاصر إستراتيجي، خطأ إستراتيجي.
وهذا الدرس متعلق بعملك، أخي لا يوجد بيع، وهناك أناس مع هذا الكساد يبيعون لأنهم أخذوا بالأسباب، اختار بضاعة جيدة، اختار سعراً مناسباً، العرض مناسب، التسهيلات مناسبة، عود نفسك أن تتهم نفسك دائماً، لا تعزُ خطأك إلى القضاء والقدر، اعزُ خطأك إليك فتنجح، البطولة أن تواجه المشكلة لا أن تقفز عليها، ضعاف النفوس، ضعاف الإيمان، يقفزون على مشكلاتهم، ويعزوها إلى القضاء والقدر.
على كل إنسان أن يصحح تصوراته لأن التطرف سهل :
أيها الأخوة، وعن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين:
(( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر: حَسْبيَ الله ونعم الوكيل ))
الإنسان هو الإنسان، حكم بين شخصين، والذي عليه الحق:
(( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر: حَسْبيَ الله ونعم الوكيل ))
فغضب النبي الكريم فقال له:
(( إِن الله يَلُومُ على العَجْز ))
أنت مقصر:
(( ولكن عليكَ بالكَيْس، فإِذا غَلَبَك أَمر ، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل ))
ما درست، ما نجحت، قال:
(( حَسبيَ الله ونعم الوكيل ))
لا، قل: لم أنجح لأنني لم أدرس، أما إذا جاء مرضٌ حال بينك وبين الامتحان تقول حينئذٍ:
(( حَسبيَ الله ونعم الوكيل))
يجب أن نصحح تصوراتنا.
أخواننا الكرام، دائماً التطرف سهل، أي أن تسيب أولادك بلا متابعة، بلا تأديب، بلا محاسبة، سهلة جداً، وإذا أخطأ الواحد أن تسحقه بالضرب أيضاً سهلة، أما البطولة أن يحبك ابنك بقدر ما يخافك، الموقف الوسطي صعب يحتاج دقة بالغة، يحتاج إلى حنكة، إلى خبرة، فدائماً وأبداً التطرف سهل، ألا تأخذ بالأسباب أصلاً قضية سهلة، إنسان محترم جداً، سافر إلى الشمال بسيارة لم يكشف عنها إطلاقاً، مات هو وأهله، فعليك أن تراجع العجلات، تراجع الأجهزة، تراجع المركبة، لم يراجع فيعزى هذا إلى خطئه، أما راجعها مراجعة تامة وصار هناك حادث فهذا قضاء وقدر.
فهم الإنسان للقضاء والقدر يجب أن يكون فهماً آخر :
أيها الأخوة، شيء آخر: سيدنا عمر كان في الشام، فعلم أن فيها طاعوناً، وقف على أبواب دمشق، فرجع ولم يدخلها مشفقاً على أصحاب رسول الله، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله؟ فقال سيدنا عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم أفر من قدر الله إلى قدر الله، الطاعون قدر الله، والشفاء قدر الله، فأنا أفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم نادى في الجيش، هل فيكم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً في الطاعون؟ فقال أسامة بن زيد: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إن هذا الوجع رجْزُ أو عذابُ، عُذِّب أُنَاسُ من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها))
أحدث نظرية في الوقاية، هناك إنسان حامل المرض ليس مريضاً، فإذا كان إنسان بأرض فيها طاعون، أو فيها مرض عضال، قد يحمله وليس مصاباً به، فإذا خرج من هذا البلد نقل هذا المرض إلى مكان آخر، هذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: نعم أنا أفر من قدر الله إلى قدر الله، وفي حديث قالوا يا رسول الله:
(( أرأيتَ رُقَاة نَستَرقي بها، ودَوَاء نتَداوَى به، وتُقَاة نَتَّقيها هل ترُدُّ من قَدَرِ الله شيئاً؟ قال: هو من قَدَرِ الله ))
هذا الفهم الصحيح، أي كل القصد أن هذا القعود، والاستسلام، والتأمل، من دون حركة، من دون استعداد، ربِّ ابنك، نور ابنك، اضبط بيتك، أتقن عملك، حتى تقدم لهذه الأمة شيئاً.
إذاً فهمنا للقضاء والقدر يجب أن يكون فهماً آخر، طبيب بالمستشفى، في قسم الإسعاف، جاء مريض، لأنه كان يدير حديثاً مع الممرضة، أو يلعب بالنرد، مات المريض، قال: سبحان الله! مات بأجله، لا، يحاسب على هذا التقصير، لا يجوز أن نعتذر بالقضاء والقدر أبداً، تقول: هذا ترتيب الله، هو التقصير منك، لذلك قالوا: من طبب ولم يُعلم منه طبٌ فهو ضامن، يدفع الدية، من طبب ولم يعهد منه طبٌ فهو ضامن.
أيها الأخوة، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله، لكن أنا أراه من أخطر الموضوعات التي يحتاجها المسلمون في هذا الوقت الصعب، لأن أعداءنا يأخذون بالأسباب، ونحن نهملها، ولن نستطيع أن ننتصر إذا قصرنا بأمرٍ قرآني هو قوله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾