وضع داكن
22-02-2025
Logo
الدين والحياة - الرائعة : 041 - يُمهل ولا يُهمل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

قال تعالى : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ .


( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ ) أي كم من أهل قرية أهلكناها ، أيها الإخوة ؛ في القرآن ملمح دقيق جداً، أهلكناها وانتهى الأمر، قال : ( فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) أي لم تُهلَك بعد، كيف نوفق في الآية بين: ( أَهْلَكْنَاهَا ) والفعل ماضي؟ ثم يقول الله عز وجل: ( فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) .
هناك ملمح دقيق جداً في هذه الآية، يعني أنت حينما ترى مصيبة قد وقعت سأوضح لك الحقيقة بالمثل التالي:
يعني هناك موظف حامت حوله الشبهات، صار حوله لَغْطٌ كثير، هناك من يقول: إنه يأخذ مالاً ليس له، أو إنه يشترط على أية موافقة بمبلغ من المال، صار هناك لغط، وصار هناك تساؤلات، و صار هناك همس، و صار هناك غمز، و صار هناك لمز، الإدارة العامة أجرت تحقيقاً سرياً، أرسلت له من يدفع له المال، فقبله، أرسلت له من يطالبه بمخالفة للقانون، فاشترط مبلغاً من المال، بعد غمز، ولمز، وتحقيقات، وإشارات، ولغط، وفضيحة شاعت، وبعد تحقيقات دقيقة ومتأنية، ومديدة، حتى اجتمعت الأمور، والمعلومات الدقيقة على أنه ليس مستقيماً، واجتمع مجلس الإدارة، وطُرِح أمر هذا الموظف، وكان من يدافع عنه، ومعلوماته غير دقيقة، والذي أدلى بالمعلومات الدقيقة، وبالأدلة الدقيقة أيضاً، فاتُّخِذ قرارٌ بالأكثرية بكف يده عن العمل، وكُلِّف أمين السر بكتابة مسوَّدة بهذا القرار، والقرار وُقِّعت مسودته، ثم كُتب على الكمبيوتر، ثم وُقعت النسخة الأخيرة، وعُممت على كل الدوائر، وبعدها صدر القرار بكف يده عن العمل .
الآن دقق، كفُّ اليد عن العمل قرار طارئ؟ لا، إنه مدروس، هو قرار صدر فجأة ؟ لا، بل كان قبْله دراسة طويلة .
هذا الكلام أسوقه لكم كي تؤمن معي أن مصيبة وقعت، ليست هذه المصيبة ارتجالية، ولا مزاجية، ولا طارئة، مصيبة وقعت لحكمة بالغة، وبعد دراسة وافية، وبعد تعنت الإنسان، وبعد استكباره عن أن يتوب، وبعد مباهاته بهذا العمل السيئ، وبعد إجراءات كثيرة تنبيهية، وبعد تحذيرات، وبعد أعمال عديدة لحمله على أن يكون صالحاً فلم ينصلح، فاتُّخذ هذا القرار .
يعني إياك أن تظن أن مصيبة كبيرة نزلت بإنسان، قضية فجائية، أو قضية مزاجية، أو قضية طارئة، الأمر أعقد من هذا بكثير .
( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ) ترى مجتمعاً غارقًا في الربا، غارقاً في الزنا، غارقاً في الكذب، غارقاً في النفاق، غارقاً في القسوة، غارقاً في الظلم، يجب أن تعتقد أن هذا المجتمع هالك عند الله، لكن متى يأتي الإجراء الذي يجسد هذا الهلاك ؟ لا نعلم .
الفكرة دقيقة جداً، يعني حينما يشرد الإنسان عن الله، وحينما يبتعد الإنسان عن ربه، وعن منهج ربه، وحينما يبني مجده على أنقاض الناس، حينما يبني حياته على موتهم، حينما يبني عزه على ذلهم، حينما يبني غناه على فقرهم، حينما تأخذه العزة بالإثم، حينما يُنصح فلا يقبل، تُقدم له المعلومات الدقيقة التي لصالحه، فيرفضها حينما يركب رأسه، حينما وحينما وحينما... عندئذٍ يصدر قرار من الله عز وجل بإهلاكه، مع وقف التنفيذ، يأتي التنفيذ بحكمة بالغة وتقدير كبير .
لذلك: ( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ) يعني بعد أن صدر القرار بإهلاكها، الآن بعد حين جاء تنفيذ هذا القرار، لذلك إخواننا الكرام؛ من أدق الأدعية: 

((  اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك ، عدلٌ فيّ قضاؤك  ))

[ أحمد عن ابن عمر ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور