وضع داكن
07-11-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة المائدة - تفسير الآية 7 ، نعم الله علينا، ابتغاء الرفعة عند الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الذاكرة من نعم الله تعالى على الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع من دروس سورة المائدة ومع الآية السابعة، وهي قوله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 أيها الأخوة، من فضل الله على الإنسان أنه منحه ذاكرة، فالشيء الذي يراه ينطبع في ذاكرته، فكلمة: واذكروا، أي تذكروا نعم الله عليكم، أنت حينما تأكل، وحينما تشرب، وحينما تأوي إلى فراشك، وحينما ترى زوجتك وأولادك، وحينما تتمتع بطعم الطعام، وحينما ترى جمال الطبيعة، وحينما ترى ابنك بين يديك، هذه كلها نعم الله، وقد انطبعت في ذاكرتك، فأنت مكلف أن تذكر هذه النعم، أي أن تستحضرها من ذاكرتك، فالتذكر يعني الحفظ والتذكر، يعني الاسترجاع والذكر، يعني الكلام، والإنسان لا يتكلم إلا إذا انطبع شيء في ذاكرته، يتكلم من ذاكرته، لذلك إذا قال إنسان: ذكر فلاناً، أي تكلم كلاماً مأخوذاً من ذاكرته، ذكر كذا، ذكر كذا.
 لكن أيها الأخوة، موضوع الذاكرة شيء عجيب، فيما قرأت عن ذاكرة الإنسان أن حجمها لا يزيد على حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، وأن هذه الذاكرة مبرمجة برمجة عجيبة، فهناك بؤرة لهذه الذاكرة، وهناك حواش، فقد توضع صورة في بؤرتها، وقد تنتقل صورة إلى حواشيها، لكن الإنسان في وقت واحد لا يستطيع إلا أن يلتقط شيئاً واحداً، فإذا جاءه شيء، وهو مشغول بشيء ثان لا ينطبع، أنت داخل إلى المسجد تضع حذاءك في مكان، هذا المكان له مكان في الذاكرة، ليس الحذاء له مكان في الذاكرة، لا، مكان هذا الحذاء له في الذاكرة مكان، فإذا خرجت من المسجد دون أن تشعر تتجه إلى المكان الذي ركز في ذاكرتك، وتأخذ الحذاء وتمشي، أحياناً وأنت داخل يحدثك أخ حديثاً معيناً، فذاكرتك تتلقى من هذا الأخ، فإذا وضعت الحذاء في مكان فهذا المكان لا ينطبع في الذاكرة، فإذا خرجت تقول: أين وضعت حذائي؟ في وقت واحد لا تلتقط الذاكرة إلا شيئاً واحداً.

 

في الذاكرة بؤرة وحواش :

 الآن أنت مشغول بموضوع، الموضوعات التي التقطت سابقاً موضوعة في الحواشي، ما لم تكن هناك مناسبة لا تذكرها، أنا التقيت مع إنسان من ثلاثين عاماً، أخ كريم رجاني أن أتوسط له، وهو قاض في موضوع، فذهبت إليه، قبل أيام كنت في عقد قران صافحني رجل، قال: لي هل تعرفني؟ غير أنني قبل هذا اللقاء لم أره من ثلاثين عاماً، قلت له: الأستاذ فلان، طبعاً ملامح وجهه تغيرت تغيراً كبيراً، لكن بقيت ملامح أساسية، ما هذه الذاكرة؟ من ثلاثين عاماً لقاء في ربع ساعة فقط تذكرت، فنعمة الذاكرة نعمة لا تقدر بثمن، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة يس: 67]

 حدثني أخ توفي رحمه الله صاحب معمل، قال لي ابنه: والدي خرج من معمله، ونسي أين بيته؟ بقي ساعة يجول في شوارع دمشق، أين بيتي؟ لكنه تذكر بيت ابنه، ذهب إليه، ودله ابنه على بيته، حينما الإنسان يفقد ذاكرته لا يحتمل وضعه، قد لا يعرف أولاده، فنعمة الذاكرة نعمة كبيرة.
 هذه الذاكرة لها بؤرة، ولها حواش، لو أنك تلقيت آلاف الأفكار والصور هذه تنطبع وتوضع بالحواشي بحسب أهميتها، والأهميات متنوعة، هناك درجة أولى، درجة ثانية، درجة ثالثة، درجة رابعة، وفي مكان ثمة سلة مهملات، سافرت إلى بلد، وأنت بعيد عن هذا النشاط التجاري كلياً، أعطاك واحد بطاقة فيها رقم هاتفه، قرأتها لا تذكرها أبداً، وضعتها في سلة المهملات، لكن أحياناً تبلغ أن رقم هاتفك كذا تحفظه مرة واحدة، ولا تنساه أبداً.
 فصار في الذاكرة بؤرة وحواش، وفي الذاكرة مستويات، وفي الذاكرة سلة مهملات، فالذاكرة تقوم بعمل خطير جداً، أول شيء تحفظ، وتحفظ عدة مستويات، ولها بؤرة نشاط، ولها حواشي تخزين، ويوجد لها سلة مهملات، فموضوع الذاكرة موضوع دقيق جداً، وهو من أجلِّ نعم الله علينا، والإنسان من دون ذاكرة ينسى معلوماته كلها، تدرس الطب ذهبت المعلومات، أين معلوماتك؟ كل خبراتكم في الذاكرة، كل الخبرات والمعلومات والمهارات كلها في الذاكرة، من دون ذاكرة ما من إنسان له نشاط أبداً، تنتهي مهمة الإنسان في الحياة.

 

نِعم الله لا تعد ولا تحصى لكن أجلّ هذه النعم أنه خلقنا :

 قال تعالى:

﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة يس: 67]

 فالله عز وجل امتن علينا بنعمة الذاكرة، أحياناً صاحب محل تجاري يبيع قطع تبديل، قد يكون في محله عشرة آلاف نوع، يأتيه إنسان، عندك القطعة الفلانية؟ يقول لموظف عنده: اصعد إلى الأعلى في الدرج السابع، في الرف الأول هناك قطعة ائت بها، ما معنى ذلك؟ أن كل هذا المحل في ذاكرته، أكثر ربات البيوت تعرف ما عندها، تحتاج إلى مادة غذائية تقول لابنتها: اصعدي إلى المكان الفلاني ائت بقطعة. فهذه الذاكرة نعمة كبرى، لكن الله عز وجل يقول:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

 أحبوا الله لما يغدوكم به من نعم، ذكرهم بأيام الله، طبعاً النعم لا تعد ولا تحصى، لكن أجلّ هذه النعم أنه خلقك، أجلّ هذه النعم أنك موجود، أنت موجود، لك حيز، لك اسم، منحت اختياراً، منحت حرية، كلفت بطاعة الله عز وجل، منحك نعمة الوجود، هذه أجلّ نعمة، لأن هذه النعمة تؤهلك لتكون في جنة الله إلى أبد الآبدين، منحك الله نعمة الوجود، وفوق نعمة الوجود منحك نعمة الإمداد، ما قولك لو أن الهواء بثمن؟ أمدك بالهواء، أمدك بالماء، أمدك بجو مناسب، أمدك بطرف آخر تسكن إليه، ويسكن إليك، أمدك بأموال وبنين، نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ثم أنزل على نبيه قرآناً، نعمة المنهاج الإرشاد:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

الله عز وجل له أيام منها أنه أسمعنا الحق :

 قال عز وجل:

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾

[ سورة إبراهيم: 5 ]

 الله عز وجل له أيام، ذكرهم بأيام الله، من أيام الله عز وجل أنه امتن عليك فزوجك، من أيام الله عز وجل أنه أسمعك الحق، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

 من أيام الله عز وجل أنه جعلك من بيئة صالحة، من أم وأب مسلمين، وهذه نعمة كبرى، جعلك في زمن يمكن أن تعمل أعمالاً صالحة، اختيار وجودك في مكان وفي زمان من أم معينة ومن أب معين أيضاً هذه نعمة كبرى من نعم الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

 طبعاً جاءت الكلمة مفردة، لأن النعمة الواحدة لو أمضيت كل حياتك لا تستطيع أن تحصي منافعها، نعمة هذا المفصل، لو لم يكن ثمة مفصل كيف تأكل؟ لا بد أن يأكل الإنسان كالقطة، ينبطح، ويأكل بلسانه مباشرةً، لولا هذا المفصل لا يأتي الطعام إلى فمه، هذا المفصل نحو الداخل، لكن مفصل الرجل نحو الخارج، حكمة بالغة، لولا المثانة كل عشرين ثانية هناك قطرتا بول، تحتاج إلى فوط الرجل السعيد، طبعاً المثانة تجمع هذا البول لخمس ساعات، لولا أن لهذه المثانة عضلات تحتاج إلى نصف ساعة، والبول لا ينزل، لأنه يحتاج إلى تنفيس، تحتاج إلى أنبوب، نعمة أن المثانة لها عضلات هذه نعمة لا تقدر بثمن.

 

العيون واللسان وغيرها بعض من نعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[سورة البلد: 8]

 العين الواحدة ترى بعداً واحداً، ترى طولاً وعرضاً، ولكن لا تستطيع أن تضم إبرة بعين واحدة:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[سورة البلد: 8]

 بالأذنين تعرف جهة الصوت، بأذن واحدة لا تعرف جهة الصوت، هناك جهاز دقيق بالدماغ يحسب لك تفاضل وصول الصوتين، والفرق بينهما واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، وصل الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن، تعرف جهة الصوت، تستمع إلى بوق مركبة تنحرف نحو الجهة المعاكسة، من دلك أنها عن يمينك؟ جهة الصوت التي كشفها جهاز في الدماغ، نعمة السمع، نعمة البصر، نعمة الشم، نعمة الذوق، نعمة الدماغ، فيه مئة وأربعون مليار خلية لم تعرف وظيفتها بعد، أربعة عشر مليار خلية قشرية في الدماغ تقوم بوظائف تعجز عنها كل حواسيب العالم، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴾

[سورة البلد: 8-9]

 هذا الكلام كل حرف تسهم في تشكيله سبع عشرة عضلة، فإذا كانت الخطبة نصف ساعة أو ساعة كم كلمة فيها؟ والكلمة كم حرف؟ دون أن تشعر تأكل وتنام، وتتم عمليات هضم، لو أن الله أوكل لك الهضم عندك سبع ساعات هضم، بنكرياس، الغدة الفلانية، الصفراء، تقع في عسر هضم وإسهال، وأنت نائم لو ترك لك الله نعمة التنفس بيدك لا تنام الليل تنام فتموت، تنام ملء العين والتنفس يعمل بانتظام.
 يتجمع اللعاب في الفم، تذهب إشارة إلى الدماغ أن اللعاب تجمع في الفم، فيعطي الدماغ أمراً للسان المزمار ليفتح طريق المريء، ويغلق طريق القصبة الهوائية، فتبلع اللعاب، وأنت نائم دون أن تشعر.

 

النعمة الواحدة لو أمضينا كل حياتنا في متابعة دقائقها وفضائلها لا تنتهي :

 من أعطى أمر للبروستات لتغلق طريق ماء الحياة، يكون طريق البول سالكاً في اللقاء الزوجي، يغلق طريق البول ويفتح طريق ماء الحياة، ماء طاهر، والمجرى سابقاً فيه بول، لا بد من مادة مطهرة؛ المزي، ومادة معطرة، ومادة مغذية دون أن تشعر هذه الغدة تعمل ثمانين عاماً، تفتح باب المثانة وباب الخصيتين، تفتح وتغلق وأنت لا تشعر:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

 والله لو ذهبنا نتحدث عن نعم الله في أجسامنا تنقضي الأعمال ولا ينقضي الحديث عنها، نعمة واحدة، عيناك متألقتان بسبب أن هناك دمعاً مستمراً يغسل العينين، بقايا هذا الدمع الذي غسل عينيك أين يجري؟ يجري في قناة دقيقة دَقيقة إلى الأنف، لماذا الأنف تراه رطباً؟ من قناة الدمع؛ من العين إلى الأنف، لو أن هذه القناة انسدت لأصبحت الحياة لا تطاق، دائماً ينبغي أن تمسح الدموع من على خدك حتى لا ترسم الدموع مجرى ملتهباً على ظاهر الخد.
 من جعل هذا الجفن يتحرك حركة آلية ويغسل العينين؟ هناك مرض اسمه مرض ارتخاء الجفون، لا ترى إلا بهذه الطريقة، ما قولك كلما أردت أن ترى إنساناً تمسك بإحدى يديك الجفن وترفع، من جعل الجفن يتحرك حركة عفوية آلية؟ أيها الأخوة، هذه أمثلة:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

 اذكر أن لك ولداً، لك زوجة، اذكر ماءً عذباً فراتاً، اذكر الطعام، اذكر هذا الحليب المتوافق مع جسمك تماماً، الحديث يطول عن نعم الله عز وجل، ولكن النعمة الواحدة لو أمضينا كل حياتنا في متابعة دقائقها وخصائصها وفضائلها لا تنتهي، لذلك قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

تمام النعمة الهدى :

 إن تعدوا نعمة، أنت من الممكن أن تقول لإنسان: خذ هذه الليرة فعدها، يمكن أن تقول له: خذ هذه الليرة فعدها، هكذا يقول الله:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 معنى ذلك أن النعمة الواحدة فيها خيرات لا يعلمها إلا الله، لذلك إذا كنتم عاجزين عن إحصائها فأنتم عن شكرها أعجز، إذا جاء إنساناً غلام، وتلقى هدايا، جلس مع زوجته مساءً قال لها: هذه من أين؟ قالت له: من بيت فلان، وهذه من بيت فلان، أحصاها، أيهما أهون أن تحصي الهدايا أم أن تردها كلها؟ إحصاؤها سهل جداً، أما أن تقابل كل هدية بهدية فهذا شيء يحتاج إلى مبالغ كبيرة جداً، ووقت وشراء.
 إذا كنتم يا عبادي عاجزين عن إحصاء النعم فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى، نعجز عن شكر نعمة واحدة يقول الله عز وجل:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾

 نعمة الهدى بشكل مختصر، نعمة الإيجاد، ثم نعمة الإمداد، ثم نعمة الهدى والرشاد، لكن تمام النعمة الهدى، لكن أصل النعم أن تعرف الله واحداً، لك زوجة صفر، لك أولاد صفر ثان، لك دخل صفر ثالث، لك مأوى صفر رابع، كنا بواحد صرنا بعشرة، بمئة، بألف، بعشرة آلاف، لك سمعة طيبة صفر خامس، وهبك الله أولاداً ذكوراً وإناثاً صفر سادس، اسحب الواحد الحياة كلها أصفار، أموات غير أحياء، لذلك قالوا: تمام النعمة الهدى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ﴾

 ماذا تعني كلمة (واثقكم)؟ واثق على وزن فاعل تعني المشاركة، قتل غير قاتل، من يقول: قاتلت الحشرة؟ تقول: قاتلت العدو، لأن العدو معه سلاح قوي وأنت معك سلاح، فيوجد فعل مشاركة، أما الحشرة فتقول: قتلتها ولا تقول: قاتلتها، المقاتلة فيها معنى المشاركة.

 

الفطرة توافق برمجة النفس وجبلة النفس وخصائص النفس مع منهج الله عز وجل:

 إذا قال الله عز وجل:

﴿ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ﴾

 أي الله عز وجل أعطانا ميثاق الفطرة، فطرتك متوافقة مع منهج الله عز وجل، لا ترتاح نفسك إلا إذا أطعت ربك، لا ترتاح نفسك إلا إذا كنت وفق منهج الله، لا ترتاح نفسك إلا إذا كنت صادقاً، لا ترتاح نفسك إلا إذا كنت أميناً، الله عز وجل جبلك على حب الأمانة، وأمرك أن تكون أميناً، فجبلتك متوافقة لمنهج الله، جبلك على حب العدل، وأمرك أن تعدل، إذاً الميثاق الأول ميثاق الفطرة، وأنت في الأساس مؤمن بالفطرة من دون دليل، موجود في أصل فطرتك أن لهذا الكون إلهاً، موجود في أصل فطرتك أن لهذا الكون رباً، موجود في أصل فطرتك أن لهذا الكون مسيراً، موجود في أصل فطرتك أن هذا الإله رحيم وعادل وحكيم، هذا جميعه بالفطرة، حينما يهتدي الإنسان إلى الله يهتدي إلى فطرته، مَركبة مصمّمة لطريق معبد، أنت إذا سرت بها في طريق وعر فيه أكمات وصخور وحفر، والأصوات العالية جداً التي تصدرها، والأصوات الشاذة التي تسمعها، كأنها تقول لك: هذا المكان ليس لي، هذا المكان لمدرعة، لمجنزرة، مكاني على الطريق المعبد، فإذا نقلتها إلى طريق معبد تختفي كل هذه الأصوات، وتنطلق بانسياب رائع، إذاً هذه المركبة مصممة للطريق المعبد، ارتفاع أسفل المركبة عن الأرض مسافة قليلة جداً، لأن الطريق معبد، العجلات مصممة على طريق معبد، أما إذا وجد تفاوت كبير بين الصواعد والنوازل فالطريق تحتاج إلى مجنزرة، فالفطرة توافق برمجة النفس، وجبلة النفس، وخصائص النفس مع منهج الله عز وجل، فكل إنسان يستقيم ترتاح نفسه، يطيع الله يطمئن قلبه، فهذا ميثاق، أي الله عز وجل منحك فطرة تدفعك دائماً إلى طاعة الله، لو أن الفطرة تخالف الإيمان بالله من الذي يرتاح عندئذ؟ الكافر، الآن من يرتاح؟ المؤمن، لأن أصل فطرتك إيمان بالله وعدل ورحمة وطاعة وإنصاف وإحسان، هكذا جبلت، هكذا صممت، هكذا خلقت، فهذا الميثاق الذي واثقكم به هو ميثاق الفطرة، سوف تسأل عنه.

 

الفطرة تدلنا على خطئنا وعقلنا يدلنا على الله :

 الآن يوجد ميثاق ثان هو ميثاق العقل، أعطاك عقلاً، أي من منا يصدق بربكم هذه الطائرة العملاقة سبعمئة وسبعة وأربعين أنها وجدت من دون مصنع؟ من يصدق أن كتاباً ضخماً جداً مؤلف من ألف صفحة، قاموس فيه مواد وفيه دقة بالغة في التأليف واسم فاعل واسم مفعول واسم زمان واسم مكان واسم آلة، المصادر، ضبط المصادر، كتاب ضخم جداً أنه نتج بالانفجار في مطبعة، من يصدق؟ من يصدق أن هذه الطائرة سبعمئة وسبعة وأربعين إنما نتجت عن انفجار في مستودع معدني، طائرة بأربعة محركات، مقاعد ركاب، أجهزة، أجهزة تشغيل، أجهزة صوت، من يصدق؟ خلق الإنسان أعظم بكثير، فلذلك الميثاق الثاني ميثاق العقل، أعطاك عقلاً الله عز وجل، الفطرة تدلك على خطئك، وعقلك يدلك على الله، الفطرة والعقل في كل إنسان، بلغته رسالة أم لم تبلغه، جاءه نبي أو لم يأت إليه، كان بجزيرة، أم كان بمدينة، أم كان بقرية، التقى مع علماء أم لم يلتق، كان في مسجد أم لم يكن في مسجد، الميثاق أي الفطرة والعقل معاً، والذي لم تبلغه رسالة يحاسب على الفطرة التي أودعت به، والتي تكشف له خطأه، ويحاسب على العقل الذي ركز فيه، وهو كاف ليدله على الله. وبعض المفسرين لا أقول: كل المفسرين يفهم قوله تعالى:

﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾

[سورة الإسراء: 15]

 الرسول هو العقل أحياناً، وأحياناً المصائب رسائل:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

[سورة طه: 134]

 المصيبة هنا جاءت بمعنى الرسالة، فأحياناً هذا الضغط على المسلمين رسالة من الله، أنتم أيها المسلمون لستم على ما أرضى، يوجد ضغط، فإذا نقضوا عهد الله وعهد رسوله سلط الله عليهم عدواً يأخذ ما في أيديهم، تُحتل أرضهم، وتُنهب ثرواتهم، ويُقتل أبناؤهم، وجئنا كي نحرركم، هذه الرابعة أصعب، جئنا لننقذكم، لا طعام ولا شراب، ولا أمن ولا استقرار، ولا كهرباء ولا ماء، وجئنا من أجلكم، وبترولكم أصبح ملكنا، هذه رسائل أيضاً.

 

من الميثاق الإلهي الفطرة والعقل والكتاب والسنة :

 من الميثاق الإلهي الفطرة، ومن الميثاق الإلهي العقل، ومن الميثاق الإلهي الكتاب والسنة، رسل الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً ﴾

[ سورة آل عمران: 164]

 هو أعطاهم العقل، وهو كاف لمعرفة الله، فطرهم فطرةً كاملةً كافيةً لمعرفة الخطأ والصواب، وفوق هذا وذاك منحهم التشريع، الأنبياء، والرسل، والكتب، قال تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾

 من قبلكم سمعنا وأطعنا، ومن قبلنا الفطرة والعقل والتشريع، تحاسب على فطرتك وعلى عقلك، وإذا بلغتك رسالة تحاسب على تفاصيل الشريعة، وإن لم تبلغك رسالة تحاسب على الفطرة والعقل، وهما كافيان لمعرفة الله وطاعته، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 172]

الله عز وجل منح الإنسان الفطرة والعقل والتشريع وعليه السمع والطاعة :

 هذا هو الميثاق، منحك فطرة، منحك عقلاً، منحك رسالة الفطرة، وهو مقياس نفسي، والعقل أداة معرفة الله، والرسالة أمر تفصيلي، افعل ولا تفعل، فالذي لم تبلغه الرسالة محاسب على الفقرتين الأولى والثانية؛ على الفطرة التي فطر عليها، وعلى العقل الذي منح إياه:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾

 قلنا: (واثقكم) فعل مشاركة، منكم السمعة والطاعة، ومن الله الفطرة والعقل والتشريع، الله منحك الفطرة والعقل والتشريع، هذا من الله، ومن العباد السمع والطاعة:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 أي اتقوا عذاب الله، اتقوا غضب الله، اتقوا سخط الله، اتقوا عقاب الله، إذا خرجتم عن فطرتكم لم تعدلوا، خرجتم عن فطرتكم لم ترحموا عباده، خرجتم عن فطرتكم لم تنصفوا، إذاً سوف تعاقبون عقاباً شديداً من الله عز وجل، وإذا خرجتم عن عقلكم الذي منحتم إياه، فلم تعملوا عقلكم في معرفتي، قال تعالى:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾

[ سورة القيامة: 36-39 ]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾

[ سورة المؤمنون: 115]

لولا الإيمان بالآخرة لكانت الحياة لا تحتمل فلابدّ من يوم تسوى فيه الحسابات :

 أيعقل؟ في الميناء ترى رافعة تحمل ثمانين طناً، هذه الرافعة التي تحمل ثمانين طناً صممت لعلب فارغة أم لمعدات ثقيلة جداً؟ لا بد من تناسب، هذه الرافعة مصممة لمعدات ثقيلة جداً، قد تحمل قطاراً، قد تحمل مركبات كبيرة جداً، فأنت من حجم الرافعة، ومن استطاعات الرافعة تقرر المهمة التي صنعت من أجلها، هذا الكون العظيم من أجل أن تعيش أربعين سنة، خمسين سنة، كلها متاعب، وهناك قوي وضعيف، وغني وفقير، وذكي وغبي، وصحيح ومريض، وتنتهي الحياة، يأتي طاغية يقتل، يهدم بيوت، يقتل الآلاف، وتنتهي الحياة، ولا شيء بعدها، والذي مات مات، والذي عاش عاش، والذي اغتنى اغتنى، والذي افتقر افتقر، ولا شيء بعد الموت، هل يقبل العقل ذلك؟ العقل لا يقبل، لا بد من تسوية الحسابات، ولولا الإيمان بالآخرة لم تحتمل الحياة، تسعون بالمئة من ثروات الأرض بيد عشرة بالمئة، هم غارقون في اللذائذ، والشعوب تموت من الجوع، وهؤلاء الأغنياء الأقوياء غارقون في لذائذهم ونعيمهم، وقد بلغوا من الإجرام درجة خطيرة جداً، هم الآن يجربون الأدوية على البشر، في الشعوب النامية تنتهي الحياة هكذا، لا شيء أبداً، لا شيء بعد الموت، العقل لا يقبل ذلك، بل إن الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله يرى أن الإيمان باليوم الآخر عقلي، لكن تفاصيله نقلية، أما أصل الإيمان بالآخرة فعقلي، مستحيل أن تكون هذه الفتن وهذه الحروب وهذه الاجتياحات.
 تلقى قنبلة ذكية تدمر مئات الأشخاص، الآن هناك قنابل تميت الأشخاص والبناء يبقى على حاله، كما لا يتأثر أبداً صانعو الأسلحة الجرثومية والكيماوية والقنابل الذرية، حينما ألقيت على هيروشيما وناكازاكي باليابان ثلاثمئة ألف ماتوا بثوان معدودة، وتنتهي الحياة، هكذا لا شيء أبداً، الذي أعطى أمراً بإلقائها مات وانتهى الأمر أين الله؟!! الله موجود، قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

أسماء الله الحسنى محققة في الدنيا كلها إلا اسم العدل :

 أخواننا الكرام: كلمة للتاريخ، أسماء الله الحسنى محققة في الدنيا كلها إلا اسم العدل، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ﴾

[ سورة الروم: 27]

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[ سورة طه: 15]

 لكن اسم العدل متحقق جزئياً، قد يعاقب الله بعض العباد ردعاً للباقي، وقد يكافئ بعض العباد تشجيعاً للباقين، لكن تسوية الحسابات يوم القيامة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

[ سورة مريم: 71]

 أي ما منكم واحد إلا وسيرد النار، أعوذ بالله، كلنا، لكن العلماء قالوا: ورود النار غير دخولها، ورود النار ترى من فيها ولا تتأثر بوهجها، ترى عدل الله، لترى هؤلاء الطغاة أين هم؟ لتتأكد أن الله حينما قال:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

ليست البطولة أن تنجو الآن بل البطولة من ينجو يوم العرض الأكبر على الله :

 إذا قال الصادق المصدوق، والذي لا ينطق عن الهوى:

((عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ: فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]

 فما قولكم بما فوق الهرة؟

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

 في التاريخ الحديث يقول لك: هذا قتل خمسين مليوناً، هذا أربعين مليوناً، هذا ثمانين مليوناً، الجماعة مرتاحون، وبراءة الأطفال في أعينهم، قتل خمسين مليون هكذا، لذلك الإيمان بالآخرة يجب أن يكون كإيمانك بوجودك، بطولتك ليس أن تنجو الآن بل يوم العرض الأكبر على الله، قال تعالى:

﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾

[ سورة الصافات:24]

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾

[ سورة الواقعة: 1-3 ]

بطولة الإنسان أن يكون عند الأمر والنهي :

 ترى إنساناً، رب أشعث أغبر ذي طمرين، طالب علم ساكن في بيت صغير، دخله محدود، يسأل الله النجاة والرحمة، يقرأ القرآن الكريم، يصلي، يغض بصره، لا أحد يأبه له، لا أضواء، ولا كاميرات، ولا شيء، لا أحد يعلم به، هذا يوم القيامة في أعلى عليين.

﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾

[ سورة الصافات:24]

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 لا تهتم بالشهرة، أشهر واحد إبليس، لا أشهر منه بالعالم كله، الشهرة لا قيمة لها، لا تهتم أن تخطف الأضواء لا قيمة لها، لو أن أهل الأرض أثنوا عليك، وكان الله غاضباً عليك لا قيمة لكل ثنائهم، ابتغوا الرفعة عند الله، بطولتك أن تكون عند الأمر والنهي، هذا اسمه نصر، ولكنه نصر مبدئي، أنا ضعيف لأنني مستقيم، قتلت في بلاد إسلامية لأنني أدعو إلى الله، أنهوا لي حياتي، هذا منتصر، والذي قتلني منهزم، أنا نصري أن أموت موحداً مطيعاً لله عز وجل، هذه الدنيا لا قيمة لها، صدقوا رسول الله، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))

[الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]

 جناح بعوضة له قيمة، البعوضة كلها لها قيمة، جسمها، ورأسها، وأرجلها، وأجنحتها:

((لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))

[الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

الله عز وجل يعلم ما نخفي وما نعلن فهو عليم بما في الصدور :

 لذلك:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 اتق غضب الله، اتق سخطه، اتق عقابه، اتق مصائب الدنيا، اتق مصائب الآخرة، اتق النار، معنى اتق الله اتق عقابه، اتق عدله، اتق انتقامه:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 تكلم ما شئت، نمق كلامك، الله ماذا يقول في القرآن الكريم؟ الله يقول:

﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة يس: 65]

 أصبغ على الجريمة طابعاً إنسانياً، الهدف التحرير، الهدف الحرية، الهدف كذا:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 قرأت القرآن الكريم ليقال عنك قارئ، وقد قيل، خذوه إلى النار، تعلمت العلم ليقال عنك عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 من الممكن أن تقدم لمسجد أرضاً، والناس جميعاً يثنون عليك، يا أخي محسن كبير، وأنت هدفك أن يرتفع سعر الأرض، حينما تقدم أرضاً لمسجد يعاد تنظيم الأرض، ويرتفع سعرها، وعند الناس أنت محسن كبير، ولكن عند الله لست محسناً:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

البطولة أن تنجو من عذاب الله لا من عذاب الدنيا :

 تكلم ما شئت، لكن الله عز وجل متكفل أن يضعك في حجمك الحقيقي، فلذلك لا تخفى عليه خافية، علم ما كان، وما سيكون، و ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، هذه الآية تكفي، قال تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

 طبعاً أنا تكلمت هذا الكلام لأن المسلمين في حالة إحباط شديد الآن، ما بيدنا شيء، لا بد من أن توقن بعدل الله عز وجل، والله البارحة جاءتني رسالة بالإيميل عن صورة فرعون الذي كان في عهد سيدنا موسى، صورة حقيقية، ثبت أنه هو نفسه محنطاً، ويده هكذا مربوطة، لكن صورة مؤثرة، أين جبروت فرعون؟ أين ما علمت لكم من إله غيري؟ أين أنا ربكم الأعلى؟ أين يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم؟ الصورة عندي، صورة حقيقة فوتوغرافية لجثة فرعون التي ذهبت إلى فرنسا، واستقبلت هناك كملك، ورئيس فرنسا انحنى له هكذا، هو ووزراؤه، ما كفاه في حياته، وعند مماته له زبائن، قال الله عز وجل:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾

[سورة غافر: 46]

 منذ ستة آلاف سنة ضرب اثنين اثني عشر ألف، والخير إلى الأمام، ويوم تقوم الساعة:

﴿ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

[سورة غافر: 46]

 والله الصورة تأثرت بها تأثراً لا حدود له، مكبرة، ملونة كما هو، حتى يداه، كلها شاش مربوطة، رمموا يديه في فرنسا، كان فيها فطور، وربطوها بشاش، ماذا قال تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾

[سورة يونس: 92]

 البطولة أن تنجو من عذاب الله لا من عذاب الدنيا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 لا تهتم بالشهرة، لا تهتم بالغنى، هناك حساب دقيق.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور