مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام عبر أثير إذاعتكم حياة fm بمجلس علم وإيمانٍ جديد مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 اللهم آمين نحن وإياكم، حياكم الله دكتورنا الكريم، وحياكم الله مستمعينا الكرام، لا زلنا في سلسلة مدارج السالكين ووصلنا إلى الحلقة التاسعة منها وهي بعنوان: " الذكر" نبدؤها بقول الله تبارك وتعالى بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد: 28]

 وقوله عز وجل:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾

[ سورة البقرة: 153]

 وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي:

(( أَنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإِن ذكرني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه))

[متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 شيخنا الكريم، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لماذا الذكر كان بوابة للوصول إلى رب العالمين؟

الذكر بوابة الوصول إلى الخالق سبحانه :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
 بادئ ذي بدء: ما من كلمة أوسع ولا أشمل في العبادات من الذكر، فإن صليت فأنت ذاكر، وإن دعوت إلى الله فأنت ذاكر، وإن استمعت إلى دعوة فأنت ذاكر، وإذا تابعت موضوعاً في الكتاب فأنت ذاكر، ما من كلمة أوسع ولا أشمل في العبادات من الذكر، لكن الذكر في القرآن لا ينصرف إلى الذكر بحده الأدنى، بل بحده الأعلى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 41]

 لأن المنافقين يذكرون الله قليلاً، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة النساء: 142]

 فإذا أمرنا الله بالذكر فإنه ينصب على الكثرة، لا على مجرد الذكر.
المذيع:
 نحن المعنى الذي يطرأ في بالنا دكتور عندما نقول: الذكر، بمعنى إنسان يذكر، يسبح سبحان الله، هل هذا مستوفي الذكر، هل هو مفهوم أشمل؟

الذكر أوسع كلمة متعلقة بالعبادات في الإسلام :

الدكتور راتب :
 أوسع بكثير، أوسع كلمة متعلقة بالعبادات في الإسلام هي الذكر، فالصلاة ذكر، والدعاء ذكر، وتأدية الفرائض ذكر، والنصيحة ذكر، والاستماع إلى النصيحة ذكر، هذا معنى شامل واسع جداً، لا يضيق.
 نحن عندنا قاعدة في الأصول: المطلق على إطلاقه، لا يجوز أن نقيد ما أطلقه الله، حينما أطلق الله هذه الكلمة، ولم يقيدها بصفة، ما دامت جاءت مطلقة هناك قاعدة أصولية: المطلق على إطلاقه.
المذيع:
 ومعنى هنا كلمة الذكر المصطلح الشرعي لها سواءً جاءت في الكتاب أو في السنة تشمل الصلاة، تشمل الدعاء.
الدكتور راتب :
 كل النشاطات الدينية، الشفهية، الكلامية، الفعلية، القولية، والمالية ذكر لله عز وجل، ذكرت الله فأنفقت مالك، ذكرت قضية الزكاة فأنفقت مالك، ذكرت هذا الضعيف أعنته، ذكرت وقت الصلاة فصليت، ذكرت دخول الصيام فصمت، هذا معنى واسع جداً، ونحن لا نقيد واسعاً، قاعدة أصولية.
المذيع:
 نقول: فلان هو يذكر بمعنى هو يسبح.
الدكتور راتب :
 الآن يوجد مصطلحات تحفظية، إذا أطلق الذكر ينصرف إلى كل شيء، إلا إذا قُيد ذكر الله، ذكر الله في الصلاة، في التلاوة، المطلق على إطلاقه، والمطلق إذا قُيد نقيده.
المذيع:
 كمصطلح دكتور، عندما نقول الذكر ما المقصود فيه؟
الدكتور راتب :
 هذا المخلوق الطارئ، الحادث، العاجل، الضعيف، الجاهل، الفقير، إذا ذكر الله، استعان بذكر الله فصار قوياً، وصار عالماً، وصار موفقاً، وصار ناجحاً، أي ذكر الله عز وجل أن يتصل هذا المخلوق، الضعيف، الطارئ، العاجز، الفقير، الجاهل، بأصل العلم والجمال والكمال، فاقتبس من الله الكمال بذكره، ومن الله الجمال باتصاله، ومن الله التوفيق بتوكله.
المذيع:
 ونعم بالله رب العالمين، كيف يمكن دكتور لهذا الذكر أن يكون من مدارج السالكين فيوصلنا إلى رب العالمين؟

الذكر مع المعصية لا يقدم و لا يؤخر :

الدكتور راتب :
 والله أنا لا أتصور- وهذا كلام أنا أسميه الحقيقة المرة التي هي أفضل مرة من الوهم المريح- ذكراً ينجح مع معصية، المعصية حجاب، ما دام هناك معاص، ومخالفات، وتفلت، واتباع الهوى، هذا الهوى، وهذه المعصية، وهذه الشهوة التي استعرت، فانصرفت في قناة غير قناة الإسلام، هذا الوضع يحجب الإنسان عن الله عز وجل، فلو ذكر الله بلسانه لا قيمة لهذا الذكر، لو ذكر الله بلسانه هذا ذكر قولي، إذا رافق معصية لا يؤثر، ولا يخلق الحجب فيما بين العبد وبين ربه، هذه الحقيقة المرة.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، دكتورنا الكريم ما الرابط بين تأمل الكون وذكر الله؟ وأنطلق بهذا السؤال من قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة البقرة: 191]

الرابط بين تأمل الكون وذكر الله :

الدكتور راتب :
 لأن الذات الإلهية لا يمكن أن نراها، الله عز وجل:

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الأنعام: 103 ]

 أصلاً ولكن العقول تصل إليه من خلال الآثار، فنحن نرى الأثر نكتشف المؤثر، نرى الخلق نكتشف الخالق، نرى التسيير نكتشف المسير، فنحن لا نستطيع أن نرى الله جهرة هذا شيء مستحيل، لكن نراه من خلال خلقه.

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

 لأصحاب العقول،

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾

 أي دائماً، الإنسان بإحدى ثلاث حالات، واقف، أو جالس، أو مضطجع.

﴿ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾

 المعنى البلاغي دائماً، ذكر الله دائماً، مرة دعاء، مرة تفكر، مرة موعظة، مرة نظر، مرة نطق بكلمة صالحة، مرة بوعظ، مرة بإلقاء درس، كل هذه النشاطات تنضوي تحت كلمة الذكر.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، ما الرابط بينه وبين التأمل والتفكر؟

﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

التفكر هو أحد أدوات الذكر :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن هو التفكر أحد أدوات الذكر، التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، عندئذٍ تذكر عظمته، وأسماءه الحسنى وصفاته العلا.
المذيع:
 والتفكر والتأمل في هذا الكون يقودان الإنسان إلى الذكر، وإلى الإيمان بعظمة الله.
الدكتور راتب :
 الذكر هو الهدف، أن تتصل بالله، هذا المخلوق الضعيف اتصل بالقوي أصبح قوياً، هذا المخلوق الجاهل اتصل بالعليم أصبح عالماً، اتصل بالرحيم أصبح رحيماً، الآية دقيقة جداً:

﴿ فَبِمَا ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 هذه باء السبب:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 أي يا محمد من خلال اتصالك بنا، امتلأ قلبك رحمة، فانعكست ليناً، فلما لنت لهم أحبوك، والتفوا حولك، هذا قانون، أنا أسميه قانون الالتفاف والانفضاض.

قانون الالتفاف والانفضاض :

 أي إنسان له صلة بالله يشتق من خلال هذه الصلة رحمة، هذه الرحمة تنعكس في سلوكه ليناً، وعطفاً، وعملاً صالحاً، الناس يلتفون حوله، وأنت أنت أنت يا محمد أنت بالذات لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، انعكست القسوة غلظة وفظاظةً، عندئذٍ ينفض الناس من حولك.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 الآية دقيقة جداً، قانون الالتفاف والانفضاض، تفكر في خلق السماوات والأرض يمتلئ القلب تعظيماً، تقبل عليه، تشتق منه الرحمة ، ترحم من حولك:

(( إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ))

 ترحم من حولك، يلتف الناس حولك، تكون محبوباً، هذا القانون لكل إنسان، أو بتعبير آخر: لكل منصب قيادي في الأرض بدءاً من الخفير إلى الأمير.
المذيع:
 وإن جاءت مخاطبة للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام على أنه قانون للجميع.

خطاب النبي هو خطاب موجه لكلّ المؤمنين :

الدكتور راتب :
 أي خطاب موجه إلى النبي- قاعدة أصولية- هو حكماً موجه إلى كل المؤمنين، وكل مؤمن يأخذ منه بقدر إيمانه وإخلاصه، بل كل صفة للنبي الكريم راقية جداً لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه وإخلاصه، أي:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور: 48]

 مثل أم لها ابن وحيد جاءها بعد عشر سنوات، هي بالحديقة وهو يتجول بالحديقة أمامها، لا تبعد نظرها عنه ولا ثانية

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

  وكل خصيصة للنبي الكريم اختص بها لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه وإخلاصه.
المذيع:
 ما أجمل هذا الفهم الله يفتح عليكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
 كل أمر، وكل خصيصة.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، إذاً دكتور ذكر الله تبارك وتعالى من الإنسان هو عبادة على اختلاف أشكالها.

العبادات الشعائرية إن لم ترافقها عبادات تعاملية لا تقطف ثمارها إطلاقاً :

الدكتور راتب :
 أرقى أنواع العبادة، تفكر ساعة خير من عبادة مئة عام، ستين عاماً، تفكر ساعة، التفكر قدرت الله حق قدره، أقبلت عليه، أما العبادة الصماء، غير التي لا ترافقها أذكار لله فهي عبادة شكلية تؤدى، انقلبت إلى طقوس دون أن نشعر، أي نصلي، لكن يوجد غش بالبيع والشراء، نصلي وهناك إطلاق بصر، نصلي و هناك كذب، نصلي وهناك بيع حرام .

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فإذا كنا مليارين وليست وعود الله محققة إذاً عندنا مشكلة كبيرة جداً، لأن هذا المنهج التفصيلي لم نأخذ به، أخذنا بالعبادات الشعائرية، صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، العبادات إن لم ترافقها عبادات تعاملية لا تقطف ثمارها إطلاقاً.

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

 هذه الصلاة.

(( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش))

[الحاكم في مستدركه وابن خزيمة في صحيحه]

 هذا الصوم.
 من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب ونادى: لبيك اللهم لبيك نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، راح الحج.

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 هذه خمس عبادات شعائرية، الزكاة:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 العبادات الشعائرية المذكورة بلا استقامة، بلا انضباط، بلا تطبيق منهج لا قيمة لها، كلمة دقيقة جداً: لا تقطف ثمارها.
المذيع:
 وهذا جوهر الإسلام، وكل هذا الفراغ الروحي الموجود عند بعض المسلمين بسبب عدم تطابق استقامته في الحياة مع عبادته الشعائرية.
الدكتور راتب :

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[ سورة مريم: 59]

 وقد لقينا ذلك الغي، خمس عواصم محتلة الآن.
المذيع:
 ما المطلوب إذاً الآن دكتور من المسلم؟

الإسلام دين فردي و جماعي :

الدكتور راتب :
 أن نرجع إلى الله عز وجل فرادى وجماعات، كلمة دقيقة أقولها: فرادى ، عندنا إسلام فردي، لو طبقته أنت وحدك، الآن يوجد مليارا مسلم بالضبط على سطح الأرض، لو طبق شاب وحده هذا المنهج في بيته، ونفسه، وعمله، يقطف كل ثماره، أما الأمة إذا طبقته فسوف تنتصر، صار عندنا إسلام فردي، وإسلام جماعي، طبقه الفرد قطف ثماره وحده، طبقته الأمة انتصرت، شاب بمجتمع متفلت لا يُظلم، طبقه أنت وحدك، أنت كم دائرة يوجد عندك كفرد؟ ثلاث دوائر، نفسك دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة، أنت محاسب عن هذه الدوائر الثلاث عن نفسك، وبيتك، وعملك، قطفت كل ثماره الفردية وحدك.
المذيع:
 مثل ماذا دكتور حتى نفهمها؟
الدكتور راتب :
 بالسكينة، بالتوفيق، بالنجاح، بالطمأنينة، بالسعادة.
المذيع:
 لكن بشكل فردي، أما نصرة الأمة مثلاً.
الدكتور راتب :
 لا تستطيع:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 أي يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم لن يعذبوا، هذا إسلام جماعي، الفرد يطبق الإسلام يقطف كل ثماره، ولو كان وحده، إن كان هناك ملياري مسلم وشاب واحد أتقن عمله، ما كذب، ما غش، أدى صلواته، غض بصره، هذا الشاب وحده يقطف كل الثمار الفردية، والجماعي الأمة تطبقه تنتصر.
المذيع:
 وهذا عدم نصرة الأمة.
الدكتور راتب :
 طبعاً، أنا أقول للشباب المستمعين: لا يمنعك عدم تطبيق الإسلام في بعض الدول من ترك أحكام هذا الدين، طبقه وحدك، طبقه في ثلاث دوائر تملكها، نفسك دائرة، وبيتك دائرة، وعملك دائرة.
المذيع:
 إذاً شيخنا الحبيب، نحن نتحدث عن مفهوم شامل في استيعاب الإسلام، الإسلام ليس مجرد عبادات، وإنما تعاملات.

الإسلام منهج تفصيلي :

الدكتور راتب :
 منهج تفصيلي- سامحني، والكلمة قاسية قليلاً- قد يصل لخمسة آلاف بند، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، كسب المال، إنفاق المال، أين تسهر، مع من تسهر، وقت فراغك كيف تقضيه، مع أناس متفلتين، بسهرة مختلطة، بسفر لا يرضي الله عز وجل، أين؟ نحن نريد كامل نشاط الإنسان، إذا كان هذا النشاط الكامل منضبطاً قطف ثمار الدين.
المذيع:
 عباداته، تعاملاته، كله مفهوم شامل ومتكامل، الله يفتح عليك يا دكتور.
 قبل الفاصل أشار فضيلة الدكتور إلى أن الذكر هو مفهوم شامل، لا يقتصر على التسبيح والاستغفار وإنما العبادة، الدعاء، التعامل، مساعدة الناس، كل هذا باب من أبواب الذكر، والإنسان الناجح في إسلامه، والذي يعطي الصورة الحقيقية للإسلام هو الذي يجمع كل الإسلام من عبادات وتعاملات بشعوره في قلبه.
 دكتورنا الكريم الذكر وضح، الآن كيف يكون ذكر الله لنا؟ وأنطلق بهذا السؤال من قوله تعالى:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[سورة البقرة:125]

 كيف يذكرنا الله؟

من ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الشيء المذهل هو ذكر الله لنا،

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

 إذا ذكرت الله أديت واجب العبودية، فإن ذكرك الله منحك الأمن، هذه نعمة لا يتمتع بها أقوى إنسان بالعالم، إلا إذا كان مؤمناً، والدليل:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ ﴾

[سورة الأنعام:81-82]

 دقق الآن، لو أن الآية تقول: أولئك الأمن لهم ولغيرهم

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 عندما قدمنا الخبر على المبتدأ تقديم حصر وقصر، أي لا يتمتع بنعمة الأمن في الأرض من خمس قارات من أقوى إنسان حاكم أمريكا إلى أدنى إنسان بأدنى دولة إلا إذا كان مؤمناً.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

[سورة الأنعام:81-82]

 نحن كمؤمنين كدول إسلامية إذا عندنا ظلم بالمعاملة، بالبيع والشراء يوجد ظلم، و غش، القوي أقوى من الضعيف، لا يتحقق كذلك:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 ما قال الأمن لهم، لهم الأمن فيها قصر وحصر، الأمن لهم وحدهم، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن في الأرض، لماذا؟ تعامل مع الخالق، طبق منهج الخالق، فالله جعل بقلبه الأمن، لذلك في قلب المؤمن من الأمن والله لو وزع على أهل بلد لكفاهم، له خالق خلقه، له منهج طبقه، أمرك بعمل صالح نفذته، أنت علاقتك مع الأصل.
 مثلاً إذا كان هناك شركة عملاقة فيها ألف موظف، وهناك ابن صاحب الشركة، هل يستطيع واحد من كبار الموظفين أن ينال منه؟ فالمؤمن يتمتع بنعمة الأمن، و نعمة الأمن لا يعدلها نعمة إطلاقاً.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 لا يكفي:

﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 أي وحدهم.
المذيع:
 سبحان الله! الله يفتح عليكم يا دكتور، دكتور عبارة:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

 كيف يكون ذكر الله لك؟ ما معنى هذا؟
الدكتور راتب :
 منحك نعمة الأمن وحدك، منحك التوفيق.

ارتباط تحقيق أي هدف على وجه الأرض بتوفيق الله عز وجل :

 الحقيقة أنه يوجد عندنا مليون هدف بحياتنا، لا يتحقق هدف إلا بتوفيق الله، والآية تقول:

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88]

 أي هدف بالأرض من آدم إلى يوم القيامة، صغر أم كبر، محل تجاري بسيط أو أكبر شركة عملاقة، النجاح يحتاج إلى موافقة الله، الآية الوحيدة بالقرآن:

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88]

 أي لا يتحقق أمر على وجه الأرض إلا بتوفيق الله، فالنجاح الوحيد مع الله، والبطولة أن أضبط علاقتي مع الله معرفةً، وطاعةً، وعبادةً، وعملاً صالحاً، وأنا بهذه الطريقة حققت نجاحات شاملة، لذلك النقطة الدقيقة الدقيقة جداً: نحن عندنا نجاح أحادي ليس له قيمة، قد تنجح في جمع المال، هذا صاحب أبل عنده سبعمئة مليار، أعلى ثروة بالأرض، وشركة ثانية تملك ثلاثة و تسعين ملياراً – بلكيت - أما هذا النجاح الأحادي بالمال فلا يسمى فلاحاً، الفلاح أن تنجح مع الله معرفةً، وعبادةً، وطاعةً، وإقبالاً، وأن تنجح في بيتك ضبطاً، وسعادة، وأن تنجح في عملك إتقاناً، وربحاً، وأن تنجح مع صحتك، فإن نجحت مع ربك أولاً، وفي بيتك ثانياً، وفي عملك ثالثاً، وفي صحتك رابعاً، انتقلت من حالة نجاح إلى حالة فلاح.

﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 5]

 الفلاح شمولي، والنجاح أحادي.
المذيع:
 ذكر الله لنا دكتور هو صلة العبد بالله، أي ربنا قربني منه، وبالتالي فتحت كل أبواب الخير.
الدكتور راتب :
 سمح لي أن أقترب منه، عفواً مع ملك بالأرض هل تستطيع أن تقابله؟ مستحيل، لا تحتاج إلى إذن، تحتاج وسائط، وانتظار، أحياناً تحتاج شهرين أو ثلاثة، أما أنت لمجرد أن تقول: يا رب يقع في وجدانك لبيك يا عبدي، يا رب تبت إليك، يقع في كيانك وأنا قد قبلت.
المذيع:
 ونعمة بالله رب العالمين، أيضاً دكتور في قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى:

((أَنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإِن ذكرني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه ))

[متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنهم]

 استمعنا أيضاً دكتور إلى هذا الحديث القدسي.

مكافأة الله عز وجل لمن ذكره :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإنسان المؤمن له سمعة طيبة، هذه السمعة في إيماني، وبحسب هذا النص يتولاها الله عز وجل، ما دام هذا ذكره في ملأ دعا إلى الله، سوف يُذكر في ملأ خير منه مكافأة، المكافأة من جنس العمل.
 الآن أنت سهرت بسهرة مع أشخاص عاديين، يمكن أن تمضي هذه السهرة بكلام فارغ، كلام لغو، لا يقدم ولا يؤخر، أسعار البضائع، والأزمات، وقد يأتي المؤمن بهذه السهرة يتحدث عن الله عز وجل، فذكر الله في هذا الملأ، الذي هو عبارة عن ثلاثين شخصاً، أو في جلسة فيها ألف شخص، يأتي اسمه يُذكر بالطيب، ما دام ذكرته في ملأ يكافئك الله أن يذكرك بالخير في ملأ خير منه، هذه مكافأة من الله عز وجل:

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي مع ملائكتي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.. ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 بمجتمع كبير يأتي الذكر طيباً لك، هذه مكافأة من الله عز وجل.
المذيع:
 ونعمة بالله رب العالمين، الله يفتح عليكم يا دكتور، معاني مهمة جداً، الله يفتح عليكم يا دكتور.
 شيخنا الكريم قضية ذكر الله في نفسه، وذكر الله أمام الملأ ما المطلوب من الإنسان أن يذكر في كلا الطرفين أم أقرب إلى الإخلاص في قلبي؟

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

الدكتور راتب :
 في كلا الطرفين دعوة، بالمناسبة الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، ولو كان أميّاً، سمع حديثاً بسهرة حفظه، تكلم به لزوجته، صار داعية، تكلم به لابنه، لشريكه، لجاره، الدعوة فرض عين ما دليلها؟

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[سورة يوسف:108]

 فأي إنسان لا يدعو إلى الله حكماً بحسب هذه الآية ليس متبعاً لرسول الله، هذه الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف فقط.

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ رواه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

 إذا الشخص حضر خطبة جمعة، ويوجد حديث تأثر به تأثراً بالغاً ، ما الذي يمنع أن يذكره لشريكه في المعمل؟ لصديقه؟ لابنه؟ لابنته؟ لصهره؟ لزوجته؟ لا يوجد مانع، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم ومع من تعرف.
المذيع:
 إذاً الخطوة الأولى: إذا حضر مجلس علم ثم قام بتبليغ ما وصل إليه.
الدكتور راتب :
 ليس تبليغاً رسمياً أو نصياً، أما إن سمع قصة مؤثرة فتكلم بها لزوجته، سمع تفسيراً لآية غريبة عليه، نقلها لصديقه، هذه فرض عين.
المذيع:
 المسلم مطالب بين أن يذكر الله في نفسه كدعائه، واستغفاره حتى يحافظ على الصدق وإخلاصه، وأن يذكر الله في ملأ حتى يصل الإسلام للآخرين ويتعلموه.
الدكتور راتب :
 أما الدعوة الاحترافية فهي أن تجيب عن أي سؤال معقد في الدين، و هذه تحتاج إلى تفرغ، وتعمق، وتبحر، هذه فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الكل.
المذيع:
 في قول الله تبارك وتعالى شيخنا الكريم:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد : 28]

 قضية اطمئنان القلب دكتور ألا تتحقق إلا بذكر الله تعالى؟

اطمئنان القلب لا يتحقق إلا بذكر الله :

الدكتور راتب :
 لأن الحياة فيها قوي وضعيف، وغني وفقير، ومستبد وعادل، في الحياة أشياء مخيفة، حياتنا كلها فيها أشياء مخيفة، لا يوجد غير حالة واحدة أن ترتبط مع خالق السماوات والأرض، لأن هؤلاء كلهم بيده.
 للتقريب: لو فرضنا وحوشاً كاسرة، وحوشاً مخيفة، كل هذه الوحوش مرتبطة بأزمة بقيود بيد واحد، فالمؤمن ذكاؤه أنه يقول: علاقتك ليست مع الوحوش، مع من يملك زمامها، فلك علاقة طيبة مع من منعها عنك جميعاً، وإذا لم تكن علاقتها مع صاحبها قوية أرخى الحبل لواحد فنهشك.
المذيع:
 دكتور لأكون واقعياً مع فضيلتكم، اليوم مع كثرة الانشغالات، وأزمة المواصلات، وكثرت المتطلبات المالية في الحياة، ينشغل الإنسان عن الذكر في تحقيق هذه الاحتياجات الصعبة، كيف يوازن الإنسان بين حياته وبين ذكره لله؟

الموازنة بين الحياة و بين ذكر الله :

الدكتور راتب :
 الإنسان هل يستطيع ألا يتنفس؟ يموت، إذا فهمنا الذكر كالتنفس هذا مقدم على كل شيء، الصلوات ذكر، الحد الأدنى أن تكون الصلوات متقنة، فقط الصلوات؟ قراءة قرآن ولو صفحة باليوم هذا ذكر.
المذيع:
 وإذا جاء موعد الصلاة وعنده عمل ينشغل في قلبه عن كل شيء، ويركز في صلاته، هذا كل شيء، هذا الحد الأدنى للذكر، وإذا لم يستطع أن يصلي أكثر السنن والقيام؟
الدكتور راتب :
 الصلاة وحدها ذكر.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14]

 آية واضحة.
المذيع:
 مثلاً أذكار ما بعد الصلاة دكتور؟

الأذكار و فائدتها على القلب و الروح :

الدكتور راتب :
 سيدي، الأولى أن تذكر، مشغول كثيراً لا يوجد مانع، لا أسمح بتركها عمداً، لا، مستحيل، لو فرضاً عنده إقلاع طائرة، ولحق الفرض، والوقت ضيق معقول أن يقول الأذكار؟ لا، ليس معقولاً، هناك أولويات.
المذيع:
 لكن إذا لم يكن انشغاله طارئاً لهذا الحد دكتور؟
الدكتور راتب :
 الأولى أن يذكر بعد الصلاة الأذكار.
المذيع:
 ما فائدتها دكتور على قلبه وروحانياته؟
الدكتور راتب :
 كنت مرة راكباً بسيارة، من حلب إلى الشام، لفت نظري أن هذا المحرك لم يتوقف، بقي ربع ساعة يشتغل بعد أن توقفت السيارة، لأن السيارة بولمان كبيرة جداً، هذا المحرك عندما تطفئه فجأة يصاب بمشكلة، يجب أن يبقى ربع ساعة شغالاً بعد أن تتوقف، وفي البدء كذلك.
 فنحن سنعتبر الصلاة سيراً إلى الله فتحتاج إلى تمهيد بأذكار قبل الصلاة، وأذكار بعد الصلاة، حتى يكون هذا المحرك أوقفناه بالتسلسل، وشغلناه بالتسلسل.
 محرك السيارات لماذا يجب تشغيله قبل الانطلاق؟ ليس من المعقول أن تمشي فوراً، لأن البستونات تحتاج إلى زيت، تشغيل تشغيل قبل أن تمشي الزيت يمشي بالمحرك كله، هذه ميكانيكياً يجب أن تكون، الذي لفت نظري أنني قادم من حلب للشام بالبولمان و أنا أنتظر من يأتي ليأخذني، الباص يبقى محركه يعمل مدة ربع ساعة، سألت؟ قال: لابد أن يبقى شغالاً ربع ساعة، المحرك في أعلى درجة من الجهد، إن أطفأته فوراً يصاب بمشكلة، يجب أن يخفف الجهد عليه.
المذيع:
 كيف نسقط هذا الكلام على الصلاة ؟
الدكتور راتب :
 تحتاج إلى ذكر بعد الصلاة، وذكر قبل الصلاة.
المذيع:
 لا يكفي المشوار الأساسي إلى الصلاة وحدها؟
الدكتور راتب :
 لا، نحن نحتاج هذا قبل وبعد، وسنة قبلية، وسنن بعدية للترميم، القبلية للتهيئة، والبعدية للترميم، جاءك خاطر بالصلاة و أنت بالفرض ذهب منك حوالي دقيقة، أنت سترمم الخاطر بالصلاة البعدية، القبلية تهيئة، والبعدية ترميم.
المذيع:
 قد يكون دكتورنا شيء جميل مثلاً قبل الصلاة أن يقرأ القرآن، أو أن يجلس بالمسجد مسبقاً، يهيئ نفسه، لا يحضر لموعد الصلاة فقط.
الدكتور راتب :
 ولو قراءة قرآن، ولو ذكر بسيط.
المذيع:
 وبعض الصلاة كما تفضلت هناك سنة، أو أذكار، تعين الإنسان أن يبقى هذا الذكر المتواصل.
 دكتورنا الكريم، إذاً ذكر الله من القضايا المهمة في حياة الإنسان، والذكر يشمل كل شيء، ليس مجرد تسبيح، الصلاة، الدعاء، الأعمال الصالحة، مساعدة الناس كلها ذكر، ذكر الله في نفسي حتى أحافظ على إيماني، وذكر الله في ملأ كي ينتشر الخير بين الناس، بما تعرف ومع من تعرف.
الدكتور راتب :
 في حدود ما تعلم، ومع من تعرف.
المذيع:
 جميل! الله يفتح عليكم يا دكتور، فإن ذكرنا الله، ذكرنا الله تبارك وتعالى أي أعطانا فضلاً منه شعرنا بالأمان، والبركة، والرزق.
الدكتور راتب :
 والسعادة، والتوفيق.
المذيع:
 جميل! الله يفتح عليكم يا رب، دكتور لفت نظري الحديث القدسي في مطلعه، يقول الله عز وجل:

(( أَنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني))

 كل الحديث شيخنا يتحدث عن الذكر، عدا البداية تقول:

(( أَنا عند ظَنِّ عبدي بي))

 ما الرابط بينها وبين ذكر الله؟

حسن الظن بالله من حسن الإيمان :

الدكتور راتب :
 الظن بالله الحسن من الإيمان، فإذا الشخص وسوس له الشيطان أن الله لا يحب عباده، ما هداهم، هذا غلط كبير، فحسن الظن بالله من حسن إيماني، إيمانك الكامل، أو الحد الأدنى من إيمانك أن تحسن الظن بالله عز وجل، الله خلقنا للعذاب، هذا الكلام غير صحيح، يوجد آية عكس ذلك:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود : 119]

 والله هذه مقولة يقولها معظم الناس، سبحان الله! الله خلقنا للعذاب، لماذا للعذاب؟ لماذا يريد أن يعذبك؟ أصلاً هذا الاعتقاد مرفوض، يقترب من الكفر والله، خلقهم ليرحمهم، الآية واضحة:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

 خلقهم ليسعدهم في الدنيا والآخرة، والدليل:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

 جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة.
المذيع:
 لكن دكتور، لماذا جاء في الحديث كل كلماته تتحدث عن الذكر، بينما مطلعه جاء أنا عند ظن عبدي بي، ما الرابط بين حسن الظن والذكر؟

الرابط بين حسن الظن والذكر :

الدكتور راتب :
 حسن الظن يعمل ذكراً حقيقياً، إذا عنده ظن أن الله حلقنا ليعذبنا لم يعد هناك ذكر لله، صار نفور، تحتاج إلى شيء يقربك من الله، إن عرفته تقربت منه.

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 وأصل الدين معرفة الله، أصل الدين، الصوم والصلاة بالعبادات، أصل الدين معرفة الله، حتى تعرف من هو الآمر.
 عفواً، أنت عندما تجد الإشارة حمراء لماذا لا تمشي؟ أنت مواطن عادي بالأردن، هذه الإشارة الحمراء مخالفة للسير، من يمسكك؟ الشرطي، أو الكاميرا، وزير الداخلية وضع قانون السير، علمه يطولك، وقدرته تطولك، علمه من خلال الشرطي، أو الكاميرا، وقدرته بسحب الإجازة سنة، صح؟ اسمع القرآن:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

[ سورة الطلاق :12]

 ذكر من كل أسمائه العلم والقدرة، أي الله عز وجل علمه يطولك ولو كنت وحدك في البيت، لا يوجد معك أحد، وقدرته تطولك، نقطة دم بالدماغ شلل، خثره بالقلب جلطة، نحن في قبضة الله، بثانية طريح الفراش، بثانية نعوة، بثانية واحدة.
المذيع:
 الإنسان عند حسن الظن، وكأنه ينظف قلبه، ويصبح مهيئاً للذكر.
 جميل! الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا الكريم الأذكار التي أريد أن أتكلم عن نفسي شخصياً قبل الحلقة كنا نعتاد أن نسميها ذكراً مثل التسبيح، والاستغفار، الآن أصبح مفهوم الذكر شاملاً وواسعاً، قول الله تبارك وتعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب :42]

 أهمية التسبيح، والاستغفار، والتسبيح، والتحميد، والتهليل في حياة الإنسان، وفي يومه، وفي مسائه إلى أي حد يفترض أن يكون موجوداً؟

أهمية التسبيح و التحميد في حياتنا :

الدكتور راتب :
 أن يتصل هذا المخلوق الطارئ، الضعيف، العاجز، الجاهل، المنحرف أحياناً مع الذات الكاملة، ليشتق منه الرحمة، منه العلم، منه الحكمة، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، الفرق أخي الكريم بين المؤمن وغير المؤمن ليس فرق صلاة وصوم، الفرق بمئة ألف موضوع، يوجد أمانة، ووفاء، وعهد، وصدق، وحكمة، وورع من الله، بنود الإيمان بنود كثيرة جداً.
المذيع:
 دكتور، عكس الذكر ما هو؟

أكبر معصية هي الغفلة عن الله :

الدكتور راتب :
 الغفلة، أكبر معصية أن تكون غافلاً عن الله.
المذيع:
 خوفاً من أن نقع بها ونحن لا ندري دكتور ما هي الغفلة ؟
الدكتور راتب :
 الغفلة أن تنسى الله، في حياتك، في كسب مالك، يوجد عمل إذا وافقت عليه يأتيك مليون، ولما تنكشف لكن الله يراقبك، أحياناً يوجد مادة مسرطنة، وأنت مكلف أن تعطي موافقة عليها، إن دفعوا لك مليون دينار توافق، إذا وافقت أصبت الأمة كلها بضرر كبير، هذه من يكشفها إلا الله؟ أي قانون أرضي محدود السيطرة، أي قانون أرضي محدود، ممكن بمكان ما لا يوجد أحد يراك به تضع مادة سيئة جداً بدواء أحياناً، أحياناً يضعون مواد كيميائية بالخبز سعر الكيلو خمسون ألفاً تقريباً، وهي مسرطنة، لا أحد يراقبه، إذا لم يكن هناك رقابة ذاتية الحياة لا تصلح.
 قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، سيدنا عمر لراع، قال له: ليست لي، قال له: قل صاحبها ماتت، وخذ ثمنها، قال له: والله إني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟ هذه لا يوجد لها حل.
 هذا الراعي لا يوجد معه دكتوراه، ولا شريعة، ولا يوجد عنده مكتبة ضخمة، فقط لأنه وضع يده على جوهر الدين، عندما قال: أين الله وضع يده على حقيقة الدين.
 إيمانك بالله عندما يمنعك أن تظلم، والله يوجد مليار خطأ يدمر الأمة ولا تكشف فيه، بالأدوية مثلاً يوجد وجبة دواء انتهت صلاحيته بأمريكا، جاء شخص حقير نصح الشركة صدروا هذا الدواء للشرق الأوسط، باعوه فقط، سيدي هذه قضية خطيرة جداً، حياتنا معقدة جداً، ممكن أن تعمل أعمالاً تدمر الأمة ولا تكشف بها، اا يمنعك إلا الإيمان، لذلك لا تصلح الحياة إلا بالإيمان بالله.
المذيع:
 إذاً الذكر دكتور هو استشعار وجود الله، وتطبيقه بالفعل والعبادات، وعلى رأسها كما تفضلت المعاملات، والغفلة هي أن تنسى وجود الله في حياتك فتقترف المحرمات وتظلم الناس.

نسيان وجود الله يؤدي إلى المحرمات و ظلم الناس :

الدكتور راتب :
 الواقع الواضح، ممكن دولة ديمقراطية مثل أمريكا فرضاً، يمكن خطأ بسيط جداً عليه مشكلة كبيرة، أما نقصف قلعة ونقتل خمسة آلاف بيوم واحد ولا يوجد مشكلة أبداً.

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر  وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
***

 عفواً واحد الآن العالم قام ولم يقعد، الخاشقجي، واحد والمليون بسورية قتلوا ولا كلمة، ولا حركة، ولا تنديد، ولا أبداً.
الدكتور راتب :
 ما دام هناك ميزانان انتهت الأمة.
المذيع:
 فيها مصالح، والله المستعان، لذلك كان قول الله تبارك وتعالى:

﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 205]

الدكتور راتب :
 غفلوا عن عقاب الله، عن محاسبة الله لك، عن الجنة، أكبر معصية هي الغفلة.
المذيع:
 دكتورنا، الآية الأخرى وهي في سورة الحشر والتي يقول الله تبارك وتعالى بها:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

[ سورة الحشر: 19]

 ما المقصود بها؟ كيف أنسى نفسي دكتور؟

من نسي الله نسي مهمته في الحياة :

الدكتور راتب :
 نسي مهمته بالحياة، عندما نسي الله نسي مهمته، اهتم بجمع المال، جمع أموالاً طائلة بالحرام، بعد يومين مات، شخص اشترى فندقاً بباريس بثمانين مليون دولار، وهو فندق مزدحم دائماً، بعد يومين توفي، فأنت كل شي تملكه مربوط بضربات قلبك، كل ممتلكاتك، كل مكانتك، حتى مناصبك مرتبطة بالقلب، وقف القلب وقف كل شيء.
المذيع:
 شيخنا في قوله تبارك وتعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

[ سورة المنافقون: 9]

 هل شيء طبيعي أن الإنسان يتلهى ببيته، بأمواله، وعمله عن ذكر الله؟
الدكتور راتب :
 يوجد حد أدنى من العناية بالأهل والأولاد، لكن إذا نسي ذكر الله عز وجل، أي دخل إلى البيت سأل: هل الأولاد كتبوا وظيفتهم؟ قالت له: نعم كتبوها، هل تناولوا الطعام؟ نعم، يا ترى هل صلوا العشاء؟ لا يسأل زوجته هذا السؤال، إذا كان بالتلفاز محطات متفلتة متروكة للأولاد مثلاً هذه المشكلة سيدي، يجب أن تضبط أولادك ليس فقط بالنجاح، والطعام، والشراب، والصحة، هذه مع الكل.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، إذاً الذكر هو مفهوم شامل، ومتكامل في حياة الإنسان.

الذكر هو مفهوم شامل ومتكامل في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :
 أوسع شيء بالإسلام.
المذيع:
 كل العبادات ذكر، وكل التعاملات الطيبة مع الناس ذكر، وعكسها الغفلة، عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله تبارك وتعالى يقع بالمحرمات.
الدكتور راتب :
 يغفل عن عقاب الله له أحياناً، ينسى الله.
المذيع:
 وهذا والله عقاب شديد أن يبقى في خطئه ولا يستدرك.
الدكتور راتب :
 شخص توفي- الورثة ابن وبنت، البنت محامية- وترك بيتاً بأرقى أحياء دمشق، وثمنه بمئات الملايين، استطاعت المحامية أن تأخذ البيت من أخيها، تركته فقيراً، بأسلوب ذكي جداً، بعد شهر ماتت، فأخذ أخوها البيت.
 الموت إذا لم يدخل بحساباتنا عندنا مشكلة كبيرة. عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
المذيع:
 ونعم بالله رب العالمين، الله يفتح عليكم يا دكتور ويكرمكم.
 نختم حلقتنا هذه بالدعاء ونسأله تعالى القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، احقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في بلاد الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 صلى الله عليه وسلم، الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة، جزاكم الله عنا وعن أمة محمد كل خير.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أنه لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.