- أحاديث رمضان
- /
- ٠13رمضان 1427هـ - صلاح الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
مقدمات موجزة في الدعوة:
المقدمة الأولى:
أيها الإخوة، بينت بفضل الله عز وجل أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، بينما الدعوة إلى الله كفرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، التي هي فرض كفاية تعني التعمق، والتخصص، والتبحر، والقدرة على رد كل الشبهات، والإتيان بكل الأدلة والتحليلات، لكن من هو الداعية إلى الله ؟
المقدمة الثانية:
قد يتوهم الواحد منا أن الدعوة مجموعة معلومات، نصوص، تحليلات، أفكار يحفظها الداعية فيلقيها على الناس، الحقيقة أن أقل شيء في الدعوة هو المعلومات، لكن أكبر شيء فيها القلب الكبير، الرحمة، التواضع، أن تعيش مشكلات الناس، أن تكون مشكلة أخيك مشكلتك، أن تفرح لما يفرح، أن تتألم لما يتألم.
الداعية من خلال قصص الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام:
1 – قصة جابر بن عبد الله:
لذلك سألقي على مسامعكم قصة عن جابر بن عبد الله، قال:
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، جابر بن عبد الله شاب في ريعان الشباب قال: مرتحلاً على جمل لي ضعيف، يبدو أن هذا الشاب كان فقيراً، استشهد أبوه في معركة، وخلف له إخوة كثراً، فكان فقيراً، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت الرفاق تمضي، أي تسبقني، ناقاتهم قوية، ناقتي ضعيفة، وجعلت أتخلف، لأن جملي ضعيف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا جابر ؟ قلت: يا رسول الله، أبطأ بي جملي هذا، قال: فأنِِخه، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمله، ثم قال له: أعطني هذه العصاة من يدك، ففعلت، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخس بها الجمل نخسات، يعني عدة نخسات، أي وكزه بها وكزات، ثم قال: اركب، فركبت، فانطلق جملي، والذي بعثه بالحق صار جملي يجاري ناقة رسول الله، وتحدث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قلت: يا رسول الله بل أهبه لك، قال: لا بل بعنيه، شراء، قلت: فسُمْني لي، ماذا تدفع ؟ فقال: فأخذته بدرهم، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، قلت: لا، إذاً يغبنني رسول الله.
دروس وعبر:
ـ أرأيت إلى هذا التواضع.
ـ إلى هذه النفس اللطيفة.
ـ إلى هذه المداعبة الراقية.
ـ إلى هذا القلب الكبير.
ـ إلى هذه الرحمة.
المعلومات أقلّ ما في الدعوة إلى الله، أكبر ما فيها قلب كبير، قلب رحيم، شخصية متواضعة، أفق واسع.
قال: لا، إذاً لو بعتك بدرهم يغبنني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أن الدرهم قليل، قال: فبدرهمين، قلت: لا، فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الثمن حتى بلغ الأوقية، يبدو أكبر بكثير من الدرهمين، قلت: قد رضيت، يعني بعتك بهذا المبلغ، قال: قد رضيت ؟ قال: نعم هو لك، قال: قد أخذته، ثم قال لي: يا جابر هل تزوجت ؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ثيباً أم بكراً ؟ قلت: بل ثيباً، قال: هلا تزوجت بكراً ؟ قلت: يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعاً، فتزوجت امرأة جامعة، يعني أرملة، خبيرة، ناضجة، فتزوجت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن من أجل تربيتهن، وتقوم عليهن، فقال: قد أصبت إن شاء الله، كلام جيد، قال: أخبرت امرأتي الحديث، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: سمعاً وطاعة، يعني بع جملك لرسول الله.
الإنسان أحياناً إذا عملَ عملا صالحا تقوم عليه الدنيا في البيت، تقول امرأته: نحن أولى، أما المرأة الصالحة فلا تكون عقبة بين زوجها وبين ربه.
قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله، حسب الاتفاق، ثم جلست في المسجد قريباً منه، قال: وخرج النبي عليه الصلاة والسلام فرأى الجمل، قال: ما هذا ؟ قالوا: هذا جمل جاء به جابر، قال: فأين جابر ؟ فدُعيت به، فقال: تعال يا ابن أخي ـ أريت إلى هذا الكلام الطيب ـ خذ برأس جملك فهو لك، ودعا بلالاً فقال له: اذهب بجابر، وأعطه أوقية.
ـ أحياناً تحب أن تساعد إنسانا، خذ هذا من مال زكاتي، النبي ساعده بطريقة لطيفة، اشترى الجمل منه، واتفقوا على السعر، بعدها وهبه الجمل، ودفع له الثمن.
ـ دائماً المؤمن لطيف.
ـ المؤمن لا يخدش حياء إنسان.
ـ لا يحمر وجهه.
ـ لا يضعه في موقف حرج.
ودعا بلالاً فقال: اذهب بجابر وأعطيه أوقية، فذهبت معه، وأعطاني أوقية، وزادني شيئاً يسيراً، قال: فوالله ما زال هذا المال نمو عندنا، ونرى مكانه في بيتنا، هذا نموذج للدعوة.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ ﴾
حقيقة الدعوة:
الدعوة قلب كبير، الدعوة حلم، الدعوة تواضع، الدعوة موآنسة، الدعوة مرح، هناك عند بعض الناس كهنوت، وتقطيب، وهيبة، ومكانة، وقداسة، لا نريد كل هذا، كن واحداً من إخوانك، كن طبيعيا، هذا النبي الكريم مع شاب صغير، شاب في ريعان الشباب فقير، يا ابن أخي، يا جابر، يا ابن أخي، ساومه على الجمل، ودفع له مبلغا زهيدا ليستفزه، وجابر فهم القصة، قال له: لا أبيعك، إذاً يغبنني رسول الله، هذا الجو اللطيف، هذا المرح البريء، هذا التواضع، هذه الرحمة.
طبعاً القصة مجتزأة من قصة طويلة، ذكر له أن بيتي ما فيه أثاث إطلاقاً، قال له: إن شاء الله يكون لك هذا الذي تريده، أنا أخذت مقاطع من القصة.
قصة عثمان بن مظعون :
2 – قصة عثمان بن مظعون:
أيها الإخوة، كان من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي جليل هو عثمان بن مظعون، وكان عثمان متبتلاً غير مشفق على نفسه، حتى لقد هم ذات يوم أن يتخلص كلياً من نداء غريزته، وذات يوم دخلت زوجته على السيدة عائشة رضي الله عنها فوجدتها عائشة رثة الهيئة، مكتئبة المحيا، فسألتها عن أمرها، قالت: إن زوجي عثمان صوام قوام، في النهار صائم، وفي الليل قائم، ولا حاجة له بي، أهملت نفسها، لا عناية لها إطلاقاً، ثيابها رثة، فأخبرت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال هذه المرأة، امرأة عثمان بن مظعون، فالتقى النبي الكريم بعثمان، وقال له: يا عثمان، أما لك بي أسوة ؟ قال عثمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وماذا ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصوم النهار، وتقوم الليل ؟ مؤنباً، قال: عثمان إني لأفعل، قال عليه الصلاة والسلام : لا تفعل، إن لجسدك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه.
هذه زوجة تحتاج إلى زوج، يؤنسها، يجلس معها، يحدثها، تحدثه، يلاطفها ليس لها إلا زوجها، فإذا أعرضت عنها، من لها غيرك ؟.
وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت زوجة عثمان إلى بيت النبوة عطرة نضرة متألقة، صار هناك عناية، كأنها عروس، واجتمع حولها النسوة اللاتي كانت تجلسن بالأمس رثة يائسة، وأخذن يتعجبن من فرط ما طرأ عليها من بهاء وزينة، انقلاب جذري، قلن لها: ما هذا يا زوج ابن مظعون ؟ لك أن تقول يا زوجة، ويا زوج ؟ قالت وهي مغتبطة: أصابنا ما أصاب الناس.
الداعية يحل مشكلات الناس:
كان يهتم عليه الصلاة والسلام بإخوانه، بأسرهم، بزوجاتهم، بحقوقهم، فإن أردت أن تكون داعية يجب أن يكون همك هم الناس، لذلك ورد في بعض الثناء على النبي الكريم:
يا من كانت الرحمة مهجته، والعدل شريعته، والحب فطرته، والسمو حرفته ومشكلات الناس عبادته.
حل مشكلات الناس عبادات الداعية، المدعو لا يحتاج إلى فصاحة، لا يحتاج إلى نصوص كثيرة، يحتاج إلى قلب كبير، يحتاج إلى أب، يحتاج إلى صديق، يحتاج إلى مؤنس، يحتاج إلى قريب.
3 – قصة الحجاج بن علاط السلمي:
نتابع مواقف النبي عليه الصلاة والسلام: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خبير الحجاج بن علاط السلمي، فأسلم، وكان غنياً كثير المال، فقال: يا رسول الله، إن مالي عند امرأتي، أم شيبة بمكة، ومتفرق في تجار مكة ـ يقول لك الآن تاجر 30 مليونًا ديونا موزعة، رأس ماله بين الناس ـ فأذن لي يا رسول الله أن آتي مكة لأخذ مالي قبل أن يعلموا بإسلامي، له عندهم مبالغ كبيرة، فإذا علموا بإسلامه لا يعطونه شيئاً، قال له: فأذن لي أن آتي لآخذ مالي قبل أن يعلموا بإسلامي، عندئذٍ لا أقدر على أخذ شيء منه فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال الحجاج ـ هنا المشكلة ـ قال: يا رسول الله، لا بد من أن أقول، أي أن أتقوّل، أو أذكر ما هو خلاف الواقع، أريد الكذب بالمعنى الصحيح، حتى أحتال به لأخذ مالي، حتى أحتال بأن أقول غير الواقع لأخذ مالي، فقال عليه الصلاة والسلام برحمته، وكماله: قل ما شئت.
من يسمح لك أن تتكلم بكلمة خلاف الواقع الآن ؟ يقص رقبتك، فقال له: قل ما شئت، قال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء بمكان رجالاً من قريش يستمعون الأخبار، ما كان اتصالات مثل الآن، الخبر يأتي من المسافرين، ويسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر ليحاربها، وهي من أقوى قرى الحجاز، وهم يتجسسون الأخبار من الركبان، وكان بينهم تراهن عظيم على مئة بعير حول من سيغلب، أهل خيبر أم رسول الله، فلما رأوا الحجاج، ولم يكونوا علموا بإسلامه قالوا: الحجاج ؟! والله عنده الخبر اليقين، يا حجاج، إنه قد بلغنا أن القاطع، يسمون النبي القاطع، قد سار إلى خيبر، فقال الحجاج: عندي من الخبر ما يسركم، فاجتمعوا عليه يقولون: إيه يا حجاج قل، قال الحجاج: فقلت لهم: لم يلقَ محمد وأصحابه قوماً يحسنون القتل مثلهم، فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها، وأسر محمد، وقالوا: لا نقتله حتى نبعث فيه إلى مكة، هناك يقتل، ليشفى بقتله صدور أهل مكة، فنقتله بين أظهرهم، لمن كان أصاب من رجالهم، فانطلق هؤلاء الرجال فرحين أشد الفرح إلى أهل مكة، فقيل لهم: قد جاءكم الخبر، هذا محمد، إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم، فيقتل بين أظهركم، ثم قال لهم الحجاج: أعينوني على غرمائي، أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد، وأصابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك، فجمعوا لي مالي على أحسن ما يكون، استرد كل ديونه بهذه الطريقة، يريد أن يأخذ المال، ويشتري ميراث محمد عليه الصلاة والسلام ، ففشا ذلك بمكة ، وأظهر المشركون الفرح والسرور، وانكسر من كان بمكة من المسلمين، المسلمون صعقوا ، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب كان مسلماً، فجعل لا يستطيع أن يقوم، من شدة حزنه بهذا الخبر، ثم بعث العباس إلى الحجاج غلاماً ليقول له: يا حجاج الله أعلى وأجلّ من أن يكون الذي جئت به حقاً، هذا حسن الظن بالله، هذا شيء مستحيل وألف ألف مستحيل، أن يسمح الله لأهل خيبر أن يأخذوا محمداً أسيراً، وينقلوه إلى مكة ليقتل هناك، فقال الحجاج للغلام: اقرأ على أبي الفضل السلام، وقل له: ليخلِّ لي بعض بيوته لآتيه بالخبر على ما يسره، يريد ألا يسمع أحد، واكتم عني، فأقبل الغلام فقال: أبشر أبا الفضل، فوثب العباس فرحاً كأن لم يمسه شيء، وأخبره بذلك، فأعتقه العباس رضي الله عنه لوجه الله، أعتق الغلام من شدة الفرح، وقال: لله عليّ عتق عشر رقاب على هذا الخبر السار.
فلما كان الظهر جاء الحجاج فناشد العباس أن يكتم عنه ثلاثة أيام، حتى يخرج، ويصل إلى مكان بعيد، وقال: إني أخشى الطلب، فلما مضى ثلاث فأظهر أمرك، وطالت على العباس تلك الأيام الثالث، عمد العباس رضي الله عنه إلى حلة أنيقة جداً فلبسها، وتخلق بخلوق، تعطر، وأخذ بيده قضيباً حتى أقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش، وهم يقولون: إذا مر بهم لا يصيبك إلا الخير با أبا الفضل، يظنون مشركاً مثلهم، وهذا والله من التجلد بحر المصيبة، أنت تكابر، قال: كلا والله، والله الذي حلفتم به لم يصبني خير بحمد الله، أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وجرت فيها سهام الله، وسهام رسوله، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت ملكهم، وإنما قال لهم ذلك ليخلص ماله منكم، وإلا فهو ممن أسلم، فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، فانتقلت الكآبة من المسلمين للمشركين، فقال المشركون: ألا يا عباد الله انفلت عدو الله، يعنون حجاجاً، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر الصحيح.
من يرضى أن يقال عنه: إنه قد أُسر من أجل أن يؤمن لأصحابه رأس مالهم، قال له: قل ما شئت.
الدعوة أخلاق:
أيها الإخوة، الدعوة أخلاق، الدعوة رحمة، الدعوة حلم، الدعوة قلب كبير الدعوة تواضع، الدعوة محبة، وليست معلومات فقط، المعلومات موجودة بأي مكان بكتاب الكتاب ليس عبئاً على أحد موضوع تقرأ فيه كما تشاء، فلذلك الدعوة أخلاق:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾