- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠67برنامج روح الحج - الديوان الوطني للحج والعمرة- القناة الرسمية الجزائر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :
أخوتي الحجاج الجزائريون، بارك الله بكم، ونفع بكم.
الحقيقة أن أحكام الحج مبذولة في مئات الكتب، ويعرفها القاصي والداني، ولكن هذا اللقاء من أجل حكم الحج، والفرق كبير بين أحكام الحج كتعليمات دقيقة، وبين حكم الحج كأسرار.
الحقيقة أن الإنسان خلق في الدنيا ليعبد الله، والدليل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
علة وجودنا في الدنيا أن نعبد الله، والآية واضحة كالشمس.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
إلا أن العبادة أنواع، من هذه العبادات العبادة الشعائرية، أي كلام، مواقف، حركات، سكنات، تؤدى طاعة لله عز وجل، فالصلاة عبادة شعائرية، والصوم عبادة شعائرية، والحج عبادة شعائرية.
العبادة الشعائرية لا تقبل ولا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
ولكن هناك حقيقة دقيقة جداً وهي أن العبادات الشعائرية ومنها الحج، ومنها الصلاة، والصوم، لا تقبل، ولا تصح، ولا تقطف ثمارها أصلاً إلا إذا صحت العبادة التعاملية، هذه حقيقة، أنا أسميها الحقيقة المرة، لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
فالصلاة:
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))
إذاً العبادة الشعائرية ومنها الصلاة، ومنها الحج، ومنها الصيام، لا تقبل، ولا تصح، ولا تقطف ثمارها، إلا إذا صحت العبادة التعاملية.
إذاً الصلاة كما قلت قبل قليل. أما الحج:
(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب، ونادى لبيك اللهم لبيك، نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك))
الصيام:
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
الشهادة:
((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))
إذاً هذه العبادات الشعائرية، كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، هذه العبادات لا تقطف ثمارها، بل لا تقبل عند الله، إلا إذا أُديت العبادة التعاملية، هذه العبادة التعاملية أين نجدها؟ حينما التقى سيدنا جعفر بالنجاشي، سأله عن الإسلام، قال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء))
هذه تسمى عند العلماء العبادة التعاملية، فالعبادة الشعائرية كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، لا تقبل، ولا تقطف ثمارها، إلا إذا صحت العبادة التعاملية، لذلك قالوا: " ترك دانق من حرام خير من مئة حجة بعد الإسلام".
الحج رحلة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام؛ الحقيقة أن الحج رحلة إلى الله، قبل قليل قلت: أحكام الحج مبذولة في مئات الكتب، ويعرفها القاصي والداني، لكن البطولة أن تكتشف أسرار هذه العبادة الأولى، لذلك الحج رحلة إلى الله، هذه الرحلة تؤكد حبك لله، تركت بيتك، وأهلك، وأولادك، وعملك التجاري، ومكانتك، وثيابك الأنيقة، ومركبتك الفارهة، ولبيت دعوة الله، ماذا تقول في الذهاب إلى الحج؟
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك.
هذه التلبية إجابة من العبد لدعوة من الله أن يا عبدي تعال إلي، تعال إلى بيتي، ذق طعم قربي، ذق محبتي، تعال لألقي في قلبك نوراً يضيء لك ما حولك، تعال إليّ كي تسعد، تعال إليّ كي تسلم، تعال إليّ كي تستعد للقاء الأخير.
لذلك بعض العلماء قال: الحج هو الرحلة قبل الأخيرة، الأخيرة إلى القبر، أما هذا الحج فتدريب، وإعداد، وتهيئة للرحلة الأخيرة، تعال إليّ.
فلذلك الحج العج والثج، العج؛ الاعتراف بالذنوب، والثج؛ سيول الدموع من عينيك أسفاً ومحبةً لله عز وجل.
لذلك أيها الأخوة، الحج رحلة إلى الله، ذهاب إلى الله، إني ذاهب إلى ربي، الحج صلح مع الله، الحج فتح صفحة جديدة مع الله، الحج قرب من الله، الحج استنارة بنور الله، الحج خضوع لمنهج الله.
خصائص الحج :
أيها الأخوة، الحج عبادة لها خصائص، إنك تصلي في بيتك، وفي بلدتك، وفي مكان عملك، إنك تصوم في بيتك، وفي بلدتك، وفي مكان عملك، لكن الحج هذه العبادة تحتاج إلى تفرغ تام، تترك البيت، الزوجة، الأهل، الأقارب، الأصحاب، المحل التجاري، الوظيفة المرموقة، المكانة، الثياب الأنيقة، هذه تتركها تلبية لدعوة الله عز وجل.
تعال يا عبدي، تعال لأريحك من هموم كالجبال، تعال كي تذوق طعم القرب مني.
فلذلك أيها الأخوة، الحج يحتاج إلى تفرغ تام، لا يحتمل عبادة أخرى، وكأن الحج لا يسع غيره.
الحكمة من أن الحج ببلد غير ذي زرع :
ما حكمة أن هذا الحج في بلد:
﴿ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾
لو كان بأماكن كسويسرا مثلاً، جبال خضراء، بحيرات، مناظر جميلة، لو كان الحج في بلاد جميلة رائعة جداً، ذات طقس معتدل، ومناظر طبيعية خلابة، لاختلط عندنا الحاج مع السائح، أرادالله عز وجل الحج:
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾
لذلك الحكمة أن السعادة التي يقطفها الحاج من الحج لا علاقة لها إطلاقاً بالأشياء المادية.
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾
لأن السعادة أحياناً أو اللذة إن صح التعبير قد تقطف من الشيء الجميل، المكان الجميل، الطعام الطيب، بالرفاه، بالبناء الفخم، الحج كان:
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾
الحج برهان عملي على محبة الله عز وجل :
لذلك أخواننا الكرام؛ يؤدى هذا الحج لا كالصلاة والصيام، يؤدى في مكان، وزمان محددين، إذاً هو رحلة إلى الله، رحلة لمرضاة الله، رحلة للصلح مع الله، رحلة للإقبال على الله، رحلة لعقد توبة نصوح، رحلة إلى جنبات الله عز وجل، إلى هذه البلاد المقدسة، التي عاش فيها النبي، وانتقل من مكة إلى المدينة، إلى هذه البلاد التي اختارها الله لوحده، ولدينه.
فلذلك أيها الأخوة، يؤدى هذا الحج في مكان وزمان معين، معين لأنه عبادة متميزة، بتعبير دقيق مختصر: رحلة إلى الله.
﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
الحقيقة أن العبارة الأولى التي تقال فيمن بدأ هذه الرحلة: لبيك اللهم لبيك، لبيك يا رب أنا استجبت لك، وأتيتك، أنا استجبت لك وتركت أهلي وأتيتك، وكأن الحج تأكيد قطعي أن هذا الحاج غلّب محبة الله، وتلبية دعوته، والقرب منه على كل شيء، فكأنه قدم البرهان العملي على محبته لله.
لذلك أيها الأخوة الذي يعود من الحج ينبغي في الأعم الأغلب أن يكون إنساناً آخر، تبدل جذري بأخلاقه، بعاداته، بمفهوماته، بنشاطه، عاد إنساناً آخر اصطلح مع الله.
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
أيها الأخوة الكرام، فالنداء الأول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك.
أيها الأخوة، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وأن تكون رحلة الحج رحلةً إلى الله، وعودة مغفورة، وعودة ناحجة، فقد ورد: "من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له".