- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (027) سورة النمل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، وفي نِهاية سورة النَّمل آياتٌ كثيرة تُعَدُّ تعْقيبًا وتلْخيصًا لِفَحْوى السورة ومَضْمونِها.
فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)﴾
ألَمْ يسْأل أحدكم هذا السُّؤال: لماذا أكْثَرَ الله في كتابِهِ الكريم الحديث عن بني إسرائيل ؟ وما علاقتنا بِهِم ؟ بعضهم أجاب الإجابة التالِيَة: قال إنّ الأمراض التي وَقَعوا فيها، وأصابَتْهُم هي أمْراضٌ يُمْكِن أن تُصيبنا نحن المسلمين، فالذين جاءهم الكتاب وطال عليهم الأمَدَ، وقَسَتْ قلوبهم، وقالوا سمعنا وعَصَيْنا، قال تعالى:
﴿ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)﴾
هذه أمراض وبيلة وقَع فيها بنو إسرائيل، سيِّدنا سعد بن أبي وقاص لما سأل النبي أصحابه قُبَيل معركة أحد: ماذا نفعل ؟ فقال: لعَّلك تظنُّنا يا رسول الله تُريدُنا ؟ فقال: نعم، والله يا رسول الله لقد آمنَّا بك وصدَّقْناك، وشَهِدنا أنَّ ما جئتَ به الحق، وأعْطَيناك على ذلك عُهودَنا ومواثِقَنا، يا رسول الله ؛ لو خُضتَ بنا هذا البَحْر لَخُضْناهُ مَعَك، وما تخلَّفَ مِنَّا رجلٌ واحِد، ولا نقول لك كما قال بنوا إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا ههنا قاعدون وإنَّما إنَّا معك مُقاتِلون، صِلْ حِبالَ مَن شِئْتَ واقْطَعْ حِبال مَن شِئْتَ وسالِمْ مَنْ شئْتَ، وعادي مَن شِئْتَ، وخُذْ مِن أموالنا ما شئتَ، ودَع ما شئْت، فوَ الذي بعَثَك بالحق للَّذي تأخذهُ مِنَّا أحَبُّ إلينا مِمَّا تَدَعُهُ لنا هذا موقف الصحابة الكرام، فالإنسان أحيانا يكون مِمَّن بلغَتْهُ رِسالة النبي عليه الصلاة والسلام، يَنْغَمِسُ في الدنيا، ويَقْسو قلْبُهُ، يُقَصِّر في عباداتِهِ، يَبْخَلُ بِمالهِ ووقْتِهِ وجُهْدِهِ، لا يُقَدِّمُ شيئًا للمسلمين، فهذا قد أصابَتْهُ أمراض بني إسرائيل، قال تعالى:
﴿ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(93)﴾
ولما طلب الله منهم الإنفاق قالوا:
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(181)﴾
قال تعالى:
﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾
فلذلك الإنسان إذا جاءَتْهُ رِسالة وانْكَبَّ على الدنيا مُرشَّحٌ كي يُصاب بِأمْراض وبيلة مُهْلِكَةٍ خطيرة ماحِقَة كالتي أصابَت بني إسرائيل ولعلّ في الأُسلوب الحكيم أنّ الله تعالى حدَّثَنا عن بني إسرائيل، وعنانا بهذا الحديث، فالله مثلاً قال:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)﴾
قِسْ عليه كتاب الله، فلو أنَّنا أقَمنا كتاب الله لأكلْنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، وقال تعالى:
﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾
قال تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13)﴾
فالإنسان إذا قرأ القرآن ومرَّ في قِراءَتِهِ على بني إسرائيل، وكيف عامَلوا نبيَّهُم موسى، وكيف صَنَعوا عِجْلاً جسَدًا له خُوار، كما قال تعالى:
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ(88)﴾
وكيف تَخَلَّوا عن نبِيِّهم الكريم وبَخِلوا بِمالِهِم، وحرصوا على الدنيا قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(94)﴾
وقال تعالى:
﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(6)﴾
فالإنسان إذا قرأ ما أوْرَدَهُ الله عن بني إسرائيل يجب أن يَعُدَّ هذا الخِطاب له لكنَّ الله جاء بِأُسْلوب تَرْبَوي حكيم، فالأب أحْيانًا لِحِكْمَة بالِغَة يتحدَّث عن شاب ابنُ صديقِهِ، وكيف انْحَرَفَ عن منْهَجِ الله وكيف أصابَهُ ما أصابَهُ، ويُسْمِعُ ابْنَهُ هذا الكلام، فلو أنَّهُ خاطَب ابْنَهُ هذا بالكلام مُباشَرَةً لما قَبِلَهُ ابْنُهُ، ولعَّلهُ يُناقِش، ويُحاوِر، ويُكابِر أما إذا حدَّثْتَ عن إنسانٍ آخر ما أصابَهُ، وما أحَلَّ به، فهذا الكلام أقْرَبُ في نفْسِهِ، وأيْسَرُ في الدخول إلى قلبِهِ، فحينما نقرأ عن بني إسرائيل في كتاب الله فهذا أُسلوب حكيم أراد الله أن يُطْلِعَنا الله عن أمراضٍ وبيلةٍ مُهْلِكَةٍ أصابَتْ هؤلاء القوم، فيا أيها المُسْلِمون اِحْذَروا أن تُصيبَكُم أمراض بني إسرائيل، مُنِعوا من صَيْد السَّمك يوم السَّبْت فصَنَعوا بُحَيْراتٍ على شاطئ البِحار، واسْتَقْبَلوا الحيتان يوم الجُمُعَة وأغْلَقوها يوم السَّبت واصْطادوها يوم الأحد، أَلَيْسَتْ هذه حيلَةً شَرْعِيَّة أليْسَ هناك مُسْلِمون كُثُر يفْعَلون الحِيَل الشَّرْعِيَّة، وكأنَّ الله غافل عنهم لقد ضَعُفَ الدِّين في حياة الناس، فالحِيَل الشَّرْعِيَّة دليل ضَعْف الإيمان لذلك إذا قرأْتُم عن بني إسرائيل تَرَوْنَ العَجَب العُجاب ؛ الحِيَل الشَّرْعِيَّة والبُخْل، والانْغِماس في الدنيا، وعبدوا الذَّهَب من دون الله، وجعلوهُ إلهًا، فالذي يُعَدُّ دينُهُ ودَيْدَنُهُ الدِّرْهَم والدِّينار، ويبْخل بِمالِهِ ؛ هذا أصابَتْهُ أمراض بني إسرائيل، فإذا حدَّثنا ربُّنا عن بني إسرائيل فالحديث على طريقة: إيَّاك أعْني واسْمَعي يا جارة !
قال تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)﴾
ما الفرق بين الهُدَى والرَّحْمة ؟ الهُدى أن يَمْشي إنسانٌ في طريق مُظْلِم وطريق مملوء بالحُفَر والحشرات والأفاعي وصُخور وعَقَبات، فإذا كان الظلام دامِسًا أُصيبَ بِحاجِزٍ ووقَعَ في حُفْرة، أو صدَمَتْهُ صَخْرة لدَغَتْهُ حيَّة، فالهُدى أن تَحْمِلَ مِصْباحًا كشَّافًا، وبه ترى كُلّ شيء فالقرآن هُدَى ترى به كُلّ شيء ونورٌ مِن الله، قال تعالى:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15)﴾
أما الرَّحمة فهو إن طبَّقْتَهُ جاءَتْكَ الرَّحَمات من الله عز وجل، فَكِتابُ ربِّنا هُدًى ورحمةً، تسْتنير به، وإذا طبَّقْتَهُ تَسْعَدُ به، والرَّحْمة السعادة والطُّمأنينة والسلام، والهُدى البصيرة، فأنت ترى وتسْعد،:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)﴾
فإذا كان المسلمون مختلفون، شِيَعًا وفِرَقًا وأحْزابًا، وطوائِفًا وتَصَوُّرًا وسَلَفِيَّة وتصَوُّف، والرِّفاعِيَّة، فنحن إذا اخْتَلَفْنا وتفرَّقْنا فالله يحْكم بيننا، فالسعيد مَن كان على منهج الله ومنهج رسولِهِ، لا أن يكون مع المتفرِّقين، الله تعالى يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(159)﴾
فَكُلُّ إنسانٍ ينْطوي على إخلاصٍ شديد يَحْرَصُ على وَحْدة المسلمين وأن تذوب الفُروق بينهم، ويحْرص على أن يتعاوَنوا فيما اتَّفَقوا، وأن يتسامَحوا فيما اخْتلفوا، يقول الإمام الشافعي: أنا على حق، وخَصْمي على باطل، وقد أكون مُخْطئًا، وخصْمي على باطل وأنا على حق وقد يكون مُصيبًا، اِجْعَل عَقْلَكَ مَفْتوحا وتفهَّم رأْيَ الطَّرَف الآخر، لذا لا تعْتقد أنَّك الوحيد على الحق والناس كُلُّهم على ضلال، فالعَقْل المفتوح والقدرة على المُحَاوَرة، والفَهْم والتَّفَهُّم هذا مِمَّا يجْمَعُ شَمْل المُسْلِمين ولا يُفَرِّقهم، فالله تعالى قال:
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)﴾
فالإله الذي تَعْبُدُه إذا كان لا يَحْميكَ مِن خُصومِكَ فلا معنى لِعِبادَتِهِ فالله عز وجل قال:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾
أنت حينما تتوكَّل على الله فإنَّك تتوكَّل على القويّ والعليم والحكيم والكريم والعزيز، قال تعالى:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(13)﴾
فأنت إما أن تكون مُتَوَكِّلاً، وإما أن تكون غير مؤمن، قال تعالى:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)﴾
يعني علامة إيمانكم تَوَكُّلُكم على الله، والتَّوَكُّل مَتى يكون ؟ مع الخطر الداهِم، فالخَطر مَقْصود من الله عز وجل، فالإنسانُ تُساق له بعض الأخطار لِيُرَى تَوَكُّلُه، والإنسان يقول حينما تُحدق به الأخطار: يا رب ليْسَ لي سِواك، وحَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيل، وهذه مِن الأذْكار فالإنسان إذا كان على حق، ودَخْلُهُ حلال، وجَوَارِحُهُ مَضْبوطَة، وكذا بيتُهُ وعملُهُ، فإذا كان لهُ أعْداء وخُصوم فلا ينبغي أن يَخْضَعَ لهم ويذِلَّ أمامهم، قال تعالى:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
ولكنَّ الإنسان المقبور ِبشَهَواتِهِ ؛ هذا إنسانٌ ميِّت، قال تعالى:
﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾
الموتى هنا المُنْغَمِسون في الشَّهوات، وقال تعالى:
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾
وقال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾
يعني أنَّكم كُنتم أمواتا، والإنسان قبل التَّوبة هو من الأموات، وقبل أن يعرف الله، ويتَّصِل به، وقبل أن يصْطَلِحَ معه، ويتعرَّف إلى منْهَجِهِ يقول سيِّدنا عليّ رضي الله عنه: يا بُنيّ ماتَ خُزَّانُ المال وهم أحْياء، والعلماء باقون ما بَقِيَ الدَّهْر، أعْيانُهُم مَفْقودَة، وأمْثالهم في القلوب مَوْجودَة، والعِلْم خيرٌ مِن المال ؛ لأنّ العِلْمَ يَحْرسك، وأنت تحْرس المال، والمال تنْقصُه النَّفقَة، والعلم يزْكو على الإنفاق، لذلك قال تعالى:
﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾
وهذه الآية فيها إعْجاز عِلْمي، فالأصَمّ ينْمو له ذكاءٌ خارِق، وهو يفْهم بالإشارة، فالأصَمّ إذا نظَر إليك فهِمَ ما تريد، أما إذا ولَّوا وأداروا ظهورهم حينها لا يسْمعون.
آيات اليوم تُبيِّنُ أُسلوب العزيز الحكيم في خِطاب المسلمين عن طريق خِطاب بني إسرائيل، وتُبيِّن أنَّ القرآن هُدًى ورحمة، وتُسْعِدُ به ويُبَيِّن أنَّه مهما اخْتلفْنا فالله يحْكم بيننا يوم القِيامة، وأنَّك إن لم تتوكَّل على الله تعالى فلَسْتَ مؤمنًا، وتُبَيِّن أنَّ الإنسان إن لم يُؤْمِن فهو ميِّت، قال تعالى:
﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾
وحُبُّك الشيء يُعْمي ويُصمّ، والأعمى لا يرى ولا يسْمع، قال تعالى:
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18)﴾