- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (027) سورة النمل
لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، لازلنا في سورة النمل وقد انتهينا من قِصَّة سيِّدنا سليمان عليه السلام مع بلْقيس ملِكَة سبأ، ها نحن ننتقل إلى قِصَّة أخرى وهي قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)﴾
في الحقيقة هناك في العالم شيء اسْمُهُ الاثْنَيْنِيَّة، فهُنَاك حق وهناك باطل، وخير وشرّ، وإحْسان وإساءة، وصِدْق وكذب، إخلاص وخِيانَة، دنيا وآخرة، إرْضاء الذات وإرْضاء الله، فالكَون كُلُّهُ مُرَكَّب على الاثْنَيْنِيَّة، وفي كُلّ عصْر وزمان، هناك حق وهناك باطل، وهناك أتْباع للحق، وأتْباعٌ للباطِل، أتْباعٌ للشَّهوة وأتْباعٌ للعَقْل فالعِبْرَة أن تكون مع أهل الحق، وأهل الخير، وأن تكون مع أهل الإحْسان والاسْتِقامة، وأن تعْمل للآخرة، وتسْتقيم على أمْر الله، وأن تكون مُنْصِفًا، وأن تكون شاكِرًا وعادِلاً، فَنحن عندنا دائِمًا نقْطتان أنت بينهما ؛ كُلَّما اقْتَرَبْتَ مِن إحْدى النُّقْطَتَيْن ابْتَعَدْت عن الأُخْرى، وكُلَّما ابْتَعَدْت عن الأخرى اقْتَرَبْت من الأولى، فالحلّ الوسَط لا يوجد، والدليل قوله تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50)﴾
وقال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾
ذَكَرتُ هذا عند قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)﴾
في كُلِّ عصْر فريقان ؛ حق وباطِل، إنسانٌ يقول لك: لا تُدَقِّق والناس كُلّها تغشّ، وأنت لك أولاد، وإنسان اعْمَل لِيَوم لا ينفعُ مال ولا بنون إلا من أتى الله بِقَلب سليم وآخر يقول لك: أرْسِل ابنَكَ إلى أيِّ مكان المُهِمّ أن ياتِيَ بالمال، وآخر يقول لك: لا، العِبْرة دينُهُ وأخلاقُهُ فأنت مسؤول عن ابنك، لذلك قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾
يجب أن تعتقد أنّ في كل زمان أهل حق وأهل باطل، وأهل دنيا وأهل آخرة، وأهل إحسان وأهل إساءة، وأُناس يتَّبِعون العقل وأناس يتَّبِعون الشَّهوة، وإن لم تكن مع هؤلاء فأنت حَتْمًا مع هؤلاء، قال تعالى:
﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) ﴾
الله عز وجل لخَّص القرآن كلَّه بِكَلمتين الكلمة الأولى قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾
هذه حقيقة، والآن التَّطبيق، فلو قال أحدهم إنَّ الملح يرْفع الضَّغط وكنت مِمَّن معه هذا المرض، ماذا سَتَفْعَل ؟ أوَّل وَجْبة طعام تُجَرِّدُها من المِلْح، فإن لم تفْعل هذا، فهذا يعني أنَّك لم تفْهَم ما قاله فأيُّ شيء إذا ألقي عليك ولم تأخذ مَوْقفا عمليا كأنَّك ما فَهِمْتَهُ، فأنت كإنْسانٍ عاقِل إذا أُلْقِيَت عليك حقيقة، لا بدّ أن تأخذ مَوْقفا من هذا الذي أُلْقِيَ عليك، فالإنسان إن لم يتَّخِذ مَوْقف يعني هذا أنَّهُ كذَّب أو لم يسمع.
قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾
والآية الثانِيَة قوله تعالى:
﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(6)﴾
فلو أنَّك سَمِعْتَ الآن حقيقة، ماذا ينبغي أن تفْعَل ؟ أن تأخذ مَوْقِفًا طيِّبا والماضي ؟! قال: الماضي مُغَطَّى بالاسْتِغْفار، قال تعالى:
﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(6)﴾
كلمة فيها نكتَة رائِعَة، فالإنسان قد يسْتقيم أحْيانًا خَوْفًا على سُمْعَتِهِ وخَوْفًا مِن قوانين قاسِيَة جدًّا، أو خوْفًا مِن متاعِب لا يَحْتمِلُها فهذه الاسْتِقامة ليْسَت إليه، لأنَّها لا تصِل إليه، هذه اسْتقامة للدنيا وأنت تأخذ ثِمارها كلَّها في الدنيا، فإذا جاء الأجل فلا تجده عنده شيئا لأنَّك اسْتَقَمْتَ لِيُقال عنك مُسْتقيم، وأنت اسْتقمت حِفاظًا عن سمعتك نحن نريد اسْتِقامة توصِل لله تعالى، اسْتِقامة خالصة لله تعالى.
قال تعالى:
﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) ﴾
الاسْتِغفار أحد أسباب الرحمة، وأنت حينما تستغفر تعلم أنَّ الذي تسْتغفر له يَغْفِر وأنَّه موجود ورحيم، وأمرَكَ أن تسْتغفرَهُ، وأنَّه علَّق رحْمتهُ على اسْتِغفارك.
قال تعالى:
﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)﴾
أي شيء يتعلَّق بالتّشاؤم لا يؤثِّر، لا يوجد رقم يُخَوِّف، ولا يوم أربعاء يُخَوِّف، ولا اليوم الثالث عشر يُخَوِّف، هذا كُلُّه خلْط بِخَلْط، قال تعالى: قال تعالى:
﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)﴾
تشاءَمْنا منك، لا تقل ليس لي حظّ، الله تعالى قال:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
وعندنا قانون التَّيْسير وقانون التَّعْسير، آمنْتَ واسْتَقَمْت على التَّيْسير ولم تؤمن ولم تسْتَقِم لا سَمَحَ الله على التَّعْسير، يقول لك: ضربتها بالشَّرق فجاءَت من الغرب ! هذا صحيح لأنّك لم تصْطَلح مع الله، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(11)﴾
قلبَ لي الدَّهر ظهر المِجَنّ ؛ هذا خلْط، وسَخِرَ القَدَر مِنِّي ؛ خلْط فالتَّشاؤُم لا يوجد في ديننا، تَسْتقيم تُطَبَّق عليك مادَّة التَّيْسير، وإن لم تسْتقِم تُطَبَّق عليك مادَّة التَّعْسير، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
(( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
ذلك لأنَّ عطائي كلام وأخْذي كلام، فَمَن وَجَدَ خيْرًا فلْيَحْمَدِ الله، ومَن وجَدَ غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفْسَه، لذا لا تقل: هذا مِن الشيطان، وحظِّي تعيس، وظروف صَعْبة، لا تعْزُ الخطأ لأيِّ جِهَة، إنَّما اُعزوها لِنَفْسِك.
قال تعالى:
﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)﴾
الله بِيَدِه كُلُّ شيء، وأنتم اعْتَنَقْتُم الباطل وهو غلَط.
قال تعالى:
﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)﴾
الإنسان الكافر إذا مَكَر يرُدُّ الله عليه بِمَكْرٍ يُدافِعُ به عن المؤمنين، فَهُوَ سُمِّيَ مَكْرًا مُشاكَلَةً في البلاغة، لأنّ الله عز وجل يُدَبِّر لِصالِحِ الفريقين وهناك آية أخرى:
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79)﴾
انْزَعَجَ أحدهم مِن هرَّة فرماها مِن سبْعة طوابِق، بعد يَوْمَين اِخْتَلَّ توازُنُه، وبقي كذلك عَشْر سنوات، فالإنسان قبل أن يُؤذي مَخلوق، وقد دَخَلت امرأة النار في هِرَّة حبسَتْها لا هي أطْعَمَتْها! الإله عظيم وكبير، قال تعالى:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
قال تعالى:
﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)﴾
ألا تكفي هذه الآية ؟! كُلُّ إنسانٍ آمَنَ بالله، واتَّقى أنْ يَعْصِيَهُ فالله جلَّ جلاله يُنَجِّيهِ مِن أيِّ عذاب، وكُلّ إنسان مَكَر يرُدُّ الله عليه بِمَكْرٍ مُحْكَم.
هناك بلْدَة بالمغْرب اسْمُها آغادير ؛ هذه البلْدة ممنوع أن يدْخلها أهل المغرب لأنَّها مدينة للسُّواح، وفيها كل أنواع الموبِقات، أصابَها زلزال بِثَلاثة ثواني جعل عالِيَها سافِلَها، وفيها أضْخم فُندق ثلاثون طابقًا ولم يبْق منه إلا آخرهُ ؛ عليه اسم القبر، قال تعالى:
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145)﴾
كيف أنَّ الله تعالى قال:
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
فالمغزى قوله تعالى:
﴿وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)﴾
فإذا آمَنْت واسْتَقَمْت لن تخاف شيئًا، قال تعالى:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾
فهذا النبي دخل في بطْن الحوت ؛ قال تعالى:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)﴾
فنحن الآن أُلْقِيَ علينا كلامًا، والماضي مُغَطَّى بالاسْتِغفار، والحاضِر يجب أن نتَّخِذ موقِفًا حتَّى لا يُصيبنا ما أصاب المُنْحَرِفين.