- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠21برنامج مكارم الأخلاق - قناة انفنيتي
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أيها الأخوة والأخوات السلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم في برنامج مكارم الأخلاق ، وباسمكم أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً .
الأستاذ عدنان :
التعاون عنوان عريض لحياة واسعة عريضة أيضاً في كل المجتمعات ، والتعاون لا يمكن أن يستغني عنه الإنسان بالنسبة لأخيه الإنسان ، ترى هل كان في هذا الاتجاه توجيه وتكليف من الله تعالى للإنسان بأن يكون متعاوناً مع أخيه الإنسان ؟.
منهج الدين منهج كامل :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عدنان ، يتوهم معظم المسلمون أن الدين هو العبادات الشعائرية ليس غير مع أن الحقيقة الدين منهج كامل ، يبدأ مع الإنسان من فراش النوم إلى العلاقات الدولية لذلك يقول العلماء : كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك ، هناك أمر تهديد .
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
هناك أمر إباحة :
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾
هناك أمر ندب :
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾
لكن ما لم تقم قرينة على خلاف الوجوب ، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، منهج الله منهج كامل ، فالذي يقرأ القرآن ، والذي يقرأ سنة النبي العدنان الصحيحة ، أي نص فيه فعل أمر ، أو معنى الأمر يجب أن يطبقه .
التقوى صلاح الآخرة والبر صلاح الدنيا :
موضوع التعاون الأصل فيه أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
فهناك أمر ، وهناك نهي ، الأمر يقتضي شيئين ، التعاون على البر صلاح الدنيا والتعاون على التقوى صلاح الآخرة ، فينبغي أن يتعاون المؤمنون على صلاح دنياهم وعلى صلاح دينهم ، ينبغي أن ننصح ، ينبغي أن نبين ، ينبغي أن نحبب الناس بالدين ، ينبغي أن نتعاون معهم كي يطبقوا شعائر هذا الدين ، ينبغي أن نقنعهم بأفضلية الدين ، ينبغي أن نأتيهم بالأمثال ، بالأدلة ، بالشواهد ، بالبراهين ، ينبغي أن نعزز الحق ، كل هذه النشاطات العلمية والدعوية تحت قوله تعالى:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
فالتقوى صلاح الآخرة والبر صلاح الدنيا ، ينبغي أن نتعاون في حل مشكلات الشباب ، ينبغي أن نتعاون لتأمين فرص العمل ، ينبغي أن نتعاون لإيجاد المساكن ، ينبغي أن نتعاون لحل مشكلات الفقراء .
على المسلمين أن يتعاونوا على صلاح دنياهم و آخرتهم :
الأمر الإلهي العظيم في هذه الآية :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
أي ينبغي أن نتعاون على صلاح دنيانا وعلى صلاح أخرتنا ، وينهانا القرآن الكريم عن أن نتعاون على ما فيه الفساد ،
﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ﴾
الإثم مطلق المعصية
﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾
أن ينتقل الفعل إلى الآخرين ، الإنسان قد يكون فاسداً ، ثم قد يكون مفسداً ، قد يكون ظالماً لنفسه ، وقد يكون ظالماً لغيره ،
﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
فهذه الآية أصل في موضوع التعاون ، والتعاون فريضة محكمة ، نحن أكثر مشكلة يعيشها الناس أنهم يتوهمون أن الدين أن تصلي ، هناك أوامر لا تعد ولا تحصى في القرآن والسنة تقتضي الوجوب ، الدين منهج كامل ، والحقيقة أن ثمار الدين لا تقطف إلا إذا أديت كاملة .
تماماً كالسيارة ، عندك محرك ، هذا ليس سيارة ، عندك عجلات ، هذه ليست سيارة ، لا بد من أن يكون الهيكل ، والعجلات ، والمحرك ، والوقود ، والفرش ، والكهرباء ما لم تستكمل السيارة خصائصها لا تسمى سيارة .
الأستاذ عدنان :
ممكن أحياناً أن نرى إنساناً يتعاون مع أخيه الإنسان ، ويمكن بالمقابل أن نرى من ينفر من التعاون ، ترى ما هو السبب ؟.
التناقض بين الطبع و التكليف :
الدكتور راتب :
والله هناك تعليل عميق : الإنسان عنده طبع ، خصائص جسمه ، وعنده تكليف ولحكمة بالغةٍ بالغة يتناقض الطبع مع التكليف ، فبينما يحتاج الجسم إلى الراحة يأتي التكليف أن تستيقظ كي تصلي الفجر ، فالجسم يميل إلى الراحة ، بينما يميل الإنسان كلاً إلى أخذ المال ، التكليف أن ينفقه ، يميل الإنسان إلى أن يخوض في فضائح الناس ، والتكليف أن يستر ، يميل الإنسان أن يملأ عينيه من محاسن النساء ، والتكليف أن يغض بصره عن أية امرأة لا تحل له .
إذاً هناك تناقض بين الطبع والتكليف ، وجئت بهذا المثل كمقدمة ، الطبع فردي جبلة الإنسان طبعه ، والطبع أقرب إلى الجسم ، والفطرة أقرب إلى النفس ، فطرة وطبع الفطرة أقرب إلى النفس ، لكن الطبع أقرب إلى الجسم .
ارتباط التعاون بطاعة الله عز وجل :
لذلك الإنسان في طبعه فردي ، والتعاون تكليف ، فالإنسان بقدر طاعته لله يتعاون مع أخيه الإنسان ، وبقدر بعده عن الله يتنافس مع أخيه الإنسان ، فأنت إن رأيت إنساناً مؤمناً ، ملتزماً ، مطبقاً ، خاضعاً لمنهج الله ، من لوازم هذا الخضوع أن يتعاون مع أخيه الإنسان ، وإن رأيت إنساناً فردياً يبني مجده على أنقاض الآخرين ، هذا دليل قاطع على أنه مع الله في جفاء ، وفي بعد كبير ، من لوازم الإيمان التعاون ، من لوازم البعد عن الله التنافس ، هذه نقطة مهمة جداً في موضوع التعاون ، التعاون مرتبط بطاعة الله عز وجل لا تجد مؤمناً إلا متعاوناً ، ولا تجد إنساناً شرد عن الله عز وجل إلا وتجده أنانياً ، يريد أن يحيا وحده ، أن يستمتع بالحياة وحده ، لا يحمل هم المسلمين إطلاقاً .
الأستاذ عدنان :
يمكن أن يكون الإنسان في حياته إمكانات ، وطاقات ذاتية متقدمة ، يظن أنه من خلال هذه الإمكانات أنه يستغني بها عن الآخرين ، ترى هل يستطيع الإنسان فعلاً أن يستغني عن الآخرين بما عنده من طاقات ، أو إمكانات ؟.
الاجتماع ضروري بحياة كل إنسان :
الدكتور راتب :
أستاذ عدنان ، فيما أتصور أن الله جل جلاله أرادنا أن نجتمع مع بعضنا بعضاً بل قهرنا على أن نجتمع ، الدليل أن الإنسان يمكن أحياناً أن يتقن عملاً واحداً ، وهو بحاجة إلى آلاف الحاجات ، أنت تتقن مثلاً أن تلقي درساً
لكنك بحاجة إلى خياط ، إلى حلاق ، إلى قصاب ، إلى تاجر ، إلى أستاذ جامعي لابنك ، أنت بحاجة إلى مليار حاجة ، وقد مكنك الله من حاجة واحدة ، وقد تُمكن من حاجتين ، فأنت لن تستطيع أن تعيش وحدك ، فكأن الله أرادنا أن نجتمع ، بل قهرنا على الاجتماع ، لأن كل واحد منا مفتقر إلى إخوانه .
لذلك في بعض الآيات :
﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾
أوضح هذا المثل : أنه قد يكون هناك طبيب قلب ، وفي إنسان آخر يشعر بضيق في صدره ، يقلق على صحته ، يأتي هذا الطبيب ، هو قلق جداً ، وخاضع جداً ، ومستسلم جداً لهذا الطبيب ، يسأله أحتاج إلى عملية قلب مفتوح ؟ أم تعالج هذه بالأدوية ؟ هل أحتاج إلى إضافة شريان ؟ إلى قسطرة ؟ إلى ؟ إلى ؟ هذا الإنسان المريض بحاجة إلى هذا الطبيب ، الطبيب نفسه يشعر بالمحرك بصوت غير طبيعي ، يأخذ مركبته إلى من يعمل بإصلاح السيارات ، يقف الطبيب أمام مصلح المركبات بأدب جم ، هل هذا المحرك سليم ؟ أم يحتاج إلى تبديل ؟ فكان الطبيب أولاً في موضوع ، ثم صار مصلح المركبات أولاً في موضوع فكل إنسان بحاجة إلى أخيه الإنسان ، وما في إنسان يستغني عن أخيه الإنسان .
امتحان كل إنسان من خلال التعاون :
الله قهرنا أن نجتمع ، وكأنه أراد من هذا الاجتماع أن يمتحننا
أنت بهذا التعاون ، أو أنت بهذه المصالح المشتركة هل تصدق أم تكذب ؟ هل تخلص أم لا تخلص ؟ هل تؤذي أم تنفع؟
فهنا جوهر الموضوع ، أنت من خلال حاجتك إلى أخيك الإنسان يمتحنك الله هل تنصحه أم تغشه ؟ هل تفي بوعدك أم لا تفي ؟ هل ترحمه أم تقسو عليه ؟ هل تستغله أم لا تستغله ؟ فالله أرادنا أن نجتمع ، وقهرنا على أن نجتمع ، وجعل اجتماعنا عن طريق أننا نتقن حاجة واحدة ، بينما نحتاج إلى مليون حاجة ، إذاً لا بد من التعاون فيما بيننا ، من خلال هذا التعاون يمتحن الإنسان .
الأستاذ عدنان :
دكتور ، في حياته كما بينتم هو بحاجة لأخيه الإنسان ، بالتالي التعاون قائم لا محالة بين الناس ، وتستطيع المجتمعات كلها من خلال التعاون أن ترقى ، والرقي يرتبط بالتعاون فعلاً ، لكن في دور الإيمان ، في دور الإنسان المؤمن ، هل يزيده التعاون درجة على غيره ؟.
التعاون دين و حكمة و رحمة :
الدكتور راتب :
أستاذ عدنان ، أولاً قد نهتدي إلى الكمال بعقولنا ، وقد يأتينا بوحي السماء ، المجتمعات القوية الآن متعاونة جداً ، بل إنهم يعلمون أولادهم التعاون في سن مبكرة ، بل إن كل الألعاب التي يمارسها أولادهم أساسها التعاون ، لذلك تجد المجتمعات القوية متعاونة إلى أقصى الحدود ، بينما تجد مجتمعات مختلفة متنافسة ، أنا أتكلم مع الحرقة ، أي أعداؤنا على 5% من قواسم مشتركة فيما بينهم ، بينما الشعوب الأخرى تتقاتل وبينها 95 % قواسم مشتركة ، فالتعاون فضيلة ، والتعاون رقي ، أولاً التعاون دين ، تنفيذ لأمر الله ، ثانياً التعاون حكمة ، التعاون رحمة ، التعاون قوة .
(( يَدُ اللهِ مع الجماعةِ ))
(( ومن شَذَّ شَذَّ إلى النار ))
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
أولاً دين ، وقرب من الله ، ومحبة وحضارة ، ورقي ، وقوة .
العمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي في النتائج ويختلف عنه في البواعث :
لذلك : التعاون قد نصل إلى جدواه بعقولنا كالعالم الغربي
وقد نصل إليه بطاعة لله كالمسلمين ، لكن أحياناً العمل العبادي يلتقي مع العمل الذكي في النتائج ، ويختلف عنه في البواعث ، يعني المؤمن حينما يتعاون يعبد الله في هذا التعاون ، له الدنيا وله الآخرة ، بينما غير المؤمن يتعاون بذكائه ، يُحصّل من الدنيا الشيء الكثير ، أخذ نصيبه من الدنيا ، لكن العمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي في النتائج ، ويختلف عنه في البواعث .
فالتعاون من زاوية دينية طاعة لله ، من زاوية دينية إقبال عليه ، من زاوية دينية محبة للخلق ، ومن زاوية حضارية التعاون قوة .
لذلك هناك مصطلح عند الغربيين اسمه فريق العمل ، الآن عندما يعلنون عن طلب وظيفة يضعون الشروط ، والأعمار ، والشهادات ، والخبرات ، وفي بند مهم جداً أن يصلح للعمل ضمن فريق ، يعني يتعاون .
الأستاذ عدنان :
دكتور ، الدعوة إلى الله تعالى ، فلان يود أن يظهر إعجاز الله تعالى كما تظهرونه أنتم في هذه البرنامج ، ألا يحتاج إلى مواد علمية ؟ والمواد العلمية لا تأتي هكذا لابد من عالم يتابعها ، ميدان أثر التعاون في الدعوة إلى الله تعالى ؟.
أثر التعاون في الدعوة إلى الله تعالى :
الدكتور راتب :
أستاذ عدنان ، أنا أعتقد ، وأرجو أن أكون على صواب ، أن الدعاة إلى الله نوعان ، دعاة إلى الذات بدعوة مغلفة بدعوة إلى الله ، ودعاة إلى الله مخلصون ، الدعاة إلى الذات يبتدعون ولا يتبعون ، يتنافسون ولا يتعاونون ، يلغون
الطرف الآخر
أما الدعاة إلى الله الصادقون يتبعون ولا يبتدعون ، يتعاونون ولا يتنافسون ، يعترفون بالطرف الآخر فلذلك لا تجد داعية خالصاً يعمل بإخلاص شديد إلا ومن سمات دعوته إتباع ، إتباع الكتاب والسنة ، ثم التعاون مع زملائه الدعاة ، ثم الاعتراف بفضلهم .
***
الموضوع العلمي :
الأستاذ عدنان :
يا سيدي ، حتى في ميدان الطير نجد أن أكثر أنواع الطير هي عبارة عن جماعات ، وهي بالتالي متعاونة ، فكل ما في الحياة يعني التعاون ، ومن إعجازات خلق الله تعالى ما نتبينه معكم من خلال الموضوع العلمي الذي نتابعه بإذن الله .
الطائر من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل :
الدكتور راتب :
إن شاء الله ، الحقيقة من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل هذا الطائر ، بل إن أعظم طائرة صنعها الإنسان حتى الآن لا ترقى إلى مستوى الطائر .
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ﴾
أستاذ عدنان ، ربما كان الحمام أكثر الطيور التي تقابلها الناس في حياتهم اليومية ، فعندما نراقب عن كثب الكائنات الصغيرة التي لا تشد انتباه أحد تظهر لنا معجزة وأي معجزة ، إنها معجزة الطيران .
معجزة الطيران عند الطيور :
لكي نرى هذه الحقيقة فلندقق في كيفية إقلاع من الأرض إلى الهواء ، ولنشهد هندسية تصاميمه الهندسية ، تقفز الحمامة أولاً باتجاه الأعلى لحظة انفصالها عن الأرض ، وترفع جناحيها ثم تميل إلى الأمام قليلاً ، وتعلو بحيث تستطيع التقدم في الجو ، أما الطيور التي هي أكبر من الحمام فإنها لا تستطيع فعل هذه الحركة الصعبة أكثر من مرتين.
وإذا كان الطائر كبيراً كالباتروس فلا يستطيع فعل هذه الحركة أبداً ، لذلك كان لها تقنيات إقلاع مختلفة ، فعلى سبيل المثال : الإقلاع تدريجياً في ميدان طويل ، وهذه الطريقة التي يستخدمها الناس في الطائرة تماماً ، اللحظة الأولى من الإقلاع هي أصعب مرحلة بالنسبة إلى عامة الطيور ، ثم تحلق بسهولة تامة في الفضاء ، كما أن الطائرة أصعب شيء في قيادتها الإقلاع والهبوط .
ما الذي يؤمن للطائر تعلقه في الجو ، الآن سؤال ، ما الذي يؤمن للطائر تعلقه بالجو بعد إقلاعه أول مرة ؟ الجواب : يمكن في التصميم الهندسي الكامل الموجود تحت جناحي الطائر ، فالقسم الخلفي لجناح الطائر ينثني للأسفل قليلاً ، يصدم الهواء المار من أسفل الجناح بهذا الانثناء ، فيضغط ، ولهذا يرتفع الطائر باتجاه الأعلى ، أما الهواء المار من القسم الأعلى للجناح فيدفع القسم الأمامي في الجناح للأعلى ، ويقلّ ضغط الهواء الذي فوق الجناح ، مما يجذب الطائر إلى الأعلى .
إذاً كان هناك مجرى هواء كافٍ ، فقوة الجاذبية المتكونة فوق الجناح ، وقوة الرفع بعد الجناح تكفيان لتعلق الطائر في الجو ، وهذا من آيات الله الدالة على عظمته
﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ﴾
أشكال أجنحة الطيور وأرياشها معجزة من معجزات الخالق سبحانه :
ويستطيع طائر الباتروس البقاء في الجو لساعات باستخدام الرياح الصاعدة فقط دون أن يرفرف بجناحيه
يستخدم تيار الهواء من دون رفرفة جناحين ، أما بعض الطيور فتكون بنفسها تيار هواء ، الذي يلزم أن يكون تحت جناحيها ، لهذا ترفرف بالجناح كل مرة الطائر يجدف بها في الهواء ، وأثناء رفع جناحيه إلى الأعلى يضم نصفه باتجاه الداخل وهكذا يقل احتكاك الهواء ، ويفتح جناحا الطائر بشكل كامل عندما ينزلان باتجاه الأسفل وتتداخل الأرياش بعضها في بعض في كل حركة ، ولكن يبقى القسم الأسفل أملس على الرغم من تغير حركة الجناح في كل لحظة .
أستاذ عدنان ، إن أشكال أجنحة الطيور ، وأرياشها كاملة في الدينامكية الهوائية معجزة من المعجزات .
هذه البطة بفضل بنيتها الهوائية الرائعة ترى كأنها تحلق في الجو ببطء على الرغم من طيرانها بسرعة سبعين كم بالساعة تقريباً ، بعض الطيور تطير بسرعة 125 ، أجنحة الطيور مختلفة ، أعطت الناس الأسوة في صنع الطائرة ، في كل زمان ومكان كما قلت : إن أرقى طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر ، بعض الأجنحة قصيرة ومتينة ، للمناورات المتتابعة ، وبعض الأجنحة ضيقة وحادة للطيران السريع ، وبعض الأجنحة طويلة وواسعة للطيران على ارتفاع عال ، وبعض الأجنحة طويلة ضيقة للتحليق في الجو بسهولة .
اختلاف أنظمة الطيران بحسب حاجة كل طائر :
الله تعالى خلق في جسم كل طائر أكمل الأنظمة أنظمة الطيران
ولكل بحسب حاجته ، بعض الطيور تطير أشهراً بأكملها تأكل وتشرب وتنام في الفضاء ، الصقور تنقض على فريستها بسرعة ثلاثمئة كم في الساعة ، الصقور ، العقاب لا يطير لإيجاد طعامه فقط بل لإثبات قوته أيضاً كالمناورة العسكرية ، الصراع بين هذين العقابين ليس مشجارة بل مسابقة في الشجاعة ، والمهزوم هو الطائر الذي يسقط على الأرض أولاً ، نبقى مع مشهد الطيران الرائع هذا .
وبما أن كل طيران لابد من أن يعقبه نزول لهذا فأهمية الهبوط بشكل آمن ضروري كأهمية القدرة على الإقلاع ، والطيور ماهرة بهذا أيضاً ، تستخدم جناحيها للفرملة كما تستخدم الطائرات اليوم جناحيها للفرملة .
بالإضافة إلى الطيران الطائر المسمى بافين يستطيع أن يبقى معلقاً في الجو بفضل تيار الهواء الصاعد ، ويستخدم هذه القابلية للنزول أيضاً ، عدم الانتباه ولو للحظة ربما ينتهي بنتائج مريرة ، كالطيارة تماماً ، معظم الحوادث أثناء الإقلاع أو الهبوط .
الإوز العراقي واحد من الطيور ذوات الأجنحة الكبيرة ينزل على سطح الماء كطائرة بحرية ، ويستخدم الأقدام كالفرامل ، يقوم النسر بالهبوط إلى عشه الذي على حافة الهاوية بمراقبة طيران حادة ، وبحساب هندسي دقيق ، أولاً يبدأ بالغوص بسرعة إلى الهدف الذي يبتغيه أسفل العش ، ثم فجأة ينعطف فوق باتجاه الأعلى متخذاً الهواء فرملة ، وعندما يصل إلى العش تكون سرعته قد انخفضت إلى الصفر .
الحقيقة أحد أكبر الآيات الدالة على عظمة الله هذا الطائر الذي يطير بجناحين وبعد مئات الأعوام اخترع الإنسان طائرة ، بكل طاقته ، وخبرته ، وإبداعه لا ترقى هذه الطائرة إلى مستوى الطائر .
الأستاذ عدنان :
دكتور في البداية ذكرت قول الله تعالى مبيناً تكليفه للناس ،
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
الطلب إذاً من الله تعالى أن يكون التعاون على البر والتقوى ، لا أن يكون الإنسان منفرداً في أعماله ، ترى هل نفهم من القسم الثاني من الآية
﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
أنه لا مانع أن يفعل الإنسان بعض السيئات دون أن يكون متعاوناً مع الآخرين ، أم أن النفي هو قاطع ، وزيادة في النفي أن لا يكون هناك تعاون على الإثم والعدوان ؟
على كل إنسان أن يكون مطيعاً لله فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين الناس :
الدكتور راتب :
هو فردي ، العدوان تخطي الفعل إلى الآخرين ، أنا حينما آخذ مال إنسان أعتدي عليه ، أما حينما أعصي ربي فيما بيني وبين ربي أنا وقعت في الإثم ، فهو ينبغي أن تعين الناس لا على أن يأثموا وهم في بيوتهم ، هناك أعمال تعين الناس على الإثم وهم في بيوتهم فالعبرة أن يكون الإنسان مطيعاً لله فيما بينه وبين ربه ، وفيما بينه وبين الناس .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ عدنان :
كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، وكل الشكر أيضاً للإخوة المشاهدين .