- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 1- رمضان 1424 - مكارم الأخلاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
خطر ينتظر الأمة إذا لم تقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أيها الأخوة الكرام, الصفة التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الفريضة السادسة، بل إن علة خيرية هذه الأمة التي ذكرت في القرآن الكريم هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي اللحظة التي لا تأمر فيها الأمة بالمعروف ولا تنهى عن المنكر فقدت خيريتها، بل هي أمة كأية أمة لا شأن لها عند الله , لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن هذا يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر وأمرتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفاً؟))
أيها الأخوة, لمجرد أن ندع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحل علينا سخط الله عز وجل، بدليل: أن سبب عراك بني إسرائيل: أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
قد تأتي فتاة ترتدي ثيابًا فاضحة إلى بيت عمها، فتُستقبل، ويُرحّب بها، ولا يذكر لها شيء عن ثيابها، ولا عن خروجها, هكذا تفتن الشباب، فالله عز وجل يهلك أمة صالحة، وليست مصلحة. قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾
لكنه يهلكهم إذا كانوا صالحين، لذلك ورد: أن الله سبحانه وتعالى أرسل الملائكة ليدمروا قرية فقالوا:
((يا رب إن فيها رجلاً صالحاً، قال: به فابدؤوا، قالوا: ولمَ؟ قال: لأنه لم يكن يتمعّر وجهه إذا رأى منكراً))
في اللحظة التي ندع فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يحل علينا سخط الله عز وجل.
علة تسمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لكن أروع ما في الموضوع: أنه سمي الأمر بما ينبغي أن يكون معروفاً، والنهي عما لا ينبغي أن يكون منكراً، أي أن المعروف مركوزٌ في أصل الفطرة، النفوس في الأرض تعرفه بداهة، والنفوس في الأرض تعرف المنكر بداهة، أنت تمشي في الطريق، ورأيت رجلاً جريحًا بسبب حادث، فأن تأخذ هذا الجريح إلى المستشفى وتسعفه, هذا في نظر أهل الأرض معروف، أو تدوسه بمركبتك، وتولي هارباً، هذا في نظر أهل الأرض منكر، هكذا الدين، الدين مركوز في أصل الفطرة.
أيها الأخوة, ما رأيت بلاغة أعظم من أن الأعمال الصالحة سميت معروفاً، وأن الأعمال السيئة سميت منكراً، أي أن أي مخلوق فطر فطرة سليمة ينكرها.
لذلك يعتمد في هذا في القضاء البريطاني بنظام اسمه: نظام المحلفين، بمعنى أنهم يأتون بخمسين رجلا من الطريق، ويعرضون عليهم وقائع هذه الجريمة، بفطرهم الإنسانية يرون الحق، لا يوجد رشاوى، ولا ضغوط، ولا أي شيء آخر، بالفطرة السليمة، لذلك أول نقطة في هذا الدرس: أن المعروف تعرفه الفطر السليمة، وأن المنكر تنكره الفطر السليمة، وقد أُمرت أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، هذا المعروف, والمنكر بالمصطلح الحديث: الثوابت عند الإنسان، أينما ذهبت في شرق الأرض وغربها، المعروف تعرفه الفطر السليمة، والمنكر تنكره الفطر السليمة.
لا يستجاب لأمة محمد دعوتها إلا إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر:
الآيات التي تتحدث عن المعروف تزيد على عشرين آية، من هذه الآيات:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾
ألا تلاحظون أن في حرب العراق قَنَتْنا في كل الصلوات، ودعونا الله ليلاً ونهاراً، فهل استجاب الله لنا؟ لم يستجب! ألا تستمعون في كل صلاة جمعة من خطباء المساجد كلاما فصيحًا منمقًا متوازنًا، هل استجاب الله لنا؟ ندعو الله أن يدمر أعداءَنا، فهل دمرهم؟ ندعو الله أن يفرق جمعهم، فهل فرق جمعهم؟ ندعو الله أن يجعل تدميرهم في تدبيرهم، فهل دمرهم؟ اسمعوا الحديث:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُمْ))
والآن ندعو ولا يستجاب لنا.
إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً عليك بخاصة نفسك:
أيها الأخوة, الأحاديث التي تتحدث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تعد ولا تحصى، وهي كثيرة جداً، منها:
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ:
((أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا, وَهَوًى مُتَّبَعًا, وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً, وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعِ الْعَوَامَّ, فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا, الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ))
رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى، مادية مقيتة، الدنيا كلها تأمر بالمنكر، وبما يغضب الله، وتزين المعاصي للناس أينما ذهبت، وحيث ما وقعت عيناك، تجد أن الدنيا كلها تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، بل إن الذي يأمر بالمعروف يحاسب حساباً شديداً، وإن الذي ينهى عن المنكر يحاسب حساباً شديداً.
درجات العمل الصالح عند الله:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ, قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا, قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ, قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ, قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ, فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ))
قلت:
((يا رسول الله, إن مع الإيمان عملاً؟ -أي إيمان فقط, أم إيمان مع عمل؟- قال: يعطي مما رزقه الله إنفاق، أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يعطي؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
-ماذا تكلفك؟ لا تملك قرشًا, ألا تملك لسانًا؟ ألا تستطيع أن تملك أخاك، وجارك، وصديقك، وزميلك، وزوجتك، وابنتك، وابنك؟- أرأيت إن كان عيياً -معه حبسة بلسانه لا يستطيع التكلم؟- قال: يعين الأخرق -أي يعين الإنسان الضعيف- أرأيت إن كان أخرق أن يصنع شيئاً؟ -هو نفسه أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئًا- أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مغلوباً؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أما تريد أن يكون لصاحبك من خير؟ -لا يستطيع
أن ينفق، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يعين أخرق- ليمسك أذاه عن الناس))
الإنسان بالتعبير المعاصر ديناميكي، إذا امتنع عن إيذاء الناس, فهذه الخطوة قادته إلى الأفضل، وهكذا، فالسيئة تجرّ إلى سيئة، والعمل الطيب يجر إلى عمل أطيب.
خذ رسول الخير صاحباً لك وجافي رسول الشر بالبعد عنه:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ, وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ, إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ؛ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى))
سيدنا عمر بن عبد العزيز عيّن مرافقًا له اسمه أبو حازم, قال: كن معي، فإن رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي، وهزّني هزاً عنيفاً، وقل لي: اتق الله يا عمر فإنك ستموت.
كل إنسان إذا أقدم على عمل, تجد من ينهاه عن عمل طيب، وتجد من يأمره بفعل سيء، هذه البطانة السيئة، لذلك الذي يصغي للناس يشقى، إذا لم تستح فاصنع ما تشاء، إذا لم تستح من الله، وكان عملك طيبًا، إن عملت عملا فهناك من يخيفك، ومن يخطئك، فابحث عما يرضي الله، وانطلق إلى عملك، ولا تعبأ بأحد.
أمر فيه تهديد للأمة المسلمة:
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ, أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ))
أيها الأخوة, ليس من باب التشاؤم، لكن من باب معاينة الواقع، الأمة الإسلامية اليوم تدعو الله ولا يستجاب لها، الدعاء بشكل غير معقول، ولا يستجاب لنا إطلاقاً.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ خَطِيبًا, فَكَانَ فِيمَا قَالَ:
((أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ, قَالَ: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ, وَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا))
ربح البيعة كل مسلم نصح لله ورسوله:
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((الدِّينُ النَّصِيحَةُ, قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))
هذا تعريف جامع مانع للدين، الدين النصيحة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ: كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ))
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ))
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
((بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ, وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ, وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ, وَأَنْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُ كُنَّا, لَا نَخَافُ لَوْمَةَ لَائِمٍ))
مثال تطبيقي من حياة النبي على هذه البيعة:
الآن كمثل تطبيقي من حياة النبي عليه الصلاة والسلام:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ, فَنَزَعَهُ وطَرَحَهُ, وَقَالَ:
((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ, فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ, فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ, قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا, وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
أرأيت إلى هذا الانصياع، ومنعك أن تستخدمه، وتضعه في إصبعك، لكن لم يمنعك من أن تبيعه، وتنتفع بثمنه، لكن تقديساً لقول النبي, قال:
((وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ))
ما قيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أهل العلم:
أيها الأخوة, بقي بعض أقوال العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالت أم الدرداء: من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
من وعظه سراً نصحه، ومن وعظه علانية فضحه، هذه واحدة.
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: الإسلام ثمانية أسهم؛ الصلاة سهم، والزكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والإسلام سهم، وقد خاب من لا سهم له.
مرة ثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، وهو علة خيرية هذه الأمة، وحينما تلغى هذه الفريضة من حياتها تغدو أمة التبليغ، تماماً كما قال الله عز وجل:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
وفي اللحظة التي يدّعي فيها المسلمون أنهم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-, نقول لهم:
﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
ليس لكم ولا ميزة عند الله.
وقال ميمون بن مهران لصاحب له: قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.
بالتعبير المعاصر: وطّن نفسك على أن تصغي إلى كلام المعارضين، فمن ألغى المعارضة انتهى هو، لا تفرح لمن يمدحك، الذي يمدحك يغرقك ويثبطك، افرح لمن ينصحك، لا تصغ لكلام المادحين, بل احثُ في وجههم التراب، ولكن أصغِ إلى كلام الناصحين المنتقدين، المنتقد هو الذي ينفعك، ويمنعك من الزلل، وكل إنسان إذا كان قوياً وألغى المعارضة بقوته ينتهي هو.
الخصال التي يجب أن تتواجد في الداعية:
الآن صفة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان له خصال ثلاث؛ رفيق بما يأمر، أي لطيف، النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، قمة البشر، معه وحي وقرآن، وكلامه وحي، وهناك معجزات حسية أجراها الله على يديه، وكان فصيحاً وأخلاقياً، ومع كل هذه الخصال التي انفرد بها من بين الخلق قال له: أنت يا محمد:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
إذا كان الرجل داعية، ليس هو سيد الخلق، ولا هو حبيب الحق، ولا هو سيد ولد آدم، وليس معه قرآن، ولا وحي، ولا معجزات، وليس عنده فصاحة ولا جمال في الشكل، وغليظ، لماذا هذا؟:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, ينبغي أن يكون رفيقاً بما يأمر وبما ينهى، عدل فيما يأمر وينهى، عالم فيما يأمر وفيما ينهى، عالم وعدل ورفيق.
نماذج من تاريخ سلفنا الصالح على حسن أدائهم لهذه الفريضة:
يقول سفيان -رحمه الله تعالى-: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق، أما إذا أمرت بالمنكر قويت المنافق، وإذا أمرت بالمعروف ضعفت المؤمن.
أحياناً يكون الرجل في جلسة، ويطرح موضوع الربا، ينكره، الكلّ هاجموه، فإذا ناصرته تكون شددت أزره، وإذا خذلته قويت المنافق.
الآن نماذج حية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من السلف الصالح:
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: دخلت على أبي جعفر المنصور بمنىً - الحاكم هو الحاكم في كل العصور، كبار العلماء ماتوا في السجن كأبي حنيفة، الحاكم هو الحاكم-, فقال لسفيان: ارفع إلينا حاجتك، فقلت له: اتق الله، فقد ملأت الأرض ظلماً وجوراً، قال: فطأطأ رأسه، ثم رفعه، وقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً، فاتقِ الله، وأوصل إليهم حقوقهم! قال: فطأطأ رأسه، ثم رفعه، وقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: حج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال لخازنه: كم أنفقت؟ -خليفة المسلمين حج-، قال لخادمه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهماً، وأرى هاهنا أموالاً لا تطيقها الجبال.
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال: إنك قد اكتفيت رجالاً ابتاعوا دنياك بدينهم, فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنك مسؤول عما اجترحته، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فقال له سليمان: لقد سللت لسانك، فقال له: هو لك لا عليك.
وأوصى بعض السلف بَنِيه فقال: إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف, فليوطد نفسه على الصبر، وليثق بالثواب من الله تعالى، فمن وثق بالثواب لم يجد مس الأذى.
ولقد كان الله تعالى يحفظ أكثرهم من بأس الظالمين، ببركة إخلاصهم، وحسن مقصدهم، وقوة توكلهم، وابتغائهم بكلامهم وجه الله تعالى.
قبل أسابيع ألقيت خطبة عن العز بن عبد السلام، والله لولا أن الأخبار عنه موثوقة ومتواترة لم تُصدَّق، سُمِّيَ بائع الملوك، لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتوكله على الله.
وسئل الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- عن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر: كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: يأمر بالرفق والخضوع، ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، يكون يريد الله، فينتصر لنفسه.
الفرق بين علماؤنا بالأمس وبين علماء اليوم:
وقال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان, وهو جالس على سريره، وحواليه الأشراف من كل بطن، وذلك بمكة المكرمة في وقت حجه بخلافته، فلما نظر إليه, قام إليه وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمد ما حاجتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين, اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، وهم الذين فتحوا هذه البلاد، واتق الله في أهل الثغور -الحدود-, فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق وحدك مَن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق بابك دونهم، فقال له: افعل إن شاء الله، ثم نهض، وقام، فقبض عليه عبد الملك، فقال: يا أبا محمد, إنك سألتنا حاجة لغيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا والله هو الشرف.
العالم الصادق إذا التقى بالأمير ينبغي أن يرفع إليه حوائج المسلمين، ومع الأسف الشديد الإنسان يعمل في الحقل الديني, يلتقي بأمير يسأله حاجته فقط، له ابن يريد نقله إلى مكان قريب من دمشق لتأدية الخدمة الإلزامية فقط، يدخل عالم على أمير ليس له هم إلا ابنه، أما هؤلاء المسلمين فلا يعنيه أمرهم، أما السلف الصالح فلا يتكلم العالم كلمة في شأنه الشخصي أبداً، يتكلم في ِشأن المسلمين، إذا التقى عالم بأمير لا يحدثه إلا عن شؤون المسلمين .
أيها الأخوة, علة خيرية هذه الأمة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي اللحظة التي لا نأمر بها بالمعروف ولا ننهى عن المنكر يعم البلاء.
أد ما عليك من واجب تنتهي مسؤوليتك عنده:
مرة العبد الفقير دخلت على إنسان له شأن، محسوب على المسلمين، وجدت عنده موظفة مديرة مكتبه في وضع لا يليق به، والإنسان محسوب على العلماء، فنبهته لذلك، قال: دخل علي مئات العشرات لم ينبهني أحد، استجاب الإنسان وغيّر، أنت لا تزهد بكلمة، أنا أنبهكم لهذه الكلمة:
صعد عبد الملك بن مروان ليخطب قبل صلاة العيد، يبدو أنه لم يكن محبوباً، فإذا صلى الناس العيد انصرفوا، أراد أن يخطب قبل الصلاة، فأمسكه أحد التابعين وقال: هذا ما فعله رسول الله، أمسكه من ثوبه, لم يعبأ وتابع خطبته، قال تابعي آخر: أما هذا فقد أدى الذي عليه.
جاءتني رسالة مرة من جمعية الحب, تدعو أُسر المسلمين إلى الانضمام لهذه الجمعية، وفيها كل المنكرات، وكل الشذوذ، وعيّنوا موقع المزرعة، وذهبت أنا وأخ آخر، والحمد لله، أوقفت هذه الأشياء.
أنت أدِّ الذي عليك، ولا تهمني النتيجة، يهمني أنني أوصلت هذا الشيء لمن بيده القرار، استجاب لم يستجب هذا شيء آخر، أنا لم أكلفكم بالقتال، لكن أوصل هذه الرسالة لمن بيده الأمر، وأنت انتهت مسؤوليتك، هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وما لم نأمر بالمعروف وما لم ننه عن المنكر, فإن البلاء سيعم بنا، وعندئذ ندعو فلا يستجاب لنا.