وضع داكن
22-12-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 12 - ذكر الموت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

صفة ملازمة للمؤمن هي :

أيها الأخوة الكرام, الصفة التي ينبغي أن يتصف بها المؤمن اليوم: تذكُّرُ الموت، وهي صفة مستمرة، والفرق بين اسم الفاعل وبين الصفة المشبهة باسم الفاعل: أن اسم الفاعل يدل على الحدث، بينما الصفة المشبهة باسم الفاعل تدل على الثبوت.
فينبغي أن يكون تذكر الموت صفةً ملازمةً للمؤمن.

معاني الموت في القرآن الكريم :

ولكن الموت في القرآن يعني معاني متعددة؛ منها الموت نفسه، قال تعالى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 185]

منها الضلال، قال تعالى:

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾

[سورة الأنعام الآية: 122]

الموت في القرآن الكريم يعني أحياناً الضلال، فالضال ميت:

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

[سورة النحل الآية: 21]

وفي الحديث: عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ))

الجدب، قال تعالى:

﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾

[سورة فاطر الآية: 9]

إذاً: التصحر والجفاف يسمى في القرآن الكريم موتاً.
والجماد، قال تعالى:

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

[سورة النحل الآية: 21]

كأنه جماد.
والكفر، قال تعالى:

﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾

[سورة آل عمران الآية: 27]

هذه بعض المعاني التي وردت في القرآن الكريم، والمتعلقة بالموت.

أحاديث عن الموت :

أخوتنا الكرام، في القرآن الكريم ما يزيد على ست وخمسين آية متعلقة بالموت، فماذا قال عليه الصلاة والسلام بشأن الموت؟.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:

((كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ, فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا, قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا, أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ))

[أخرجه ابن ماجه في سننه]

أكيس الناس؛ أي أذكى الناس، الأكياس: العقلاء الأذكياء, ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة، أي ما من إنسان على وجه الأرض أعقل ممن يذكر الموت دائماً، لأنه ما من حدث أشد واقعية من الموت، لا ينجو منه أحد: سؤال على الأبيات

كل مخــلوق يمــوت ولا يبقى إلا ذو العــــزة والجبروت
والليــل مهـــــما طال فلا بد مــــن طلـــوع الفجر
والعمـــر مــــهما طال فلا بد مـــــن نــــزول القبر
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يومـــــاً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القــبور جنازة فاعلـــــــم بأنك بعدها محمول

بم يتعلق هذا الحديث؟ :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّا نَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ, وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى ....

-أي فليحفظ بصره، وليحفظ سمعه ولسانه-.

وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى: ألاّ يدخل إلى بطنه إلا طعاماً حلالاً؛

-أي اشترِ بمال حلال-.

وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ))

ما محور الحديث؟ :

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ, عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ غُدْوَةً وَعَشِيًّا, إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الْجَنَّةُ, فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ إِلَيْهِ))

فو الذي نفس محمد بيده, ما بعد الدنيا من جار إلا الجنة أو النار.

 

لم قدم الله الموت على الحياة ؟ :

الله عز وجل حينما يقول:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾

[سورة الملك الآية: 2]

بدأ بالموت، لأن خيارات الإنسان حين يولد لا تعد ولا تحصى، ولكن الإنسان حينما توافيه المنية, فأمامه مكانان لا ثالث لهما؛ إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو في نار لا ينفد عذابها.

ما هو هاذم اللذات؟ :

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ))

[أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, والطبراني في المعجم الأوسط, والإمام أحمد في مسنده, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]

لأنه ما ذكر في ضيق إلا وسعه، ولا ذكر في سعة إلا ضيقها، بيت أربعمئة متر، صالون ضخم، غرفة نوم كبيرة، إطلالة رائعة، في النهاية هناك مقبرة, باب صغير، قد يكون البيت ثمنه ثمانون مليوناً، رأيت منزلاً في القاهرة ثمنه ألف مليون، في النهاية للقبر، سكن أكبر قصر في الأرض، في النهاية إلى القبر. 

ذكر الموت :

مات رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-, فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يثنون عليه، ويذكرون من عبادته، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكت، فلما سكتوا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل كان يكثر ذكر الموت؟ قالوا: لا، قال: فهل كان يَدَع كثيراً مما يشتهي؟ قالوا: لا، قال: ما بلغ صاحبكم كثيراً مما تذهبون إليه.
هذا المديح في العبادات لا يكفي، لا بد من أن يكثر الإنسان من ذكر الموت، فلعله يلجم نفسه عن كثير من حظوظها.
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: 

((كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ, فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ))

ما مغزى الحديث؟ :

ويوجد ملمح رائع في هذا الحديث, الذي روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا, ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ, فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ, فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا فَقَتَلَهُ, فَجَعَلَ يَسْأَلُ, فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا, فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ, فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا, فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ, فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي, وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي, وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا, فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ))

الحديث له مغزى عميق جداً، الراهب الأول قال له: ليس لك توبة، فقتله، يأسه من رحمة الله، ورحمة الله وسعت كل شيء:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر الآية: 53]

فأيّ إنسان دعا إلى الله, ينبغي ألا ييأس من رحمة الله، هذه واحدة.
الشيء الثاني: هذا الذي سأل عن توبة بعد أن قتل تسعة وتسعين, الراهب الثاني كان فقيهاً، هذا الذنب يتكرر، أما إذا ابتعدت عن موطن فاسد, فيمكن أن تتوب، فأمره أن ينتقل إلى قرية صالحة، لذلك التوبة لها علاقة بالمكان وجوداً:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 119]

إذا كنت في بيئة فاسدة فلا تستطيع أن تتوب، فالراهب الأول وجد أن هذا العدد الكبير من القتلى يمنعه من أن يتوب، لكن الثاني أمره أن يتحول إلى مجتمع مؤمن، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾

[سورة الكهف الآية: 28]

ما معنى الحديث؟ :

الحديث أيها الأخوة الذي يقصم الظهر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟))

ماذا ينتظر كل واحد منا في المستقبل؟ أبداً، أحد هذه السبعة شئنا أم أبينا، أحببنا أم كرهنا ، الموت مصير كل حي، قد يفتقر الإنسان فجأة، وقد يغتني، الغنى مطغٍ، والفقر مُنسٍ، وقد يأتي مرض يفسد عليه حياته، خثرة بالدماغ انتهى مشلولا، فشلٌ كلوي كل أسبوع مرتان أو ثلاث مدة أربع ساعات، وكل مرة بثلاثة آلاف ليرة، تشمع بالكبد انتهى، هناك أمراض عضالة .

((هل تنتظرون إلا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، -صار هناك خرف- أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا؟))

أي إذا أراد الإنسان الدنيا، ولم يعبأ بالآخرة, ماذا ينتظره؟.

ألا ترى أن المؤمن له معاملة خاصة ؟ :


أما المؤمن فله معاملة خاصة:
من عاش تقياً عاش قوياً:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[ سورة التوبة : الآية 51]

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾

[سورة فصلت الآية: 30]

يوجد أشياء مطمئنة جداً للمؤمن، المؤمن له معاملة خاصة:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تكون حياة المؤمن كحياة الفاسق، وأن يكون موت المؤمن كموت الفاسق.

ما الذي يصحبه الإنسان عند الموت؟ :

عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ, فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ, يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ, فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ))

لاحظوا أيّ جنازة، الأولاد أولاً، ثم الأخوة، ثم الأعمام، ثم الأخوال، جميع الأقارب يمشون وراء الجنازة إلى القبر، يوضع الميت في القبر، توضع البلاطة، يردم التراب، يتقبلون التعازي، بعد حين من الدهر يُنسى الميت، وكأنه لم يكن، ما الذي يدخل معه؟ عمله.
" يا قيس إن لك قريناً تدفن معه وهو حي، ويدفن معك وأنت ميت، إن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك.
لعل أحدكم عزّى إنساناً من أغنياء البلد، تجد بيتاً مساحته كبيرة جداً بأرقى أحياء دمشق، أحياناً ثمنه مئة مليون، أين صاحبه الآن؟ هذا الذي صمم الغرف، وصمم الجبصين، وصمم الأثاث، وصمم الكسوة, أين هو الآن؟ في القبر، هذا هو المثوى الأخير.

مثوى الإنسان الأخير :

إذاً يفهم من هذا: أن البيت مهما كان فخماً هو مثوى موقت.
أحد أخواننا عمله في بناء البيوت، أنشأ بناء في أحد أشهر مصايف دمشق، مرة كنت عنده فأطلعني على بيت مدهش، صاحبه بقي سنتين يشرف على كسوته، الرخام أرقى نوع، الألمنيوم أرقى نوع، الشرفات وسّعها، الغرف وسّعها، المطبخ كأنه بيت، حدثني أنه انتهى من البيت، وموعد سكناه يوم الخميس، فرجاه أن يأتيه بمنظّم للكهرباء، أتاه الخميس ما جاء أحد، فاتصل السبت، مات وما سكنه ولا دقيقة، والحالات كثيرة جداً، فلذلك: إذا فكر الإنسان في الموت وتكيف معه, فإذا جاء لا يأتي بغتة، هو مستعد له، منتظر قدومه، فالأهل يرجعون، ويبقى العمل يدخل معه في القبر.
يا أخوان, أمراض الجسد تنتهي عند الموت، مهما كان مرضاً عضالاً، لكن أمراض القلب تبدأ بعد الموت، يبدأ أثرها المشقي بعد الموت.

من وصايا النبي :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:

((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِي, فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ, وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ, وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ, وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ, وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

مرة كنت في دائرة حكومية أنتظر، وكان جالسًا إلى جانبي إنسانان، قال له: حيرني بكسوة هذا البيت، بقينا ستة أشهر ننتظر قراره، التدفئة، التمديد داخلي أم ظاهر؟ لم يستقر على رأي، بعد ستة أشهر حتى أعطانا الرأي، اجعلوها داخلية، حينما تفسد الأنابيب لئلا نشوه البلاط نجعلها خارجية، بعد عشرين عاماً الآن أخذ قراراً، أين عاش الرجل؟ لعشرين سنة قادمة.

قصة :

لي قريب له سهرة دورية، أحد الحاضرين يعتني بصحته عناية تفوق حد الخيال، كل حديثه عن خبز النخالة, والسَّلَطات، والمشي، والرياضة، -هذه مقالة معروفة، هي ضرورية جداً، لكن من حديثه يبدو أن هذا لا يموت قبل تسعين عاماً-، فقال لأخوانه: أنا أطيل حتى أموت، قال له شخص: ما السبب؟ قال له: أنا أكلي قليل، وزني معتدل، جسمي رشيق، أمشي، أتناول خبز نخالة، أتناول سلطات، لا أُحَملها، هذه كل شروط طول العمر، هذا الكلام قاله يوم السبت، السبت الذي يليه كان مدفوناً، والله الذي لا إله إلا هو السبت التالي كان تحت الأرض ، ما أحد يعلم متى يموت, قال:

((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ, وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ, وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، -الآن أنت صحيح؛ فصلِّ، واقرأ القرآن، واذكر الله عز وجل- وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))

أقسام الرزق :

عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَجُلًا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ:

((وَقَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً, انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ, قَالَ: يَقُولُ: ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي, وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ: إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ, أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ, أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ؟))

هذا الذي بقي لك من مالك، لذلك: هذه الملايين المملينة ليس اسمها رزقاً، بل اسمها كسب ، لأن الكسب مال اكتسبته ولم تنتفع به، فأنت محاسب عليه.
تصور إنساناً استدان مليون ليرة ليسدها ديناً فضاعت منه، لم ينتفع بها، وعليه أن يؤديها، الكسب مال اكتسبته ولم تنتفع به، وسوف تحاسب عليه، أما الرزق فما انتفعت به.
الآن الرزق ثلاثة أقسام: قسم استهلكته؛ أكلت فأفنيت، لبست فأبليت، وقسم بقي لك؛ تصدقت فأبقيت.

 

ما المستريح والمستراح منه ؟ :


عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ, أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ:

((مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ, وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ))

من بقي لم يسترح منه, الطغاة بالعالم الذين همهم سحق الشعوب, وضرب الشعوب، تدمير الشعوب باسم الحرية والديمقراطية, هذا الدجال فشر غائب يُنتظر:

﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾

[سورة القمر الآية: 46]

 ما وراء هذا الحديث :

 

قيل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟.
أكثر من أشرفوا على الموت يصبحون أسخياء، لكن بطولتك وأنت قوي, شديد, عتيد، في شبابك تنفق المال.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

((قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ, تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ, حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا, وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ))

من دعاء النبي :

وكان عليه الصلاة والسلام يدعو فيقول:

((اللهم أحييني مسكيناً، وتوفني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين))

وإن أشقى الأشقياء: من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

رسالة فيها عبرة وموعظة للمؤمنين :

الحقيقة: كمٌّ من الأحاديث كبير جداً، ومن الآيات ست وخمسون آية متعلقة بالموت، معنى هذا: أن موضوع الموت موضوع كبير جداً، يجب أن يدخل في حساباتنا اليومية.
قبل شهر جاءني في البريد الإلكتروني رسالة فيها صورة ملونة حقيقية لفرعون، فرعون موسى بعد أن عاد من فرنسا، ورممت بعض أعضائه, صدقوني بقيت فترة طويلة، وأنا متأثر, هذا الذي قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية: 24]

هذا الذي قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

[سورة القصص الآية: 38]

أين هو؟ هذا هو الموت، سبحان من قهر عباده بالموت!.

قف عند هذه الكلمة :

حينما أزور بلداً غربياً غارقاً في النعيم والرفاه, كنت أقول لهم كلمة: الموت عندكم صعب، ترك هذا النعيم، وهذا الرفاه شيء صعب جداً، لذلك الموت في بلاد العالم الثالث أهون بكثير، يوجد متاعب بالحياة كثيرة جداً، يأتي الموت مريحًا لها، أما الموت هناك فصعب جداً.

دعاء الختام :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور