- محاضرات خارجية / ٠06 لقاء مع الشيخ الشعرواي - مصر
- /
- ٠1اللقاء الأول مع الشعراوي
توفي عالم جليل ، من العلماء المسلمين ، وهو فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي ، الإمام الداعية ، وقد كان له الفضل الكبير في تقريب معاني القرآن الكريم إلى أوسع شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي ليس في مصر وحدها ـ بلده الأول ـ بل في أرجاء العالم الإسلامي
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا "
وقال أبو الدرداء :
" فَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ "
ومع أننا ـ معشر المسلمين ـ نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، بينما أمته صلى الله عليه وسلم معصومة بمجموعها ؛ بمعنى أن كل عالم ، تفوق في جانب من جوانب الدين ، وغيره تفوق في جانب آخر ، فالعلماء المسلمون يكمّل بعضهم بعضاً ؛ هذا في حال اتباعهم جميعاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله ، وأفعاله وإقراره ، ومواقفه ، وأساليبه الحكيمة في الدعوة إلى الله
وهم يبتعدون عن الصواب ، ويثيرون حولهم الجدل ، ويتعرضون للنقد والتجريح ، حينما يبتعدون عن سنة نبيهم المعصوم ، لأن كل عالم يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب القبة الخضراء ؛ يؤخذ منه حينما يتبع ، ويرد عليه حينما يبتدع
ومن أقوال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه :
... سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ ...
ويستطيع الإنسان أن يكون عالماً جهبذاً في الطب ، أو العلوم ، أو الهندسة ، من دون أن تتطلب هذه العلوم ، ممن يتعلمها قيداً سلوكياً ، ولا يُفسد حقائقها أن يتبع النابغ فيها هوى نفسه ، في حياته الخاصة ، إلا عالم الدين ، فإنك إن كنت من المتدينين المخلصين ، أو من علمائه ، أو الداعين إليه ، فلا بد من أن تكون قدوة حسنة لمن تدعوهم إليه ، وإلا ما استمع إليك أحد ، ولو كنت أكثر الناس اطلاعاً ، وعلماً في دين الله ، ولن ينظر إليك أحد نظرة احترام جديرة بك ، إلا إذا كان سلوكك وفقاً لقواعد الدين .
ذلك أن دعوة المترف إلى التقشف دعوة ساقطة ، ودعوة الكذوب
إلى الصدق دعوة مضحكة ، ودعوة المنحرف إلى الاستقامة دعوة مخجلة ، لذلك كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم ، وشمائله، وفضائله ، ومكارمه ، قدوةً صالحة ، وأسوة حسنة ، ومثلاً يُحتذى ، وهي ليست للإعجاب السلبي ، ولا للتأمل التجريدي ، ولكنها وُجدت فيه لنحققها في ذوات أنفسنا ، كل بقدر ما يستطيع .
وشيء آخر مستفاد من قول التابعي الجليل الحسن البصري حينما سئل : بم نلت هذا المقام ؟ فقال : باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي ، وبناء على هذا ، تكون الطامة الكبرى في العلم الديني ، حينما يستغني الناس عن علم العالم ، ويحتاج هو إلى دنياهم
* * *
لقاءان طيبان ، مباركان ، تمّا مع فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي ، بداره في القاهرة ( الهرم )
الأول كان في شهر تشرين الأول عام ألف وتسعمئة وتسعين ، والثاني في الشهر الأخير من عام ألف وتسعمئة وستة وتسعين
وفي اللقاء الأول وجهت له أسئلة تتعلق بأصول الدين ، كالعقل والنقل ، والشريعة والحقيقة ، والأمر التكليفي والأمر التكويني ، والقطعي والظني من النصوص ، وما يتبع ذلك من اجتهاد المجتهدين ، وتأويل المتأولين ، وأساليب الدعوة ؛ كتأليف للقلوب ، أو تأليف للكتب ، والنصيحة الأولى إلى الدعاة
وفي اللقاء الثاني طرحت عليه أسئلة ، يغلب عليها الطابع الفقهي ، ولكن من النوع المشكل ، الذي يثير كثيراً من الجدل ، في أرجاء العالم الإسلامي ، فباستثناء سؤال الصحوة الإسلامية ، والسلبيات التي لابستها ، وأ سباب تعثرها ؛ وجهت إليه أسئلة عن المذاهب الفقهية ، وهل الأصل فيها التعدد أم التوحد ، وإذا كان الأصل هو التعدد ، فهل هي أربعة مذاهب حصرا، لا يجوز أن نزيد عليها ؟ وسألته عن الطلاق السنّي والطلاق البدعي ، وهل الطلاق البدعي ( كالثلاث في واحدة ) يقع أو لا يقع ؟ وسألته عن حكم النظر إلى المرأة في الشاشة الصغيرة ، وهل هي حقيقة أو خيال ، وسألته عن الحكم الشرعي في نقل الأعضاء والأجهزة ، من إنسان صحيح إلى إنسان مريض ، بيعاً أو تبرعاً ، وسألته عن الحكم الشرعي في جراحة التجميل ، وسألته عن جواز استخدام علم هندسة الوراثة في عملية الإنجاب ، وسألته عن جواز جعل ثمن للزمن في بيع التقسيط ، وفي موضوع الزكاة ، سألته عن حكم إسقاط دين الفقير من الزكاة ، وعن مشروعية إنفاق جزء من أموال الزكاة في إنشاء أبنية يعود نفعها للفقراء ، وسألته عن الحكم الشرعي في إيداع الأموال في البنوك الربوية ، وسألته عن الحكم الشرعي في هجرة المسلم طواعية إلى بلاد الغرب ، والإقامة فيها بشكل دائم هو وأهله ، ثم سألته عن ضرورة إنشاء المجامع الفقهية ، من أجل أن تلبي حاجة المسلمين اليومية ، لمعرفة حكم الشرع الإسلامي الحنيف ، في المستجدات الاجتماعية ، والاقتصادية ، والعلمية ، وفي ختام اللقاء ، سألته عن بعض أعماله غير الدعوية
وقد سئل ـ رحمه الله ـ وهو في لندن ـ ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ فقال : لأنني محسوب على الله
وأختم هذه المقدمة بهذه الحقيقة الخطيرة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم :
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ ، قَالَ فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا ، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ "
والشيء الخطير أن نصل إلى أن " يُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ
ولكن ينبغي أن نطمئن الإطمئنان الواعي ، الذي يدفع إلى أن نحمل هموم المسلمين ، وألاّ ندّخر وسعاً في سبيل ترسيخ مبادئ الإسلام وقيمه في مجتمع المسلمين أولاً ، ثم في المجتمعات الأخرى ، متيقنين أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة ، على رأس كل مئة سنة ، من يجدد لها دينه ، وأن هؤلاء المجددين ، ينفون عنه : تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
دمشق في 1/9/1998
محمد راتب النابلسي
أستاذ محاضر في كلية التربية بجامعة دمشق
خطيب جامع الشيخ عبد الغني النابلسي
مدرس ديني في مساجد دمشق