وضع داكن
28-03-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 09 - مقدمة كتاب ومضات في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله الذي أخرجنا بالإسلام من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وشرع الإسلام وجعل له منهجاً ، وأعز أركانه على من غالبه ، فجعله أمناً لمن تمسك به ، وسلماً لمن دخله ، وبرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصم عنه ، ونوراً لمن استضاء به ، وفهماً لمن عقل ، ولباً لمن تدبر ، وآيةً لمن توسم ، وتبصرةً لمن عزم ، وعبرة لمن اتعظ ، ونجاة لمن صدق ، وثقة لمن توكل ، وراحة لمن فوض ، وجنة لمن صبر .
يقول العالم الجليل ابن القيم:
 (( من أعجب الأشـياء أن تعرفه ثم لا تحبه ، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة ، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره ، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ، وأن تذوق ألم الوحشة في معصية ثم لا تطلب الأنس بطاعته ، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته ، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه ، وأنك أحوج شيء إليه ، وأنت عنه معرض ، وفيما يبعدك عنه راغب ))
 وإن الحق لابس خلق السماوات والأرض ، والحق هو الشيء الثابت ، والهادف ، بخلاف الباطل ، فهو الشيء الزائل والعابث ، وإن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ؛ خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، فالنقل الصحيح كلامه سبحانه وتعالى ، مع بيان المعصوم  ، والعقل الصريح ميزان أودعه الله في الإنسان ليتعرف من خلاله إلى الله ، والسماء رفعها ووضع الميزان ، والفطرة ميزان آخر نفسي متطابق مع منهج الإلهي ، وهو مركوز في أصل كيان الإنسان ليكتشف من خلالها خطأه ، قال تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، والواقع خلق الله تحكمه القوانين التي قننها الله جل جلاله ، فإذا كانت هذه الفروع الأربعة من أصل واحد فهي متطابقة فيما بينها .
 وهذا الكتاب ... كتاب (( ومضات في الإسلام )) من سلسلة الكتب ذات الموضوعات المتعددة التي صـدرت قبله وهي (( نظرات في الإسلام ))، و (( تأملات في الإسلام )) وهو محاولة متواضعة للتعريف بهذا الإله العظيم ، ودينه القويم ، ونبيه محمد عليه أتم الصلاة والتسليم ، فلعل القارئ الكريم ـ كما قال ابن القيم ـ يعرفه ، فيحبه ، فيعبده ، فيسلم ويسعد في الدنيا والآخرة ، وعندئذ يحقق الغاية من وجوده ، لأن العبادة علة وجود الإنسـان على وجه الأرض ، وهي في أدق تعاريفها
 (( طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية )) ، ولعل القارئ الكريم يقف بعد قراءته ... يقف على أرض صلبة ، لا تتزلزل بسبب المتغيرات والمستجدات ، ويضع يده على الحق الثابت والهادف الذي يقدم التصورات الصحيحة ، والعميقة ، والمتناسقة عن الكون والحياة والإنسان ، وعن حقيقة الوجود ، ومقاييس المعرفة ، وطبيعة الحق والباطل ، والخير والشـر ، والجمال والقبح ؛ لئلا يضل عقل الإنسان ، ولئلا تشقى نفسه ، ولئلا يندم على ما فات ، ولئلا يخشى مما هو آت ، بعيداً عن الشبهات ، والضلالات ، والأكاذيب والترهات في عصر العولمة ، وثورة المعلومات ، وثورة الاتصالات ، وهيمنة القطب الواحد على الجوانب الثقافية ، والفكرية ، والاجتماعية ، والدينية ، ومحاولة هذا القطب لطمس الخصوصيات الثقافية والحضارية للأمة الإسلامية .
 وقد حرصت على أن يكون في الموضوع الواحد ؛ ركن عقدي فلسفي ، وركن من النقل الصحيح ؛ كتاب وسنة مع الشرح الأصولي ، وركن من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسير صحابته الكرام ، والجوانب المشرقة من التاريخ الإسلامي ، وركن علمي يؤكد أن النقل الصحيح يتوافق مع العقل الصريح ، وأن الذي خلق الأكوان ، وخلق الإنسان هو الذي أنزل على عبده الفرقان ، ليكون منهجاً للإنسان ، بحيث إذا طبقه لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
 وقد ورد في هذا الكتاب الموضوعات الكبرى التالية: موضوعات معاصرة ، موضوعات قرآنية ، موضوعات إيمانية ، موضوعات إسلامية ، موضوعات في السيرة ، موضوعات في المناسبات الدينية ، موضوعات في العبادات الشعائرية ، موضوعات في العبادات التعاملية ، موضوعات تربوية ، موضوعات دعوية .
 وقد بينت في موضوع (( الاستخلاف بين الوعد والشرط )) ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في شتى أقطارهم وديارهم ؛ من تعاون ، وتناصر ، وتعاطف ، فهم كالجسد الواحد ، نصحة متوادون ، وهم بنيان واحد ، يشد بعضه بعضاً ، وهم يد على من سواهم ، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة ، وقد أنجز الله وعده للمؤمنين يوم عبدوه حق العبادة ، فأطاعوه ولم يعصوه ، وشكروه ولم يكفروه ، وذكروه ولم ينسوه ، فجعل الله منهم قادة للأمم ، بعد أن كانوا رعاة للغنم ، لكن الذي حدث أن قلب المسلمون لدينهم ظهر المجن

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾

وقد لقي المسلمون ذلك الغي .
 وقد بينت في موضوع (( عالمية الإسلام وعولمة الغرب )) أن العولمة كما يريدها ، ويروج لها دعاتها لا تعدو أن تكون تعبيراً معاصراً عن نزعة تسلطية قديمة ، صاحبت كل قوة غاشمة على مدار التاريخ ، إنها تفضي طلاء من الذهب على الأغلال الحديدية ، وتتوارى خلف أقنعة زائفة من العبارات الجذابة ، والشعارات البراقة ، كالحرية ، والديمقراطية ، والعدالة ، والسلام العالمي ، والتعايش السلمي ، وحقوق الإنسان ، ومكافحة الإرهاب . . . فهي علقم قديم في آنية جديدة .
 وقد بينت في موضوع (( إدارة الوقت )) أن الوقت أساس الحياة ، وعليه تقوم الحضارة ، فصحيح أن الوقت لا يمكن شراؤه ، ولا بيعه ، ولا تأجيره ، ولا استعارته ، ولا مضاعفته ، ولا توفيره ، ولا تصنيعه ، ولكن يمكن استثماره وتوظيفه ، أولئك الذين لديهم الوقت لإنجاز أعمالهم ، ولديهم أيضاً الوقت لمعرفة ربهم ، وعبادته ، والتقرب إليه ، عرفوا قيمته ، هم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم ، ولذا فإدارة الوقت لا تنطلق إلى تغيره ، أو تعديله ، أو تطويره ، بل إلى طريقة استثماره بشكل فعال ، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدراَ من دون فائدة .
 وقد بينت في موضوع (( أسباب هلاك الأمم )) أن من أهم هذه الأسباب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأنه هو القطب الأعظم في الدين ، وهو الذي بعث الله له النبيين أجمعين ، ولو طوي بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفتنة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد .
 وقد بينت في موضوع (( الجهاد في فلسطين)) أن رفع المعاناة عن الأمة يتطلب عدداً كبيراً من المؤمنين الواعين المخلصين المضحين في جميع الميادين ، وهذا ما يجب السعي إليه ، ولأن ينجح فرد في إعداد مجموعة من المواطنين إعداداً إيمانياً ، وعلمياً ، وعقلياً ، وخلقياً ، ونفسياً ، واجتماعياً ، وجسدياً أحب وأنفع من أن يلقي بنفسه في أتون نار تقول:
هل من مزيد ، إن النجاح يكمن في أن يستخدم المرء عقله قبل البدء ، كما يفعل أعداؤنا .
 وقد بينت في موضوع (( التحليل القرآني للحوادث )) أن القوة لا تصنع الحق ، ولكن الحق يصنع القوة ، والقوة دون حكمة تدمر صاحبها ؛ لأنه لا يقبل ولا يعقل أن يقع في ملك الله ما لا يريد ، فلكل واقع حكمة ، وليس كل موقع من بني البشر حكيماً ، فإرادة الله التي سمحت لما حدث أن يحدث متعلقة بالحكمة المطلقة ، فلكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق إن الشر المطلق لا وجود له ، بل يتناقض مع وجود الله ، فالله عز وجل يوظف الشر الذي في بعض النفوس ، نفوس المعرضين عنه لخير كبير ، ربما لا تدرك حكمته عاجلاً .
 وقد بينت في موضوع (( إيجابيات الأحداث الأخيرة )) أن الحقائق المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، وأن هناك خسائر لحقت وتلحق بالمسلمين من خلال الأحداث الأخيرة ، وأن ثمة مكاسب للطرف الآخر حققها ، وقد يحقق غيرها ، ولكن السؤال المطروح: كيف نلتمس المكاسب تحت ركام الخسائر ؟ وما من شك في أن لكل معركة خسائر ظاهرة ومكاسب خفية ، والمتأمل في التاريخ يرى صوراً للنصر انبثقت من حطام المأساة ، في الأحداث الأخيرة سقطت مبادئ القوم ، وانهارت شعاراتهم ، وأخفقت مؤسساتهم وهيئاتهم ، فالحرية والديمقراطية ، والعدالة وحقوق الإنسان ، وما شابهها باتت مصطلحات محنطة من مخلفات الماضي.
 وقد بينت في موضوع (( الانتفاضة )) أنه حينما تسلب أرض شعب ، وتنهب ثرواته ، وتنتهك حرماته ، وتدنس مقدساته ، وتداس كرامته ، وتقهر إرادته ، وتفسد عقائده ، وتفرغ قيمه ، ويزور تاريخه ، ويحمل على الفساد والإفساد ، وتمارس عليه ألوان التجهيل والتجويع والتعذيب على يد أعدائه ، أعداء الله ، أعداء الحق ، أعداء الخير ، أعداء الحياة ، عندئذ لابد لهذا الشعب أن يتحرك ليسترد حقه في الحياة الحرة الكريمة .
 وقد بينت في موضوع (( الإرهاب )) أن أعظم ما يملكه القوي أن ينهي حياة الضعيف ، فإذا أراد الضعيف أن يقدم أثمن ما يملك ، وهي حياته ، لزلزلة كيان القوي صار هذا الضعيف أقوى منه ، وقد قيل: بدأت الحرب بالإنسان ، ثم أصبحت بين آلتين ، ثم بين عقلين ، ثم انتهت بالإنسان .
 وقد بينت في موضوع (( زلزال آسيا )) أن الله جل وعلا زود معظم البهائم بحاسة سادسة تشعرهم بالزلزال قبل وقوعه بوقت كاف للنجاة منه ، هذا من الناحية الفيزيولوجية للحيوان ، أما من الناحية الإيمانية فالحيوان غير مكلف كالإنسان ، ولا علاقة له بالفساد في الأرض ، فهو لا يقيم حياته على قتل الآخرين ، ولا يبني غناه على إفقار الآخرين ، ولا يبني عزه على إذلال الآخرين ، والحيوانات القوية تأكل حتى تشبع ، فإذا شبعت سمحت للآخرين أن يأكلوا ، فهي لا تسعى لإفقار الآخرين ،
ولا لإضلالهم ، ولا لإفسادهم ، ولا لإذلالهم ، ولا لإبادتهم .
 وقد بينت في موضوع (( المنهج القرآني في تقويم السلوك الإنساني )) أننا إذا أردنا أن نستعيد دورنا القيادي في العالم ، وأن ننقل إلى الشعوب رسالة الإسلام الخالدة فعلينا أن نسـتجيب لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا ، وأن نجعل الوحي مرجعاً لمنطلقاتنا النظرية ، والشريعة الغراء منهجاً لسلوكنا العملي ، عندئذ يتحقق وعد الله لنا بالاسـتخلاف ، والتمكين في الأرض .
 وقد بينت في موضوع (( قوة المؤمن )) أن الحديث عن القوة النابعة من الضعف ، ليس دعوة إلى الرضا بالضعف ، أو السكوت عليه ، بل هو دعوة لاستشعار القوة ، حتى في حالة الضعف ، لذلك يجب أن نبحث في كل مظنة ضعف ، عن سبب قوة كامنة فيه ، ولو أخلص المسلمون في طلب ذلك لوجدوه ، لصار الضعف قوة ، لأن الضعف ينطوي على قوة مستوره ، يؤيدها الله في حفظه ورعايته ، فإذا قوة الضعف ، تهد الجبال وتدك الحصون ، كما ترون وتسمعون ، فأنت قوي ، وهذا سر ضعفك ، وأنا ضعيف ، هذا سر قوتي . . . لذلك نستطيع أن نقابل القنبلة الذرية ، بقنبلة الدرية ، أي بتربية جيل واع ملتزم ينهض بأمته ، ويعيد لها دورها القيادي بين الأمم .
 وقد بينت في موضوع (( السكينة )) أنه لا سعادة بلا سكينة ، ولا سكينة بلا إيمان ، فالسكينة هي الغاية المثلى للحياة الرشيدة ، وهذه السكينة تزهو بغير عون من المال ، بل بغير مدد من الصحة ، يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقدها ، ولو ملك كل شيء ، هذه السكينة ليست ملك أحد فيمسكها أو يرسلها ، ولكنها في منتاول كل واحد من البشر إذا دفع ثمنها .
 وقد بينت في موضوع (( أثر الإيمان في نزول الرحمة )) أن للحسنة نوراً في القلب ، وضياء في الوجه ، وقوة في البدن ، وزيادة في الرزق ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسـيئة سـواداً في الوجـه ، وظلمة في القلب ، ووهنا في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضاً في قلوب الخلق .
 وقد بينت في موضوع (( أثر الإيمان في حياة الفرد )) أن الإيمان ليس مجرد إعلان المرء بلسانه أنه مؤمن ، وليس مجرد قيام الإنسان بأعمال وشعائر ، اعتاد أن يقوم بها المؤمنون ، وليس مجرد معرفة ذهنية بحقائق الإيمان ، وبكلمة مختصرة ليس الإيمان مجرد عمل لساني ، ولا عمل بدني ، ولا عمل ذهني ، إنما هو علاوة على كل ذلك عمل نفسي ، يبلغ أغوار النفس ، ويحيط بجوانبها كلها ؛ من إدراك ، وإرادة ، ووجدان .
 وقد بينت في موضوع (( المعجزات والزمن )) أنه من رحمة الله بنا أن تلازم الأسباب مع النتائج يضفي على الكون طابع الثبات ، ويمهد الطريق لاكتشاف القوانين ، ويعطي الأشياء خصائصها الثابتة ليسهل التعامل معها ، ولو لم تكن الأسباب متلازمة مع النتائج ، ولو لم تكن النتائج بقدر الأسباب لأخذ الكون طابع الفوضى والعبثية ، ولتاه الإنسان في سبل المعرفة ، ولم ينتفع بعقله ، لكن من اعتقد أن الأسباب وحدها تخلق النتائج ، ثم اعتمد عليها فقد أشرك ومن ترك الأخذ بالأسباب متوكلاً ـ في زعمه ـ على الله فقد عصى ، لأنه لم يعبأ بهذا النظام الذي ينتظم الكون ، ولأنه طمع ـ بغير حق ـ أن يخرق الله له هذه السنن ، أما المؤمن الصادق فيأخذ بالأسباب من دون أن يعتقد أنها تصنع النتائج ، وبالتالي من دون أن يعتمد عليها ، يأخذ بها ، وكأنها كل شيء ، ويعتمد على الله ، وكأنها ليست بشيء ، معتقداً أنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن الأسباب وحدها لا تقود إلى النتائج إلا بمشيئة الله ، وهذا التوحيد الإيجابي الذي يغيب عن كثير من المؤمنين .
 وقد بينت في موضوع (( إنسانية الإسلام )) أن من ملك ناصية العلم ملك ناصية العالم ، وما يجري في العالم اليوم يؤكد هذه الرؤية ، فمن ملك العلم ملك القوة ، ومن ملك القوة فرض إرادته ـ وقد تكون ظالمة ـ على العالم ، فالحق عند الشاردين عن الله يعني القوة ، ليس غير ، والحق عند المؤمنين بالله هو ما جاء به الوحي في تنزيله ، وما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، وينبغي أن يدعم بالقوة ، ودعمه بالقوة أمر تكليفي ، وليس تكوينياً .
 وقد بينت في موضوع (( في ذكرى مولد الرسول )) أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان عابداً متحنثاً ، وقائداً فذا ، شيد أمة من الفتات المتناثر ، وكان رجل حرب ، يضع الخطط ، ويقود الجيوش ، وكان أباً عطوفاً ، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسـكن ، وكان صديقاً حميماً ، وقريباً كريماً ، وجاراً تشغله هموم جيرانه ، وحاكماً تملأ نفسـه مشاعر محكوميه ، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفدونه بأنفسهم ، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، وهي الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل ، وتغلغلت في كيانه كله ، ورأى الناس الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة ، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها ، ورأوها متمثلة فيه ، ولم يقرؤوها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك ، فتحركت لها نفوسهم ، وهفت إليها مشاعرهم ، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل بقدر ما يطيق ، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي ، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به .
 وقد بينت في موضوع (( الإسراء والمعراج )) أن النفس الإنسانية مجبولة في أصل فطرتها على الإحساس والشعور ، الشعور بلذة النعيم ، والشعور بألم العذاب ، فهي مجبولة على الركون إلى الأول ، والفزع من الثاني ، وحينما يوطن الإنسان نفسـه على تحمل كل أنواع الضر والعذاب ، وهو يؤدي رسالة ربه ، مبتغياً بهذا وجهه ورضوانه ، لا يعني هذا أنه لا يتألم للضر ، ولا يستريح للنعيم ، فالنفس مهما تسامت فلا تخرج عن دائرة بشريتها ، ولكن حينما يفضل الإنسان الضر مهما تكن آلامه على النعيم مهما تكن لذاته إرضاء لوجه ربه ، وأداء للرسالة التي أنيطت به ، عندئذ يستحق جنة ربه إلى أبد الآبدين ، حيث يجد فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر .
وقد بينت في موضوع (( خواطر إيمانية في ليلة القدر )) أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وكرمه أعظم تكريم ، وسخر له الكون تسخير تعريف وتفضيل ، وهبه نعمة العقل ، وفطره فطرة تنزع إلى الكمال ، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها صابراً وشاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، ومنحه حرية الاختيار ليثمن عمله ، وأنزل له كتاباً أحل له فيه الطيبات ، وحرم عليه الخبائث ، كل ذلك ليعرف ربه فيعبده ، ويسعد بعبادته في الدنيا والآخرة .
 وقد بينت في موضوع خطبة عيد الفطر السعيد أن الشريعة عدل كلها ، رحمة كلها ، مصلحة كلها ، حكمة كلها ، فكل قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن الرحمة إلى القسوة ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ومن الحكمة إلى خلافها ، فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .
 وقد بينت في موضوع (( الصيام )) أن الصوم عبادة من أجل العبادات ، وقربة من أشرف القربات ، وطاعة مباركة ، لها آثارها العظيمة والكثيرة ، العاجلة والآجلة ؛ من تزكية النفوس ، وإصلاح القلوب ، وحفظ الجوارح من الفتن ، والشرور ، وتهذيب الأخلاق ، وفيها من الإعانة على تحصيل الأجور العظيمة ، وتكفير السيئات المهلكة ، والفوز بأعلى الدرجات .
 وقد بينت في موضوع (( حقائق عن الحج )) أن يوم عرفة يوم المعرفة ويوم عرفة يوم المغفرة ، ويوم عرفة يوم تتنزل فيه إنه يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق ، وبين ربه الرحيم التواب ، بين هذا الإنسان الحادث الفاني المحدود الصغير ، وبين الخالق الباقي الكبير ، وعندها ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحاب الكون الكبير ، ومن حدود قوته الهزيلة إلى الطاقات الكونية العظيمة ، ومن حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله الرحمات على العباد من خالق الأرض والسماوات ، ومن هنا قبل: من وقف في عرفات ، ولم يغلب على ظنه أن الله قد غفر له فلا حج له .
 وقد بينت في موضوع (( الاستطاعة في الحج )) أن الحج عبادة كبرى ، قوامها اتصال متميز بالله عز وجل ، وأساسها معرفة وقرب ، وبذل وحب ، وسببها نزع أقنعة الدنيا المزيفة ، وتجاوز الخلق إلى الخالق ، وخرق النعم إلى المنعم .
 وقد بينت في موضوع (( الذوق الإسلام )) أن الذوق والأدب ، والرقي ، والحضارة ، والشفافية ، والجمال ، والنظافة ، والنظام هي أصول كبيرة من أصول هذا الدين ، وإن الإسلام جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها ، فالإسلام هو الحياة الكاملة .
 وقد بينت في موضوع (( التنمية الأخلاقية )) أن السعادة الحقيقية لا تجلب أبداً من الخارج ، وإنما هي شعاع من نور ، يولد ، ويكبر في داخل الإنسان ، ويضيء جوانب الحياة كلها ، ويجعلها أكثر قيمة ومنطقية ، وأكثر تهيؤا للنمو والتقدم والاستمرار ، كل ذلك مرهون بأوضاع تسود فيها الأحكام الأخلاقية ، ويعلو فيها صوت الالتزام والاستقامة ، وترفرف في أرجائها إشراقات النفس .
 وقد بينت في موضوع (( صلة الرحم )) أن الرحم العامة رحم الدين ، ويجب صلتها بملازمة الإيمان ، والمحبة للمؤمنين ، ونصرتهم ، والنصـيحة لهم ، وترك أذيتهم ، والعدل بينهم ، والأنصـاف في معاملتهم ، والقيام بحقوقهم الواجبة ، كالقيام على معالجة المرضى ، ومواساة الفقراء ، دون أن يمن عليهم ، ونصرة المظلومين وغير ذلك من الحقوق المترتبة لأهل الإيمان .
 وقد بينت في موضوع (( تربية الأولاد في الإسلام )) أن الأطفال غراس الحياة ، وقطوف الأمل ، وقرة عين الإنسان ، وزهور الأمة المتفتحة ، والبراعم الإنسانية المتألقة ، عليهم المعول في الحفاظ على مكاسـب الأمة ، واستعادة ماضيها المجيد ، وخوض معاركها الضارية والمصيرية ضد أعدائها .
 وقد بينت في موضوع (( الامتحان الأكبر )) أن أكبر خسارة أن يرى العبد غيره يساق في سعادة ومسرة إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، لينعم بما تلذ به العين ، وما تشتهيه النفس ، ويطرب له السـمع ، ويسـعد به القلب ، ثم يقاد هو في ذلة وصغار ، ومهانة وانكسـار إلى نار وقودها الناس والحجارة ، حيث العقاب والعذاب ، والبلاء والشـقاء ، والنكال والأغلال ، مما لا يخطر على البال ، ولا يوصف بحال من الأحوال ‍‍.
 وقد بينت في موضوع (( الخطاب الإسلامي )) أن العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلى خطاب ديني ينطلق من حقائق الدين الناصعة المأخوذة من محكم الكتاب ، والسـنة الثابتة ، بالفهم الصـحيح ، وبمعرفة مقاصـد الإسلام الكبرى ، وهذا يشار به إلى الانعتاق من سلطة النفس ، ومحدودية التفكير ، والوعي بأصول الدعوة ، وطرائق معالجة الأوضاع المتردية ، ومراعاة السنن الشرعية والكونية في منهج التغيير والإصلاح .
 وقد بينت في موضوع (( تجديد الخطاب الديني )) أن ما يجري في العالم الإسلامي اليوم من مؤتمرات وندوات تحت اسم التجديد في الخطاب الديني هو أسلوب التفافي لإلغاء الخطاب الديني ، أو لتفريغه من مضمونه ، حتى يصبح الدين متوافقاً مع مصالح القطب الواحد في السيطرة ونهب الثروات .
* * *
 وبما أن الكمال لله وحده ، وبما أن كل إنسان ، يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب القبة الخضراء سيدنا محمد  ، فإني أنتظر من الإخوة القراء ـ كما عودوني في كتاب النظرات ، وكتاب التأملات ـ تنفيذاً لوصية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: (( أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي )) ، أن يتفضلوا بإبداء ملحوظاتهم حول مضامين الكتاب وأدلتها ، ونصوصه واستنباطاتها ، وقصصه التاريخية ودلالاتها ، وموضـوعاته العلمية وارتباطاتها ؛ لآخذ بها في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى ، فالكتاب لا يزيد على ومضات في الإسلام فإن أصبت فمن توفيق الله وفضله ، وإن لم أصب فمن تقصيري وضعف حيلتي .
 فالحق فوق الجميع ، والمضامين فوق العناوين ، والحقيقة فوق الأشخاص ، فالمؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون .
 يروي أن إمام لقي غلاماً وأمامه حفرة ، فقال له: إياك يا غلام أن تسقط فقال له الغلام: بل إياك يا إمام أن تسقط ؛ إني إن سقطت سقطت وحدي وإنك إن سـقطت سـقط معك العالم ، لذلك ما من أحد اصغر من أن ينقد ، وما من أحد أكبر من أن ينقد .
 ولا بد من أن أنوه أيضاً بفضل بعض الإخوة الذين أجلهم وأحبهم ، والذين شاركوا في تصميم البرامج التي أفرغت فيها أصول الكتاب ، والذين نفذوها وطوروها ، والذين نقحوا النصوص ودققوها ، والذين راجعوا الأحاديث الشريفة وخرجوها ، والذين أخرجوا الكتاب وطبعوه ، وأخص بالشكر الدار التي نشرته، على حرصها أن يقترب الكتاب من درجة الكمال .
 ولا يسعني إلا أن أدعو فأقول: جزى الله عنا سيدنا محمد  ما هو أهله ، وجزى عنا أصحابه الكرام ما هم أهله ، وجزى عنا والدينا ، وأساتذتنا ، ومشايخنا ، ومن علمنا ، ومن له حق علينا ما هم أهله .
 أعوذ بك يا رب ... أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ، وأعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ، ألتمس به أحداً سواك ، وأعوذ بك من فتنة القول ، كما أعوذ بك من فتنة العمل ، وأعوذ بك أن أتكلف ما لا أحسـن ، كما أعوذ بك من العجب فيما أحسن .

 

الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي

إخفاء الصور