- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله عز وجل خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية السادسة والثمانين وما بعدها، وهي قوله تعالى:
﴿
الله -عز وجل- خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، وجاء بنا إلى الدنيا كي نعرفه، وكي نلتزم منهجه، وكي نتقرب إليه، وهذا ثمن الجنة، التي خُلقنا لها.
البشر نموذجان لا ثالث لهما عند الله عز وجل :
بالمناسبة: البشر على اختلاف مِلَلهم، ونِحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هم نموذجان عند الله.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)﴾
فالإنسان إذا آمن أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله، وإذا آمن أنه مخلوق للجنة يبني حياته على العطاء.
لذلك قرأت مرة كتاباً في السيرة لفت نظري التقديم، هذا الكتاب قُدم لرسول الله قال: يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء يُمدحون في غيبتهم، والأقوياء يمدحون في حضرتهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي.
فلذلك هذا النبي الكريم أرسله الله كي يطبق المنهج الذي جاء معه، والشيء الذي يلفت النظر أن الله يقول في آية أخرى:
﴿
أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُعذَّب المسلمون إذا طبقوا منهج رسول الله
الإيمان بالله و العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
لذلك الآية الكريمة:
فلذلك:
بل إن البشر يفترقون عند الإيمان، مؤمن وغير مؤمن، المؤمن
﴿
من صحت رؤيته صحّ عمله :
بالمناسبة أي عمل تقوم به وراءه رؤية، فالذي يقدم على عمل سيئ ماذا رأى؟ رأى أن هذا العمل السيئ فيه مكسب كبير، ونسي حساب الله له، ونسي ما سوف ينجم عنه من آلام، فبطولة المؤمن أن تصح رؤيته، إن صحت رؤيته صحّ عمله، لكن هناك شيء يعينك على أن تصح رؤيتك أن تعرف سرّ وجودك.
كأن نقول لطالب أرسله أبوه إلى باريس لينال الدكتوراه، مدينة باريس واسعة جداً، مدينة كبيرة، مترامية الأطراف، فيها مسارح، فيها دور لهو، فيها دور سينما، فيها حدائق، فيها معامل، فيها مساكن، هذا الطالب الذي أرسله أبوه إلى باريس ليدرس الدكتوراه نقول: علة وجودك شيء واحد، نيل هذه الشهادة.
فالإنسان متى يصحّ إيمانه، ومتى يفلح في دنياه وآخرته؟ إذا عرف سر وجوده، أنت خُلقت في الدنيا من أجل أن تعبد الله، والعبادة بالمفهوم الواسع أن تخضع لمنهجه، منهج الله -عز وجل- واسع جداً يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، كلمة آمن.
أنت في الدنيا إذا قلت: فلان دكتور أي معه ابتدائية، معه إعدادية، معه ثانوية، معه شهادة جامعية، معه دبلوم عامة، معه دبلوم خاصة، معه ماجستير، معه دكتوراه، ثلاث عشرة شهادة وأمضى ثلاثاً وثلاثين سنة بالدراسة ليضع كلمة د. إلى جانب اسمه، فكيف إذا كنت مؤمناً غنمت الدنيا والآخرة؟!
فكلمة مؤمن كلمة، إنسان غافل عن الله ما حمل نفسه على درس علم واحد يحضره، ما خطر في باله أن يقرأ القرآن ويفهمه، ما خطر في باله أن يطّلع على السنة ويستوعبها، ما خطر في باله أن يتفرغ إلى طاعة الله ولا ساعة، فإذا انغمس الإنسان في دنياه ضاعت عليه دنياه وآخرته.
الكون أعظم شيء يمكن أن يوصلنا إلى الله :
لذلك:
﴿
هذه عبادة، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب، التفكر في خلق السموات والأرض عبادة من أرقى العبادات، لأنها عبادة من ثمراتها معرفة الله، إن عرفت الله عرفت كل شيء. ابن آدم اطلبنِي تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإذا فتك فاتك كل شيء.
الإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يترجم إلى استقامة وعمل صالح :
لذلك الوقفة عند كلمة:
﴿ قَالَ
خلقتني، آمن به رباً، وعزيزاً، وخالقاً، وآمن باليوم الآخر قال:
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(19) ﴾
فإذا موضوع الإيمان كلمات تقولها، إبليس مؤمن، أما الإيمان الحقيقي الذي يُترجَم إلى استقامة، يُترجَم إلى عمل صالح، يُترجَم إلى انضباط، يترجم أن تقف على حدود الله، الإيمان الحقيقي يترجم أن تعطي لله، وأن تمنع لله، وأن ترضى لله، وأن تغضب لله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله، الإيمان الحقيقي لا بد أن يترجم إلى سلوك، إلى التزام، إلى أحوال، إلى قرب، إلى رؤية، إلى طموح كبير.
لا يكفي أن تؤمن يجب أن يحملك إيمانك على طاعة الله :
إذاً أقف عند هذه الكلمة وقفة متأنية:
لو أن إنساناً معه مرض جلدي، والدواء الوحيد أن يتعرض إلى أشعة الشمس، فجلس في غرفة مظلمة وقال: يا لها من شمس ساطعة! ما أعظم ضوء الشمس! لو أمضى وقته كله في الإشادة بضوء الشمس، وعظمة ضوء الشمس، ولم يتعرض إلى أشعة الشمس، لا قيمة لكل هذا الشيء .
لذلك إذا اكتفيت بالإيمان ما فعلت شيئاً، أنت ماذا فعلت إذا اكتفيت بالإيمان؟ أنت ما زدت على أن أقررت بشيء واقع، شئت أم أبيت، إن لم تقر به فهذا مجنون، إن أقررت به ما فعلت شيئاً، شيء واقع.
الشمس ساطعة، أنا أقول: الشمس ساطعة، ماذا فعلت؟ أما هذا المريض الذي معه مرض جلدي خطير، دواؤه الوحيد في التعرض لأشعة الشمس، إن لم يتعرض لهذه الأشعة لا قيمة لإيمانه بوجود الشمس.
إن لم يكن هناك حركة تؤكد إيمانك لا قيمة لهذا الإيمان :
الحقيقة أنه:
إذاً:
الدنيا دار التواء لا دار استواء :
إذاً:
الآية الدقيقة، يقولون: سيدنا عمر بن عبد العزيز ما دخل إلى مجلسه إلا ويتلو هذه الآية والآية دقيقة جداً:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ(207)﴾
إذاً:
من آثر الدنيا على الآخرة خسرهما معاً :
مرة قصة طريفة، شاب يعمل في سوق مشهور، فكان يجمع القمامة ويضعها في علبة ثمينة، يغلفها بورق ثمين، ثم بشريط أحمر مع عقدة، ويضعها على الرصيف، يأتي إنسان يظنها عقد ألماس، يحملها ويمضي سريعاً، يتبعه بعد مئة متر، يفك الشريط الأحمر، بعد مئة متر ثانية يفك الورق المُذهَّب، بعد مئة متر ثالثة يفتح العلبة فإذا بها قمامة المحل، يصيح، ويسب، ويشتم، والله هذا المثل الصارخ يشبه حقيقة الدنيا عند الموت، الإنسان بالبدايات يظن المال كل شيء، في منتصف الحياة يظنه شيئاً لكن ليس كل شيء، لكن عندما يأتي ملك الموت يراه ليس بشيء، الشيء الثمين العمل الصالح، لذلك الدليل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
إذاً:
المتخلفون عن رسول الله رضوا بأن يبقوا مع النساء :
﴿
من هم الخوالف؟ النساء، في بعض التفاسير، المرأة الله -عز وجل- أقامها زوجة تربي أولادها، مكانها الصحيح في بيت زوجها تربي أولادها، فالخوالف هنا كما قال بعض المفسرين: النساء،
لذلك هذه امرأة جاءت النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: يا رسول الله، إن زوجي تزوجني وأنا شابة، ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال لي: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا.
انظر إلى التقسيم اللطيف، هو ينفق عليهم، وأنا أربيهم، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فبكى النبي الكريم، هذه المرأة التي ذكر الله أنه سمع قصتها من فوق سبع سموات.
لذلك:
فالمرأة وهي في بيتها، وتعتني بأولادها، وتكون زوجة صالحة، هي في أعلى درجة عند الله، لكن مكانها في إدارة بيتها، أما الرجل فله مكان آخر، فإذا المواقف تبدلت، والأماكن تبدلت يصبح هناك مشكلة، الرجل مهمته خارج البيت.
من اختار الباطل و استمرأه يصر عليه و يعجب به :
﴿
الله -عز وجل- ينصح، يبعث رسلاً، أنبياء، دعاة، علماء، يسوق لك بعض الشدائد، قد تُعالَج نفسياً، قد تُعالج مادياً، قد تساق لك مصيبة.
(( عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ. ))
فحينما أرادوا أن يكونوا مع الخوالف، طبعاً هذه الكلمة لا تخدش مكانة المرأة إطلاقاً لكن هي لها مكان آخر، ليس من المعقول إنسان له أولاد يحتاجون إلى تربية، إلى توجيه، إلى إعداد طعام، المرأة هذا مكانها الطبيعي، وتصل بهذا المكان إلى أعلى درجة، لكن حينما يقبع الرجل في البيت ويدع العمل نقول: هذا اختار مكاناً غير صحيح، ليس هذا مكانه.
إذاً:
عطاء الله عز وجل عطاء مشترك لكل البشر :
إذاً:
﴿
يا الله!، لكن استدراك، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام-:
النجاح المطلق نجاح في الدنيا والآخرة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46) ﴾
في الدنيا جنة، وفي الآخرة جنة،
﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(89)﴾
بطولة الإنسان أن يعتمد مقاييس القرآن في الفوز :
إخوتنا الكرام، قل لي: ما مقياس الفوز عندك أقول لك من أنت، يقول لك أحدهم: فلان اشترى أرضاً تضاعفت مئة ألف ضعفاً، هذا الإنسان يرى أن تشتري أرضاً وأن يرتفع ثمنها إلى مئة ضعف هذا هو الفوز العظيم.
فكلمة الفوز البطولة أن تعتمد مقاييس القرآن في الفوز، القرآن له مقاييس في الفوز، وهناك مقاييس للدنيا، في عالم الدنيا الغني فاز فوزاً عظيماً في نظر أهل الدنيا، لذلك في بعض الأحاديث:
(( اطَّلَعتُ على الجنَّةِ، فرأيتُ أكثرَ أهلِها البُلْهَ. ))
هذا الذي أراد الله والدار الآخرة عند عامة الناس أبلهاً، ضيع عليه فرصاً كثيرة جداً من المتع الرخيصة، ومن المباهج فهذا أبله عند البله، أما عند العقلاء فهو في أعلى درجة.
يقول سيدنا علي كلمة:
الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين :
إذاً:
إنسان سأل أحد العارفين بالله: يا سيدي كم الزكاة؟ قال له: عندكم أم عندنا؟ طبعاً الملاحظة تثير العجب، قال له: وما عندكم وما عندنا؟ هناك إسلام واحد، قال له: عندكم اثنان ونصف بالمئة أما عندنا -عند المقربين من الله- فالعبد وماله لسيده.
لذلك المؤمن في درجات، هناك أصحاب اليمين، والسابقون السابقون، وهناك أصحاب الشمال، فإما أن يكون الإنسان من السابقين السابقين، هؤلاء عدد كبير في الأولين، وقليل في الآخرين.
من ذكره الله منحه الرضا و التوفيق و السعادة :
لذلك:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
قال العلماء: ذكر الله أكبر ما فيها، لكن ابن عباس -رضي الله عنه- في رأي دقيق جداً قال: ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الرضا، إذا ذكرك منحك التوفيق، إذا ذكرك منحك السعادة، إذا ذكرك منحك السكينة، إذا ذكرك منحك أن تكون فائزاً فوزاً عظيماً.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
إخواننا الكرام، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، إذا قال الله -عز وجل-:
﴿
هذا أعظم وعد بين يدي المسلمين.
لذلك:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)﴾
انتظر كل خير.
من أخلّ بما عليه من عبادة لله فالله في حلٍّ من وعوده :
في بعض الأحاديث:
(( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
﴿
وهذا الجهاد البنائي تحتاجه أمتنا الإسلامية اليوم، يجب أن نقوي أنفسنا، أن نستصلح الأراضي، أن نشق الطرق، أن نبني السدود، أن نرفع مستوى المعيشة، لأن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، ونحن بحاجة ماسة إلى أن نُظهِر للعالم الآخر أن الإسلام دين حياة وآخرة، دين يصلح لحياتنا الدنيا، ودين يسعدنا في الدار الآخرة، فلا بد من عمل دقيق كي نصل إلى هذه الأهداف.
الله عز وجل أراد أن يكون لكل نتيجة سبب :
يا أيها الإخوة الكرام، لكن ليس معقولاً من إنسان أن يطلب دكتوراه من دون دراسة، يطلب أعلى دراسة ولا يقدم لهذا الطلب أي جهد مقابل، فالإنسان لساعات من ضعفه يتمنى، والله -عز وجل- قال:
﴿
وهذا الشيء الدقيق جداً أن الله -عز وجل- أراد أن يكون لكل نتيجة سبب، وهناك شيء اسمه مقدمات ونتائج، فمن الخطأ الكبير أن تتوقع نتائج بلا مقدمات، والمسلمون اليوم كما قال الله -عز وجل-:
الدين منهج كامل و شمولي :
المشكلة أن العبادة، تقلصت وتقلصت وضاقت وضاقت حتى فهم معظم المسلمين أن العبادة أن تؤدي العبادات الشعائرية، تصلي، وتصوم، تحج، وتزكي، لكن النبي الكريم سأل مرة أصحابه:
(( أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ. ))
(( لَأَعلَمَنَّ أقْوامًا مِن أُمَّتي يَأتونَ يَوْمَ القِيامةِ بحَسَناتٍ أمْثالِ جِبالِ تِهامةَ بِيضًا، فيَجعَلُها اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَباءً مَنْثورًا». قالَ ثَوْبانُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا ألَّا نكونَ مِنهم ونحن لا نَعلَمُ، قالَ: «أَمَا إنَّهم إخْوانُكم، ومِن جِلْدتِكم، ويَأخُذونَ مِن اللَّيْلِ كما تَأخُذونَ، ولكنَّهم أقْوامٌ إذا خَلَوا بمَحارِمِ اللهِ انْتَهَكوها. ))
هذه الصلاة،
(( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ))
هذا الصيام، الصوم من دون طاعة لله، من دون إقبال على الله، من دون توبة نصوحة لا قيمة له، كيف فهم المسلمون اليوم أن الدين ليس إلا عبادات شعائرية؟ بينما الدين منهج تفصيلي، يبدأ بفراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في قضاء وقت فراغك، في بيتك، في الطريق، في العمل، في صناعتك، في زراعتك، في تجارتك، في منصبك، أنت حينما تفهم الإسلام على أنه منهج كامل، منهج شامل، منهج يدور معك أينما درت، وأينما وُجِدت، تجد أن هذا المنهج يحتاج إلى جهد كبير، وإلى إرادة قوية، وإلى عزيمة.
لذلك:
من أراد الدنيا و الآخرة فعليه بالعلم :
أنا أقول دائماً المثل الذي يوضح هذه الفكرة: طفل صغير عقب عيد الأضحى، زاره عمه، قال له: أنا معي مبلغ عظيم، كم تقدر هذا المبلغ؟ بمئتي ليرة، بألفي ليرة، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً هذا يُقدَّر بمئتي مليار، فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك، فإذا قال الله رب العالمين: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ معنى ذلك أن تكون مؤمناً، هذا هو الفوز العظيم، وهناك آية ثانية:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
أي إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا أذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.