- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
كلمة التوحيد: ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ):
1 – ليس هذا هو الإيمان المطلوب:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة، نبدأ بكلمة التوحيد: ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )
أولاً: ليس الإيمان بالله الذي يدفعك إلى طاعته هو أن تؤمن أن الله خالق السماوات والأرض، هذا الإيمان قدر مشترك بين كل الخلق، حتى إن الوثنيون يعتقدون ذلك:
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) ﴾
حتى إبليس قال:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ (82) ﴾
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) ﴾
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾
إذاً: ليس الإيمان المطلوب الذي ورد في القرآن الكريم أن تؤمن أن الله خالق السماوات والأرض فقط.
2 – هذا هو الإيمان المطلوب:
بل المطلوب أن تؤمن أن الله هو المسير، وهو المتصرف، قال تعالى:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (63) ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ (84) ﴾
هو وحده المتصرف، وإليه يرجع الأمر كله، هو وحده المعطي، فإذا أعطاك فلا يستطيع أحد في الأرض أن يمنعك، وإذا منعك فلا يمكن أن يعطيك أحد، وإذا أكرمك فليس على وجه الأرض مَن يجرؤ أن ينال منك، وإذا أهانك الله عز وجل فليس لك من مكرم، هو المعز المذل، هو المعطي المانع، هو النافع الضار، هو الرافع الخافض، هذا هو التوحيد، ألاّ ترَى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها.
هذا الكلام ملخصه ( لا إله إلا الله )، فلا مسير إلا الله، لا متصرف إلا الله، لا فعال إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا معز إلا الله، لا مذل إلا الله، لا مانع إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله.
التوحيد فكر سهل جدا، والمشكلة في حقيقته:
هذا كفكرة سهلة جداً، أما أن تعيشها فشيء آخر، والآية أن تفهمها شيء، وأن تعيشها شيء آخر.
مثلاً: حينما تفتح كتاب الله عز وجل وتقرأ:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
الآية واضحة، ولا تحتاج إلى تفسير، وأي إنسان يقرؤها فيفهمها، لكن حينما تكون ذا دخل محدود، وأنت مؤمن بالله، ومستقيم على أمره، وتعاني من ضائقة مادية، ولك صديق متفلت فاسد العقيدة، غارق في شهواته، ولكنه يملك الملايين، لمجرد أن تقول: يا ليتني مثل فلان، فالآية التي قرأتها، وفهمتها لا تعيشها إطلاقاً، لذلك من أوتي القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظّمه الله، قال تعالى:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾
حينما ترى أن العلم الذي أكرمك الله به هو أعظم فضل تفضل الله به عليك فعندئذ تعيش الآية، والبطولة لا أن تقرأها، ولا أن تفهمها، ولا أن تشرحها، ولا أن تتفنن في شرحها، لكن البطولة أن تعيشها، فالتوحيد كفكرة سهل جداً، أما الحقيقة فأمامك إنسان قوي يتوعدك، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) ﴾
انتهى الأمر، البحر أمامنا، والعدو وراءنا بجيشه، بقوته، بحقده، بطغيانه، النجاة انعدمت، قال تعالى:
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾
نبي كريم التقمه الحوت، والحوت وجبته المعتدلة أربعة أطنان، فالإنسان لقمة واحدة دخل إلى بطن الحوت، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) ﴾
في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت:
﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
حقيقة التوحيد:
التوحيد ألاّ ترى مع الله أحدا، التوحيد أن ترى كل الأقوياء دمى يحركها الله عز وجل، لذلك أبلغ آية تؤكد هذا المعنى أن أحد أنبياء الله قال:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
التوحيد علاقتك مع الله وحدك، التوحيد ألا تعتمد إلا على الله، ألا تلجأ إلا إلى الله، ألا تشكو بثّك وحزنك إلا إلى الله، ألاّ تثق إلا بالله، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي ))
التوحيد يملأ القلب طمأنينة يصعب وصفها، التوحيد ترى أن الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، وحوش مخيفة أقوياء بطاشون حاقدون، ولكنهم بيد الله، وحوش مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة عادلة رحيمة، علاقتك ليست مع الوحوش، ولكن مع من يملك الوحوش، فإن رضي عنك أبعدها عنك، وإن أراد أن يؤدبك أرخى لأحدها الزمام فوصل إليك، هذا هو التوحيد.
التوحيد قمة السعادة، لماذا أمرك الله أن توحده ؟ من أجل ألاّ تخاف، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) ﴾
شديد الجزع، شديد الخوف، ينهار بأقل الأخبار، إلا المصلين، المصلي يثق بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
لماذا التوحيد ؟
أيها الإخوة الكرام، لماذا التوحيد من أجل ألاّ تخاف، لأنك في خوف الفقر في فقر، ومِن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، التوحيد من أجل ألا تخاف.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
المصلي لا يخاف إلا من الله، التوحيد من أجل ألا تنافق، لماذا ينافق المنافق ؟ لأنه يخاف، لأنه يرى أن مصيره بيد هذا القوي، من ضعف توحيده ينافق له.
التوحيد من أجل ألا تتملق أحداً، التوحيد يلغى الخوف، التوحيد يلغى النفاق، التوحيد يلغى التملق.
التوحيد فحوى دعوة جميع الأنبياء:
أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً، والرسالات السماوية بمجملها ملخصة بكلمات، قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
الملخص:
ملخص الملخص:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
1 – كلمة التوحيد عقيدة وسلوك:
لا إله إلا أنا العقيدة، ﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾ السلوك، لا إله إلا أنا هو المنطلق النظري بالمصطلح الحديث، العبادة التطبيق العملي، لا إله إلا أنا في عقلك وفي قلبك، ﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾ في جوارحك، هذا هو التوحيد، التوحيد أن علاقتك مع جهة واحدة، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
2 – الصدق من لوازم التوحيد:
سيدنا كعب حينما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أوتيت جدلاً فهو يتمتع بقدرة خاصة اسمها القدرة على الإقناع،
فتخلف عن النبي، فلما عاد النبي إلى المدينة قال: حملني بثي وحزني، تألم، ماذا يفعل ؟ أيكذب عليه ؟ قال: أنا أوتيت جدلاً، أستطيع أن أخرج من سخطه، ولكنه موحد، قال: ولكنني أخشى إن خرجت من سخطه أن يسخطه الله علي، هذا التوحيد، رأى أن الله عز وجل على كل شيء قدير، من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عنه، وأسخط عنه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، قبل أن يأتي سيدنا كعب على النبي عليه الصلاة والسلام سبقه ثمانون منافقاً متخلفاً عن رسول الله، وكل منافق أدلى بحجة وباعتذار، وبالتعبير المعاصر سيناريو متقن جداً، النبي دعا لهم، وقبِل أعذارهم، فلما جاء كعب قال: والله يا رسول الله ما كنت في وقت من الأوقات أنشط مني يوم تخلفت عنك، لا عذر لي، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام من صدقه، وقال: أما هذا فقد صدق، الثمانون رجلا كاذبون، التوحيد علاقتك مع الله، التوحيد يعني:
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
3 – التوحيد محط التوازن النفسي:
التوحيد من أجل ألا تحقد، هذا الذي نالك بأذى سمح الله له، وإذا كان الله قد سمح له فهناك حكمة بالغة، وهناك رحمة بالغة، وهناك عدل، وأنا أستحق ذلك، ليس معنى هذا أن تقعد، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾
ولكن التوحيد لئلا تحقد، ولئلا يحملك الحقد على ارتكاب عمل كبير.
ذكر إنسانا عنده محاسب، نشب خلاف بينه وبين هذا المحاسب، فأعطى المحاسب معلومات للجهات المسؤولة عن بضائع اشتراها، وليست نظامية، والقصة من عشرين سنة، فجاءت الضابطة، وضبطت هذه المخالفة، ورتبت عليه غرامة بستمئة ألف ليرة، وهذا المبلغ قي السبعينات يساوي ستة ملايين الآن، فالحقد غَلاَ في نفس صاحب المتجر، وكان معه مسدس فأطلق عليه النار فأرداه قتيلاً، فحكم بالسجن عليه ثلاثين عاما، ولا يزال في السجن، هذه القصة أنا أرويها لأنه لو كان موحدا لما حقد، لو قال: هناك إله عظيم بيده كل شيء، ولحكمة بالغة سلطه علي.
راجع نفسك، الموحد يأخذ حقه، ولا يقبل بالضيم، والموحد ينتصر، ولكن لا يحقد، لئلا تحقد، لئلا يحملك حقدك على عمل خطير فأنت موحد، قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (123)﴾
الموحد إذا قرأ الحديث القدسي:
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
الموحد يتهم نفسه دائماً، لا يخاف، ولا ينافق، ولا يتملق، ولا يداهن، ويعتقد أن كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، الموحد عزيز النفس، الموحد رقم صعب، لا يباع، ولا يشترى، ولا يساوم، وما عنده أنصاف حلول، الموحد يرى أن الله بيده كل شيء.
هناك عالم كبير من علماء العصر العباسي جاء خليفة المسلمين إلى مكة المكرمة، فطلب عالما ليلتقي به لينتفع منه، فذهبوا إليه، وقالوا: الأمير يطلبك، قال: قولوا له: يا هارون، العلم يؤتى ولا يأتي، قال: صدق، نأتيه، فقال: قولوا له: إذا أتى ينبغي أن لا يتخطى الرقاب، وأن يجلس حيث ينتهي به المجلس، قال: صدق، فلما أتى مجلسه وضعوا له كرسيا فقال: من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه، قال: خذوا عني هذا الكرسي، وجلس على الأرض، ما تضعضع.
هناك إنسان يختل توازنه إذا كانت له مكانة ودخل المسجد ولم يحترم.
4 – التوحيد مصدر العز والكرامة:
قال الخليفة لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة، لو تغشيتنا، تعال إلينا، قال: ولمَ أتغشاكم، وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل تغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ إنك إن أكرمتني فتنتني، وإنك إن أبعدتني أزريت يي.
قالوا للحسن البصري: يا إمام بمَ نلت هذا المقام ؟ قال: " باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي ".
الحسن البصري كان عند والي البصرة، هو موحد، وقد جاءه لتوه توجيه من الخليفة يزيد، هذا التوجيه لو نفذه لأغضب الله عز وجل، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة، وربما عزله من منصبه، فوقع في حيرة من أمره، قال له: " ماذا أفعل يا إمام " ؟ الذي سيقوله الإمام منهج لكل واحد منا، قال له: " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله ".
الإمام الحسن البصري أدى واجب العلم فبين، وكان في عهد الحجاج، فلما بلغ الحجاج ما قاله الحسن البصري غضب غضباً شديداً، وقال: والله يا جبناء لأروينكم من دمه، الحسن البصري موحد، وأمر بقتله، وجاء بالسياف، ومد النطع، وانتهى كل شيء، وبقي التنفيذ، وقال: ائتوني به، فلما دخل على الحجاج حرك شفتيه، ولم يفهم أحد ماذا قال، فإذا بالحجاج يقف له، ويقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وما زال يقربه إليه حتى أجلسه على سريره، وأكرمه، واستفتاه، وعطره، وشيعه إلى باب القصر، الذي صعق هو الحاجب والسياف، تبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك ؟ قال: قلت له: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي عند وحشتي، اجعل نقمته علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
وما من واحد من إخوتنا الكرام إلا وقد مر بتجربة، إنه وقف موقفاً مشرفاً، وقف موقفاً منصفاً، كان صادقاً، لم يكذب، لم ينافق، والله عز وجل رفع شأنه، وأعلى قدره، الأمر بيد الله عز وجل.
أحياناً يقع المسلمون في إحباط، أو في يأس، أو في قنوط حينما يرون أعداءهم أقوياء جداً، ويتفننون في إيقاع الأذى بهم، أحياناً بظروف طارئة واستثنائية قلة قليلة تتحدى أكبر جيش في المنطقة، وينهزم الجيش، لماذا فعل الله ذلك ؟ لنستعيد الثقة بالله عز وجل، الأمر بيدي يا عبادي، كونوا معي أكن معكم.
عبدي، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، عبدي، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد يجعلك بطلاً، يجعلك مقداماً، يجعلك جريئاً، يجعلك صادقاً، يجعلك رقماً صعباً، لا مساومة، ولا يباع، ولا يشترى، ولا يهادن، المؤمن موحد، لذلك التوحيد هو الإيمان، وما سوى التوحيد ليس إيماناً، بل هو ضعف شديد.
5 – كل الذنوب قابلة للمغفرة إلا الشرك:
لماذا لا يغفر الله أن يشرك به ؟
هذا مثل أضربه كثيراً، إنسان له مبلغ ضخم بحلب، وركب قطار حلب، إذا كان موحدا الآن يتجه إلى حلب ليأخذ المبلغ الضخم، لكن وقع في أخطاء كثيرة، ركب في جهة فيها شباب ليسوا على ما ينبغي، فأزعجوه طول الطريق، هذا خطأ، هناك خطأ ثان ارتكبه، معه بطاقة للدرجة الأولى فركب في درجة ثالثة، فخسر الفرق بينهما، وهناك خطأ ثالث، يتلوى من الجوع، وفي القطار مطعم، لا يعلم ذلك، هناك خطأ رابع ارتكبه، أنه جلس بعكس اتجاه القطار فأصيب بالدوار، مع كل هذه الأخطاء القطار باتجاه حلب، وسوف يصل في الوقت المناسب، وسوف يأخذ المبلغ، هذا التوحيد، معه أخطاء، أما الشرك فأن يتجه إلى مدينة درعا، إذا اتجهت إلى ضعيف فالضعيف مثلك لا يملك لك شيئاً، الشرك أن تتجه إلى غير الله، أن تتجه إلى مخلوق، أن تتعلق بمخلوق، أن تلقي الأمل على مخلوق، أن تجعل هذا المخلوق مرجعاً لك، فلذلك التوحيد ألاّ ترى مع الله أحدا، أن تتوجه إلى الله، أن تنتفي عن الموحد آلاف الأمراض، وأهم هذه الأمراض العذاب النفسي، قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾