- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠1دورة عام 1998
- /
- ٠2عقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، يا رب العالمين.
كلام الله سبحانه وتعالى
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)﴾
" align="right" class="right" />
تأمل خطاب القرآن الكريم: تجد مَلِكاً له المُلك كله، وله الحمد كله أزِمَّة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، مستوياً على عرش ملكه، لا تخفى عليه خافية، في أقطار مملكته، عالماً بما في نفوس عبيده، مطَّلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير مملكته، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويخلق ويرزق، ويقدِّر ويدبِّر ويقضي.
تأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويحذرهم ما فيه هلاكهم ويتحبَّب إليهم بنعمه، وآلائه، فيذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويذكرهم بما أعدَّ لهم من الكرامة إن هم أطاعوه وما أعد لهم من العقوبة إن هم عصَوه.
تأمل كيف يجيب عن شُبَه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق ويكذب الكاذب، ويقول الحق، ويهدي السبيل، ويدعو إلى الجنة ويذكر أوصافها، وحسنها، ونعيمها، ويحذر من النار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها ويذكر غناه عنهم، وعن جميع الموجودات، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخير إلا بفضله ورحمته، ولا ينال أحد ذرة من الشر إلا بعدله وحكمته.
فإذا علمت أن المتكلم بالقرآن هذا شأنه، فكيف لا تحبه ؟ ! وتُنافس بالقرب منه، وتُنفق أنفاسك بالتودد إليه، ويكون أحبَ إليك من كل ما سواه ورضاه آثرُ عندك من كل ما سواه، وكيف لا تلهج بذكره، ويصير حبه والشوق إليه والأنس به طبعاً لك، لا تستطيع التخلي عنه لأنه اختلط باللحم والدم.
ومشكلة المسلم الكبرى في هذا العصر ؛ أنه بعيد عن القرآن الكريم لا يقرأه، وإذا قرأه فإنما بقصد الأجر، والثواب من ترديد حروفه، لا بقصد الفهم على الله تبارك وتعالى، قال تعالى:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً (82)﴾
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾
فلهذا نجد المسلم محروماً من الثقافة القرآنية، ومحروماً من الوعي القرآني، فلذلك تراه يتخبط في دينه، لا يعلم من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه.
فلا بد من عودة إلى كتاب الله عز وجل، لنتدبره، ونحفظه، ولنُحِلَّ حلاله، ونحرِّم حرامه، ولنتعرف على الله سبحانه وتعالى من خلال كلامه عن نفسه.
وقد جمع لنا الله سبحانه وتعالى شروط التأثر بالقرآن، من خلال الآية في سورة ( ق ):
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾
إن في ذلك لذكرى: أي في القرآن الكريم.
﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾
والقلب هو المحل لفهم القرآن، وهو القلب الحي الذي يعقل عن الله عز وجل.
﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ﴾
أي وجَّه سمعه، وألقى حاسته، إلى ما يقال له وهذا هو شرط التأثر بالكلام.
﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾
أي حاضر القلب غير غائب أو شارد في أمرٍ آخر.
فإذا حصل المؤثِّر وهو القرآن، ووُجد المحل القابل للتأثر وهو القلب الحي، ووُجد شرط التأثر وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب بشيء آخر، حصل الانتفاع بكلام الله.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، ومن الذين يشفع لهم القرآن يا أكرم الأكرمين.