- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠1دورة عام 1998
- /
- ٠2عقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، يا رب العالمين.
الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن
كل مفقود عسى أن تسترجعه إلا الوقت، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل، ولذلك كان الوقت أغلى ما يملكه الإنسان، وكان على العاقل أن يستقبل أيامه استقبال الفقير للثروة الطائلة، لا يفرِّط في قليلها ولا كثيرها ويضع كل شيء في مكانه، مهما كان حجمه صغيراً.
إنَّ شأن الناس في الدنيا غريب، يلهون والقدر معهم جاد، وينسون وكل ذرة من أعمالهم محسوبة، قال تعالى:
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)﴾
إن المسلم الحق، يغالي بالوقت مغالاة شديدة ؛ لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، وترك العوادي تنتهبه، فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش.
الإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويقدِّر خطورة الزمن، ويؤكد الحكمة الغالية: ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) ويجعل من دلائل الإيمان وأمارات التقى ؛ أن يعي المسلم هذه الحقيقة، ويسير على هداها، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)﴾
ويعتبر الذاهلين عن غدهم الغارقين في حاضرهم، المسحورين ببريق الدار العاجلة، قوماً خاسرين سفهاء، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)﴾
إن عمرك رأس مالك الضخم، ولسوف تُسأل عن إنفاقك منه وتصرفك فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( عَنْ أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ))
والإسلام نظر إلى قيمة الوقت في كثير من أوامره ونواهيه، فعندما جعل الإعراض عن اللغو من خصال الإيمان، كان حكيماً في محاربة طوائف البطَّالين الذين ينادي بعضهم بعضاً: تعال نقتل الوقت بشيء من التسلية، ولم يعلم هؤلاء، أن هذا لعب بالعمر، وأن قتل الوقت على هذا النحو إهلاك للفرد، وإضاعة للجماعة.
ومن الحِكم التي تغيب عن بال الجماهير: الواجبات أكثر من الأوقات والزمن لا يقف محايداً فهو إما صديق ودود، أو عدوُّ لدود، ومن كلمات الحسن البصري رحمه الله: ( ما من يوم ينشق فجره، إلا نادى منادٍ من قِبل الحق: يا ابن آدم: أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة ).
ومن المؤسف أن العوام لا يبالون بإضاعة أوقاتهم سدىً، ويضمُّون إلى هذه الجريمة السطو على أوقات غيرهم ؛ لإراقتها على التراب، وإنهم ليقتحمون على رجال الأعمال خلواتهم، ويشغلوهم بالأمور التافهة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:
(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ))
ومن محافظة الإسلام على الوقت، حثَّه على التبكير، ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطاً طيب النفس، مكتمل العزم، فإن الحرص على الانتفاع من أول اليوم يستتبع الرغبة القوية في ألا يضيع سائره سدى.
ونظام الحياة الإسلامية، تجعل ابتداء اليوم من الفجر، ويفترض اليقظة الكاملة قبل طلوع الشمس، ويكره السهر الذي يؤخر صلاة الصبح عن وقتها المفروض، وفي الحديث:
(( عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لأمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ ))
اللهم اجعلنا من الذين يشغلون أوقاتهم بالخير، حتى نلقاك وقد حققنا الغاية من وجودنا، بملء الأرض عبادة لك يا أكرم الأكرمين.