- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠34برنامج الكلمة الطيبة - قناة المنار
مقدمة :
المذيع :
مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من الكلمة الطيبة ، يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)﴾
مشاهدينا الكرام : من مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الآيات الواردة في الطعمة والشربة ، فقد أحل القرآن أصنافاً من الأطعمة والأشربة ووصفها بالطيبة ، كما حرم أصنافاً أخرى ووصفها بالخبائث ، وقد أثبت العلم الحديث أن كل الأطعمة والأشربة التي أحلها القرآن الكريم ، واعتبرها رزقاً طيباً ، مفيدة للإنسان جسداً وروحاً ، وأن الأطعمة التي حرمها مضرة للإنسان جسداً وروحاً كذلك .
ترحيب حار بالدكتور محمد راتب النابلسي :
في هذه الحلقة يسرني أن أستضيف الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ مادة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، لنتعرف من خلال الحوار معه عن الإشارات القرآنية للنظام الغذائي وفوائد الأطعمة والأشربة التي ذكرها القرآن الكريم ، ومدار عدد من الأطعمة التي حرمها القرآن الكريم ، وهل في القرآن الكريم نظام غذائي كامل يمكن الاستفادة منه لتحقيق الصحة والسلامة الجسدية والنفسية ؟
أهلاً بكم دكتور ، يلاحظ أن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة ، أشارت إلى مجموعة أو عنوان من الأطعمة أو الأشربة سواء في الدنيا أو في الآخرة ، كذلك تحدث القرآن الكريم بتحليل مجموعة من الأطعمة وتحريم أصناف أخرى من الأطعمة ، دكتور في البداية لو نتعرف كيف نفهم ، أو أين نضع هذه الآيات في مجال التشريع والإعجاز التشريعي في القرآن الكريم في مجال الغذاء ؟
الأصل في الأشياء الإباحة و الأصل في العقائد والعبادات الحظر :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
الحقيقة الأولى أن الأصل في الأشياء الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي والثابت ، أما الأصل في العقائد والعبادات الحظر ، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت ، إذاً حينما قال الله عز وجل :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ﴾
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32)﴾
إذاً الأصل في الأشياء الإباحة ، وحينما قال الله عز وجل :
﴿ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ (19)﴾
أي نسبة المحرمات من الأطعمة لا تكاد تكون واحد بالمليون ،
﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾
هذه الشجرة واحدة .
العلاقة بين الأمر والنهي والعلاقة بين الأمر ونتائجه وبين النهي ونتائجه علاقة علمية :
إذاً إذا قلنا الحلال كل شيء حلال عدا ما حرم الله عز وجل بمادة أو مادتين لا تزيد ولا تنقص ، فلذلك الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي والثابت، لكن الحقيقة الدقيقة والخطيرة أن العلاقة بين الأمر والنهي والعلاقة بين الأمر ونتائجه وبين النهي ونتائجه علاقة علمية ، بمعنى لو أن طفلاً وضع يده على المدفأة ، العلاقة بين وضع يده واحتراق اليد وهي مشتعلة علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة ، أما إذا منع الأب أولاده أن يخرجوا من باب معين فخرج أحدهم فضربه لا يوجد علاقة علمية بين خروج إنسان من باب وضع للخروج لكن الأب منعه وضعاً ، لذلك هناك علاقة علمية وعلاقة وضعية .
أتصور أنا أن كل شيء أمر الله به العلاقة بينه وبين نتائجه علاقة علمية ، وأن كل شيء نهى الله عنه العلاقة بين النهي والنتائج علاقة علمية ، فلذلك بدافع محبة الذات ، بدافع حب وجود الإنسان ، بدافع حب سلامة وجوده ، بدافع حب كمال وجوده ، بدافع حب استمرار وجوده ، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، أي بكلمة قد لا تقال دائماً بدافع أنانيته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، لأن هذه التعليمات التي جاء بها القرآن الكريم من عند الواحد الديان ، من عند العليم ، من عند الخبير ، وهذه التوجيهات النبوية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ليست من خبراته ، ولا من تجاربه ، ولا من ثقافته ، ولا من اجتهاده ، ولا من معطيات عصره ، إنها وحي يوحى :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾
الخلل في الإنسان نفسه لأنه يغير خلق الله عز وجل :
لكن النقطة التي ينبغي أن نبدأ بها هذه الحلقة حينما قال :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)﴾
عزي المرض إلى الإنسان ، لأن الإنسان خلق في أحسن تقويم ، لكن هو حينما يغير خلق الله ، حينما يأكل أطعمة محفوظة من أمد طويل ، حينما يلغي الخضار الطازجة من حياته ، حينما يلغي الفواكه يكتفي بالعصير مثلاً ، حينما يغير أصل التصميم ، تقع مشكلة .
المذيع :
الخلل هو الإنسان نفسه .
الدكتور راتب :
عزي المرض إلى الإنسان أو إلى العصر الذي نعيش به .
المذيع :
هل نستطيع أن نتحدث عن إعجاز تشريعي من خلال هذه الإشارات ، أو الآيات الواردة في مجال التربية ونحن طبعاً نتحدث بالتفصيل عن ذلك ؟ تفضل .
الإشارات والتوجيهات الصحية تتعلق تارة بالعبادة التعاملية وتارة بالإعجاز العلمي :
الدكتور راتب :
إن صحّ أن هناك مثلثاً قسم إلى أربعة أقسام ، القسم الأول هو العقائد ، إن صحت العقيدة صح السلوك وسلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة ، والقسم الثاني العبادات الشعائرية من صلاة ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، القسم الثالث : عبادات تعاملية ، المعاملات ، وتندرج هذه الآيات التشريعية المتعلقة بالغذاء في القسم الثالث في العبادات التعاملية ، والقسم الرابع الآداب ، آداب الطعام ، آداب الشراب ، آداب عيادة المريض ، فنحن عندنا عقائد وعبادات ومعاملات وآداب ، هذه تدرج في القسم الثاني لكن لها زاوية ثانية ، النبي صلى الله عليه وسلم جاء لكل البشر :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
كتابه خاتم الكتب ، فلذلك معجزة النبي تتميز بأنها علمية وليست حسية ، الأنبياء السابقون جاؤوا لأقوامهم معهم معجزات حسية ، هذه المعجزة الحسية كعود الثقاب ، تتألق وتنطفئ ، وتبقى خبراً يصدقه من يصدقه ويكذبه من يكذبه ، لكن لأن هذا الكتاب المعجز كتاب إلى نهاية الحياة وخاتم الكتب ، ولأن هذا النبي الكريم آخر الأنبياء والمرسلين ولأنه للناس كافة :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
إذاً ينبغي أن تكون معجزته مستمرة إلى نهاية الحياة ، ولن تكون مستمرة إذا كانت حسية ، ينبغي أن تكون علمية ، فلذلك في القرآن الكريم إشارات كثيرة جداً قد تزيد عن ألف وثلاثمئة إشارة ، كل هذه الإشارات تبين أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم، فهذه الإشارات والتوجيهات الصحية تتعلق تارة بالعبادة التعاملية ، وتارة بالإعجاز العلمي .
المذيع :
إذاً نستطيع أن نتحدث ولو أن المفسرين لم ينتبهوا إلى ذلك ، واعتبروها عبارة عن إخبار ، وليست آداباً أو توجيها .
توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم المذهلة إنما هي وحي يوحى :
الدكتور راتب :
توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم المذهلة أنه نهانا عن قطع رأس الدابة أثناء ذبحها ، لما لا نعلم ، لا يوجد مركز علمي في الأرض يستطيع أن يفسر حكمة هذا الأمر ، لا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بعد مئة عام ، ولا بعد خمسمئة عام ، ولا بعد ألف عام ، ولا بعد ألف و أربعمئة عام ، قبل عقدين من الزمن ظهرت الحقيقة هو أن القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر من مركز كهربائي ذاتي ، لو تعطل هذا المركز هناك مركز احتياطي ثان، لو تعطل الثاني ، هناك مركز احتياطي ثالث ، لأن القلب عضو نبيل تتعلق به الحياة لا يمكن أن يكون تحت رحمة الشبكة العامة ، له كهرباء خاصة ، لكن هذه الكهرباء الخاصة في القلب لا تعطي إلا ثمانين نبضة فقط ، والإنسان يحتاج في حياته أحياناً إلى مئة وثمانين نبضة ما الذي يحصل لا بدّ من التوضيح ، أنا أمشي في بستان ، وجدت أفعى ، ما الذي حصل ؟ انطبعت صورة الأفعى على شبكية عيني ، هنا لا تقرأ الصورة ، تنتقل إلى الدماغ ، في مركز الرؤية ملف الثعابين ، جاء من تجربته ، من قراءاته ، من معلوماته ، من قصص سمعها ، هذا الملف ملف الثعابين في الدماغ مع مركز الرؤية يفسر هذه الصورة ، فالدماغ ملك الجهاز العصبي يدرك أن هناك خطراً ، يلتمس من ملكة اسمها الغدة النخامية ، ملكة الجهاز الهرموني ، هذه الملكة وزنها نصف غرام ، تفرز ثمانية هرمونات ، لو تعطل أحد هذه الهرمونات لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، فالملك الدماغ يلتمس من الملكة أن تواجه الخطر عندها وزير داخلية هو الكظر فوق الكليتين ، تعطي هذه الملكة صغيرة الحجم كبيرة المفعول أمراً إلى وزير داخليتها ، أن واجه الخطر ، هذا الكظر يرسل أمراً هرمونياً إلى القلب ، يرفع النبض لمئة وثمانين نبضة ، و يعطي أمراً هرمونياً إلى الرئتين ليزداد وجيب الرئتين ، و أمراً ثالثاً إلى الأوعية المحيطة ، تضيق لمعتها فيصفر لون الخائف ، و أمراً رابعاً إلى الكبد لإطلاق كمية سكر إضافية ، و أمراً خامساً إلى الكبد لإطلاق هرمون التجلط ، هذا يتم بثوان ، الشاهد إذا ذبحت الدابة وقطع رأسها تعطل الأمر الاستثنائي لرفع النبض لمئة وثمانين نبضة ، فلا يخرج إلا ربع الدم ، وتبقى الدابة زرقاء اللون ودمها فيها ، أما إذا بقي رأسها موصولاً بها يعمل الأمر الاستثنائي عن طريق الدماغ ، الغدة النخامية ، الكظر ، إلى القلب برفع إلى مئة وثمانين نبضة ، عندئذ يخرج الدم كله من الحيوان يصبح هذا اللحم أزهر اللون .
المذيع :
أنا أسألك من المحرمات ، الدم والميتة كذلك .
الدكتور راتب :
إلا أن الدم المسفوح ، الدم المحرم مقيد أنه مسفوح ، الدم في الجسم يصفى باستمرار عن طريق الكليتين ، هناك تصفية مستمرة ، أما إذا سفح الدم فهو دم مؤذٍ جداً ، فيه كل الجراثيم والأمراض مجتمعة في الدم ، لهذا حرمه الله علينا بل حرم بقاءه في الدم ، الدابة التي لم تذكَ لا تؤكل .
المذيع :
هناك ملاحظة أخرى هو عندما نطّلع على هذه الآيات التي تتحدث عن الأطعمة ، القرآن يصف الأطعمة الحلال بأنها طيبة والأطعمة المحرمة بأنها رجز وخبيثة .
العلاقة بين الطعام الطيب وبين نتائجه علاقة علمية تطيب به النفس :
الدكتور راتب :
يا سيدي العلاقة بين الطعام الطيب وبين نتائجه علاقة علمية ، تطيب به النفس ، طعام حلال أي طعام طيب بمعنى سمح الله بأكله ، ما دام الخالق الخبير العليم قال :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
سمح بأكله إذاً هو طعام طيب تطيب به النفس ، لكن الحلال له وضع ثان ، قد تأكل أطيب الطعام سمح الله به إن لم تدفع ثمنه فهو طعام حرام خبيث تخبث به النفس ، تفضلت في المقدمة أن هناك فوائد جسمية وروحية ، الطعام الحلال الذي اشتري بمال حلال هو طعام طيب ، تطيب به النفس في علاقتها بربها ، أما الطعام ولو كان في الأصل حلالاً لكن اشتري بمال حرام ، بني على أخذ أموال الناس بالباطل ، لا تطيب النفس في علاقتها مع ربها به ، أنا أريد طعاماً تطيب به النفس جسماً ونفساً .
المذيع :
الطيب إذا رجعنا إلى القرآن الكريم يقول :
﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ (26)﴾
لها بعد روحي ، كلمة طيبة وإنسان طيب .
الطيب من الشيء أحسنه :
الدكتور راتب :
هناك عمل طيب ، الطيب ـ كما قال علماء اللغة ـ من كل شيء أحسنه ، الطيب من الشيء أحسنه ، إنسان طيب ، هناك طعام طيب ، وهناك لقاء طيب ، وهناك بيت طيب تقام فيه العبادات ، الطيب من كل شيء أحسنه ، فلذلك الطعام الطيب هو الذي سمح الله به أولاً ، واشتري بمال حلال ، والدليل :
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
الطعام الطيب ما سمح الله به أولاً ، الطعام الطيب ما اشتري بمال حلال ، العلماء قالوا : حلال لذاته أو حرام لذاته و حرام لغيره ، حرام لذاته الخنزير محرم أكله ، أما لو اشترى الآن لحم غنم حلال بمال حرام صار محرماً ، فإما أن يحرم الشيء لذاته أو لغيره .
المذيع :
هنا الأمر اختلف قد يكون كما تفضلتم فليكن الطعام حلالاً ولكن اشتري بمال حرام يصبح معنوياً .
الحلال و الحرام :
الدكتور راتب :
الحقيقة ما هو المال الحرام ؟ هو مال يعد منفعة بني على مضرة كالسرقة ، كالقمار ، كاليانصيب ، كل مال أخذ بناء على مضرة ، ما المال الحلال ؟ منفعة بنيت على منفعة ، تاجر فتح محلاً تجارياً بحيّ من أحياء المدينة ، جاء ببضاعة جيدة ، باعها بسعر معتدل ، زاد على رأسماله مبلغاً بسيطاً ليعيش منه ، وانتفع وكل من حوله انتفع بهذه البضاعة الجيدة بسعر معتدل ، فإذا قلنا ما الحلال ؟ هو مال جني من منفعة تقابل منفعةً ، أما أي منفعة بنيت على مضرة فهي مال حرام ، فالطعام الذي سمح الله بأكله وهو حلال في الأصل إذا اشتري بمال حرام يصبح حراماً ، يقول العبد : يا رب ويا رب ، مأكله حرام ، ومشربه حرام وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له ؟
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
المذيع :
هنا المضار الأخرى ، المضار الروحية للطعام الحلال ، كما تفضلتم حلال ولكن اشتري بمال حرام .
الدكتور راتب :
ما دام اشترى هذا الطعام بالمال حرام أو لم يدفع ثمنه أخذه واستغل غفلة البائع لم يدفع ثمنه أصبح حجاباً بينه وبين الله .
المذيع :
قد لا يكون مضراً على مستوى الخمر ، ولكن قد يكون مضراً .
الدكتور راتب :
لحكمة بالغة حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
معنى هنا الطعام الطيب ليس الطعام اللذيذ ، الطعام الطيب الذي اشتري بمال حلال ، قد تأكل أخشن طعام ، وأسوأ طعام ، اشتري بمال حلال وهو عند الله طيب ، وقد تأكل طعاماً كلف آلافاً مؤلفة ، لكنه اشتري بمال حرام ، أو لم يدفع ثمنه ، فهو طعام عند الله خبيث وحرام .
المذيع :
عند وصف المحرم بأنه رجس ، هناك إشارة بأن الأوثان رجس وأن الشرك رجس ، كيف نفهم هذه ؟
الرجس و النجس :
الدكتور راتب :
قالوا : الرجس هو النجس ، نجس لذاته لا لغيره ، بمعنى الشيء النجس يطهر ، أما النجس لا يطهر ، كذلك الرجس شيء يحجب عن الله كلياً ، الشرك بالله الطريق إلى الله غير سالك ، هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة ، لكن الذنب الذي لا يغفر الشرك وهو الرجس لأن النجس لا يطهر ، هو عين النجاسة ، أنا أطهر إناء نجساً أغسله جيداً سبع مرات ، أما النجس نفسه لا يطهر ، أخطر شيء أن تأكل طعاماً يحجبك عن الله ، مرة سألني إنسان لماذا الخنزير محرم ولماذا خلقه الله أصلاً ؟ خطر في بالي أن في البيت مكنسة ، هذه تؤكل ؟ قد يقول أحدهم لماذا اشتراها صاحب البيت ؟ اشتراها ليكنس بها الأرض ، وكذلك الخنزير أطيب طعام عنده الجيف ، حينما تموت قطة أو كلب في الفلاة رائحتها لا تحتمل ، يأتي الخنزير ويأكلها كأطيب طعام ، يأكل الجرذان الميتة ، يأكل الخنازير، الخنزير مهيأ لحل مشكلة في الأرض لا لأكله ، وأحياناً الحرام يأتي من سوء الحرام .
المذيع :
سنتحدث عن ذلك ونعود ، بالنسبة للأطعمة الحلال نجد أن القرآن الكريم أشار إلى مجموعة من الأطعمة ، في سياق آيات وأحاديث خاصة ، واعتبرها أطعمة ذات فائدة مهمة ، مثل التين والزيتون ، سؤالنا أولاً قبل أن نتحدث عن هذه الأطعمة ، لماذا اختصر القرآن الكريم فقط على هذه الأصناف ولم يذكر أصنافاً أخرى مع أن الأطعمة كثيرة جداً ؟
النظام الغذائي في القرآن الكريم و من هذه الأغذية :
1 ـ القمح :
الدكتور راتب :
هناك اجتهاد في تفسير هذه الآيات ، أن هذه الأصناف لها ميزات كبيرة جداً ، مثلاً القمح جاء في القرآن الكريم كالسنابل
معلوماتي الدقيقة أن هذه القمحة لها وزن ، لها غلاف خارجي ـ قشرة خارجية ـ ولها رشيم ، ولها قشرة داخلية ، مجموع هذه الأشياء الثلاثة لا تزيد عن أربعة عشر في المئة من وزنها ، لكن كل الفيتامينات وكل المعادن وأشباه المعادن وكل الفوائد في هذه الأربعة عشر جزءاً من مئة غرام ، مثلاً هناك ستة فيتامينات بالقشرة ، هناك مادة فسفورية تعد غذاءً للدماغ ، في الحديد يهب الدم قوة وسلامة ، في الكالسيوم يبني العظام ، السيلكون من أجل الشعر ، اليود للغدة الدرقية ، البوتاسيوم والصوديوم والمغنيزيوم ، كل هذه المعادن وهذه الفيتامينات كلها في القشرة نطعمها للدواب ونأكل النشاء وهو غراء جيد للمعدة ، وقد قيل : احذروا الأغذية البيضاء الثلاث ، الطحين الأبيض والسكر الأبيض والملح الأبيض ، نحن نعطي الدواب أفضل ما في القمح ، الفيتامينات الستة ، وكل هذه المعادن موجودة في قشر القمح ، ننخل القمح ونعطي هذه القشور للدواب ونأكل الغراء الذي يسبب متاعب لا تنتهي في جهاز الهضم ، مع أن هذا القشر لا يمكن أن يسبب إمساكاً ، والإمساك يسبب خمسين مرضاً بالإنسان ، لا يمكن أن يكون إمساك مع تناول القمح بقشره ، أي النخالة ، و النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل خبزاً منخولاً أبداً ، بل قال بعضهم : أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق ، الله عز وجل صمم هذا القمح لنأكله بكامله ، إذاً هناك معادن ، فيتامينات ، مواد هذا بالقمح ، فهذا من إعجاز القرآن الكريم ، جعل هذا القمح غذاءً كاملاً .
2 ـ الحليب :
القمح والحليب ، الحليب النبي صلى الله عليه وسلم :
(( اللَّهمَّ بارك لنا فيه وزِدْنَا منه ))
الغدة الثديية في البقرة عبارة عن قبة يجري فوقها شبكة أوعية دموية دقيقة جداً ، الخلية الثديية حتى الآن لا يعرف كيف تختار من الدم الفيتامينات ، والمعادن ، والمواد الدسمة، والشحوم ، والبروتينات ، نسب رائعة جداً تتناسب مع حاجة الإنسان ، هذه الغدة الثديية ترشح نقطة حليب تتجمع في ثدي البقرة في الضرع ، هذا الضرع لئلا يتمزق مدعم من الداخل بجدارين متعاكسين ، في أربع حلمات ، لو أن لكل شاب أربعة أخوة لهم بقرة ، يأخذ كل شاب من إحدى الحلم ربع الكمية تماماً ، وحتى الآن لا أحد يعلم هذه الغدة الثديية كيف تأخذ من الدم ما يروق لها ، فوقها يجري الدم ، بل قال بعض العلماء : أربعمئة حجم من الدم يساوي حجم حليب واحد . فالحليب من آيات الله عز وجل :
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)﴾
الغدة الثديية هناك دم ، وهناك فرث ، أي هناك مواد ضارة ، يطرحها الإنسان عن طريق الكليتين ، فهذه الغدة الثديية تأخذ من الدم ما يناسبها .
﴿ٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
المذيع :
سنقف مع فاصل ونتابع هذا الحوار ، أهلاً بكم مجدداً لنتابع هذا الحوار مع الدكتور محمد راتب النابلسي عن النظام الغذائي في القرآن الكريم ، دكتور الآن قبل الفاصل تحدثنا عن القيمة الغذائية للقمح وكذلك الحليب ، لماذا القرآن الكريم أشار إلى هذه الأغذية ولم يشر إلى أغذية كبيرة جداً ، وهناك من الأغذية والأطعمة القرآن الكريم أشار إلى فائدتها مثل العسل ، قال : فيه شفاء للناس .
3 ـ العسل :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن العسل صيدلية ، تقريباً يوجد سبع وستون مادة غذائية من أعلى مستوى، وكيلو العسل يحتاج إلى طيران أربعمئة ألف كيلو متر ، لو أن نحلة واحدة طارت حول محيط الأرض أربعمئة ألف مرة تصنع كيلو عسل ، العسل كما قال الله عز وجل عنه :
﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (69)﴾
كلمة شفاء أي شيء من خالق الكون ، شيء مذهل ، الحقيقة مجتمع النحل من آيات الله الدالة على عظمته ، النظام الاجتماعي فيه مذهل ، فيه عاملات وفيه ملكة وفيه ملك وفيه لكل عاملة وظيفة ، وفيه عاملات حارسات ، و فيه عاملات منشطات ، و فيه عاملات للتهوية ، وعاملات للتنظيف ، وعاملات لثقب الجدران ، وعاملات للصيد ، هذا العسل أولاً لا يقبل الفساد إطلاقاً .
شيء آخر : لا يفسد ، فتركيز المادة السكرية فيه عالية جداً ، بحيث لو أن جرثوماً وصل إليه لامتصه ، هو معقم ، الآن في العمل الجراحي يضعون العسل على الجرح، يسرع التئام الجرح به ، العسل فيه سكريات ، فيه فيتامينات ، فيه معادن ، فيه أشباه معادن ، فيه تفصيل له مذهل ، هذا من خلق الله عز وجل ومن آيات الله الدالة على عظمته ، هو الغذاء ، فيه شفاء وآلية العمل في مملكة النحل ، النحلة لا يمكن أن تدخل لغير خليتها السبب أن هناك كلمة سر لكل خلية ، فلو لم تحفظ هذه الكلمة تقتل ، فلا بد من حفظ هذه الكلمة ، ومن حين لآخر تبدل كلمات السر ، هناك آلاف الخلايا في الحقل ما من نحلة إلا وتدخل إلى خليتها عن طريق كلمة السر .
المذيع :
نظام دقيق جداً .
الدكتور راتب :
نظام دقيق جداً ، وهناك ملكة مشرفة ، حينما تحمل من الذكر تضع بيوض الملكات في مكان ، وكأنها تعلم مسبقاً ما الذي سيكون من نتاج هذه الولادة ، تضع الذكور في مكان والعاملات في مكان ، من آيات الله الإعجازية في النحل أن الله عز وجل قال ، النحلة جاءت مؤنثة :
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا(68)﴾
﴿ اتَّخِذِي ﴾
فخوطبت النحلة ، ياء مؤنثة مخاطبة ، من كان يعلم وقتها أن التي تصنع العسل هي أنثى ؟ هذا من إعجاز القرآن الكريم ، وهناك مؤلفات في مصر اطلعت عليها ، كتاب بأكمله عن إعجاز الآية ، كلمة كلمة حرف حرف ، نحن نريد التفصيل لكن الوقت لا يسمح .
المذيع :
هذا بالنسبة للعسل ، كذلك التين والزيتون .
4 ـ الزيت :
الدكتور راتب :
شيء مذهل النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((كلوا الزيت فإنه مبارك وائتدموا به وادهنوا به ، فإنه يخرج من شجرة مباركة))
العلماء قالوا : " زيت الزيتون أسهل أنواع الزيوت هضماً ، فيه قيمة وقائية وعلاجية وغذائية ، زيت الزيتون يخفض الكولسترول الضار، ويرفع الكولسترول النافع ، زيت الزيتون مضاد لضغط الدم المرتفع ، أي يعالج الضغط بزيت الزيتون ، زيت الزيتون مضاد لمرض السكر ، زيت الزيتون فيه وقاية للشرايين والأوعية ، عمر الإنسان بعمر شرايينه ، لو أن إنسان نجا من كل الأمراض الخبيثة والعضالة والمميتة كيف يموت ؟ يموت بتصلب الشرايين ، و زيت الزيتون يطيل عمر الشرايين أي يكسبها مرونة فائقة جداً ، لذلك لوقاية الشرايين والأوعية من التصلب وترسب المواد الدهنية في الشرايين هذا من مهمة زيت الزيتون .
المذيع :
طبعاً لا نستطيع أن نفصل كثيراً فقط الإشارة .
الدكتور راتب :
الإشارة الأخيرة مئة غرام من الزيتون فيها بروتينات ، وفيها دسم ، وفيها بوتاسيوم ، وكالسيوم ، ومغنيزيوم ، وفسفور ، وحديد ، ونحاس ، وكبريت ، وهناك ألياف ، وغني بأهم الفيتامينات ، شيء مذهل في زيت الزيتون ، لذلك يعد الغذاء الأول ، هناك بحث في أمريكا يؤكد أن أفضل غذاء في العالم غذاء الشرق الأوسط ، لأنه يعتمد على زيت الزيتون .
المذيع :
طبعاً هذا الكلام أعتقد نفسه نقوله بالنسبة للتمر وللتين وللرمان .
5 ـ الرمان :
الدكتور راتب :
الرمان أستاذ محمد شيء مذهل ، مذيب للمواد الدهنية ، من أكل الرمان بكثرة ـ حمض الرمان يذيب المواد الدهنية في الدم ـ كأنه يطيل أمد فتحة شرايينه الممتازة ، أحياناً هناك مواد دهنية تترسب على جدران القلب .
هذا الحديث فيه إعجاز الإنسان إذا أكل ونام القلب ينزل نبضه من ثمانين نبضة إلى خمس وخمسين نبضة ، فإذا ضعف النبض يمشي الدم بطيئاً في الجسم ، فإذا مشى بطيئاً ترسبت بعض المواد الدهنية في الجدران ، فإذا ترسبت تصلب الشريان ، الشريان في الأساس مرن ، الشريان قلب آخر ، فعندما ينبض القلب الشريان مرن يتجاوب معه فيتوسع ، ولأنه مرن ينقبض ، يتوسع وينقبض صار قلباً ثانياً .
المذيع :
لا ينصح بالأكل بالليل وخاصة الدسم .
الدكتور راتب :
أبداً ضع يدك هنا تحس أن هناك نبضاً ، الشريان مرن ، يتوسع وينقبض ، إذا توسع وانقبض صار قلباً آخر فجميع الأوعية هي قلوب ، فما دام الشريان مرناً فالقلب مرتاح، فإذا تصلب الشريان من ترسب المواد الدهنية عليه تعب القلب :
(( ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم ))
أنا أنصح الأخوة المشاهدين الوجبة الرئيسة الأولى طعام الصباح لأن بعده هناك ثماني ساعات عمل ، العلماء يقترحون أن يأكل الإنسان نصف كمية الطعام صباحاً ، وخمسة وثلاثين بالمئة ظهراً ، وخمسة عشر بالمئة مساءً لكن قبيل أن ينام بأربع ساعات ، وإلا هناك مشكلة.
المذيع :
هذا بالنسبة للأطعمة الحلال الطيبة ، القرآن الكريم كذلك في نص حرم الدم ، لحم الخنزير ، الميتة ، وكذلك الخمر ، لماذا حرم القرآن الكريم هذه الأطعمة ؟
الحكمة من تحريم الله عز وجل بعض الأطعمة :
الدكتور راتب :
بصراحة لو لم يكن هناك محرمات لن يكون هناك تكليف ، نحن جئنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن الآخرة ، أتصور إن لم يكن هناك شيء محرم إطلاقاً لما وجدت الجنة ، الله عز وجل أباح لنا كل شيء وحرم علينا أشياء محدودة ، بربك كم نوع عصير في الأرض الآن ؟ هناك آلاف أنواع العصائر ، الله حرم علينا الخمر ، لأنه يذهب بالعقل ، ولو جمع الشر كله في بيت لكان مفتاحه السكر ، يروون قصة سريعة أن إنساناً خيروه بين أن يشرب الخمر وبين أن يزني وبين أن يقتل فاختار بفهمه السقيم أهون شيء ، فلما شرب الخمر زنا وقتل ، المشكلة أنه جمع الخمر كله في بيت مفتاحه السكر .
شيء آخر يهمنا الآن العالم يتجه نحو الإسلام ، عند المسلمين حالة اسمها الأمن العقدي ، ما من حدث يقع في العالم إلا و يؤكد عظمة هذا الدين ، فانهيار النظام المالي يؤكد عظمة هذا الدين ، الآن العالم الغربي يبحث بالنظام الإسلامي المالي ، الآن الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرم الخمر تحريماً كاملاً ، والآن حرموا النوادي الليلية قبل أسبوع أو عدة أسابيع .
المذيع :
من الجرائم الكثيرة .
ما من حدث يقع في العالم إلا و يؤكد عظمة هذا الدين :
الدكتور راتب :
الغرب أو الشرق يقترب من الدين لا عن عبادة ولكن عن مصلحة ، الدين منهج خالق الأكوان ، الحقيقة كانت الكتل المبدئية في العالم ، الشرق والغرب والإسلام ، فالشرق آمن بالمجموع وسحق الفرد أحياناً ، والغرب آمن بالفرد ولم يهتم بالمجموع ، والإسلام منهج خالق الأكوان ، الذي حصل أن الشرق تداعى من الداخل وانتهى الأمر ، بقي الغرب والإسلام، فالغرب قوي جداً ، وذكي جداً ، وغني جداً ، وطرح قيماً سابقة رائعة جداً ، خطف بها أبصار أهل الأرض ، أما بعد الحادي عشر من أيلول كان الغرب حضارة فأصبح قوة غاشمة ، ولم يبقَ على سطح المبادئ والقيم إلا الإسلام ، لذلك قال بعض علماء الغرب الذين هداهم الله إلى الإسلام : " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام " .
المذيع :
نعلم كما تفضلت أن كثيراً من الدراسات كشفت عن خطورة الخمر عشرات بل مئات الأمراض ، الخنزير أعتقد أن العالم يتجه إلى تحريمه .
المؤمن ينصاع لأمر الله عرف حكمته أم لم يعرف :
الدكتور راتب :
والله من آيات الله الدالة على عظمته هناك أنفلونزا الخنازير التي تنتقل إلينا عبر الخنازير ، الآن هناك نفور من هذا اللحم كبير جداً ، على كلٍّ من حيث علم الأصول علة أي أمر أنه أمر ، أنت لك طبيب تثق به ثقة غير محدودة ، قال لك : دع الملح ، هذا الكلام من عالم كبير ، من عالم مخلص كلامه أمر ، بالمناسبة هناك ملاحظة مهمة جداً كلما عرفت التفاصيل قلت قيمة العبادة في الأمر ، أنت حينما تقول لابنك : نظف أسنانك يا بني ، الهدف واضح ، فإذا قام نظف أسنانه فعل شيئاً لصالحه ، أما طعام نفيس وهو جائع لا تأكل يا بني ، يقول لك : حاضر سمعاً وطاعة ؟! فكلما توضحت حكمة الأمر ضعفت نسبة العبادة فيه ، أما الأمر الذي لا يحتمل اذبح ابنك ـ سيدنا إبراهيم ـ قال : يا أبتِ افعل ما تؤمن ، فأنا أقول : المؤمن ينصاع لأمر الله عرف حكمته أم لم يعرف ، لأنه أمر وعلة أية أمر أنه أمر ، أنا أذكر قصة أن أحد علماء دمشق سافر إلى أمريكا ، والتقى مع إنسان من هذه البلاد أسلم حديثاً، ودار بينهما موضوع عن مضار لحم الخنزير ، وهذا العالم الدمشقي أفاض ساعة أو أكثر في الحديث عن مضار لحم الخنزير ، وعن الدودة الشريطية ، وكيف انتقال صفات الخنزير إلى آكليه ، والخنزير يجامع أنثاه أمام الكل ، لا يوجد شيء اسمه خجل عند الخنزير، يجامع أنثاه على مرأى من كل من حوله ، هناك حيوانات لا تجامع الأنثى إلا بمكان لا يراهم أحد كالجمل ، فالنتيجة هذا العالم الدمشقي فصل تفصيلاً غير معقول عن لحم الخنزير ، فما كان من هذا الذي أسلم حديثاً إلا أن قال له : كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه .هذا هو الإيمان ، لذلك قالوا : علة أي أمر أنه أمر .
المذيع :
نقطة مهمة أعتقد أن البحوث والدراسات تؤكد التذكية أو الذبح ، الإسلام حرم الميتة و المنخنقة .
الإسلام حرم الميتة و المنخنقة لأن كل هذه المحرمات دمها فيها والدم مجمع الجراثيم :
الدكتور راتب :
لأن كل هذه المحرمات دمها فيها ، والدم مجمع الجراثيم والأوبئة والأمراض ، لذلك لا يصح أن نأكل إلا الدابة المزكاة ، أنا لي صديق سافر إلى الصين ليشتري لحماً للقطر، فطلب ذبحاً بهذه الطريقة كما ذكرت التكبير وأن يبقى رأس الدابة مربوطاً ، فقالوا : إن كنت تريد هذه الطريقة بالذبح سنرفع السعر مبلغاً معيناً ، قال لمَ ؟ قال : يوجد ثمانية لترات دم تخرج من الدابة بهذه الطريقة ، معنى هذا أن معظم مسالخ العالم تعلق الدابة من أرجلها ويقطع رأسها كلياً يخرج من الدم تقريباً الخمس ، أما حينما يبقى الرأس موصولاً وتذبح من أوداجها كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام الدم كله يخرج ، قد يقول قائل : السمك نأكله من دون ذبح لحكمة بالغة بالغة ، حينما نصطاد السمك ينتقل دمه كله إلى غلاصمه وكأنه ذبح .
المذيع :
طبعاً النظام الغذائي هناك بحوث مهمة الآن تكتشف أو تحاول اكتشاف هذا النظام بالتفصيل ، والوقت لا يسعنا للحديث عن كل هذه القضايا فقط إشارات ، القرآن الكريم حينما وصف نعيم أهل الجنة وأكل أهل الجنة ، قال تعالى :
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾
هنا بعض الباحثين قال : هذه الآية وغيرها تشير إلى الكثير من الحقائق الغذائية ، القرآن قدم الفاكهة على اللحم ولم يذكر أن هناك لحم الغنم والبقر بل قال لحم الطير ؟
الحكمة من تقديم القرآن الكريم الفاكهة على اللحم :
الدكتور راتب :
سيدي أنت حينما تأكل التمرة فيها سكر فواكه ، هذا السكر ينتقل من الفم إلى مركز الشبع إلى الدم بعشر دقائق ، الإنسان متى يشبع ؟ بإحدى حالتين ، إذا تنبه مركز الشبع أو امتلأت المعدة ، فإذا بدأت الطعام بفاكهة ، بتمرة ، بتفاحة ، بعنب ، سكر هذه الفاكهة ينتقل من الفم إلى الدم بعشر دقائق إلى مركز الشبع ، فالإنسان مهما كان جائعاً إذا بدأ طعامه بالفاكهة تخف حدة الجوع ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان يأكل تمرات ويصلي المغرب ، فإذا جلس على الطعام جلس مرتاحاً وكأنه شبع ، لأن سكر الفاكهة أسرع مادة غذائية تصل لمركز الشبع ، أما لو بدأ الإنسان بالطعام لا يشبع إلا إذا امتلأت المعدة ، هذه مشكلة الصائم إذا ما بدأ بالتمر وصلى المغرب يأكل كثيراً بعدئذ تتعب عضلاته كثيراً .
المذيع :
كم وكيف إذا بدأنا بالتمر أو بالفواكه ؟
الدكتور راتب :
أنا كنت في البرازيل لا يبدؤون إلا بالفاكهة ، وفي ألمانيا و بريطانيا و الهند في هذه الدول معلوماتي الدقيقة لا يبدؤون الطعام إلا بالفاكهة ،
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾
إشارة.
المذيع :
نحن نبدأ بالطعام .
الدكتور راتب :
لا نشبع إلا إذا امتلأت المعدة ، بينما لو بدأت بالفاكهة تشبع بعد عشر دقائق ، تصل المادة السكرية إلى مركز الشبع .
المذيع :
هذا القرآن الكريم لم يشر إلى لحم البقر والإبل ، ولكن في الجنة قال لحم الطير.
الدكتور راتب :
ذكر اللحم الطري وهو السمك ، ولحم الطير له طعم خاص جداً ، هذا من باب التميز جداً ، هذا التوجيه .
المذيع :
بالنسبة للأشربة في القرآن الكريم أشار إلى مجموعة من الأشربة ، وأشار إلى الزنجبيل .
فائدة الزنجبيل :
الدكتور راتب :
كل أدوية القلب في الزنجبيل ، فيه مادة مقوية ، مادة مميعة للدم ، مادة موسعة للشرايين ، مادة تقوي عضلة القلب ، ومادة تعين على توسع الشرايين ، ومادة تعين على تمييع القلب ، ومعظم أدوية القلب توسيع الشرايين وتمييع الدم وتقوية عضلة القلب ، في الزنجبيل أنا أتمنى أن يأخذه الإنسان كل يوم بطريقة أو بأخرى ، إما مع الشراب ، أو مع السلطة ، أو مع أشياء كثيرة .
المذيع :
هل نستطيع من خلال هذه الإشارات في القرآن الكريم أن نكتشف نظاماً غذائياً نقول عنه : نظام غذائي إسلامي صحي على المستوى الجسدي ، وكذلك على المستوى النفسي، لاحظنا أن البعد الروحي موجود .
توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام الدقيقة في تناول الطعام و الشراب :
الدكتور راتب :
أنا بلغني أن في ألمانيا مستشفى كتب على بنائها من الخارج :
" نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع " .
محمد بن عبد الله
عدّ هذا الحديث أصلاً في الطب الوقائي ، الحقيقة توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مصوا الماء مصاً ، ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب ))
من أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه ، لا بد من غسل الفاكهة ، من أكل التراب بمعنى لم يغسل الفاكهة ، أنأ أقول : توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام توجيهات مذهلة ، الآن هناك كتب كثيرة ، الطب النبوي ، تبين توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام الدقيقة في تناول الطعام ، في الاعتدال في أكل الطعام ، لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع ، نقوم من الطعام ونحن نشتهيه ، اجلس إلى الطعام وأنت تشتهيه ، وقم عنه وأنت تشتهيه ، هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام .
المذيع :
لا يأكل الإنسان إلا وهو جائع .
الدكتور راتب :
نعم الإدام الجوع ، الجوع يحرض الخلايا الهاضمة كأنه إدام ، فهناك توجيهات نبوية كثيرة جداً في الطعام والشراب ، أن نشرب قاعدين لا قائمين ، أن نمص الماء مصاً .
المذيع :
لماذا هذا المص ؟
الدكتور راتب :
يبدو أنه أحياناً يكون الماء بارداً ، والجسم حرارته تقدر بسبع وثلاثين درجة ، وهناك عصب حائر ، اسمه العصب المبهم أو الحائر بين المعدة وبين القلب ، فهناك حالات بالعالم كثيرة موت مفاجئ ، لذلك الإنسان إذا كان بجو حار وشرب ماء بارداً دفعة واحدة قد يموت من هذه الشربة .
المذيع :
حينما يخرجون من الحمام .
الدكتور راتب :
العصب الحائر أو المبهم هذا بين المعدة والقلب فلذلك :
(( مصوا الماء مصاً ، ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب ))
المذيع :
طبعاً نحن الآن في رمضان والنظام الغذائي يختل ومع أنه شهر صوم ؟!
الصوم وقائي وعلاجي :
الدكتور راتب :
الواقع مؤلم جداً ، صار شهراً اجتماعياً ، الأطعمة المتعددة ، الولائم ، السهرات إلى ساعة متأخرة من الليل ، إهمال صلاة الفجر ، هذا شيء مؤلم جداً ، هو شهر عبادة ، نحن برمضان نشحن شحنة لشهر ، الصلاة شحنة ، والصوم شحنة ، والحج شحنة ، شهر الصوم يشحن لعام بأكمله ، الشيء المؤلم أنه يباع أغذية في رمضان أضعاف مضاعفة ما يباع في باقي الأشهر ، مع أنه شهر الصوم ، فلذلك الولائم يومية والأكل كثير ، والأكل يضعف الجسم ، الحكمة التي أرادها الله من هذا الشهر لا تتحقق لأن هذا الشهر صيانة للجسم من حيث النواحي المادية ، حينما يجوع الإنسان الطعام العالق في زوايا الأمعاء ينجرف ، أحياناً الصوم له آثار مفيدة جداً ، والحقيقة الصوم وقائي وعلاجي ، وقائي لمعظم الأمراض وعلاجي لبعض الأمراض ، فإذا جعلنا الصوم مناسبة للطعام والشراب ، أنا أقول غير ذلك كان الطعام في النهار صار في الليل ، هناك وجبة إفطار ووجبة قبل النوم وهناك سحور ، ثلاث وجبات وكأنه لم يصم .
المذيع :
من خلال ما تقدم والإشارة إلى هذه الأصناف في القرآن الكريم كيف نستفيد منها في الأكل في رمضان ؟
الأصناف في القرآن الكريم كيف نستفيد منها في الأكل في رمضان ؟
الدكتور راتب :
والله أنا أتمنى أن يأكل الصائم في طعام الإفطار تمرات ثلاث ويصلي المغرب ، سكر التمر ينتقل في عشر دقائق فقط من الفم إلى مركز الشبع في الدماغ ، لذلك العشر دقائق هي صلاة المغرب ، بعد هذه الدقائق العشر يشعر الصائم أنه شبع ليس بشكل كلي ولكن لم يعد هناك نهم لا يحتمل ، لم يعد هناك ألم شديد ، أكل تمرات ثلاث وشرب كأس ماء وصلى ، ينبغي أن يأكل طعاماً خفيفاً .
المذيع :
الإسلام ركز على السحور ما السبب ؟
تركيز الإسلام على السحور :
الدكتور راتب :
لأن معه صلاة فجر ، الله عز وجل أراد أن تصلي الفجر في جماعة ثلاثين يوماً ورد في بعض الأحاديث :
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
صار الصيام يغفر الذنوب والقيام كذلك ، والصحة تستعيد نشاطها بسبب الصيانة التي تمت خلال شهر .
المذيع :
بعض الناس في رمضان بدل التمر يتناولون جرعات قليلة من الماء ، والآن هناك بحوث مهمة جداً حول العلاج بالماء ، والقرآن : وجعلنا من الماء كل شيء حي ، أهمية الماء.
أهمية الماء :
الدكتور راتب :
العلماء على سنوات معدودة كانوا يمنعون شرب الماء مع الطعام ، وكان هناك عالم في الشام أستاذ في كلية الطب لكنه يصر على عكس ذلك رغم كل البحوث ، ثم اكتشف أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال : ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ، معنى ذلك أنه لا مانع من أن تشرب الماء مع الطعام ، الآن البحوث أكدته ، الماء له فائدة كبيرة ، إن صيانة الكليتين الوحيدة في شرب الماء ، يجب أن تشرب الماء بشكل مستمر لو أنك بحاجة إلى الماء أو لست بحاجة إلى الماء .
المذيع :
هناك بالإمكان أن نكتشف نظاماً غذائياً متكاملاً للصحة .
الدكتور راتب :
من تطبيق توجيهات القرآن والسنة .
خاتمة و توديع :
المذيع :
روايات كثيرة وردت في السنة حول فوائد كثير من الأطعمة ، أو حول مستوى الصحة النفسية ، دكتور محمد راتب النابلسي أستاذ مادة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، شكراً كثيراً على هذه المشاركة القيمة .
مشاهدينا الكرام إلى هنا ينتهي هذا الحوار ، أشكر حسن متابعتكم ، أستودعكم الله.