- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠34برنامج الكلمة الطيبة - قناة المنار
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
النصر بيد الله حصراً وقصراً وثمنه أن تنصر دينه :
النصر تطوق إليه نفس كل مؤمن .
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾
ولكن هذا النصر الذي ترتاح إليه النفوس ، وتهفو إليه الأفئدة ؟ هل له قوانين ؟ هل له شروط ؟ هل له أسباب ؟ هل يكون وفق سنن ثابتة ؟ أم هناك شيء آخر ؟ هذا محور هذا اللقاء الطيب والأخير .
أيها الأخوة الكرام ، الآية الأصل في هذا الموضوع :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
والآية الأصل الثانية في هذا الموضوع :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
فالنصر بيد الله حصراً ، وقصراً ، وثمنه أن تنصر دينه .
المسلمون ليسوا مستخلفين وممكنين وآمنين في الأرض لخطأ منهم :
لذلك لو فتحنا القرآن الكريم ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
يعني على مستوى مجموع العالم الإسلامي هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ أقول لكم : الحقيقة المرة وأنا أعتقد أنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، لا ، نحن لسنا مستخلفين في الأرض ،
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أيضاً سؤال محرج ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن ممكنون في الأرض ؟ الجواب : لا ،
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
أقول على مجموع العالم الإسلامي ، هل نحن آمنون ؟ الجواب : لا .
آية ثانية :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
هذه الآيات ماذا نفعل بها ؟.
من آمن بالله خالقاً و رباً و عزيزاً كان النصر حليفه :
أيها الأخوة الكرام ، أنتم معي ، وأنا معكم ، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، كيف نفسر ذلك ؟ النصر من عند الله ، وبيد الله ، لكن له شروط هذه الشروط إذا دفعت كان النصر وفاء من الله ، حينما يقول :
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أيها الأخوة ، أحد هذه الشروط أن نؤمن بالله ، الدليل :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
لكن أي إيمان بالله ؟ إبليس آمن بالله ، ألم يقل ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
آمن بالله رباً وعزيزاً ، أم يقل ؟
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
آمن بالله خالقاً ، ألم يقل ؟
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
فالذي يؤمن بالله خالقاً موجوداً ، ولا يأتمر بأمره ، ولا ينتهي عما عنه نهى ، ولا يلتزم ، أنا أسمي هذا الإيمان إيماناً إبليسياً ، لا يقدم ولا يؤخر .
بطولة الإنسان أن يترجم إيمانه إلى عمل صالح :
أيها الأخوة الكرام ، البطولة أن يترجم الإيمان إلى التزام ، إلى سلوك ، إلى عمل ، أن تكون وقافاً عند حدود الله ، أن يراك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، ما لم نلتزم ، ما لم نعطِ لله ، ما لم نمنع لله ، ما لم نغضب لله ، ما لم نرضَ لله ، ما لم نصلِّ لله ، ما لم نقطع لله ، لسنا مؤمنين الإيمان الذي أراده الله .لذلك حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أي المؤمنون الذين حملهم إيمانهم على طاعة الله ، المؤمنون الذي حملهم إيمانهم على أن يقفوا عند حدود الله ، المؤمنون الذين ترجموا إيمانهم إلى منهج يطبقونه .
شروط النصر :
1 ـ الإيمان بالله تعالى :
لذلك الشرط الأول أن نؤمن بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، وأن نؤمن باليوم الآخر الإيمان الذي يمنعنا أن نؤذي مخلوقاً ، فالإيمان ما لم يترجم إلى امتناع عن معصية ، وما لم يترجم إلى امتناع عن إيذاء العباد لا يعد إيماناً صاحبه ناجٍ عند الله عز وجل .
الشرط الأول للنصر ، أو أحد أسباب النصر الكبرى ، والنصر له شرطان الأول والثاني ، وكلاهما شرط لازم غير كافٍ ، فلابد من أن نؤمن الإيمان الذي يحملنا على طاعة ، ولا بد من أن نعد لأعدائنا العدة المتاحة .
لذلك الدليل الأول :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
آية ثانية :
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
آية ثالثة :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
إذا كانت جنديتنا لله فالنصر قريب .
2 ـ الإعداد :
أما الشرط الثاني قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
آية دقيقة جداً ، هذا أمر إلهي
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم ﴾
وعند علماء الأصول كل أمر في القرآن الكريم وصحيح السنة يقتضي الوجوب ، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك ، أمر في القرآن الكريم ، وفي السنة الصحيحة يقتضي الوجوب ، فإذا قال الله لك :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم ﴾
نحن نتوهم مع الأسف الشديد أن الدين عبادات شعائرية فمن صلى ، وصام ، وحج ، وزكى يتوهم أنه انتهى كل شيء ، الدين منهج تفصيلي كما قلت سابقاً يبدأ من أشد العلاقة خصوصية من الفراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، الدين منهج متكامل ، ولا أبالغ قد يصل إلى خمسمئة ألف بند ، هذا الدين .
فلذلك حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم ﴾
هذا جزء من الدين أن تعد للأعداء القوة لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
كلمة
﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
فيها رحمة بالغة ، الله عز وجل ما كلفنا أن نعد العدة المكافئة لأعدائنا ، لا أبداً ، كلفنا أن نعد العدة المتاحة ، وهذا من كرم الله علينا ، والله عز وجل يتولى ترميم النقص ، ما دمنا صادقين ، هذه الآية تلقي الأمل في قلوب المؤمنين
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
للطرف الآخر الذي يعاديكم
﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
ضمن الوسع ، العدة المتاحة لكم .
﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
الحكمة من مجيء كلمة قوة نكرة :
جاءت كلمة قوة نكرة ، وهذا التنكير اسمه عند علماء البلاغة تنكير شمولي يعني أعدوا لهم كل أنواع القوة ، وهذه القوة تتبدل من وقت إلى وقت ، ففي عهد النبي كانت القوة من رباط الخيل ،
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
كي يفهم الصحابة ما معنى القوة ، جاء عطف الخاص على العام عند علماء الأصول ، يعني وقتها أن تعد المركوب والسلاح ، قد يأتي وقت العدة مدرعة ، وقد يأتي وقت العدة صاروخ ، قد يأتي وقت العدة طائرة ، وقد يأتي وقت العدة قمر صناعي ، وقد يأتي وقت العدة الإعلام ، الإعلام قوة الآن بل أقوى قوة في الأرض الإعلام ،
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
كي نفهم معنى القوة ،
﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
من أجل ماذا ؟ من أجل أن تردعوا أعداءكم أن يفكروا بمقاتلتكم
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
الدين الذي يرتضيه الله عز وجل هو الدين الذي وعد بتمكينه :
أيها الأخوة ، في القرآن الكريم ثمنان للنصر ، شرطان للنصر ، كل منهما شرط لازم غير كافٍ ،
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
أيها الأخوة ، ولكن ، لو حللنا واقع المسلمين ، حينما يقول الله عز وجل :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
وكأنه قانون ، كأنه سنة إلهية ،
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
سؤال : أي دين وعد بتمكينه ؟ الحقيقة الدين الذي يرتضيه الله عز وجل .
فلذلك ينبغي أن نفهم الإسلام فهما عميقاً ، أن نفهمه التزاماً ، أن نفهمه طاعة لله ، أن نفهمه بذلاً وتضحية ، أن نفهمه عقيدة صحيحة ، أن نفهمه التزاماً ، حينما نفهم الدين كما أمرنا الله عز وجل عندئذٍ نكون قد قدمنا لله سبب النصر .
الناس في مأمن من عذاب الله تعالى مادامت سنة النبي الكريم مطبقة في أمورهم :
شيء آخر : الله عز وجل يقول :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
نحن طبعاً لسنا آمنين ، طبعاً على مجموع العالم الإسلامي ، السبب ، جاء السبب في نهاية الآية :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا ترك المسلمون ما عليهم من عبادة ، فالله جل جلاله في حلِّ من وعوده الثلاث ،
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
لقد أردف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا معاذ وراء ظهره ، قال : يا معاذ ! ما حقّ الله على عباده ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، سأله ثانية ، وثالثة ، ثم أجابه ، قال : يا معاذ ! حقّ الله على عباده أن يعبدوه ، وألا يشركوا به شيئاً ، شيء واضح تماماً ، لكن النقطة الدقيقة في السؤال الثاني ، قال : يا معاذ وما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، سأله ثانية ، وثالثة ، ثم أجابه فقال : حقّ العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم .
لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي ما دامت سنتك قائمة في حياتهم ، في بيوتهم ، في أعمالهم ، في علاقاتهم ، في كسب أموالهم ، في إنفاق أموالهم ، هم في مأمن من عذاب الله ،
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
إضاعة الصلاة لا يعني تركها ولكن يعني تفريغها من مضمونها :
أيها الأخوة ، الآية دقيقة جداً ، نحن حينما نطبق منهج الله ورسوله ، نستحق ألا نُعذب ، يكون عندئذٍ لنا السيطرة ، نستعيد دورنا القيادي بين الأمم ، ننتصر ، فهذا النصر بغية كل مسلم على وجه الأرض في القارات الخمس .
إذاً الآية تقول :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
والعبادة طاعة طوعية لله ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، الآن أتت آية ثانية :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد لقي المسلمون ذلك الغي لأنهم أضاعوا الصلاة ، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة في الآية الكريمة لا يعني تركها ولكن يعني تفريغها من مضمونها .
(( ليس كل مصلٍ يصلي ))
الذي يعرف الله حقّ المعرفة ، ويلتزم بأمره ونهيه ، ويتحرك لخدمة عباده ، ويبني حياته على العطاء ، عندئذٍ نقول هذا الإنسان عرف الحقيقة التي ينبغي أن يعرفها .
القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله :
لذلك
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
ومن أجمل ما قيل في موضوع الشهوات ، أن الله عز وجل حينما قال :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يُحكم غير شرع الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله .
من أقام أمر الله فيما يملك كفاه الله ما لا يملك :
أيها الأخوة الكرام ، حقيقة ثانية : لو أن إنساناً له دائرة أمره نافذ بها ، وهو ودائرته في دائرة كبيرة جداً فيها أقوياء ، وطغاة ، وأعداء ، نقول لهذا الإنسان : أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك ، بمعنى الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
لقول الإنسان هنا جزء من مساحة كبيرة ، فيها أقوياء ، وفيها طغاة ، وما إلى ذلك حتى يغير ما بنفسه ، أنت ماذا تملك ؟ تملك بيتك ، وتملك عملك ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك .
الصبر مع الطاعة طريق النصر والقهر مع المعصية ليس بعدهما إلا القبر :
أيها الأخوة ، شيء آخر :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
دقق ، إله عظيم يصف مكر الطرف الآخر بأنه تزول لهوله الجبال ، يا ترى نحن أهل الأرض مجتمعين ، قوى الأرض مجتمعة ، هل تستطيع أن تنقل جبلاً صغيراً من مكان إلى آخر ؟ لا تستطيع ، وكأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا أن مكرهم عظيم ،
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
فلذلك يقول الله :
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
لكن في آية فيها كلمتان ، في هاتين الكلمتين حل مشكلات العالم الإسلامي بأكمله قال :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ﴾
الصبر مع الطاعة طريق النصر ، أما الصبر أي القهر مع المعصية ليس بعدهما إلا القبر ، هذه حقيقة ثانية .
أنواع النصر :
1 – النصر الاستحقاقي :
أيها الأخوة الكرام ، الحقيقة الثالثة والدقيقة : أن هناك نصراً استحقاقياً ، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
انتصار الصحابة في بدر نصر استحقاقي ، لأنهم دفعوا شرطي النصر ، الإيمان والإعلان .
2 – النصر التفضلي :
هناك نصر تفضلي ، كقوله تعالى :
﴿ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾
هذا نصر يفرحنا لكنه ليس نصراً استحقاقياً ، إنه نصر تفضلي .
3 – النصر الكوني :
هناك نصر كوني ، إذا كان الفريقان المتحاربان شاردين عن الله عز وجل ، بعيدين عن الله ، فالذي ينتصر هو الأقوى ، الذي معه سلاح أقوى ، معه سلاح دقة إصابته أعلى ، معه سلاح مداه المجدي أطول ، هذا الذي ينتصر ، هذا نصر كوني ، صار عندنا نصر استحقاقي ، نصر تفضلي ، نصر كوني .
4– النصر المبدئي :
هناك نصر مبدئي ، فالذي جاءته شظية ومات بها ، وهو مستقيم العقيدة والسلوك هذا انتصر ، ولكن هذا النصر ينفعه في الآخرة لأنه مات على طاعة الله ومات معتقداً عقيدة سليمة .
إذاً النصر الاستحقاقي والتفضلي والكوني والمبدئي .
وهناك حقيقة صارخة : أن الحرب بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وأن الحرب بين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق ، وأن الحرب بين باطلين لا تنتهي لأن كلاهما شردا عن الله عز وجل .
المعية العامة و المعية الخاصة :
شيء آخر : أيها الأخوة ، هناك آية دقيقة تقول :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
قال علماء التفسير هذه معية عامة ، بمعنى أن الله مع عباده بعلمه ، مع الكافر مع المنافق ، مع الملحد ، مع المتجبر ، مع الطاغية ، بعلمه ، لكن آيات كثيرة في القرآن الكريم ، من هذه الآيات :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
إن الله مع الصادقين .
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
قال علماء التفسير : هذه معية خاصة بمعنى أن الله معكم بنصره ، وبتأييده ، وبتوفيقه ، وبحفظه ، لكن هذه المعية لها ثمن .
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾
إذاً نحن بحاجة ماسة إلى معية خاصة ، أن يكون الله معنا بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق .
فلذلك نحن في أمس الحاجة إلى أن نعتمد على الله ، وأن نصطلح معه .
أية أمة قوية خططت لتبني مجدها على أنقاض الشعوب فهذا يتناقض مع وجود الله :
ولكن أقول لكم أيها الأخوة : أن تستطيع أمة قوية أن تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، بناء حريتها على قهر الشعوب ، بناء ثقافتها على محو ثقافة الشعوب ، هذه الأمة القوية المتجبرة ، المتغطرسة ، المستكبرة ، حينما تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، نجاح خططها على المدى البعيد لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل يتناقض مع وجوده ، لأن :
(( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني في شيء أذقته عذابي ولا أبالي ))
وما من طاغية على وجه الأرض يسمح الله له أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه ، والمؤمنين ، والدليل قوله تعالى :
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .