- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠26ندوات مختلفة - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
التوحيد شيء والإيمان بالله خالقاً شيء آخر :
أيها الأخوة الكرام ، بادئ ذي بدء : فحوى دعوة الأنبياء جميعاً في آية واحدة هذه الآية تؤكد أن التوحيد فحوى ، أي مضمون دعوة الأنبياء جميعاً ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد شيء ، والإيمان بالله خالقاً شيء آخر ، الإيمان بالله خالقاً لا ينجي ، لأن إبليس قال :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وقال :
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
وقال :
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
إذاً أن تؤمن أن الله خلق السماوات والأرض دون أن تستقيم على أمره ، هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر ، ولا يساوي شيئاً ، لأنك إذا أقررت أن الشمس ساطعة هي ساطعة أنت ماذا فعلت ؟ ما زدت عن أنك أقررت حقيقة ناصعة ، ولكن إن كنت بحاجة إلى أشعة الشمس هل عرضت نفسك لها ؟.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾
ربط الرجاء بالعمل :
الآن الآية سوف تلخص القرآن كله :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
الرجاء في هذه الآية رُبط بالعمل ، التوحيد شيء ، والإيمان بالله خالقاً شيء آخر ، التوحيد ماذا يعني ؟ ألا ترى مع الله أحداً ، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها ، أن تؤمن بكل خلية في جسمك ، وبكل قطرة في دمك أن الله هو الرافع ، وهو الخافض ، وهو المعز ، وهو المذل ، وهو المعطي ، وهو المانع ، وأن أمرنا كله بيده .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله بيده ، لذلك :
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
التوحيد ألا ترى مع الله أحداً :
أيها الأخوة الكرام ،
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ لَها ﴾
أنت حينما تؤمن أن صحتك ، وأن أهلك ، وأن أولادك ، وأن من فوقك ، ومن تحتك ، الأقوياء والضعفاء ، الأعداء والأصدقاء ، الأقرباء والأباعد ، كلهم بيد الله عندئذٍ تجعل علاقتك مع الله وحدها ، هذا هو التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، التوحيد أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، التوحيد الموحد لا يمكن أن يصل إلى شيء بمعصية الله .
لأوضح هذا بمثل : لو أنك تحب أن تسافر إلى بلد وقيل لك إن الموافقة على الذهاب لهذا البلد بيد المدير العام وحده ، وهناك بالدائرة مئات الموظفين ، هل يعقل أن تبذل ماء وجهك لواحد منهم ؟ مستحيل ، أنت حينما توقن أن رزقك ، وحياتك ، وسلامتك ، وسعادتك ، وصحتك ، وتجارتك ، وتوفيقك بيد الله وحده ، تتوجه إلى الله وحده ، هذا هو التوحيد .
ثمار التوحيد :
1 ـ الحرية :
التوحيد أيها الأخوة ، له ثمار يانعة ، أحد هذه الثمار أنه يعطيك الحرية ، الإمام الحسن البصري سيد التابعين ، يبدو أنه قام بواجب العلم في التبيين ، فأغضب الحجاج ، فقال لجلسائه : والله يا جبناء لأروينكم من دمه ، وأمر بقتله ، وجاء بالسياف ، ومُد النطع ، واستدعي الحسن البصري ، فلما دخل حرك شفتيه ، عرف مصيره ، فإذا بالحجاج يقف له ويقول له : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، و مازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، ثم قال له مستفتياً في بعض القضايا ، وعطّره ، وأكرمه ، وشيعه إلى باب قصره ، تبعه الحاجب لأنه صُعق ، قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لغير ما فُعل بك ، فماذا قلت بربك ؟ قال قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي عند وحشتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
الموحد لا يرى مع الله أحداً .
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى*قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
أنت بالتوحيد تكون حراً ، وبالتوحيد تكون قوياً ، وبالتوحيد تكون شجاعاً ، وبالتوحيد لا تنافق ، لأنك ترى حياتك ورزقك بيد الله .
2 ـ الأمن :
أيها الأخوة الكرام ، التوحيد هو الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد له ثمار يانعة ، أحد هذه الثمار الأمن ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
الجواب :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
الإنسان الموحد يطمئن ، ونعمة الأمن لا يملكها إلا المؤمن ،
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
3 ـ الحكمة :
الإنسان بالتوحيد يُرزق الحكمة ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
ذكر الله لك أكبر من ذكرك له إن ذكرته أديت واجب العبودية و إن ذكرك منحك الحكمة :
بالمناسبة أيها الأخوة ، آية الصلاة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال العلماء : في هذه الآية إشارة إلى أن ذكر الله أكبر ما في الصلاة ، بل قال بعضهم : إن ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له ، كيف ؟ أنت حينما صليت تذكر الله ، ولكن حينما صليت الله عز وجل يذكرك ، أي ذكر الله لك أكبر من ذكرك له .
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أي أكبر ما فيها معنى ، والمعنى الثاني ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية لكنه إن ذكرك منحك الحكمة ، أنت بالحكمة تسعد بزوجة أيما سعادة ، ومن دون الحكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالحكمة تؤلف القلوب وتجعل الأعداء أصدقاء ، ومن دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء ، أنت بالحكمة تعيش بدخل قليل ومن دون حكمة تبدد الدخل الكبير .
لذلك أعظم عطاء إلهي هو الحكمة ،
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الإنسان حينما ينقطع عن الله يقول الله عز وجل :
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون حكيماً وأنت غير موحد .
4 ـ الشجاعة :
إذاً إحدى ثمار التوحيد الحكمة ، إحدى ثمار التوحيد الأمن ، إحدى ثمار التوحيد الشجاعة ، هناك إقدام .
ماشطة بنت فرعون تمشط شعر ابنة فرعون ، وقع المشط من يدها قالت : باسم الله ، قالت بنت فرعون : ألك رب غير أبي ؟ قالت : الله ربي و ربك و رب أبيك ، قالت : سأخبر أبي ، أخبرته ، جاء بأولادها الخمسة ، وجاء بقدر فيه زيت مغلي وأمسك ولدها الأول ، وقال : ألكِ رب غيري ؟ قالت : الله ربي و ربك ، فألقاه في الزيت المغلي حتى انفصلت عظامه عن لحمه ، أمسك الثاني ، القصة في البخاري ، أمسك الثالث ، أمسك الرابع ، وفي كل مرة تقول له : الله ربي و ربك ، الخامس كان رضيعاً ، فسكت وتضعضعت ، فأنطق الله وليدها ، قال : يا أمي اثبتي ، أنت على حق ، وثبتت ، وألقاه وألقاها وانتهى الأمر ، في أثناء الإسراء والمعراج ، شمّ النبي رائحة ما شمّ مثلها قط قال : يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون .
الموحد إنسان مؤمن بكل معاني الكلمة :
أنت حينما ترى أن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، كفكرة سهلة ، أما التطبيق العملي هناك أقوياء ، هناك طغاة ، أنت حينما ترى الله عز وجل يكون حالك كحال سيدنا موسى
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
التوحيد معرفة بالله كاملة ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ولكن أيها الأخوة السؤال الدقيق : من ثمار التوحيد الحرية ، من ثمار التوحيد القوة ، من ثمار التوحيد الأمن ، من ثمار التوحيد الحكمة ، هذه كلها من ثمار التوحيد ، الموحد لأنه جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ، الموحد عمل لجهة واحدة كفاه الله الجهات كلها .
فلذلك أيها الأخوة أنت حينما توحد تكون مؤمناً بكل معاني هذه الكلمة ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
العبرة بالأفعال لا بالكلمات :
لمجرد أن تتوهم أن مصيرك بيد فلان ، أو أن رزقك بيده ، أو أن العطاء بيده والمنع بيده ، هذا شرك خفي ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ، ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله ))
الشهوة الخفية شرك خفي ، أنت حينما تتوهم أن زيداً أو عبيداً ، فلاناً أو علاناً ، بيدهم مصيرك ، بيدهم سلامتك ، بيدهم العطاء ، بيدهم المنع ، تعبدهم من دون الله دون أن تشعر ، لم تقل هم آلهة ، ولكن تعاملهم كآلهة ، لذلك :
(( من أرضى الله بسخط الناس ـ هذا الموحد ـ كفاه الله الناس ، ومن أسخط الله برضا الناس وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ـ ماذا رأى ؟ رأى إرضاء الناس أكبر من إرضاء الله عز وجل ))
لذلك نحن بالعيد نقول الله أكبر ما معنى الله أكبر ؟ يعني الله عز وجل أكبر مما عرفت ، وأكبر من كل شيء ، فمن قال الله أكبر وأطاع مخلوقاً وعصى خالقاً ما قالها ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة ، من قال الله أكبر من أجل دريهمات غشّ المسلمين ما قالها ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة .
العبرة أيها الأخوة لا الكلمات نرددها ، ولكن الأفعال نفعلها .
التوحيد صلب الدين :
لذلك أيها الأخوة ، التوحيد هو صلب الدين ، فحوى دعوة الأنبياء ، أساس الحرية ، أساس القوة ، أساس الشجاعة ، أساس الصدق ، أساس الحكمة ، أساس الأمن ، ولكن كيف نصل إليه ؟ هنا البطولة ، فرق كبير بين مؤمن موحد ، وبين مؤمن ضعيف التوحيد ، كل أمراض المؤمنين بسبب ضعف التوحيد ، الضعف ، الخوف ، التشاؤم ، الإحباط ، كلها من ضعف التوحيد :
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى*قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
التفكر في آيات الله طريق الإنسان إلى التوحيد :
أخوتنا الكرام ، التوحيد يحتاج إلى إيمان بالله عز وجل يحملك على طاعته ، والإيمان الذي يحمل على طاعته أساسه التفكر في خلق السماوات والأرض ، وفي القرآن آيات كثيرة تتحدث عن الكون .
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾
﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾
آيات كثيرة بل إن معظم الآيات المكية تتحدث عن التوحيد ، وعن الكون ، إذاً حينما يقول الله عز وجل :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
معنى ذلك أن التفكر في آيات الله طريق إلى التوحيد ، أضرب بعض الأمثلة :
بين الأرض والشمس 156 مليون كم ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، والشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة ، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، وفي برج العقرب أحد أبراج السماء قال تعالى :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
نجم صغير ، متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ التفكر في خلق السماوات يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله .
وسائل بلوغ التوحيد :
1 ـ التفكر في الكون :
تحدثت عن تعريف التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، تحدثت عن ثمار التوحيد الحرية ، الأمن ، القوة ، الشجاعة ، الحكمة ، لكن أبرز ما في هذا اللقاء الطيب أن أتحدث عن وسائل بلوغ التوحيد ، التفكر في الكون أحد أكبر وسائل التوحيد ، لأن آية الأمر تقتضي أن نأتمر ، آية النهي تقتضي أن ننتهي ، آية وصف الجنة تقتضي أن نسعى للجنة ، آية وصف النار تقتضي أن نفر منها ، آية ذكر الأمم السابقة تقتضي أن نتعظ ، الآن بربكم إذا في بالقرآن ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ما الموقف منها ؟ هنا السؤال ، أنت موقفك من آية أمر تأتمر ، من آية نهي تنتهي ، من آية وصف الجنة أن تسعى لها ، آيات الكون في القرآن الكريم ما الموقف منها ؟ الموقف منها قوله تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
التوحيد يضع الإنسان أمام عظمة الله عز وجل :
التوحيد يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، بالتوحيد لا تعبد غير الله ، الله عز وجل قال :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، القلب السليم هو القلب الذي سلم من قبول خبر يتناقض مع وحي الله ، القلب السليم القلب الذي سلم من تحكيم غير شرع الله ، القلب السليم القلب الذي سلم من عبادة غير الله ، هذا هو التوحيد ، أنت حينما تؤمن أن الله معك تطمئن .
دققوا أيها الأخوة ، إنسان يقف على الإشارة الحمراء ، والشرطي واقف ، والقانون صارم ، هو مواطن عادي ، لا يمكن أن يقطع هذه الإشارة مخالفاً ، السبب ؟ لأن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال سحب الإجازة وإيقاع غرامة كبيرة ، لكن الإنسان متى يخالف في بعض البلاد ؟ في الساعة الثالثة ليلاً ، لأنه يتوهم أن علم واضع القانون لا يطوله في هذه الساعة ، أو حينما يكون أقوى من واضع القانون .
طريق التوحيد هو التفكر في خلق السماوات والأرض :
دقق الآن :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾
لماذا ؟ قال :
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
أي قدرته تطولك ، وعلمه يطولك ، وفي اللحظة التي توقن بها من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه .
كما أن أي مواطن إذا وقف على الإشارة حمراء وواضع القانون علمه يطوله وقدرته تطوله لا يخالف .
إذاً طريق التوحيد هو التفكر في خلق السماوات والأرض
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
التفكر وسيلة هامة من وسائل التوحيد :
أخوانا الكرام ، بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب إليها أربع سنوات ضوئية ،
والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كم ، بالدقيقة ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب أربع وعشرين ، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، طالبة صغيرة في الصف التاسع بآلة حاسبة تحسب كم بعد هذا النجم عنا ، ثلاثمئة ألف بالثانية ، بالدقيقة ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب أربع وعشرين ، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، أربع سنوات ، هذا الرقم ، لو في مركبة أرضية لهذا النجم ، سرعتها مئة ، قسم على مئة كم ساعة نحتاج ؟ قسم على أربع و عشرين كم يوم ؟ قسم على ثلاثمئة و خمسة و ستين كم سنة ؟ من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض نحتاج إلى خمسين مليون عام ، خمسين مليون عام يساوي أربع سنوات ضوئية نجم القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة ، أربع سنوات ضوئية خمسين مليون عام ، أربعة آلاف ؟ .
المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، بعض النجوم الحديثة تبعد عنا 24 مليار سنة ضوئية ، الآن اقرأ القرآن :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
التفكر في خلق السماوات والأرض أحد وسائل التوحيد ، والتوحيد من ثماره الاستقامة ، هذا أول طريق .
البعوضة من آيات الله الدالة على إعجازه :
لو نزلنا من هذه المجرات إلى أحقر مخلوق في حياتنا ، بعوضة ، الله عز وجل ذكرها في كتابه الكريم ، في سورة البقرة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً ﴾
أخوانا الكرام ، هذه الآية من آيات الإعجاز ، البعوضة بعوضة ، لكن بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني الذي يكبر أربعمئة ألف مرة ، تبين أن في رأس البعوضة مئة عين ، في فمها ثمانية و أربعون سناً ، في صدرها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان ، وبطينان ، ودسامان ، والبعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات ، تملك جهاز استقبال حراري ، أي أن البعوضة ترى الأشياء لا بألوانها ، ولا بأشكالها ، ولا بأحجامها ، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط ، وحساسية جهازها واحد على ألف من الدرجة المئوية ، أنت بكل طاقتك ، بكل حدة بصرك تقول حرارته تقدر بسبع و ثلاثين درجة وثلاثة أرباع ، الحساسية بإدراك الحرارة ، واحد من أربعة ، أما البعوضة واحد من ألف من الثانية .
أيها الأخوة ، البعوضة معها جهاز تحليل لأنه ما كل دم يناسبها ، هناك دم لا يناسبها ، تحلل ثم تمتص ، معها جهاز تحليل ، معها جهاز استقبال حراري ، معها جهاز تخدير ، تخدر ، وحينما يشعر الإنسان بلسع البعوضة يكون قد انتهى مفعول التخدير يضربها فإذا في سقف الغرفة تضحك عليه ، معها جهاز تحليل ، جهاز استقبال حراري ، جهاز تخدير ، و عندها جهاز تمييع ، دم الإنسان أحيان سمج ، معها جهاز تمييع ، تميع هذا الدم ، جهاز تمييع ، وتحليل ، وتخدير ، واستقبال حراري ، ومئة عين برأسها ، وهذا عرضته في الفضائية السورية (صور)، مئة عين برأسها ، ثلاثة قلوب بصدرها ، ثمانية و أربعون سناً بفمها ،
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً ﴾
هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ .
حجم الإنسان عند ربه بحجم معرفته بالله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، أصل الدين معرفة الله ، وأصل المعرفة التفكر في خلق السماوات والأرض ، فمن أجل أن أصل إلى التوحيد يجب أن أعرف الله ، ما عنده إذا أطعته ؟ ماذا ينتظرني لو عصيته ؟ معرفة الله هي الأصل ، وما من معصية ، ما من تقصير إلا من ضعف التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
أحد أسباب الاستقامة على أمر الله أن تعرفه ، أحياناً الإنسان تأتي ورقة من البريد ، تعال يوم الخميس الساعة العاشرة استلم رسالة ، لا تتحرك شعرة بجسمه ، وقد لا يذهب ، أحياناً تأتيه ورقة من جهة أخرى ، لا ينام ثلاثة أيام قلقاً ، ما الفرق بين الورقتين ؟ الآمر .
أخوتنا الكرام ، أنت إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، هذه مشكلة المسلمين في العالم ، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوه ، من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تطيعه .
تعصي الإله وأنت تــظهر حبه ذاك لـعمري في المقال شنيع
لـــو كان حبك صادقاً لأطعته إن الـمحب لـمن يحب يطيع
* * *
التوحيد كفكرة سهلة ، أما أن تعيشه يحتاج إلى جهد كبير ، تحدثنا عن تعريف التوحيد ، وعن ثمار التوحيد ، وعن أسباب التوحيد ، أسباب التوحيد التفكر في خلق السماوات والأرض ، حجمك عند الله بحجم معرفتك بالله .
الطريق إلى التوحيد يحتاج إلى جهد كبير :
أيها الأخوة ، المرأة حينما تولد ينزل مع وليدها خلاص ، أو مشيمة ، حول المشيمة أبحاث لا تصدق ، قيل : المشيمة هذه قرص لحم ، يجتمع فيها دم الأم مع دم الوليد ، ومن مسلمات الطب أنه إذا أعطي إنسان دماً من غير زمرته يموت فوراً بانحلال الدم ، ففي المشيمة دم الأم مع دم الجنين ، ولكل دم زمرة ، ولا يختلطان ، فلو اختلطا لماتت الأم وجنينها فوراً ، كيف لا يختلطان ؟ قال : بينهما غشاء ، هذا الغشاء اسمه الغشاء العاقل ، سماه الأطباء الغشاء العاقل لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء ، بماذا يقوم ؟ الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم يضعه في دم الجنين ، قام مقام جهاز التنفس ، ثم يأخذ السكر من دم الأم يضعه في دم الجنين ، قام مقام جهاز الهضم ، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم يضعه في دم الجنين ، صار في دم الجنين سكر ، أوكسجين ، أنسولين ، يحترقون فتتشكل الطاقة ، الحرارة ، فالجنين حرارته 37 ، الفضلات : ثاني أوكسيد الكربون ، الغشاء العاقل يأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين يضعه في دم الأم ، فنفس الأم جزء منه نفس جنينها ، الغشاء العاقل ينقل عوامل المناعة في الأم إلى دم الجنين ، فجميع الأمراض التي أصيبت بها أمه وشفيت منها عنده مناعة ضد هذه الأمراض ، الغشاء العاقل يمنع تسرب السموم إلى دم الجنين ، فلو أن الأم تسممت بغذاء فاسد ، السم لا ينتقل للجنين غشاء عاقل ، والله لو اجتمع أطباء الأرض لا يستطيعون أن يقوموا قيام الغشاء العاقل .
الآن الغشاء العاقل يعلم حاجة الجنين لجميع المواد ، يعني السكر ، الشحوم الثلاثية ، البروتين ، المواد الأساسية ، الفيتامينات ، المعادن ، يعرف ما يحتاجه الجنين وينفذ هذه الحاجة فيأخذ من دم الأم الحاجة الغذائية ، الآن هذه المواد جرى عليها استقلاب ، الاستقلاب ينتج عنه حمض البول ، يأتي الغشاء العاقل يأخذ حمض البول من دم الجنين ويضعه في دم الأم ، جزء من بولها بول جنينها .
الآن الأم تكون فقيرة في غذاء لا تتناوله ، والجنين بحاجة إلى بوتاس ، الغشاء العاقل يجعل الأم تشتهي أكلة معينة ، شهوة الطعام أثناء الحمل هي حاجة الجنين .
يد من ؟ أنت حينما تعرف الله تعد للمليار قبل أن تعصيه ، التوحيد معرفة يا أخوان ، كفكرة سهل ، أما الطريق له يحتاج إلى جهد .
شخص من أجل أن يضع إلى جانب اسمه دكتور ، (د)فقط يحتاج إلى إبتدائية ، وإعدادية ، وثانوية ، ولسانس ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثلاث و ثلاثون سنة دراسة من أجل كلمة (د)من أجل أن تؤمن ألا تحتاج إلى تفكر ؟ إلى جهد ؟.
(( أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غالية ))
باب التفكر لا ينتهي :
أيها الأخوة ، باب التفكر لا ينتهي .
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
الصوص حينما يخرج من البيضة ينمو له نتوء مؤنف كإبرة على منقاره يكسر به البيضة ، وبعد خروجه يضمر حتى يتلاشى .
يد من ؟ هذا الماء أخوانا الكرام هناك خاصة لولاها لما كانت هذه المحاضرة ، ولما كانت الكويت كلها ، ولما كانت سوريا ، ولا العالم ، هذا الماء كأي عنصر بالتسخين يتمدد ، بالتبريد ينكمش ، إلا أن الماء له خاصة استثنائية ، بالتبريد بدرجة زائد أربعة يتوسع ، لولا هذه الخاصة ما في حياة ، لو زاد انكماشه بعد زائد أربعة نحو الأدنى ازدادت كثافته ، فالثلوج تغوص في أعماق البحار ، بعد حقب تتجمد البحار ، تنقطع الأمطار ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان ، كل حياتنا مبنية على خاصة لهذا الماء ، معرفة الله من خلال خلقه .
أخوانا الكرام لو شخص سافر إلى فلندا ، الحرارة تسع و سبعون درجة تحت الصفر ، بعينه ماء يغطي رأسه بقبعة ، يغطي جسمه بمعطف ، يرتدي جوارب صوفية ، أما عينه لا يستطيع أن يغطيها ، أودع الله بماء العين مادة مضادة للتجمد ، يد من ؟.
من هان أمر الله عليه هان على الله :
أخوانا الكرام ، أصل الدين معرفة الله ، الذي حصل أن الناس عرفوا أمره ولم يعرفوه ، فهان أمره عليهم ، فلما هان أمر الله عليهم هانوا على الله ، فالطريق يبدأ من معرفة الله .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
العقل أصل في الدين :
أيها الأخوة ، الآن الله جعل لك كوناً ، هناك قوانين ، وأعطاك عقلاً له قوانين ، تطابق قوانين العقل مع الكون شيء مذهل ، بعقلك جهاز عالي الدقة ، لا يفهم شيئاً بلا سبب مبدأ السببية ، كما أنه لا يفهم شيئاً بلا غاية ، مبدأ الغائية ، ولا يقبل التناقض ، وبالكون لكل شيء سبب ، ولكل شيء غاية ، والتناقض غير موجود بالكون .
أيها الأخوة ، التفكر في خلق السماوات والأرض طريق إلى التوحيد ، والتفكر عن طريق العقل ، والعقل أصل في الدين ، أنا أرى أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، هناك نقل غير صحيح ، هناك أحاديث موضوعة ، أحاديث ضعيفة ، هناك تأويل غير صحيح ، خط النقل الصحيح ، مع خط العقل الصريح ، هناك عقل تبريري ، مع خط الفطرة السليمة ، هناك فطرة منطمسة ، مع خط الواقع الموضوعي ، الحق ما جاء به الوحيان ، وقبله العقل الصريح ، وارتاحت له الفطرة السليمة ، وأكده الواقع الموضوعي ، هذا هو الحق .
2 ـ الفطرة :
أيها الأخوة الكرام ، سبب آخر للتوحيد ، الفطرة ، هناك فندق في ألمانيا كتب على سريره : إن لم تنم فالعلة ليست في فراشنا إنها وثيرة ، ولكن في ذنوبك لأنها كثيرة .
الفطرة تكشف الخطأ ذاتياً ، الآن الطائرات الحديثة لا يوجد بها ساعات أبداً شاشة بيضاء ، إذا في خلل يظهر ، والإنسان مبرمج برمجة عالية جداً ، حينما يشعر بخطأ الخطأ يظهر على ساحة النفس ، الدليل :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
يعني النفس تكشف أنها فجرت من دون توجيه خارجي ، وتكشف أنها اتقت من دون توجيه خارجي ، هذه معاونة لنا ، أنت كيف تتألق ؟ الإنسان ما الذي يؤلمه إذا عصا الله ؟ فطرته ، الفطر تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله ، الآية الكريمة :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو نفسه منهج الله عز وجل ، أي شيء الله أمره فيه جبلك عليه ، أنت إذا أطعت الله وجدت نفسك ، ارتاحت نفسك ، الإنسان حينما يتوب تزاح عنه هموم كالجبال ، الإنسان حينما يتوب يشعر وكأنه أصبح طائراً لأنه التقى مع نفسه ، اصطلح مع نفسه ، فالفطرة أيها الأخوة أيضاً شيء دقيق جداً .
3 ـ الشهوة :
الآن الشهوة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، بالإسلام ما في حرمان ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾
في زواج .
﴿ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾
في كسب مشروع .
الشهوة حيادية سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها :
أيها الأخوة ، الشهوة تماماً كالبنزين في السيارة ، إذا وضع في المستودع المحكم ، وسال في الأنبوب المحكم ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ولّد حركة نافعة ، أقلتك أنت وأهلك إلى مكان جميل ، ما الذي يحدث في السيارة ؟ انفجارات لكن منضبطة ، صب هذا البنزين على السيارة ، أعطِ شرارة ، تحرق المركبة ومن فيها ، البنزين هو هو ، كان قوة نافعة دافعة ، فصار قوة مدمرة ، الشهوة حيادية ، هي سلم نرقى بها ، أو دركات نهوي بها .
أنت حينما تفهم أنه لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، الشهوة إن مارستها وفق شرع الله ترقى إلى الله ، إن ابتعدت عنها خوفاً من الله ترقى إلى الله ، ترقى بها مرتين ، مرة إذا ترفعت عن شيء محرم تشتهيه ، ومرة إذا فعلت شيئاً حلالاً تقبل عليه .
لذلك أيها الأخوة ، في وهم عند الناس أن المسلم محروم ، لا ليس محروماً ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، الدليل :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المعاكس لأصول الفقه : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، أبداً إنسان يتزوج ، يقيم علاقة مع زوجته ، يصلي قيام الليل ويبكي في الصلاة وفق منهج الله .
أولاً يجب أن أؤكد لكم بالإسلام لا يوجد حرمان ، هناك وهم عند الناس أن الإنسان عندما يسلم إذا تدين صار كل شيء بالنسبة له حراماً ، لا ، أبداً ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فصار التوحيد يحتاج إلى تفكر ، يحتاج إلى عقل ، الحق دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، الحق ما جاء به الوحيان ، وقبله العقل الصريح ، وارتاحت له الفطرة السليمة ، وأيده الواقع الموضوعي .
4 ـ الاختيار :
الآن الاختيار : إذا أجبر الله عباده على الطاعة بطل الثواب ، وإذا أجبرهم على المعصية بطل العقاب ، وإذا تركهم هملاً كان عجزاً بالقدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، في اللحظة التي تتوهم أن الله أجبر عباده على الطاعة أو على المعصية فقدت قيمتك ، التغى التكليف ، التغى حمل الأمانة ، والتغت الجنة والنار ، والثواب والعقاب .
سيدنا عمر جاءه رجل شارب خمر ، قال : أقيموا عليه الحد ، قال له : والله إن الله قدر عليّ ذلك ، قال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال له : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
كل إنسان مخير فيما كُلف به :
إذاً : التوحيد يحتاج إلى تفكر في خلق السماوات والأرض ، يحتاج إلى عقل ، يحتاج إلى فطرة سليمة ، يحتاج إلى شهوة يتحرك بها وفق منهج الله ، والتوحيد يحتاج إلى أن تؤمن أنك حر ، تقول لي : إن الله قدر عليّ ذلك ، الله ما أراد لي الهداية ، هذا كلام مرفوض كلياً ، الله عز وجل قال :
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
بالعكس :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ﴾
المشركون ماذا يقولون ؟
﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ﴾
فأنت مخير ورب الكعبة ، مخير فيما كلفت .
5 ـ الوقت :
بقي شيء مهم هو الوقت ، الوقت وعاء عملك ، الإنسان في حقيقته وقت ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، أقسم له قال له :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
خاسر ، يا رب كيف هو خاسر ؟ قال : لأن مضي الزمن يستهلكه ، ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف الحسن البصري ، قال : هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ،
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
ما دام مضي الزمن يستهلكك إذاً أنت زمن ، أنت بضعة أيام ، الدقة البالغة هذا الوقت الذي هو أنت كيف تنفقه ؟ هناك إنفاق استهلاكي كمعظم الناس ، وهناك إنفاق استثماري ، الإنفاق الاستهلاكي نأكل ، نشرب ، نسترخي ، إلى أن يأتينا الأجل ، أما الإنفاق الاستثماري ، أن تفعل في الوقت الذي يمضي عملاً ينفعك بعد الزمن ، قال تعالى :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أي ما لم تبحث عن الحقيقة ، وما لم تعمل وفقها ، وما لم تدع إليها ، وما لم تصبر عليها ، والعمل بها ، والدعوة إليها فأنت خاسر .
الموحد إنسان قوي يشعر بالأمن و التوازن :
لذلك التوحيد يحتاج إلى وقت ، إلى إدارك أن الشهوة حيادية ، وأنها سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها ، وأنك مخير قطعاً فيما كلفت ، وأن فطرتك سليمة ، وهي سبب العذاب ، وأن العقل أداة معرفة الله عز وجل ، وأن الكون هو الثابت الأول ، الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي .
أيها الأخوة الكرام ، الإيمان شيء ، إبليس مؤمن ، قال : رب
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
آمن به رباً ، لكن ما كان موحداً ، إبليس قال :
﴿ خَلَقْتَنِي ﴾
قال :
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
يعني بشكل صريح الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا يجدي ، ولا يقدم ولا يؤخر ، أما الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، الإيمان الذي ترقى به عند الله ، هذا الإيمان هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، الموحد حر ، الموحد قوي ، الموحد جريء ، الموحد متوازن ، الموحد يشعر بالأمن .
أيها الأخوة ، خصائص التوحيد ، وثمار التوحيد ، وأسباب التوحيد هو ملخص هذا الموضوع .
وأنا أُشير إليّ أن الوقت انتهى أسأل الله لي ولكم التوفيق والنجاح .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .